Zakat of Grazing Livestock
زكاة بهيمة الأنعام السائمة
ناشر
مطبعة سفير
پبلشر کا مقام
الرياض
اصناف
٤٤
رسائل سعيد بن علي بن وهف القحطاني
زكاة بهيمة الأنعام السائمة
الإبل، والبقر، والغنم
في ضوء الكتاب والسنة
مفهوم، وشروط، وأحكام، ومسائل
تأليف الفقير إلى الله تعالى
د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني
نامعلوم صفحہ
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:
فهذه رسالة مختصرة في «زكاة بهيمة الأنعام» من الإبل، والبقر، والغنم، التي أنعم الله بها على عباده؛ ليعبدوه، ويشكروه، بيَّنت فيها بإيجاز: مفهوم بهيمة الأنعام السائمة، وشروط وجوب الزكاة في بهيمة الأنعام، وحكم زكاة بهيمة الأنعام، والأنصباء المقدرة شرعًا في بهيمة الأنعام مع توضيح ذلك بالجداول المرسومة، وذكر مسائل خاصة في زكاة الإبل، ثم مسائل عامة في زكاة بهيمة الأنعام.
وقد استفدت كثيرًا من تقريرات وترجيحات شيخنا الإمام عبدالعزيز بن عبد الله ابن باز ﵀، ورفع منزلته.
والله أسأل أن يجعل هذه الرسالة: مباركة، خالصة لوجهه الكريم، وأن ينفعني بِهَا في حياتي وبعد مماتي، وأن ينفع بِهَا كلّ من اطّلع عليها، أو قرأها، أو نشرها، أو أعان على الاستفادة منها؛ فإنه ﷾ خير مسؤول، وأكرم مأمول، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد بن عبد الله، وعلى آله، وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
المؤلف: أبو عبد الرحمن
حرر عشية السبت ٢٤/ ١/١٤٢٦هـ
1 / 3
زكاة بهيمة الأنعام السائمة
الأموال التي تجب فيها الزكاة أربعة أصناف: السّائمة من بَهِيمة الأنعام، والخارج من الأرض: من الحبوب والثمار، والذهب والفضة، وعروض التجارة.
زكاة السائمة (١) من بهيمة (٢) الأنعام (٣): الإبل، والبقر، والغنم:
تجب الزكاة في بهيمة الأنعام بشروط أربعة:
الشرط الأول: أن تتخذ للدرِّ والنسل، والتسمين، لا للعمل؛ فإن الإبل المعدَّة للعمل والركوب، والسقي، وبقر الحرث والسقي لا زكاة فيها عند جمهور العلماء (٤).
_________
(١) السائمة: الراعية، سميت السائمة؛ لأنها تسم الأرض بأثرها بحثًا عن الكلأ، قال الفيومي ﵀: «سامت السائمة سومًا، من باب قال: رعت بنفسها، ويتعدّى بالهمز فيقال: أسامها راعيها» [المصباح المنير، مادة: سوم. ص١١٣]. وقال الجوهري: سامت الماشية: رعت، وأسمتها: أخرجتها إلى الرعي، [انظر: النهاية في غريب الحديث ٢/ ٤٢٦] ومنه قوله تعالى: ﴿فِيهِ تُسِيمُونَ﴾ [سورة النحل، الآية: ١٠].
(٢) بهيمة: سميت بهيمة؛ لأنّها لا تتكلم بكلام يفهمه الناس؛ ولما في صوتِهَا من الإبْهَام، أما مع بعضها فتتكلم بكلام تفهمه بينها، وقد قال موسى لفرعون لما سأله: ﴿قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى﴾، قال: ﴿قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾ [سورة طه، الآية: ٥٠] وبهيمة الأنعام: هي الإبل، والبقر، والغنم، قال تعالى: ﴿أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ﴾ [سورة المائدة، الآية: ١].
(٣) بُدِئ بذكر بهيمة الأنعام فقدمت على أصناف الأموال الزكوية اقتداء بالنبي ﷺ حينما ذكر زكاة الأنعام فقدمها على غيرها، واقتداء بالصديق ﵁ في كتابه لأنس ﵁[أخرجه البخاري وسيأتي تخريجه إن شاء الله تعالى]؛ ولأن أكثر العرب في عهد النبي ﷺ حول المدينة بادية أهل نعم، والأنعام غالب أموال العرب [انظر: حاشية ابن قاسم على الروض المربع، ٣/ ١٨٦، وشرح زاد المستقنع، ٦/ ٥١].
(٤) قال ابن قدامة ﵀ في المغني، ٤/ ١٢: «... والعوامل؛ ... لا زكاة فيها عند أكثر أهل العلم، وحُكي عن مالك: أن في الإبل النواضح والمعلوفة الزكاة؛ لعموم قول النبي ﷺ: «في كل خمس شاةٌ». قال أحمد: «ليس في العوامل زكاة، وأهل المدينة يرون فيها الزكاة، وليس عندهم في هذا أصل» وذكر صاحب الإنصاف أن العوامل ليس فيها زكاة ولو كانت سائمة قال: «نص عليه علي في رواية جماعة [الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير، ٦/ ٣٩٠]؛ ولما روي عنه ﵁ مرفوعًا «ليس في البقر العوامل صدقة» أخرجه أبو داود ٢/ ٢٢٩ تحقيق عزت عبيد الدعاس، وأخرجه الدارقطني، ٢/ ١٠٣ ط دار المحاسن، وصححه ابن القطان كما في نصب الراية، ٢/ ٣٥٣ وفي التعليق المغني، ٢/ ١٠٣ قال:
«هذا سند صحيح، وكل من فيه ثقة معروف، ولا أعني رواية الحارث وإنما أعني رواية عاصم» [وانظر لزيادة التخريج: الموسوعة الفقهية ٢٣/ ٢٥١، وتخريج الروض المربع للدكتور عبد الله الغصن ومجموعة من طلاب العلم، ٤/ ٣٩].
