وأُنبئتُ ليلى أرسلتْ بشفاعةٍ ... إليَّ فهلاَّ نفسُ ليلى شفيعُها
أأكرمُ من ليلى عليَّ فتبتغي ... بهِ الجاهَ أمْ كنتُ امرءًا لا أطيعُها
وقال الحسين بن الضحاك:
أما ناجاكَ بالنَّظرِ الصَّحيحِ ... وأنَّ إليكَ من قلبٍ قريحِ
فليتكَ حينَ تهجرُهُ ضِرارًا ... تمنُّ عليه بالقتلِ المُريحِ
بحُسنكَ كانَ أوَّلُ حُسنِ ظنِّي ... وما ينهاكَ حُسنكَ عن قبيحِ
وما تنفكُّ مُتَّهمًا لنُصحي ... بنفسيَ نفسُ مُتَّهمِ النَّصيحِ
وقال آخر:
إلى كمْ يكونُ الصَّدُّ في كلِّ ساعةٍ ... وكمْ لا تملِّينَ القطيعةَ والهجرا
رُوَيدكِ إنَّ الدَّهر فيهِ بلاغةٌ ... لتفريقِ ذاتِ البينِ فانتظري الدَّهرا
وقال يزيد بن الطثرية:
علَى حينِ صارمتُ الأخلاَّءَ كلَّهُمْ ... إليكِ وأصفيتُ الهوَى لكِ أجمعا
وزدْتُكِ أضعافًا وغادرتُ في الحشا ... عظامَ البلايا بادياتٍ ورُجَّعا
جزيتُكِ فرضَ الودِّ ثمَّتَ خِلْتُني ... كذي الشَّكِّ أدنى شكَّهُ فتطوَّعا
فلمَّا تنازعنا سقاطَ حديثِها ... غشاشًا فلانَ الطَّرفُ منها فأطمعا
علَى إثر هجرانٍ وساعةِ خلوةٍ ... من الناسِ نخشى غُيَّبًا أنْ تطلَّعا
الباب السابع عشر
من عاتب علَى كلِّ ذنبٍ أخاه فخليقٌ أن يملَّه ويقلاه
أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى:
إذا أنتَ لم تستقبلِ الأمرَ لم تجدْ ... بكفَّيكَ في إدبارهِ مُتعلَّقا
إذا أنتَ لم تترُكْ أخاكَ وزلَّةً ... إذا زلَّها أوشكتُما أن تفرَّقا
وقال العرجي:
إذا أنتَ لم تغفرْ ذنوبًا كثيرةً ... تريبُكَ لم يسلمْ لكَ الدَّهرَ صاحبُ
ومنْ لا يُغمِّضْ عينهُ عن صديقهِ ... وعن بعضِ ما فيهِ يمُتْ وهو عاتبُ
وقال آخر:
أردْتُ لكيْ ما لا ترى ليَ زلَّةً ... ومن ذا الَّذي يُعطى الكمالَ فيكمُلُ
ومنْ يسألِ الأيَّامَ نأيَ صديقهِ ... وصرفَ اللَّيالي يُعطِ ما كانَ يسألُ
هؤلاءِ الذين ذكرنا أشعارهم يخبرون عن أنفسهم أنهم إنَّما يتركون معاتبة أحبابهم إشفاقًا من تغيُّرهم لهم وانحرافهم عنهم فإن كان ما تركوا المعاتبة عليه فعساه يرجع على أصحابهم فقد أساؤوا إذْ لم ينبِّهوهم على موضعه وآثروا منفعة أنفسهم على مصالح أحبَّتهم وإن لم يكن ذنبًا ألا يتركوه فقد كان الأجمل بإخوانهم ألا يذكروه بل كان من حقِّ أحبابهم عليهم ألا يتوهَّموه فضلًا عن أن ينطقوا به لأوليائهم أوْ يجرونه على خواطر أعدائهم وسبيل مثل هذا أن يعترف به المحبوب مبتدئًا بذكره ومتنصِّلًا من فعله فلا يصغي المحبّ ليفهمه ولا يوهم صاحبه أنَّه خطر على وهمه.
ولقد أحسن غاية الإحسان الَّذي يقول:
ومُعتذرٍ فرطُ إشفاقهِ ... أضاقَ عليهِ الَّذي تمَّما
ولم يدرِ أنَّ سبيلَ الإخاءِ ... أعظمُ من كلِّ ما عظَّما
وبلغني أن الوضاح الكوفي كتب إلى علي بن محمد العلوي:
خُطَّةٌ في الذُّنوبِ والاعتذارِ ... ليسَ يُعنى بها سوى الأحرارِ
ضقتُ ذرعًا بها وقد كنتُ أشفيْ ... تُ علَى الهُلكِ من شفيرٍ هارِ
فتجالَلْتَ عن جزاءٍ بسوءٍ ... وترافعتَ عن طلابٍ بِثارِ
ثمَّ لم ترضَ لي بذلك حتَّى ... صُنتني عن مذلَّةِ الاعتذارِ
ثمَّ أوْجبتَ لي علَى غيرِ عقدٍ ... حُرمةَ المُستجيرِ بالمُستجارِ
لم نرَ العفوَ منكَ يقدحُ في عِرْ ... ضكَ لمَّا عفوتَ بعدَ اقتدارِ
فأجابه علي بن محمد:
ليسَ جودُ الرَّبيعِ راشفَ وجهَ الأ ... رضِ عن مبسمٍ منَ الأنوارِ
لا ولا العاشقانِ ضمَّهُما الشَّوْ ... قُ علَى غايةِ الضَّنى في إزارِ
فهما مُلصقانِ كالسَّاعد البَيْ ... ضاء عضَّضتها بضيقِ السِّوارِ
كأخٍ عهدهُ وعهديَ في الوُ ... دِّ كعهدِ الأنواءِ والأمطارِ
رقَّ معناهُما فلمْ يلبسا الأيَّ ... امَ إلاَّ علَى اقترابِ المزارِ
لجَّ في الاعتذارِ من شفقِ الوجْ ... دِ وأجلَلْتهُ عنِ الاعتذارِ
فأهل الصَّفاءِ هكذا يجب أن تجري أحوالهُم في تركه ما كان من حقوق أنفسهم والابتداء ببسط العذر لأحبَّتهم.
1 / 49