Zakat al-Athman
زكاة الأثمان
ناشر
مطبعة سفير
پبلشر کا مقام
الرياض
اصناف
رسائل سعيد بن علي بن وهف القحطاني
زكاة الأثمان
الذهب، والفضة، والعملات المعدنية، والورقية
في ضوء الكتاب والسنة
تأليف الفقير إلى الله تعالى
د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني
نامعلوم صفحہ
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:
فهذه رسالة مختصرة في «زكاة الأثمان»: من الذهب، والفضة، وما يقوم مقامهما من العملات الورقية، والمعدنية، بيَّنت فيها بإيجاز: مفهوم الأثمان: لغة، واصطلاحًا، وأوضحت وجوب الزكاة في الذهب والفضة: بالكتاب، والسنة، والإجماع، وذكرت مقدار نصاب الذهب والفضة، وأوضحت زكاة العملات الورقية والمعدنية المتداولة بين الناس الآن، وحكم ضمّ الذهب والفضة بعضهما إلى بعض في تكميل النصاب، وضمّ عروض التجارة إلى كل من الذهب والفضة في تكميل النصاب، وأن مقدار الواجب من الزكاة في الذهب والفضة: ربع العشر، وضربت الأمثلة على كيفية إخراج الزكاة بالطرق الحسابية الميسرة، وأوضحت حكم إخراج أحد النقدين عن الآخر في الزكاة، وذكرت ما يباح للرجال: من الفضة، والذهب، وما يباح للنساء من ذلك، وأن آنية الذهب والفضة محرمة على الرجال والنساء جميعًا، وذكرت أن الزكاة تجب في الحلي محرّم الاستعمال: من الذهب، والفضة، أو إذا كان من
1 / 3
عروض التجارة إجماعًا، ثم ذكرت أقوال العلماء في حكم زكاة الحلي المباح المعدّ للاستعمال، وأدلّة كل فريق، واجتهدت في اختيار القول الذي يدل عليه الكتاب، والسنة، والآثار عن الصحابة ﵃، ثم ذكرت ترجيح بعض العلماء قديمًا وحديثًا في حكم زكاة الحلي، وختمت هذه الأقوال بفتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، ثم ذكرت: مصارف الزكاة: أهل الزكاة بأصنافهم الثمانية، وختمت ذلك بالأصناف الذين لا يصح دفع الزكاة إليهم، وقد استفدت كثيرًا من تقريرات وترجيحات سماحة شيخنا الإمام عبدالعزيز بن عبد الله ابن باز، رفع الله منزلته، ونوَّر له في قبره، ورحمه رحمة واسعة.
والله أسأل أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن يجعله مباركًا، نافعًا، وأن ينفعني به في حياتي، وبعد مماتي، وأن ينفع به كل من انتهى إليه؛ فإنه خير مسؤول، وأكرم مأمول، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، وخيرته من خلقه، وأمينه على وحيه، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.
المؤلف أبو عبدالرحمن
سعيد بن علي بن وهف القحطاني
حرر عشية الأحد الموافق ١٥/ ٣/١٤٢٦هـ بالرياض
1 / 4
زكاة الأثمان: الذهب والفضة، والعملات: الورقية، والمعدنية
أولًاَ: مفهوم الأثمان:
الأثمان لغة: الثمن: العوض، والجمع أثمان، مثل: سبب وأسباب، يقال: ثمَّنته تثمينًا: جعلت له ثمنًا بالحدس والتخمين (١).
والثمن: العوض الذي يؤخذ على التراضي في مقابلة البيع عينًا كان أو سلعة (٢).
واصطلاحًا: الذهب والفضة أو ما يقوم مقامهما من العملات الورقية، أو النحاسية المستعملة الآن، ويقال أيضًا للذهب والفضة: النقدان، وجمعها نقود، والنقد هو العملة من الذهب والفضة أو ما يقوم مقامهما من العملات المستعملة بين الناس في البيع والشراء، وأنواع المنافع والمصالح (٣).
والخلاصة: أن النقدين من الذهب والفضة: ما اتَّخذه الناس ثمنًا من المعادن المضروبة أو الأوراق المطبوعة الصادرة عن المؤسسة المالية، صاحب الاختصاص، وجمع النقدين: نقود (٤).
ثانيًا: زكاة الذهب والفضة: واجبة بالكتاب والسنة والإجماع:
أما الكتاب؛ فلقول الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ الله فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ* يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ
_________
(١) المصباح المنير، للفيومي، ١/ ٨٤.
(٢) القاموس الفقهي لغة واصطلاحًا، لسعدي أبو جيب، ص ٥٢.
(٣) معجم لغة الفقهاء، للأستاذ الدكتور، محمد رواس، ص ٤٥٦،والقاموس الفقهي لغة واصطلاحًا، ص ٣٥٨.
(٤) معجم لغة الفقهاء، ص ٤٥٦، وانظر: الشرح المختصر على زاد المستقنع، للفوزان، ٢/ ٢٧٥.
1 / 5
فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ﴾ (١).
قال الإمام ابن قدامة ﵀: «ولا يتوعد بهذه العقوبة إلا على ترك واجب» (٢).