1 / 4
الشرط الثاني: السوم أكثر الحول، ومعنى السائمة: الراعية، أما المعلوفة وهي التي يعلفها صاحبها وينفق عليها، ولا ترعى أكثر الحول فلا زكاة فيها عند جمهور أهل العلم (١)؛ لحديث علي ﵁ مرفوعًا، وفيه: «... وفي البقر في كل ثلاثين تبيع، وفي الأربعين مسنة، وليس على العوامل شيء ...» (٢) وأما السائمة أكثر الحول ففيها الزكاة؛ لحديث أنس ﵁، وفيه: «... وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة شاة ...» (٣)؛ ولحديث بهز ابن حكيم عن أبيه عن جده: أن رسول الله ﷺ قال: «في كل إبل سائمة في كل أربعين ابنة لبون ...» (٤) أما السائمة
_________
(١) وحكي عن الإمام مالك ﵀: أن المعلوفة فيها الزكاة، والصواب قول الجمهور. انظر: المغني لابن قدامة، ٤/ ١٢.
(٢) أبو داود، كتاب الزكاة، باب في زكاة السائمة، برقم ١٥٧٢ وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود ١/ ٤٣٤.
(٣) البخاري، كتاب الزكاة، باب في زكاة الغنم، برقم ١٤٥٤.
(٤) أبو داود، كتاب الزكاة، باب في زكاة السائمة، برقم ١٥٧٥، والنسائي، كتاب الزكاة، باب عقوبة مانع الزكاة، برقم ٢٤٤٤، ٢٤٤٩، وأحمد، ٥/ ٢، ٤، وغيرهم، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود، ١/ ٤٣٦، وفي صحيح النسائي، ٢/ ١٨، وانظر: تلخيص الحبير، ١/ ١٦٠.
1 / 5
التي أعدها مالكها للتجارة فزكاتها زكاة عروض التجارة.
الشرط الثالث: أن يحول عليها الحول عند مالكها حولًا كاملًا؛ لحديث عائشة ﵂ قالت: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول» (١).
ويستثنى نتاج السائمة، فحولها حول أمهاتها، فتزكى مع أمهاتها إن كانت الأمهات بلغت نصابًا، فإن لم تبلغ الأمهات نصابًا فبداية الحول من كمال النصاب بالنتاج، ومثال ذلك: رجل عنده أربعون شاة فولدت كل واحدة ثلاثة إلا واحدة ولدت أربعة، فأصبحت مائة وإحدى وعشرين ففيها شاتان، مع أن النتاج لم يحل عليه الحول؛ ولكنه يتبع الأصل (٢).
الشرط الرابع: أن تبلغ النصاب الشرعي، وأما ما دون النصاب من الأعداد اليسيرة فلا زكاة فيها، ونصاب بهيمة الأنعام بالتفصيل على النحو الآتي:
أولًا: نصاب الإبل لا زكاة فيها حتى تبلغ خمس ذود، وهذا أقل نصاب الإبل، وتفصيل ذلك في حديث أنس ﵁: أن أبا بكر ﵁ كتب له هذا الكتاب لما وجهه إلى البحرين: «بسم الله الرحمن الرحيم، هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله ﷺ على المسلمين، والتي أمر الله بِها رسوله، فمن سُئلها من المسلمين على وجهها فليعطها، ومن سُئل فوقها فلا يعط: في أربع
_________
(١) ابن ماجه، برقم ١٧٩٢، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، ٢/ ٩٨، وتقدم تخريجه في الشرط الخامس من شروط الزكاة في منزلة الزكاة في الإسلام، وتقدم هناك ذكر جملة من الأحاديث في عدم وجوب الزكاة في المال حتى يحول عليه الحول إلا ما استثني.
(٢) المقنع مع الشرح الكبير، ٦/ ٣١٤ - ٣٢٠، والشرح المختصر للفوزان، ٢/ ٢٤١، والشرح الممتع، ٦/ ٢٢ - ٢٣.
1 / 6
وعشرين من الإبل فما دونها من الغنم (١) من كل خمس شاة، فإذا بلغت خمسًا وعشرين إلى خمسٍ وثلاثين ففيها بنت مخاض (٢) أنثى، فإذا بلغت ستًّا وثلاثين إلى خمس وأربعين ففيها بنت لبون أنثى (٣)، فإذا بلغت ستًّا وأربعين إلى ستين ففيها حقة طروقة الجمل (٤) فإذا بلغت واحدة وستين إلى خمس وسبعين ففيها جذعة (٥)، فإذا بلغت- يعني ستًّا وسبعين- إلى تسعين ففيها بنتا لبون، فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة ففيها حقتان طروقتا الجمل، فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة، ومن لم يكن معه إلا أربع من الإبل فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربّها، فإذا بلغت خمسًا من الإبل ففيها شاة ...» (٦) (٧).
_________
(١) قوله: «من الغنم» قال ابن حجر ﵀ في فتح الباري، ٣/ ٣١٩: «كذا للأكثر، وفي رواية ابن السكن بإسقاط «من» وصوَّبَها بعضهم، وقال عياض: من أثبتها فمعناه زكاتها: أي الإبل من الغنم، ومن للبيان لا للتبعيض، ومن حذفها فالغنم مبتدأ، والخبر مضمر في قوله: «في كل أربع وعشرين» وما بعده وإنما قدم الخبر؛ لأن الفرض بيان المقادير التي تجب فيها الزكاة والزكاة إنما تجب بعد وجود النصاب فحسن التقديم».
(٢) بنت المخاض: هي التي أتى عليها حول ودخلت في الثاني وحملت أمها، والمخاض: الحامل: أي دخل وقت حملها وإن لم تحمل. فتح الباري لابن حجر، ٣/ ٣١٩.
