زمان فی فلسفہ و علم
الزمان في الفلسفة والعلم
اصناف
Determinism
الصارمة. والحتمية تعني نظاما شاملا ثابتا لا تخلف فيه ولا مصادفة ولا استثناء، كل حدث لا بد وأن يحدث بالضرورة ويستحيل ألا يحدث أو أن يحدث سواه، فثمة قوانين ميكانيكية دقيقة - دقة رياضية - تحكم هذا الكون، وتجعل أحداثه في صورة أشبه بالسلسلة المحكمة الحلقات، كل حلقة تلزم عن سابقتها وتفضي إلى لاحقتها، حتى إذا توصلنا إلى تلك القوانين وعرفنا تفاصيل حالة الكون في لحظة معينة، لاستطعنا أن نتنبأ يقينا بتفاصيل حالته في أية لحظة لاحقة. وهذه الحتمية لها وجه آخر، هو العلية
Causality ، التي تضفي على الطبيعة انتظامها الحتمي.
والعلية بدورها مبدأ كوني يعني أن كل حادثة في الكون لها علة أحدثتها، ولكل علة معلول ينشأ عنها، فأحداث هذا الكون تسير في تسلسل علي، ليغدو التفسير العلمي هو ربط الحادث السابق بالحادث اللاحق من خلال قانون. وها هنا نلاحظ أهم ما في العلية، وهو أنها ترتبط ارتباطا وثيقا باتجاه الزمان
Time’s arrow ، فالعلة لا بد وأن تسبق المعلول زمانيا. «والحادثة الواقعة في الماضي لا تكون علة إلا لحادثة واقعة في مطلق المستقبل، والحادثة الواقعة في المستقبل لا تكون معلولا إلا لعلة واقعة في مطلق الماضي.»
14
الترتيب العلي يعكس الترتيب الزماني للكون، العلة والمعلول كلاهما أحداث، ومعيار التمييز بينهما هو التسلسل الزمني؛ وذلك لعدم قابلية الزمان والأحداث للرد أو الانعكاس كما سبق أن أوضحنا متمثلين بظواهر الديناميكا الحرارية. على هذا النحو، ترتبط العلاقة العلية بمفهوم الزمان المطلق؛ لتنحل - بوصفها أساس القانون الفيزيائي - إلى المادة متشيئة في صورة حادثين متتاليين في الزمان. هذه الحتمية العلية، بما تتضمنه من قوانين علمية عامة وضرورية وتنبؤ يقيني واطراد الطبيعة واستبعاد للمصادفة بتفسيرها تفسيرا ذاتيا؛ أي بإرجاعها إلى جهل الذات العارفة المؤقت ... هي فلسفة الميكانيكية الآلية التي سادت أيما سيادة، وتبوأت عرش التفكير العلمي في العصر الحديث ... فالفيزياء الكلاسيكية تطبقها بحذافيرها، وأيقن الجميع أن نيوتن قد اكتشف حقيقة هذا الكون، وهو أنه آلة ميكانيكية تحكمها الحتمية العلية.
وكما هو معروف، أحرزت نظرية نيوتن نجاحا باهرا، عقليا وتجريبيا، نظريا وعمليا ولدرجة لم يحلم بها العقل البشري أبدا. وبدا كل شيء تدركه الحواس وهو يقدم فروض الطاعة لها ويصدق على يقينها، واكتملت بفضلها أطر العلم الطبيعي، الذي يحدد بدوره - نظرا لعمومية الفيزياء وشموليتها وتربعها على قمة نسق العلوم الإخبارية - أطر نسق العلم ككل. وبفضل الأطر والمثاليات الميكانيكية الحتمية العلية التي أرساها نيوتن، توالت النشأة الناجحة لبقية فروع العلم الحيوية والإنسانية، وألقت النظرية النيوتونية ظلالا كثيفة على بنية وعقلية العصر الحديث.
ومع هذا فإن جذوة العقل لا تخمد أبدا، وتطلعه المشبوب للجدال والتساؤل الملح لا يشبع أبدا، فقد أثارت فكرة الزمان والمكان المطلقين نقاشا وسجالا لا ينتهي؛ لأنهما كيانان غاية في التجريد والغموض والألغاز، ولا يقعان في نطاق الخبرة الحسية التجريبية، ولا أحد يستطيع أن يلاحظها. لقد أمعن نيوتن في تجريد الأساس النظري لفيزيائه؛ مما جعل الزمان المطلق مستقلا عن كل شيء، ولا تربطه أية علاقة بأي شيء خارجي، في حين أنه لا يوجد في الكون أي شيء مستقل عن كل شيء. ونيوتن لا يوضح - على الإطلاق - العلاقة التي تربط بين الزمان المطلق وموضوعاته؛ لذا قيل إن زمانه لا هو مقنع نظريا ولا هو مفيد تجريبيا، وإنه مجرد إمكانية منطقية، تصور عقلي فقط يهدر جانب التجريب الذي يمثل صلب الفيزياء، ولا غنى للجانب النظري عنه. وبنبرة شديدة القسوة والاستخفاف، يقول الفيلسوف الإنجليزي المعاصر، ومؤرخ الفلسفة المبدع روبن جورج كولنجوود إن نيوتن يميز بين الزمان المطلق الذي يتدفق بنسب ثابتة مستقلة عن أي عامل خارجي وبين الزمان النسبي المقاس بواسطة حركته؛ وذلك بغير أن يسأل نفسه ما إذا كان الزمانان منفصلين في الواقع، وكيف يمكن أن يتدفق أي شيء ما لم يكن هذا التدفق مقاسا، كما ميز بين الحركة المطلقة والحركة النسبية وأيضا بطريقة غير نقدية، والأصوب الحركة النسبية والزمان النسبي، وليس المطلقين كما تصور نيوتن.
15
نامعلوم صفحہ