وقال الله ﷾: ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ الله مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِله مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ (٣).
وأما السنة؛ فلحديث أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «ما من صاحب ذهب ولا فضةلا يؤدي منها حقها، إلا إذا كان يوم القيامة صُفِّحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم، فيكوى
بها جنبه، وجبينه، وظهره، كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار» (٤)؛ ولحديث أبي هريرة ﵁ عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «من آتاه الله مالًا فلم يؤدِّ زكاته مُثِّل له يوم القيامة شجاعًا أقرع (٥) له زبيبتان (٦) يطوِّقه يوم القيامة،
_________
(١) سورة التوبة، الآيتان: ٣٤ - ٣٥.
(٢) المغني، ٤/ ٢٠٨.
(٣) (سورة آل عمران، الآية: ١٨٠.
(٤) (متفق عليه: البخاري مختصرًا، كتاب الزكاة، باب إثم مانع الزكاة، برقم ١٤٠٢، ومسلم بلفظه، كتاب الزكاة، باب إثم مانع الزكاة، برقم ٩٨٧، ومن حديث جابر عند مسلم، برقم ٩٨٨، وتقدم تخريجه في منزلة الزكاة في الإسلام.
(٥) الشجاع: الحية الذكر، والأقرع: الذي انحسر الشعر عن رأسه من كثرة سمه، شرح السنة للبغوي، ٥/ ٤٧٩.
(٦) زبيبتان: النكتتان السوداوان فوق عينيه، وهو أوحش ما يكون من الحيات وأخبثه، ويقال الزبيبتان: الزبعتان تكون في الشدقين إذا غضب الإنسان، أو كثر كلامه. شرح السنة للبغوي، ٥/ ٤٧٩.
1 / 6
ثم يأخذ بلهزمتيه - يعني شدقيه - ثم يقول: أنا مالك، أنا كنزك، ثم تلا هذه الآية: ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ الله مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِله مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ (١). وفي لفظ: «يكون كنز أحدكم يوم القيامة شجاعًا أقرع يفرُّ منه صاحبه ويطلبه ويقول: أنا كنزك، قال: والله لن يزال يطلبه حتى يبسط يده فيلقمها فاه» (٢).
أما الإجماع، فقال الإمام ابن المنذر رحمه الله تعالى: «وأجمعوا على أن في مائتي درهم خمسة دراهم، وأجمعوا على أن الذهب إذا كان عشرين مثقالًا وقيمتها مائتا درهمٍ أن الزكاة تجب فيه وانفرد الحسن البصري ...» (٣). وقال الإمام ابن قدامة ﵀: «وأجمع أهل العلم على أن في مائتي درهم خمسة دراهم، وعلى أن الذهب إذا كان عشرين مثقالًا، وقيمته مائتا درهم أن الزكاة تجب فيه، إلا ما اختلف فيه عن الحسن» (٤).
ثالثًا: نصاب الذهب والفضة على النحو الآتي:
١ - نصاب الفضة، إذا بلغت الفضة مائتي درهم ففيها الزكاة؛
_________
(١) سورة آل عمران، الآية: ١٨٠.
(٢) البخاري، كتاب الزكاة، باب إثم مانع الزكاة، برقم ١٤٠٣، وكتاب التفسير، باب: ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ الله مِنْ فَضْلِهِ﴾ (آل عمران: ١٨٠، وكتاب الحيل، باب في الزكاة، وأن لا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين متفرق خشية الصدقة، برقم ٦٩٥٧، وتقدم تخريجه أيضًا في منزلة الزكاة في الإسلام.
(٣) الإجماع، لابن المنذر، ص ٥٣.
(٤) المغني، ٤/ ٢٠٨.
1 / 7
لحديث علي بن أبي طالب ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «قد عفوت عن الخيل والرقيق، فهاتوا صدقة الرقة (١) من كل أربعين درهمًا درهمًا، وليس في تسعين ومائة شيء، فإذا بلغت مائتين ففيها خمسة دراهم» (٢)؛ ولحديث علي ﵁ عن النبي ﷺ وفيه: «... فإذا كانت لك مائتا درهم وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم ...» (٣)؛ ولحديث أبي سعيد الخدري ﵁، عن النبي ﷺ أنه قال: «ليس فيما دون خمس أواقٍ [من الورق] صدقة، وليس فيما دون خمس ذودٍ [من الإبل] صدقة، وليس فيما دون خمسة أوسقٍ [من التمر] صدقة» (٤). قال الإمام ابن الأثير رحمه الله تعالى: «الأقية التي جاء ذكرها في الأحاديث مبلغها أربعون درهمًا ..» (٥). قال الإمام ابن قدامة ﵀: «وجملة ذلك أن نصاب الفضة مائتا درهم، لا خلاف في ذلك
_________
(١) الرقة: هي الدراهم المضروبة، أصلها الوَرِق، حذفت الواو وعُوِّض عنها الهاء، كعِدَةٍ وزنة. العون، ٤/ ٣١٦، وجامع الأصول، ٤/ ٥٨٣، وجاء في فتح الباري لابن حجر، ٣/ ٣٢١: «الرقة - بكسر الراء وتخفيف القاف - الفضة، سواء كانت مضروبة أو غير مضروبة».