(٣) بنت لبون وابن لبون: هو الذي دخل في ثالث سنة، فصارت أمه لبونًا بوضع الحمل. فتح الباري، لابن حجر، ٣/ ٣١٩.
(٤) حقة: وهي التي أتت عليها ثلاث سنين ودخلت في الرابعة. فتح الباري، ٣/ ٣١٩.
(٥) جذعة: وهي التي أتت عليها أربع سنين ودخلت في الخامسة، فتح الباري، ٣/ ٣١٩.
(٦) البخاري، كتاب الزكاة، باب زكاة الغنم، برقم ١٤٥٤.
(٧) قوله ﷺ: «فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة» قال الإمام ابن قدامة ﵀ في المغني، ٤/ ٢٠: «ظاهر هذا أنها إذا زادت على العشرين والمائة واحدةً ففيها ثلاث بنات لبون وهو إحدى الروايتين عن أحمد ومذهب الأوزاعي والشافعي وإسحاق، والرواية الثانية: لا يتغير الفرض إلى ثلاثين ومائة فيكون فيها حقة وبنتا لبون، وهذا مذهب محمد بن إسحاق بن يسار وأبي عبيد، ولمالك روايتان؛ لأن الفرض لا يتغير بزيادة الواحدة بدليل سائر الفروض، ولنا قول النبي ﷺ: «فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون» والواحدة زيادة، وقد جاء مصرحًا به في حديث الصدقات الذي كتبه رسول الله ﷺ وكان عند آل عمر بن الخطاب، رواه أبو داود والترمذي، وقال: هو حديث حسن وقال ابن عبدالبر: «هو أحسن شيء رُوي في أحاديث الصدقات ...» المغني، ٤/ ٢١ وفيه: «فإذا كانت إحدى وعشرين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون حتى تبلغ تسعًا وعشرين ومائة، فإذا كانت ثلاثين ومائة ففيها بنتا لبون وحقة، حتى تبلغ تسعًا وثلاثين ومائة، فإذا كانت أربعين ومائة ففيها حقتان وبنت لبون، حتى تبلغ تسعًا وأربعين ومائة، فإذا كانت خمسين ومائة ففيها ثلاث حقاق، حتى تبلغ تسعًا وخمسين ومائة، فإذا كانت ستين ومائة ففيها أربع بنات لبون، حتى تبلغ تسعًا وستين ومائة، فإذا كانت سبعين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون وحقة، حتى بلغ تسعًا وسبعين ومائة، فإذا كانت ثمانين ومائة ففيها حقتان وابنتا لبون، حتى تبلغ تسعًا وثمانين ومائة، فإذا كانت تسعين ومائة ففيها ثلاث حقاق وبنت لبون، حتى تبلغ تسعًا وتسعين ومائة، فإذا كانت مائتين ففيها أربع حقاق أو خمس بنات لبون أي السنين وجدت أخذت ...» [أبو داود، برقم ١٥٧٠ وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، ١/ ٤٣٣].
1 / 7
ويوضح ذلك الجدول الآتي:
زكاة الإبل
المقدار ... زكاته
من ... إلى
٥ ... ٩ ... شاة
١٠ ... ١٤ ... شاتان
١٥ ... ١٩ ... ثلاث شياه
٢٠ ... ٢٤ ... أربع شياه
٢٥ ... ٣٥ ... بنت مخاض ... فإن لم توجد أجزأ ابن لبون ذكر
٣٦ ... ٤٥ ... بنت لبون
٤٦ ... ٦٠ ... حقة
1 / 8
٦١ ... ٧٥ ... جذعة
٧٦ ... ٩٠ ... بنتا لبون
٩١ ... ١٢٠ ... حقتان
١٢١ ... ١٢٩ ... ثلاث بنات لبون
* ثم في كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة
ففي ١٣٠ بنتا لبون وحقة، وفي ١٤٠ حقتان وبنت لبون، وفي ١٥٠ ثلاث حقاق، وفي ١٦٠ أربع بنات لبون، وفي ١٧٠ ثلاث بنات لبون وحقة، وفي ١٨٠ حقتان وابنتا لبون، وفي ١٩٠ ثلاث حقاق وبنت لبون، وفي ٢٠٠ أربع حقاق أو خمس بنات لبون، أي السنين وجدت أخذت، وهكذا في كل خمسين حقة، وفي كل أربعين بنت لبون. [أبو داود ١٥٧٠].
وتجب الزكاة في الإبل بالشروط المتقدمة، ووجوب الزكاة فيها بالسنة والإجماع:
أما السنة: فلحديث أنس ﵁: أن أبا بكر ﵁ كتب له هذا الكتاب لما وجهه إلى البحرين: «بسم الله الرحمن الرحيم، هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله ﷺ على المسلمين، والتي أمر الله بها رسوله، فمن سُئلها من المسلمين على وجهها فليعطها ومن سئل فوقها فلا يعطِ ...».
ثم ذكر أنواع الأنصباء في الإبل (١)؛ ولحديث أبي هريرة ﵁ وفيه: «... ولا صاحب إبل لا يؤدي منها حقها، ومن حقها حلبها يوم وردها إلا إذا كان يوم القيامة بُطح لها بقاع قَرْقَرٍ (٢) أوفر ما كانت، لا يفقد منها فصيلًا واحدًا، تطؤه بأخفافها، وتعضه بأفواهها، كلما مر عليه أولها رُدَّ عليه
_________
(١) البخاري، برقم ١٤٥٤.
(٢) بقاع قرقر: المكان المستوي.
1 / 9
آخرها، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد، فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار ...» (١).
وأما الإجماع، فأجمع على وجوب الزكاة في الإبل علماء الإسلام (٢).
