ذكروا أنَّ جميلًا وكثيِّرًا التقيا فقال جميل لكثيّر بأني أريد أن تصير إلى بثينة فتأخذ لي عليها موعدًا، فقال له: ويحك من عند عمِّها جئت وغاشية أهلها كثير قال له جميل: إنَّ الحيلة تأتي من وراء ذلك فقال له كثيّر: فأعطني علامة تعرفها قال جميل: آخر يوم التقينا كنَّا في وادي الدَّوم فأصاب ثوبها شيء من ورق الشَّجر فغسلته فمضى كثيّر إلى عمِّها فقال له: ما الَّذي ردَّك؟ فقال: أبيات صنعتها في عزَّة أحببت أن تسمعها قال: وما هي؟ فأنشأ يقول:
أقولُ لها يا عزَّ أرسلَ صاحبِي ... علَى نأْيِ دارٍ والموكَّلُ مُرسلُ
بأنْ تجعلِي بيني وبينكِ موعدًا ... وأنْ تأمُريني ما الَّذي فيهِ أفعلُ
أما تذكرينَ العهدَ يومَ لقيتكمْ ... بأسفلِ وادِي الدَّومِ والثَّوبُ يُغسلُ
فلمَّا سمعت ذلك بثينة قالت: إخسأ قال لها عمُّها: ما الَّذي أخسأت يا بثينة؟ قالت: كلبًا كان يعترينا ليلًا وقد رأيته نهارًا فانصرف كثيّر إلى جميل وعرَّفه أنَّا قد ذكرت اللَّيل فصر إليها.
وقال آخر:
إنَّ الَّتي أبصرْتها ... سحَرًا تكلِّمُني رسولُ
أدَّتْ إليَّ رسالةً ... كادتْ لها نفسِي تسيلُ
فَلَوَ انَّ أُذنكَ بينَنَا ... حتَّى تسمَّعَ ما نقولُ
لرأيتَ ما استقبحتَهُ ... مِنْ فعلِنا وهوَ الجميلُ
وقال آخر:
خليليَّ عُوجا باركَ اللهُ فيكُما ... وإنْ لمْ تكنْ أرضِي لأرضِكُما قصدا
وقولا لها ليسَ الضَّلالُ اختيارَنا ... ولكنَّنا جُزْنا لنلقاكمُ عمْدا
وقال آخر:
ألا يا نسيمَ الرِّيحِ إنْ كنتَ هابطًا ... بلادَ سُليمى فالتمسْ أنْ تكلَّما
لتَقْرَا علَى ليلى السَّلامَ وأهلِها ... وكنْ بعدَها عنْ سائرِ النَّاسِ أعجَما
وقال خليفة بن روح الأسدي:
ألا يا خليلَ النَّفسِ إنْ جئتَ أرضَها ... فأنتَ لمشهورٌ هناكَ رسولُ
فسلْ أُمَّ سلمٍ هلْ محا عهدَها الغِنى ... ومالٌ حوتهُ بعدَنا وخليلُ
وباللهِ سلْهَا هلْ تطاولَ ليلُها ... كما اللَّيلُ إذْ بانتْ عليَّ طويلُ
وإنَّ لسانِي باسمِ ليلَى وذكرِها ... إذا قلتُ تشبيهًا بها لذلولُ
وقال ابن أبي أمية:
أقولُ وقدْ أجدَّ رحيلُ صحْبِي ... لِخِدْنَيَّ اهدِيا هديًا جميلا
ألِمَّا قبلَ بينِكُما بسُلمى ... فقولا أنتِ ضامنةٌ قتيلا
رجَا منكِ النَّوالَ فلمْ تُنيلِي ... وقد أورثتهِ سقمًا طويلا
فإن وصلتْكُما سُلمى فقولا ... نرَى في الحقِّ أنْ نصلَ الوَصولا
وإنْ آنستُما بخلًا فلسْنا ... بأوَّلِ مَنْ رجَا حرجًا بَخيلا
وقال المقدام بن ضيغم:
أخا الجنِّ بلِّغْها السَّلامَ فإنَّني ... منَ الإنسِ مزورُّ الجَنانِ كتومُ
أخا الجمِّ حالُ النَّاسِ بيني وبينَها ... عدوٌّ ومُستَحْيًا عليَّ كريمُ
وقال يزيد بن الطثرية:
ألمَّا علَى ظلاَّمَة اليومَ فانْطِقا ... بعُذرِي لديها واذْكُراني تعجُّبا
وقولا إذا عدَّتْ ذنوبًا كثيرةً ... عليَّ تجنَّاها امرؤٌ ما تغبَّبَا
هَبيهِ امرءًا إمَّا بريئًا ظلمتهِ ... وإمَّا مُسيئًا تابَ بعدُ وأعْتَبا
وقال أيضًا:
أيا رِفقةً مِنْ أهلِ بُصرَى تحمَّلتْ ... تؤمُّ الحِمى لُقِّيتِ مِنْ رفقةٍ رُشدا
إذا ما بلغتمُ سالمينَ فبلِّغوا ... تحيَّةَ مَنْ قد ظنَّ أنْ لا يرَى نجدا
وقولا تركْنا الحارثيَّ مكبَّلًا ... بكبلِ الهوَى مِنْ حبِّكمْ مضمرًا وجْدا
وقال عمر بن أبي ربيعة:
أرسلتْ أسماءُ في معتبةٍ ... عتِبَتْها وهيَ أحلى مَن عتبْ
إذْ أتى منها رسولٌ موهنًا ... وجدَ الحيَّ نيامًا فانقلبْ
ضربَ البابَ فلمْ يشعرْ بهِ ... أحدٌ يفتحُ عنهُ إذْ ضربْ
قالَ أيقاظٌ ولكنْ حاجةٌ ... عرضتْ تُكتمُ منَّا فاحتجبْ
ولهذا ردَّنِي فاجتهدتْ ... بيمينٍ حلفتْ عندَ الغضبْ
أُشهدُ الرَّحمانَ لا يجمعُنا ... سقفُ بيتٍ رحِبًا حتَّى وجبْ
قلتُ يا هندُ اعمِدِي لي نحوَها ... واحلِفي باللهِ كشَّافِ الكربْ
فأتتها طبَّةٌ عالمةٌ ... تخلطُ الجدَّ مرارًا باللَّعبْ
1 / 42