(٢) أبو داود، كتاب الزكاة، باب زكاة السائمة برقم ١٥٧٤، والنسائي، كتاب الزكاة، باب زكاة الورق، برقم ٢٤٧٧، وابن ماجه، كتاب الزكاة، باب زكاة الورق والذهب، برقم ١٤٥٩ - ١٨١٧، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، ١/ ٤٣٦، ورواه أيضًا الترمذي، كتاب الزكاة، باب ما جاء في زكاة الذهب والورق، برقم ٦٢٠.
(٣) أبو داود، كتاب الزكاة، باب في زكاة السائمة، برقم ١٥٧٣، وصححه الألباني، في صحيح سنن أبي داود، ١/ ٤٣٦.
(٤) متفق عليه: البخاري، كتاب الزكاة، باب ما أدي زكاته فليس بكنز، برقم ١٤٠٥، وباب زكاة الورق، برقم ١٤٤٧، وبابٌ: ليس فيما دون خمس ذود صدقة، برقم ١٤٥٩، وبابٌ: ليس فيما دون خمسة أوسق، برقم ١٤٨٤، ومسلم، كتاب الزكاة، باب ليس فيما دون خمسة أوسقٍ صدقة، برقم ٩٧٩.
(٥) جامع الأصول لابن الأثير، ٤/ ٥٨٩.
1 / 8
بين علماء الإسلام، وقد بيَّنته السنة التي رويناها بحمد الله، والدراهم التي يعتبر بها النصاب: هي الدراهم التي كلُّ عشرة منها وزنُ سبعة مثاقيل بمثقال الذهب، وكلُّ دِرْهَمٍ نصف مثقال وخُمْسُهُ، وهي الدراهم الإسلامية التي تقدَّر بها نُصُبُ الزكاة، ومقدار الجزية، والديات، ونصاب القطع في السرقة، وغير ذلك ..» (١) (٢). وقد ذكر المرداوي ﵀ في كتابه الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف: أن زنة كل مثقال اثنتان وسبعون حبة شعير متوسطة (٣). وقال العلامة عبدالرحمن القاسم: «المثقال زنة اثنتان وسبعون حبة من حب الشعير الممتلئ، غير الخارج عن مقادير حب الشعير غالبًا» (٤). وحرر شيخنا الإمام عبدالعزيز بن عبد الله ابن باز ﵀ ذلك فقال: «زنة المثقال اثنتان وسبعون حبة شعير متوسطة» (٥) (٦).
_________
(١) المغني، ٤/ ٢٠٩.
(٢) وكانت الدراهم في صدر الإسلام صنفين سُودًا، وطبريَّةً، وكانت السود ثمانية دوانق، والطبرية أربعة دوانق، فجمعا في الإسلام وجعلا درهمين متساويين في كل درهم ستة دوانق، [والدانق سدس الدرهم] فعل ذلك بنو أمية، فاجتمعت فيها ثلاثة أوجه: أحدها: أن كل عشرة وزن سبعة، والثاني: أنه عَدْلٌ بين الصغير والكبير، والثالث: أنه موافق لسنة رسول الله ﷺ، ودرهمه الذي قدَّر به المقادير الشرعية، ولا فرق في ذلك بين التبر والمضروب، ومتى نقص النصاب عن ذلك فلا زكاة فيه، سواء كان النقص يسيرًا أو كثيرًا، هذا ظاهر كلام الخرقي، ومذهب الشافعي، وإسحاق، وابن المنذر؛ لظاهر قوله عليه [الصلاة] والسلام: «ليس فيما دون خمس أواق صدقة»، والأقيَّةُ: أربعون درهمًا بغير خلاف، فيكون ذلك مائتي دِرْهَمٍ، المغني، ٤/ ٢٠٩.
(٣) الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، المطبوع مع المقنع والشرح الكبير، ٧/ ٩، وقال: «وقيل: المثقال اثنان وثمانون حبة وثلاثة أعشار حبة، وعشر عشر حبة».
(٤) حاشية ابن قاسم على الروض المربع، ٣/ ٢٤٤.
(٥) مجموع فتاوى ابن باز، ١٤/ ٧٩.
(٦) وقالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: نصاب الفضة: «مائتا درهم، الدرهم وزنه نصف مثقال وخمس مثقال، والنصاب يساوي مائة وأربعين مثقالًا، ومائتا درهم تساوي ستة وخمسين ريالًا سعوديًا فضيًا». (فتاوى اللجنة الدائمة، ٩/ ٢٥٢.
1 / 9
وقد جَرَّبْتُ ذلك بنفسي، فأخذت اثنتين وسبعين حبة من حب الشعير المتوسط ووزنته في ميزان الذهب عند أصحاب الذهب فكان وزنه أربعة غرامات وستة من عشرة (٤.٦) (١). وهذا هو وزن المثقال الواحد، وحرر
_________
(١) في يوم الأحد بتاريخ ٨/ ٣/١٤٢٦هـ أخذت ثلاث مجموعات من حب الشعير اليمني، وكل مجموعة: ثنتان وسبعون حبة ممتلئة متوسطة، ثم وزنت كل مجموعة لوحدها عند أصحاب الذهب بمدينة الرياض بالبطحاء، فكانت النتائج على النحو الآتي:
١ - المجموعة الأولى ٧٢ حبة وزنها = ٤.٨ جرام.