مسائل في زكاة الإبل:
١ - الجبران في زكاة الإبل فقط، وهو أن من وجبت عليه فريضة فلم يجدها فله أن يخرج فريضة أعلى منها بسنة ويأخذ شاتين أو عشرين درهمًا أو فريضة أدنى منها بسنة ويدفع معها شاتين أو عشرين درهمًا؛ لحديث أنس ﵁ أن أبا بكر ﵁ كتب له فريضة الصدقة التي أمر الله رسوله ﷺ: «من بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة وليست عنده جذعة وعنده حقة، فإنّها تقبل منه الحقة، ويجعل معها شاتين إن تيسرتا له أو عشرين درهمًا، ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده الحقة وعنده الجذعة، فإنّها تقبل منه الجذعة ويعطيه المصدِّق عشرين درهمًا أو شاتين، ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده إلا بنت لبون، فإنّها تقبل منه بنت لبون ويعطي شاتين أو عشرين درهمًا، ومن بلغت عنده صدقة بنت لبون وعنده حقة؛ فإنّها تقبل منه الحقة ويعطيه المصدِّق عشرين درهمًا أو شاتين، ومن بلغت صدقته بنت لبون وليست عنده وعنده بنت مخاض، فإنّها تقبل منه بنت مخاض ويعطي معها عشرين درهمًا أو شاتين» (٣).
_________
(١) متفق عليه: البخاري، برقم ١٤٠٢، ومسلم، برقم ٩٨٧، ٩٨٨، وتقدم تخريجه في منزلة الزكاة في الإسلام، رقم البند ١٣.
(٢) الشرح الكبير لابن قدامة، ٦/ ٣٩٤.
(٣) البخاري، كتاب الزكاة، باب من بلغت عنده صدقة بنت مخاض وليست عنده، برقم ١٤٥٣.
1 / 10
٢ - من بلغت صدقته بنت مخاض ولم تكن عنده وعنده ابن لبون، فإنه يقبل منه بدون أخذ الجبران؛ لحديث أنس ﵁ الذي كتبه له أبو بكر ﵁، وفيه في رواية أبي داود: «... فإذا بلغت خمسًا وعشرين ففيها بنت مخاض إلى أن تبلغ خمسًا وثلاثين؛ فإن لم يكن فيها بنت مخاض فابن لبونٍ ذكر ...» (١).
٣ - الذي يؤخذ في زكاة الإبل الإناث دون الذكور إلا ابن اللبون إذا عدمت بنت المخاض؛ لحديث أنس ﵁ السابق ذكره.
٤ - الشاة التي تؤخذ في زكاة الإبل وكذلك في جبران زكاة الإبل: إن كانت أنثى جذعة من الضأن أو ثنية من المعز فما فوق ذلك أجزأت بلا نزاع، والجذعة ما لها ستة أشهر، والثنية ما لها سنة (٢).
٥ - إن تطوع المزكي فأخرج سنًّا أعلى من السن الواجب جاز، مثل: أن يخرج بنت لبون عن بنت مخاض، أو حقة عن بنت لبون، أو عن بنت مخاض، أو عن الجذعة ابنتي لبون أو حقتين، قال ابن قدامة ﵀: «لا نعلم فيه خلافًا» (٣)؛ لحديث أبي كعب ﵁ وفيه: أن رجلًا وجبت عليه في زكاة إبله ابنة مخاض فأعطى ناقة عظيمة فامتنع منها رسولُ رسولِ الله ﷺ فذهب بها إلى رسول الله ﷺ فطلب منه أن يقبلها بدلًا من ابنة مخاض، فقال رسول الله ﷺ: «ذاك الذي عليك، فإن تطوّعت بِخَير
_________
(١) سنن أبي داود، كتاب الزكاة، بابٌ في زكاة السائمة، برقم ١٥٦٧، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، ١/ ٤٣٠، وأصله في البخاري.
(٢) أما الذكر فيحتمل أن يجزئ لصدق اسم الشاة عليه وهو المعتمد عند المالكية، والأصح عند الشافعية. [انظر: الموسوعة الفقهية، ٢٣/ ٢٥٥، والمغني لابن قدامة، ٤/ ١٤].
(٣) المغني، ٤/ ١٨، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، ٦/ ٣٩٧.
1 / 11
آجرك الله فيه، وقبلناه منك» قال: فها هي ذِه يا رسول الله قد جئتك بها فخذها، فأمر رسول الله ﷺ بقبضها ودعا له في ماله بالبركة (١).
٦ - يخرج عن إبله من جنسها، فيخرج عن البخاتي بختية، وعن العراب عربية، وعن الكرام كريمة، وعن السمان سمينة، وعن اللئام والهزال لئيمة هزيلة، فإن أخرج عن البخاتي عربية بقيمة البختية جاز؛ لأن القيمة مع اتحاد الجنس هي المقصود، والله تعالى الموفق (٢).
٧ - لا مدخل للجبران في غير الإبل؛ لأن النص فيها ورد، وليس غيرها في معناها؛ لأنّها أكثر قيمة؛ ولأن الغنم لا تختلف فريضتها باختلاف سنها، فمن عدم فريضة البقر أو الغنم ووجد دونها لم يجز له إخراجها فإن وجد أعلى منها فأحب أن يتطوع بدفعها بغير جبران قبلت منه، وإن لم يفعل كلِّف شراءها من غير ماله (٣).
٨ - يجزئ الذكر إذا كان المال كله ذكورًا، سواء كان من إبل، أو بقر، أو غنم؛ لأن الزكاة مواساة فلا يكلفها من غير ماله (٤)؛ لأن في حديث أنس الذي كتب له أبو بكر ﵄: «... فإن لم يكن فيها بنت مخاض فابن لبون ذكر» (٥)؛ ولقول الله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ (٦).
_________
(١) أبو داود، كتاب الزكاة، باب في زكاة السائمة، برقم ١٥٨٣، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود، ١/ ٤٣٩.