٢ - المجموعة الثانية ٧٢ حبة وزنها = ٤.٦ جرام.
٣ - المجموعة الثالثة ٧٢ حبة وزنها = ٤.٤ جرام.
وكررت الوزن أكثر من مرة، فلم يتغير، ثم انتقلت إلى محل آخر فلم يتغير، ومن الغريب أني لا أستطيع تمييز المجموعة بالنظر المجرد عن المجموعة الأخرى، وهذا يدل على دقة الميزان، وتقارب المجموعات في الثقل الحقيقي والشكل الخارجي، ثم بعد ذلك اخترت وزن ٤.٦ جرام وأنه وزن المثقال؛ لثلاثة أمور: الأمر الأول: أنه الوزن الأوسط، والأمر الثاني: لأن ذلك هو تحرير سماحة شيخنا ابن باز ﵀، وهو تحرير اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، الأمر الثالث: أنه المتوسط الحسابي لهذه الأوزان: ٤.٨ = ٤.٦ = ٤.٤ = ١٣.٨ ÷ ٣ = ٤.٦، وهو الذي تطمئن إليه النفس، ثم ضربنا هذا الوزن [٤.٦] في مائة وأربعين مثقالًا وهو نصاب الفضة بالمثاقيل فكان الناتج ٦٤٤ جرامًا وهو نصاب الفضة بالجرامات، ثم وجدنا وزن الريال السعودي الفضي ١١.٦ جرام ثم ضربناها في ٥٦ فكان الناتج ٦٤٩.٦ جرام، وسألت في نفس التاريخ عن سعر الريال السعودي الفضي فكان ٨ ريالات، فضربناها في ٥٦ فكان الناتج ٤٤٨ ريالًا سعوديًا ورقيًا، وأما الذهب فكان وزن المثقال كما تقدم آنفًا ٤.٦ ضربناها في عشرين مثقالًا، الذي هو نصاب الذهب فكان الناتج ٩٢ جرامًا، وكان وزن الجنية ٨ جرامات، وقسمت ٩٢ ÷ ٨ فكان الناتج ١١.٥، وكان سعر جرام الجنيه في نفس التاريخ ٤٤.٧٠ ريالًا سعوديًا ورقيًا، فضربنا ذلك في الجرامات [٤٤.٧٠ × ٩٢] فكان الناتج ٤١١٢.٤ ريالًا سعوديًا ورقيًا. فاتضح ما يلي:
١ - نصاب الفضة ٢٠٠ درهم = ١٤٠ مثقالًا = ٦٤٤ جرامًا، وهي تقارب ٥٦ ريالًا سعوديًا فضيًا وسعرها في نفس اليوم ٤٤٨ ريالًا سعوديًا ورقيًا.
٢ - نصاب الذهب عشرون دينارًا = عشرون مثقالًا =٩٢ جرامًا = ١١.٥ جنيهًا سعوديًا وسعرها في نفس اليوم٤١١٢.٤ ريالًا سعوديًا ورقيًا. والله تعالى أعلم، وهو المستعان وحده.
1 / 10
شيخنا الإمام عبدالعزيز بن عبد الله ابن باز ﵀، وحررت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء أن نصاب الفضة مائة وأربعون مثقالًا (١)، فيكون النصاب بالغرامات:
٤.٦ جرامات × ١٤٠مثقالًا = ٦٤٤ جرامًا، وهذا الوزن هو نصاب الفضة تقريبًا، وهو وزن خمس أواقٍ من الفضة، ويعادل مائتي درهم كما تقدم، فإذا نقص المال عن ذلك التقدير فلا زكاة فيه إلا أن يكون في ملكه عروض تجارة؛ فإنها تضم إلى الفضة في تكميل النصاب.
قال الإمام ابن قدامة ﵀: «... عروض التجارة تضمُّ إلى كل واحد من الذهب والفضة، ويكمّل به نصابه، لا نعلم فيه اختلافًا». قال الخطابي: «لا أعلم عامتهم اختلفوا فيه؛ لأن الزكاة إنما تجب في قيمتها فتقوم بكل واحد منها، فتضم إلى كل واحد منهما، ولو كان له ذهب وفضة وعروض وجب ضم الجميع إلى بعضٍ في تكميل النصاب؛ لأن العرض مضمومٌ إلى كل واحد منهما، فيجب ضمهما إليه، وجَمْع الثلاثة». فلو كان يملك عشرة مثاقيل من الفضة، وخمسة مثاقيل من الذهب، وعقار معروض للبيع، وكلها دار عليها الحول؛ فإنه في هذه الحالة يضم بعضها إلى بعض في تكميل النصاب، فيحصي قيمة الذهب، والفضة، والعقار، ثم
_________
(١) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، ٩/ ٢٥٤.
1 / 11
يخرج الزكاة (١).