(٢) المغني لابن قدامة، ٤/ ٢٠.
(٣) المغني لابن قدامة، ٤/ ٢٩.
(٤) المرجع السابق، ٤/ ٣٤.
(٥) أبو داود، برقم ١٥٦٧، وتقدم تخريجه في المسألة رقم ٢.
(٦) سورة التغابن، الآية: ١٦.
1 / 12
وعلى هذا فيجزئ الذكر في الزكاة في مواضع:
الأول: التبيع في الثلاثين من البقر
الثاني: ابن اللبون عن بنت المخاض إذا لم توجد بنت المخاض
الثالث: إذا كان المال كله ذكورًا (١).
الرابع: التيس إذا شاء المصدِّق بأن كانت هناك مصلحة في أخذه (٢).
ثانيًا: نصاب زكاة البقر؛ لا زكاة فيها حتى تبلغ ثلاثين، وهذا أقل نصاب البقر، وتفصيل ذلك في حديث علي ﵁، وفيه: «وفي البقر في كل ثلاثين تبيع (٣)، وفي الأربعين مسنة (٤)، وليس على العوامل شيء ...» (٥)؛ ولحديث معاذ ابن جبل ﵁: أن النبي ﷺ لما وجهه إلى اليمن، أمره أن يأخذ من البقر من كل ثلاثين تبيعًا أو تبيعة، ومن كل أربعين مسنة، ومن كل حالمٍ - يعني محتلمًا - دينارًا أو عَدْله من المعافر - ثياب تكون باليمن -» (٦)؛
_________
(١) قال في الإفصاح، ١/ ٢٠٣: «واختلفوا فيما إذا كانت غنمه إناثًا كلها، أو ذكورًا وإناثًا، أو أحدها ما الذي يؤخذ من كل واحد؟ فقال أبو حنيفة: يجزئ أخذ الذكر من الكل، وقال مالك والشافعي وأحمد: إذا كانت إناثًا كلها، أو ذكورًا وإناثًا لم يجز فيها إلا الأنثى، وإن كانت كلها ذكورًا أجزأ فيها الذكر».
(٢) البخاري، كتاب الزكاة، باب زكاة النعم، برقم ١٤٥٤، وأبو داود كتاب الزكاة، باب في زكاة السائمة، برقم ١٥٧٠.
(٣) التبيع: ما كمَّل سنة ودخل في الثانية، والتبيع جذع البقر. المقنع والشرح الكبير مع الإنصاف، ٦/ ٤٢١.
(٤) المسنة: ما كملت سنتين ودخلت في الثالثة، والمسنة: هي ثنية البقر. المقنع والشرح الكبير مع الإنصاف، ٦/ ٤٢١.
(٥) أبو داود، برقم ١٥٧٢، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، ١/ ٤٣٤، وتقدم تخريجه في الشرط الثاني من شروط وجوب الزكاة في بهيمة الأنعام.
(٦) أبو داود بلفظه، كتاب الزكاة، باب في زكاة السائمة، برقم ١٥٧٦، والنسائي، كتاب، الزكاة، باب زكاة البقر، برقم ٢٤٤٩ - ٢٤٥٢، والترمذي، كتاب الزكاة، باب ما جاء في زكاة البقر، برقم ٦٢٣، وابن ماجة، كتاب الزكاة، باب صدقة البقر، برقم ١٤٧١ - ١٨٣٠، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، ١/ ٤٣٧، وفي صحيح الترمذي، ١/ ٣٣٣، وفي صحيح ابن ماجة، ٢/ ١٠٣.
1 / 13
ولحديث عبد الله بن مسعود ﵁ عن النبي ﷺ قال: «في ثلاثين من البقر تبيع، أو تبيعة، وفي كل أربعين مسنة» (١) ثم تستقرض الفريضة: في كل ثلاثين تبيع أو تبيعة، وفي كل أربعين مسنة.
ويوضح ذلك الجدول الآتي:
زكاة البقر
المقدار ... زكاته
من ... إلى
٣٠ ... ٣٩ ... تبيع أو تبيعة
٤٠ ... ٥٩ ... مسنة
٦٠ ... ٦٩ ... تبيعان أو تبيعتان
٧٠ ... ٧٩ ... تبيع ومسنة
وهكذا في كل ٣٠ تبيع أو تبيعة وفي كل ٤٠ مسنة
* التبيع أو التبيعة: ما له سنة.
* المسنة: ما لها سنتان.
وتجب الزكاة في البقر بالشروط المذكورة المتقدمة، ووجوب الزكاة فيها: بالسنة، وإجماع علماء الإسلام:
أما السنة؛ فلحديث معاذ بن جبل ﵁ أن النبي ﷺ لما وجهه إلى اليمن أمره أن يأخذ من البقر من كل ثلاثين تبيعًا أو تبيعة، ومن كل أربعين مسنة ... (٢)؛ ولحديث أبي هريرة ﵁ وفيه: «... ولا صاحب بقر ولا غنم لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة بُطح لها بقاع
_________
(١) الترمذي، كتاب الزكاة، باب ما جاء في زكاة البقر، برقم ٦٢٢، وابن ماجة، كتاب الزكاة، باب صدقة البقر، برقم ١٤٧٢ - ١٨٣١، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، ١/ ٣٤٣، وفي صحيح ابن ماجة، ٢/ ١٠٤.
(٢) أبو داود، برقم ١٥٧٦، والترمذي، برقم ٦٢٣، وابن ماجه، ويأتي تخريجه قريبًا.
1 / 14
قرقرٍ (١) لا يفقد منها شيئًا ليس فيها عقصاءُ (٢) ولا جلحاء (٣) ولا عضباء (٤) تنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها، كلما مرت عليه أولاها رُدَّ عليه أخراها، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد، فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار» (٥).