٢ - نصاب الذهب، إذا بلغ الذهب عشرين دينارًا، أو عشرين مثقالًا ففيه الزكاة؛ لحديث علي ﵁ يرفعه إلى النبي ﷺ قال: «... فإذا كانت لك مائتا درهم وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم، وليس عليك شيء، - يعني في الذهب - حتى يكون لك عشرون دينارًا، فإذا كان لك عشرون دينارًا؛ وحال عليها الحول ففيها نصف دينار، فما زاد فبحساب ذلك، وليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول» (٢)؛ ولحديث عائشة أم المؤمنين وابن عمر ﵃ أن النبي ﷺ «كان يأخذ من كل عشرين دينارًا فصاعدًا نصف دينار، ومن الأربعين دينارًا دينارًا» (٣). ولحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعًا: «ليس في أقل من عشرين مثقالًا من الذهب ولا في أقل من مائتي درهم صدقة» (٤).
_________
(١) قال الإمام ابن قدامة: «فأما إن كان له من كل واحد: من الذهب والفضة ما لا يبلغ نصابًا بمفرده، أو كان له نصاب من أحدهما وأقل من نصابٍ من الآخر فقد توقف أحمد عن ضم أحدهما إلى الآخر في رواية الأثرم وجماعة، وقطع في رواية حنبل أنه لا زكاة عليه حتى يبلغ كل واحد منهما نصابًا، وذكر الخرقي فيه روايتين ..» المغني، ٤/ ٢١٠، قلت: وسيأتي التفصيل في ذلك والترجيح إن شاء الله تعالى. والله المستعان.
(٢) أبو داود، برقم ١٥٧٣، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، ١/ ٤٣٦، وتقدم تخريجه في زكاة الفضة.
(٣) ابن ماجه، كتاب الزكاة، باب زكاة الورق والذهب، برقم ١٧٩١، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، ٢/ ٩٨، وإرواء الغليل، برقم ٨١٣.
(٤) أخرجه أبو عبيد في الأموال، ٤٠٩، برقم ١١١٣، وأخرجه أيضًا الدارقطني، ١٩٩، وصححه الألباني في إرواء الغليل، برقم ٨١٥.
1 / 12
قال الإمام ابن المنذر ﵀: «وأجمعوا على أن الذهب إذا كان عشرين مثقالًا وقيمتها مائتا درهم أن الزكاة تجب فيه، وانفرد الحسن البصري فقال: ليس فيما دون أربعين دينارًا صدقة، وأجمعوا على أن الذهب إذا كان أقل من عشرين مثقالًا، ولا يبلغ قيمتها مائتي درهم أن لا زكاة فيه» (١). وقد حقق الإمام ابن قدامة رحمه الله تعالى أن نصاب الذهب عشرون مثقالًا من غير اعتبار قيمتها؛ للأدلة الثابتة عن النبي ﷺ (٢)؛ ولأن الذهب والفضة مال تجب الزكاة في عينه، فلم يعتبر بغيره كسائر الأموال، وهذا هو الصواب الذي لا شك فيه (٣).
والخلاصة أن نصاب الذهب عشرون دينارًا، وهي عشرون مثقالًا، وزن المثقال الواحد ٤.٦ جرامات، ووزن عشرين مثقالًا يساوي ٩٢ جرامًا، وهي تساوي ١١.٥ جنيهًا سعوديًا، وزن الجنيه مثقالان إلا ربع، أي: ١.٧٥ أي جنيه وخمسة وسبعون بالمائة تقريبًا. قال سماحة شيخنا الإمام ابن باز ﵀: «وقد حررنا هذا فوجدنا النصاب اثنين وتسعين [يعني جرامًا] إلا كسرًا يسيرًا، يعني عشرين مثقالًا، وهي أحد عشر جنيهًا
_________
(١) الإجماع، لابن المنذر، ص ٥٣ – ٥٤.
(٢) قال ابن قدامة ﵀: «وقال عامة الفقهاء: نصاب الذهب عشرون مثقالًا من غير اعتبار قيمتها إلا ما حكي عن عطاء، وطاووس، والزهري، وسليمان بن حرب، وأيوب السختياني، أنهم قالوا: هو معتبر بالفضة، فما كان قيمته مائتي درهم ففيه الزكاة، وإلا فلا؛ لأنه لم يثبت عن النبي ﷺ تقدير نصابه، فثبت أنه حمله على الفضة» ثم ساق ابن قدامة ﵀ الأدلة عن النبي ﷺ في الرد عليهم، وأنه الذي حدد نصاب الذهب تحديدًا لا ريب فيه [المغني، ٤/ ٢١٢ - ٢١٣].
(٣) المغني لابن قدامة، ٤/ ٢١٣.
1 / 13
ونصف جنيه سعودي [لأن زنة الجنيه المذكور مثقالان إلا ربع مثقال].