وأما الإجماع فقال الإمام ابن قدامة رحمه الله تعالى: «وأما الإجماع فلا نعلم اختلافًا في وجوب الزكاة في البقر» (٦).
ثالثًا: نصاب زكاة الغنم، لا زكاة فيها حتى تبلغ أربعين وهو أقل نصاب الغنم، وتفصيل ذلك في حديث أنس ﵁: أن أبا بكر كتب له هذا الكتاب لما وجهه إلى البحرين: «بسم الله الرحمن الرحيم، هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله ﷺ على المسلمين، والتي أمر الله بها رسوله، فمن سُئلها من المسلمين على وجهها فليعطها، ومن سئل فوقها فلا يعطِ ...» الحديث وذكر فيه زكاة الإبل، ثم قال: «... وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائةٍ: شاة، فإذا زادت على عشرين ومائة إلى مائتين: شاتان، فإذا زادت على مائتين إلى ثلاث مائة ففيها ثلاثٌ، فإذا زادت على ثلاث مائة ففي كل مائة شاة، فإذا كانت سائمة الرجل ناقصةً من أربعين شاةً
_________
(١) القاع القرقر: القاع المستوي الواسع من الأرض، يعلوه ماء السماء فيمسكه.
(٢) العقصاء: ملتوية القرنين.
(٣) الجلحاء: التي لا قرن لها.
(٤) العضباء: التي كسر قرنها الداخل.
(٥) متفق عليه: البخاري، برقم ١٤٠٢، ومسلم، برقم ٩٨٧، وتقدم تخريجه في منزلة الزكاة.
(٦) المغني، ٤/ ٣١.
1 / 15
واحدةً فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربّها ...» (١) (٢).
ويوضح ذلك الجدول الآتي:
زكاة الغنم
المقدار ... زكاته
من ... إلى
_________
(١) البخاري، برقم ١٤٥٤، وتقدم تخريجه.
(٢) قوله ﷺ: «فإذا زادت على مائتين إلى ثلاث مائة ففيها ثلاث شياه، فإذا زادت على ثلاث مائة ففي كل مائة شاة» قال الإمام ابن قدامة ﵀: «ظاهر هذا القول: إن الفرض لا يتغير بعد المائتين وواحدةً حتى يبلغ أربع مائة فيجب في كل مائة شاةً، ويكون الوقص ما بين المائتين وواحدة إلى أربع مائة وذلك مائة وتسعة وتسعون، وهذا إحدى الروايتين عن أحمد، وقول أكثر الفقهاء، وعن أحمد رواية أخرى أنها إذا زادت على ثلاثمائة واحدة [ففيها] أربع شياه، ثم لا يتغير الفرض حتى تبلغ خمسمائة فيكون في كل مائة شاة ويكون الوقص الكبير ما بين ثلاثمائة وواحدة إلى خمسمائة، وهو أيضًا مائة وتسعة وتسعون، وهذا اختيار أبي بكر، وحكي عن النخعي والحسن بن صالح؛ لأن النبي ﷺ جعل الثلاثمائة حدًّا للوقص وغايةً له، فيجب أن يتعقبه تغيُّر النصاب كالمائتين، ولنا قول النبي ﷺ: «فإذا زادت ففي كل مائة شاة» وهذا يقتضي أن لا يجب في دون المائة شيء، وفي كتاب الصدقات الذي كان عند آل عمر بن الخطاب «فإذا زادت على ثلاثمائة واحدة فليس فيها شيء حتى تبلغ أربعمائة شاة ففيها أربع شياهٍ» وهذا نص لا يجوز خلافه إلا بمثله أو أقوى منه، وتحديد النصاب لاستقرار الفريضة لا لغاية والله أعلم» [المغني، ٤/ ٤٠، والشرح الكبير، ٦/ ٤٤٢] ولفظ كتاب الصدقات الذي كان عند آل عمر، واضح وفيه: «... وفي الشاءِ، في كل أربعين شاةً إلى عشرين ومائة، فإذا زادت فشاتان إلى مائتين، فإذا زادت فثلاث شياه إلى ثلاثمائة شاة، فإذا زادت على ثلاث مائة شاة، ففي كل مائة شاةٍ شاةٌ، ثم ليس فيها شيء حتى تبلغ أربعمائة» وفي لفظ أبي داود: «... فإن زادت واحدة على المائتين ففيها ثلاث شياه، إلى ثلاثمائة، فإن كانت الغنم أكثر من ذلك ففي كل مائة شاهٍ شاة، وليس فيها شيء حتى تبلغ المائة ...» [أبو داود، برقم ١٥٦٨، والترمذي، برقم ٦٢١، وابن ماجه، برقم ٤٧٣ - ١٨٣٢، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، ١/ ٤٣٢، وفي صحيح الترمذي، ١/ ٣٤٢، وفي صحيح ابن ماجه، ٢/ ١٠٤].
1 / 16
٤٠ ... ١٢٠ ... شاة
١٢١ ... ٢٠٠ ... شاتان
٢٠١ ... ٣٠٠ ... ثلاث شياه
فإذا زادت على ثلاثمائة ففي كل مائة شاة، ففي ٤٠٠ أربع شياه، وفي ٥٠٠ خمس شياه، وفي ٦٠٠ ست شياه، وفي ٧٠٠ سبع شياه، وهكذا.
وليس فيما بين الثلاثمائة وأربعمائة شيء؛ لحديث الصدقات الذي كان عند آل عمر بن الخطاب ﵁ وفيه: «... فإذا زادت على ثلاث مائة ففي كل مائة شاةٍ شاةٌ، ثم ليس فيها شيء حتى تبلغ أربعمائة ...» (١).