وقال في موضع آخر: «ومقدار النصاب بالجنيه السعودي والإفرنجي حتى يمكن تقدير الأوراق النقدية والعروض التجارية بذلك - أحد عشر جنيهًا وثلاثة أسباع الجنيه» (١). وهكذا قالت
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (٢). والله تعالى أعلم (٣). وتقدم أن الإمام ابن قدامة ﵀ حكى الإجماع على أن عروض التجارة تضم إلى كل واحدٍ من الذهب والفضة في تكميل النصاب، وكذلك لو كان له ذهب، وفضة، وعروض تجارة لم يبلغ أحد منهم النصاب فإنه يضم بعضها إلى بعض، والخلاف إنما جاء في ضم الفضة إلى الذهب وليس معهما عروض تجارة (٤). فلو كان له عشرة مثاقيل من الفضة، وخمسة مثاقيل من الذهب، وبيت قد عرضه للبيع وكلها دار عليها الحول؛ فإنه يحصي قيمة الجميع ثم يخرج زكاتها.
_________
(١) مجموع فتاوى ابن باز، ١٤/ ٧٩، ٨٠، ٩١.
(٢) قالوا: «المحرر عندنا أن نصاب الذهب الذي تجب فيه الزكاة عشرون مثقالًا، ومقدار ذلك بالجنيه السعودي أحد عشر جنيهًا وثلاثة أسباع الجنيه» [فتاوى اللجنة، ٩/ ٢٥٢].
(٣) وقد سبق أن ذكرت أني جربت ذلك بنفسي فوزنت ٧٢ حبة شعير متوسطة، فكان وزنها على ثلاث مجموعات: المجموعة الأولى ٧٢ حبة وزنها ٤.٨، والثانية ٧٢ حبة وزنها ٤.٦، والثالثة وزنها ٤.٤ جرام، فاخترت الوسط ٤.٦ جرام؛ لأنه وافق فتاوى شيخنا ابن باز ﵀، وكان قريبًا جدًا من فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. فكان نصاب الذهب بالجرامات على هذا الوزن هو ٤.٦ × ٢٠ مثقال يساوي ٩٢ جرامًا. ووزنَّا الجنيه السعودي فوجدناه ٨ جرامات، فيكون على هذا نصاب الذهب بجرامات الجنيهات = ٨ × ١١.٥ = ٩٢ جرامًا أيضًا.
(٤) انظر: المغني، ٤/ ٢١٠، وسيأتي التفصيل في ذلك إن شاء الله تعالى.
1 / 14
رابعًا: زكاة العملات المعدنية والورقية:
إذا بلغت العملات الورقية أو المعدنية نصاب الذهب أو الفضة زُكِّيت؛ فإن حكمها حكم النقدين على القول الصحيح، فينظر إلى ما يقابلها من النقدين؛ فإن بلغت قيمتها عشرين مثقالًا من الذهب، أو مائتي درهم من الفضة، وحال عليها الحول ففيها الزكاة (١)؛ لأنها بمنزلة النقدين في وجوب الزكاة؛ لدخولها في عموم قول الله تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾ (٢)؛ ولعموم قوله ﵊ لمعاذ بن جبل ﵁ حينما بعثه إلى اليمن، وفيه: «... فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم زكاة تؤخذ من أموالهم وتردُّ على فقرائهم ..» (٣).
فالعملات الورقية، والمعدنية مال، والناس يجعلونها في منزلة النقدين من الذهب والفضة؛ ولهذا تكون الزكاة فيها واجبة إذا بلغت نصاب الذهب أو نصاب الفضة، وحال عليها الحول (٤).
خامسًا: حقيقة الأوراق النقدية:
قرار هيئة كبار العلماء
رقم (١٠) وتاريخ ١٧/ ٤/١٣٩٣ هـ
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، محمد، وعلى آله وصحبه، وبعد:
_________
(١) الموسوعة الفقهية في فقه الكتاب والسنة، للعوايشة، ٣/ ٣٨.
(٢) سورة التوبة، الآية: ١٠٣.
(٣) متفق عليه: البخاري، برقم ١٤٥٨،ومسلم، برقم ١٩،وتقدم تخريجه في منزلة الزكاة في الإسلام.
(٤) انظر: الشرح الممتع، ٤/ ٩٩، وفتاوى ابن باز، ١٤/ ١٢٥، وأبحاث هيئة كبار العلماء، ١/ ٨٨.