وتجب زكاة الغنم بالشروط الأربعة المتقدمة، ووجوب الزكاة فيها ثابت بالسنة والإجماع:
أما السنة؛ فلحديث أنس ﵁ في كتاب أبي بكر الصديق ﵁ في فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله ﷺ على المسلمين، وقد تقدم ذكره آنفًا (٢)؛ ولحديث أبي هريرة ﵁ وفيه: «... ولا صاحب بقر ولا غنم لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة بُطح لها بقاع قرقرٍ لا يفقد منها شيئًا ليس فيها عقصاءُ، ولا جلحاء، ولا عضباء، تنطحه بقرونها، وتطؤه بأظلافها كلما مرت عليه أولاها رُدَّ عليه أخراها، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يُقضى بين العباد، فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار» (٣).
وأما الإجماع؛ فأجمع العلماء على وجوب الزكاة في الغنم (٤).
_________
(١) الترمذي، كتاب الزكاة، باب ما جاء في زكاة الإبل والغنم، برقم ٦٢١، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، ١/ ٣٤٣، وهو في سنن أبي داود، برقم ١٥٦٨.
(٢) البخاري، برقم ١٤٥٤، وتقدم تخريجه.
(٣) متفق عليه: البخاري، برقم ١٤٠٢، ومسلم، برقم ٩٧٧، وتقدم تخريجه.
(٤) المغني لابن قدامة، ٤/ ٣٨.
1 / 17
الجدول العام لزكاة السائمة (١) من بهيمة الأنعام (٢)
لا يؤخذ في الصدقة: تَيس، ولا هَرمة، ولا معيبة، ولا شِرار المال.
لا يؤخذ في الصدقة: الهزيلة، ولا المخاض، ولا الأكولة، ولا خيار المال.
الغنم
المقدار [من - إلى] ... زكاته
٤٠ - ١٢٠ ... شاة
١٢١ - ٢٠٠ ... شاتان
٢٠١ - ٣٠٠ ... ثلاث شياه
ثم في كل ١٠٠ شاة
الإبل
المقدار [من - إلى] ... زكاته
٥ - ٩ ... شاة
١٠ - ١٤ ... شاتان
١٥ - ١٩ ... ثلاث شياه
٢٠ - ٢٤ ... أربع شياه
٢٥ - ٣٥ ... بنت مخاض
٣٦ - ٤٥ ... بنت لبون
٤٦ - ٦٠ ... حقة
٦٢ - ٧٥ ... جذعة
٧٦ - ٩٠ ... بنتا لبون
٩١ - ١٢٠ ... حقتان
١٢١ - ١٢٩ ... ثلاث بنات لبون
ثم في كل أربعين بنت لبون.
وفي كل خمسين حقة.
بنت مخاض: بنت سنة، وسميت بذلك؛ لأن أمها حامل.
بنت لبون: ما لها سنتان، وسميت بذلك؛ لأن أمها ذات لبن.
حقة: ما لها ثلاث سنين، وسميت بذلك؛ لأنها استحقت الركوب.
جذعة: ما لها أربع سنين.
البقر
المقدار [من - إلى] ... زكاته
٣٠ - ٣٩ ... تبيع أو تبيعة
٤٠ - ٥٩ ... مُسنَّة
٦٠ - ٦٩ ... تبيعتان
ثم في كل ٣٠ تبيع
وفي كل ٤٠ مُسنَّة
التبيع أو التبيعة: ما لها سنة.
المُسنَّة: ما لها سنتان.
_________
(١) السائمة: الراعية الحول أو أكثره في الصحاري والقفار.
(٢) انظر: منزلة الزكاة في الإسلام، للمؤلف، ص١١٤.
1 / 18
مسائل في زكاة بهيمة الأنعام
١ - لا يأخذ المُصَدِّق في الصدقة: هرمة، ولا ذات عوارٍ، ولا تيس؛ لحديث أنس ﵁: أن أبا بكر ﵁ كتب له: «التي أمر الله رسولَه ﷺ، ولا يخرج في الصدقة هرمةٌ (١)، ولا ذاتُ عوارٍ (٢)، ولا تيس إلا أن يشاء المصدِّق (٣») (٤)، وفي حديث آل عمر بن الخطاب في الصدقة: «ولا يؤخذ في الصدقة هرمةٌ، ولا ذات عوارٍ من الغنم، ولا تيس الغنم إلا أن يشاء المُصدِّق» (٥).
وعن عبد الله بن معاوية الغاضري ﵁، قال: قال النبي ﷺ: «ثلاث من فعلهن فقد طَعِم طعْم الإيمان: من عَبَدَ الله وحده؛ وأنه لا إله إلا الله، وأعطى زكاة مالِهِ طَيِّبَةً بِهَا نفسه، رافدةً (٦) عليه كلَّ عام، ولا يعطي: الهرمة، ولا الدَّرنة (٧) ولا المريضة، ولا الشَّرَط اللئيمة (٨)، ولكن من وسط أموالكم، فإن الله لم يسألكم خيره، ولم يأمركم بشره» (٩).
_________
(١) الهَرِمَة: الهرم أقصى الكبر، فهرمة: كبيرة جدًّا، [لسان العرب، ١٢/ ٦٠٧].
(٢) ذات عوار: المعيبة التي لا يُضحى بها. الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير، ٦/ ٤٤٥.
(٣) المصدِّق: العامل الساعي لأخذ الزكاة، والمصدَّق بالفتح صاحب المال. الشرح الكبير ٦/ ٤٤٥ وجامع الأصول، ٤/ ٦٠٥.
(٤) البخاري، برقم ١٤٥٥، وتقدم تخريجه.
(٥) أبو داود، كتاب الزكاة، باب في زكاة السائمة، برقم ١٥٧٠، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، ١/ ٤٣٣.
(٦) رافدة عليه كل عام: الرفد: الإعانة: أي تعينه نفسه على أدائها كل عام. النهاية في غريب الحديث، ٢/ ٢٤١.
(٧) الدرنة: الجرباء، وأصله من الوسخ. «النهاية في غريب الحديث».
(٨) الشرط اللئيمة: رذال المال، وقيل: شراره وصغاره. «النهاية في غريب الحديث».
(٩) أبو داود، كتاب الزكاة، باب في زكاة السائمة، برقم ١٥٨٠، وصححه الألباني في سنن أبي داود، ١/ ٤٣٨.
1 / 19
وقد دعا النبي ﷺ على من أعطى في الزكاة فصيلًا مهزولًا، فعن وائل بن حجر ﵁: أن النبي ﷺ بعث ساعيًا فأتى رجلًا، فآتاه فصيلًا مخلولًا (١) فقال النبي ﷺ: «بعثنا مصدِّق الله ورسوله وإن فلانًا أعطاه فصيلًا مخلولًا، اللهم لا تبارك فيه ولا في إبله» فبلغ ذلك الرجل فجاء بناقة حسناء، فقال: أتوب إلى الله ﷿ وإلى نبيه ﷺ، فقال النبي ﷺ: «اللهم بارك فيه وفي إبله» (٢).
٢ - لا يأخذ المصدِّق كرائم الأموال ولا خياره ولكن من الوسط؛ لحديث معاذ ﵁ حينما بعثه رسول الله ﷺ إلى اليمن وفيه: «فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب» (٣).
قال الزهري: «إذا جاء المصدِّق قُسِّمت الشاء أثلاثًا: ثلثًا شرارًا، وثلثًا خيارًا، وثلثًا وسطًا، فأخذ المصدِّق من الوسط» (٤) (٥).
٣ - ما بين الفريضتين في زكاة بهيمة الأنعام أوقاص ولا زكاة في الأوقاص، مثل الزيادة على الخمس في الإبل إلى التسع، وعلى
_________
(١) مخلولًا: مهزولًا، وهو الذي جُعل على أنفه خلال، لئلا يرضع أمه فتهزل، «النهاية في غريب الحديث» وانظر: جامع الأصول، ٤/ ٦٠٥.
(٢) النسائي، كتاب الزكاة، باب الجمع بين المتفرق والتفريق بين المجتمع، برقم ٢٤٥٧، وصحح إسناده الألباني في صحيح سنن النسائي، ٢/ ١٨٥.
(٣) متفق عليه: البخاري، برقم ١٢٩٥، ومسلم، برقم ١٩، وتقدم تخريجه في منزلة الزكاة في الإسلام.
(٤) أبو داود، كتاب الزكاة، باب في زكاة السائمة، برقم ١٥٦٨، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، ١/ ٤٣٢.
(٥) ولا يؤخذ في الصدقة: الحامل، ولا الماخض، وهي التي قد حان ولادها، ولا تؤخذ الرُّبَى: التي تربي ولدها، أو التي تربَّى في البيت لأجل اللبن، ولا طروقة الفحل التي طرقها الفحل؛ لأنها تحمل غالبًا، ولا تؤخذ الأكولة، التي أعدت للأكل إلا أن يشاء ربها: أي صاحب هذه الأموال: [الشرح الكبير، ٦/ ٤٤٦، والروض المربع، ٤/ ٦٤].
1 / 20
العشر إلى أربع عشرة، إلى نِهاية أوقاص الإبل، وكذلك أوقاص البقر، والغنم لا زكاة فيها عفوًا وترغيبًا للملاك، وشكرًا لهم على أداء الحق (١).
٤ - إرضاء المصدِّق الساعي الآخذ للزكاة وإن ظَلَمَ؛ لحديث جرير بن عبد الله ﵁ قال: جاء ناس - يعني من الأعراب - إلى رسول الله ﷺ، فقالوا: إن ناسًا من المصدِّقين يأتوننا، فيظلموننا؟ قال: فقال:
«أرضوا مصدِّقيكم» قالوا: يا رسول الله! وإن ظلمونا؟ قال: «أرضوا مصدقيكم» وفي زيادة: «وإن ظُلِمْتُم» قال جرير: ما صدر عني مُصدِّقٌ – بعدما سمعت هذا من رسول الله ﷺ إلا وهو عني راضٍ وفي لفظ للترمذي: «إذا أتاكم المصدق فلا يفارقنكم إلا عن رضا» (٢).
٥ - عمال الصدقة السعاة الذين يرسلهم الإمام المسلم، عن عطاء مولى عمران: أن عمران بن الحصين استعمل على الصدقة فلما رجع قيل له: أين المال؟ قال: وللمال أرسلتني؟ أخذناه من حيث كنا نأخذه على عهد رسول الله ﷺ، ووضعناه حيث كنا نضعه (٣).
وعن أحمد بن حميد الساعدي ﵁ قال: استعمل النبي ﷺ رجلًا من الأزد يقال له: ابن اللتبية، فلما جاء حاسبه قال: هذا مالكم وهذا أُهدي إليّ، فقال رسول الله ﷺ: «فهلا جلست في بيت أبيك وأمك حتى تأتيك
_________
(١) إرشاد أولي البصائر والألباب إلى نيل الفقه بأقرب الطرق وأيسر الأسباب، ص١٣٠.
(٢) مسلم، كتاب الزكاة، باب إرضاء السعاة، برقم ٩٨٩، وأبو داود، كتاب الزكاة، باب رضا المصدِّق، برقم ١٥٨٩، والترمذي، كتاب الزكاة، باب ما جاء في رضا المصدق، برقم ٦٤٧، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، ١/ ٤٤١، وفي صحيح الترمذي، ١/ ٣٥٤.
(٣) أبو داود، كتاب الزكاة، باب رضا المصدِّق، برقم ١٥٨٩، وابن ماجه، كتاب الزكاة، باب ما جاء في عُمَّال الصدقة، برقم ١٤٧٩ - ١٨٣٨، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، ٢/ ١٠٦.
1 / 21