1 / 15
فبناء على توصية رئيس إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، والأمين العام لهيئة كبار العلماء بدراسة موضوع الورق النقدي من قبل هيئة كبار العلماء؛ استنادًا إلى المادة السابعة من لائحة سير العمل في الهيئة التي تنص على أن ما يجري بحثه في مجلس الهيئة يتم بطلب من ولي الأمر، أو بتوصية من الهيئة، أو من أمينها، أو من رئيس إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، أو من اللجنة الدائمة المتفرعة عن الهيئة، فقد جرى إدراج الموضوع في جدول أعمال الهيئة لدورتها الثالثة المنعقدة فيما بين ١/ ٤/١٣٩٣هـ و١٧/ ٤/١٣٩٣هـ، وفي تلك الدورة جرى دراسة الموضوع بعد الاطلاع على البحث المقدم عنه من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
وبعد استعراض الأقوال الفقهية التي قيلت في حقيقة الأوراق النقدية من اعتبارها أسنادًا، أو عروضًا، أو فلوسًا، أو بدلًا عن ذهب أو فضة، أو نقدًا مستقلًا بذاته، وما يترتب على تلك الأقوال من أحكام شرعية – جرى تداول الرأي فيها، ومناقشة ما على كل قول منها من إيرادات. فتنتج عن ذلك عديد من التساؤلات التي تتعلق بالإجراءات المتخذة من قبل الجهات المصدرة لها:
وحيث إن الموضوع من المسائل التي تقضي المادة العاشرة من لائحة سير عمل الهيئة بالاستعانة بالشؤون الاقتصادية والاجتماعية والأنظمة العامة بما في ذلك القضايا البنكية والتجارية والعمالية؛ فإن عليها أن تشرك في البحث معها واحدًا أو أكثر من المتخصصين في تلك العلوم – فقد جرى استدعاء سعادة محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي
1 / 16
الدكتور أنور علي، وحضر معه الدكتور عمر شابريه أحد المختصين في العلوم الاقتصادية، ووجهت إلى سعادته الأسئلة التالية:
س١: هل تعتبر مؤسسة النقد ورق النقد السعودي نقدًا قائمًا بذاته أم تعتبره سندات تتعهد الدولة بدفع قيمتها لحاملها، كما هو مُدوَّنٌ على كل فئة من فئات أوراق النقد السعودي، وإذا لم يرد معنى هذه العبارة، فما معنى الالتزام بتسجيلها على كل ورقة، وهل يعني ذلك التعهد أن ورق النقد السعودي مغطى بريالات فضية أم لا؟
س ٢: هل لكل عملة ورقية غطاء مادي محفوظ في خزائن مصدِّريها، وإذا كان كذلك فهل هو غطاء كامل أم غطاء للبعض فقط، وإذا كان غطاء للبعض فما هو الحد الأعلى للتغطية، وما هو الحد الأدنى لها؟
س ٣: ما نوع غطاء العملات الورقية، وهل توجد عملة لأي دولة ما مغطاة بالفضة، وهل هناك جهات إصدار تخلت عن فكرة التغطية المادية مطلقًا؟
س ٤: المعروف أن الورقة النقدية لا قيمة لها في ذاتها، وإنما قيمتها في أمر خارج عنها، فما هي مقومات هذه القيمة؟
س ٥: نرغب شرح نظرية غطاء النقد بصفة عامة، وما هي مقومات اعتبار العملة الورقية على الصعيدين الدولي والمحلي؟
س ٦: هل الغطاء لا يكون إلا بالذهب، وإذا كان بالذهب وغيره فهل غير الذهب فرع عن الذهب باعتبار أنه قيمة له، وهل يكفي للغطاء ملاءة ومتانة اقتصادها وقوتها ولو لم يكن لنقدها رصيد؟
1 / 17
س ٧: ما يسمى بالدينار، والجنيه هل هو مغطى بالذهب؛ ولذا سمي دينارًا أو جنيهًا رمزًا لما غطي به، ومثله الريال السعودي هل هو مغطى بفضة أم أن هذه التسميات يقصد منها المحافظة على التسميات القديمة للعُمَلِ المتداولة فيما مضى بغض النظر عما هي مستندة عليه من ذهب أو فضة؟
س ٨: ما السبب في عدم الثقة في النقد المتداول اليوم مما أدى إلى ارتفاع الذهب ارتفاعًا لم يسبق له نظير؟
وأجاب سعادته عنها بواسطة المترجم القائد الدكتور أحمد المالك إجابة جرى رصد خلاصتها في محضر الجلسة مع سعادته، وقد توصلت بها الأكثرية من الهيئة إلى الاقتناع بما ارتأته فيها من رأي.
ثم بعد إعادة النظر في الأقوال الفقهية التي قيلت فيها على ضوء الإيضاحات التي ذكرها سعادة المحافظ قرر المجلس بالأكثرية ما يلي:
بناء على أن النقد هو كل شيء يجري اعتباره في العادة أو الاصطلاح، بحيث يلقى قبولًا عامًا كوسيط للتبادل، كما أشار إلى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال: «وأما الدرهم والدينار فما يعرف له حد طبعي ولا شرعي، بل مرجعه إلى العادة والاصطلاح؛ وذلك لأنه في الأصل لا يتعلق المقصود به، بل الغرض أن يكون معيارًا لما يتعاملون به، والدراهم والدنانير لا تقصد لنفسها، بل هي وسيلة إلى التعامل بها؛ ولهذا كانت أثمانًا ... إلى أن قال: والوسيلة المحضة التي لا يتعلق بها غرض، لا بمادتها ولا بصورتها يحصل بها المقصود كيفما كانت». اهـ (١).
_________
(١) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، ٢٩/ ٢٥١.
1 / 18
وذكر نحو ذلك الإمام مالك في (المدونة) من كتاب الصرف حيث قال: «ولو أن الناس أجازوا بينهم الجلود حتى يكون لها سكة وعين لكرهتها أن تباع بالذهب والورق نظرة» اهـ (١).
وحيث إن الورق النقدي يلقى قبولًا عامًا في التداول، ويحمل خصائص الأثمان من كونه مقياسًا للقيم ومستودعًا للثروة، وبه الإبراء العام، وحيث ظهر من المناقشة مع سعادة المحافظ: أن صفة السندية فيها غير مقصودة، والواقع يشهد بذلك ويؤكده، كما ظهر أن الغطاء لا يلزم أن يكون شاملًا لجميع الأوراق النقدية، بل يجوز في عرف جهات الإصدار أن يكون جزءًا من عملتها بدون غطاء، وأن الغطاء لا يلزم أن يكون ذهبًا، بل يجوز أن يكون من أمور عدة: كالذهب والعملات الورقية القوية، وأن الفضة ليست غطاءً كليًا أو جزئيًا لأي عملة في العالم، كما اتضح أن مقومات الورقة النقدية قوة وضعفًا مستمدة مما تكون عليه حكومتها من حال اقتصادية، فتقوى الورقة بقوة دولتها وتضعف بضعفها، وأن الخامات المحلية؛ كالبترول والقطن والصوف لم تعتبر حتى الآن لدى أي من جهات الإصدار غطاء للعملات الورقية.
وحيث إن القول باعتبار مطلق الثمنية علة في جريان الربا في النقدين هو الأظهر دليلًا، والأقرب إلى مقاصد الشريعة، وهو إحدى الروايات عن الأئمة مالك، وأبي حنيفة، وأحمد، قال أبو بكر: روى ذلك عن أحمد
_________
(١) المدونة الكبرى، للإمام مالك، ٣/ ٥، توزيع مكتبة دار الباز بمكة المكرمة.
1 / 19
جماعة، كما هو اختيار بعض المحققين من أهل العلم؛ كشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وغيرهما.
وحيث إن الثمنية متحققة بوضوح في الأوراق النقدية؛ لذلك كله فإن هيئة كبار العلماء تقرر بأكثريتها: أن الورق النقدي يعتبر نقدًا قائمًا بذاته كقيام النقدية في الذهب والفضة وغيرها من الأثمان، وأنه أجناس تتعدد بتعدد جهات الإصدار، بمعنى: أن الورق النقدي السعودي جنس، وأن الورق النقدي الأمريكي جنس، وهكذا كل عملة ورقية جنس مستقل بذاته، وأنه يترتب على ذلك الأحكام الشرعية الآتية:
أولًا: جريان الربا بنوعيه فيها، كما يجري الربا بنوعيه في النقدين: الذهب، والفضة، وفي غيرهما من الأثمان كالفلوس، وهذا يقتضي ما يلي:
(أ) لا يجوز بيع بعضه ببعض أو بغيره من الأجناس النقدية الأخرى من ذهب أو فضة أو غيرهما – نسيئة مطلقًا، فلا يجوز مثلًا بيع الدولار الأمريكي بخمسة أريلة سعودية أو أقل أو أكثر نسيئة.
(ب) لا يجوز بيع الجنس الواحد منه بعضه ببعض متفاضلًا، سواء كان ذلك نسيئة أو يدًا بيد، فلا يجوز مثلًا بيع عشرة أريلة سعودية ورق بأحد عشر ريالًا سعوديًا ورقًا.
(ج) يجوز بيع بعضه ببعض من غير جنسه مطلقًا، إذا كان ذلك يدًا بيد، فيجوز بيع الليرة السورية أو اللبنانية بريال سعودي، ورقًا كان أو فضة، أو أقل من ذلك أو أكثر، وبيع الدولار الأمريكي بثلاثة أريلة سعودية أو أقل أو أكثر إذا كان ذلك يدًا بيد، ومثل ذلك في الجواز بيع
1 / 20
الريال السعودي الفضة بثلاثة أريلة سعودية ورق أو أقل أو أكثر يدًا بيد؛ لأن ذلك يعتبر بيع جنس بغير جنسه ولا أثر لمجرد الاشتراك في الاسم مع الاختلاف في الحقيقة.
ثانيًا: وجوب زكاتها إذا بلغت قيمتها أدنى النصابين من ذهب أو فضة أو كانت تكمل النصاب مع غيرها من الأثمان والعروض المعدة للتجارة إذا كانت مملوكة لأهل وجوبها.
ثالثًا: جواز جعلها رأس مال في السلم والشركات.
والله أعلم، وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
هيئة كبار العلماء (١)
رئيس الدورة الثالثة: محمد الأمين الشنقيطي (متوقف) ... صالح بن لحيدان (متوقف) ... عبد الله بن منيع
عبد الرزاق عفيفي: لي وجهة نظر أخرى في الأوراق النقدية أقدم بها بيانًا إن شاءالله ... عبد الله بن حميد (متوقف) ... عبدالعزيز بن باز
عبد الله خياط
عبدالمجيد حسن ... عبدالعزيز بن صالح ... محمد الحركان
إبراهيم محمد آل الشيخ ... سليمان بن عبيد ... صالح بن غصون
عبد الله بن غديان (متوقف) ... راشد بن خنين ... محمد بن جبير
سادسًا: حكم ضم الذهب والفضة بعضهما إلى بعض في تكميل النصاب:
قال الإمام الحجَّاوي ﵀: «ويُضمُّ الذهب إلى الفضة في تكميل
_________
(١) أبحاث هيئة كبار العلماء، ١/ ٨٨ - ٩٣.
1 / 21