ظاہرہ مد و جزر بحار
ظاهرة مد وجزر البحار في التراث العلمي العربي: مراحل تطور النظريات العلمية التي تفسر ظاهرة المد والجزر في البحار وإسهامات العلماء العرب والمسلمين فيها مع تحقيق مجموعة من المخطوطات العربية المتعلقة بالموضوع
اصناف
إن «الذي يحير العقل ويصير اللبيب متحيرا في الفكر هاتان الحركتان العجيبتان، أعني المد والجزر، وقد اختلف العلماء النظار والحكماء الشطار في إدراك سبب المد والجزر؛ فالبعض منهم قال إن العالم هو حيوان مركب من الأربعة عناصر، متصف بالعقل والحياة، ومنخراه تحت البحر فإذا تنفس واجتذب الهواء اجتذب ماء البحر، ومتى أطلق النفس امتد الماء وهو المد.»
وقال البعض إن السبب في المد والجزر هو جريان الأنهار وانصبابها في البحر وعودها عنه، فإذا جرت المياه النهرية إلى البحر تزايد ماء البحر، وزيادة المياه تقتضي سعة المكان واتساعه، وهكذا يكون المد، وفي رجوع تلك المياه إلى أماكنها من القنايات وتجاويف الأرض عاد البحر إلى حاله وهو الجزر.
وقال البعض إن تحت البحر هوية عظيمة في غاية الاتساع، فإذا جرت المياه من البحور وأسرعت في الخرير بثقلها من شدة الجريان، صدر امتداد البحر؛ لأن المياه تتسع بكثرة الحركة، ويكون المد. وفي ضعفها تعود إلى حالها الأول وهو الجزر كما شوهد في المياه الجارية من رءوس الجبال، لأنها تعود صاعدة إلى العلو في نزولها إلى السفال بشدة الانصدام، ثم ترجع منعكسة، وهو كالمد، وبضعف الصدمة ورجوع المياه إلى حالها يكون كالجزر، وهذا رأي أفلاطون.
والبعض قالوا عن المد والجزر إنه من كيفيات البحر التي بتأثيرها يغيض ويغور، وبضعف تأثيرها يعود إلى حاله ويحصل الجزر، ويجري ذلك في مدة محدودة كما هو مشهود في بدن المحموم متى أصابته الحمى ، وكما تجتمع الطبائع في مدة محدودة وباجتماعها يتحرر البدن أو يبرد ثم تفترق الطبائع وتعود إلى درجة الاعتدال في مدة أخرى وتزول الحمى. هكذا البحر في زمن مخصوص تغيض مياهه باجتماع كيفياته المؤثرة ويفعل المد، وفي حين معلوم تعود الكيفيات إلى درجة الاعتدال فيسكن البحر ويعود إلى حاله وهو الجزر.
لكن الرأي الأصوب والقول الأرجح في معرفة السبب الموجب للمد والجزر هو القمر بتأثيره، وهذا التأثير إما ذاتي له وإما مكتسب من الشمس وهو بينهما، ولشرح ذلك اعلم أن البحر المتصف بالمد والجزر فإنه يبتدئ بالامتداد حتى ينتهي ساعات ثم يعود القهقرى إلى الوراء وهو الجزر، وهكذا ست ساعات، وفي بعض الأراضي يبلغ المد من المسافة نحو أربعين ميلا حتى قيل إنه أغرق كثيرا من الخلق في مرورهم على مجراه غفلة، واستدل من قال إن سبب المد والجزر هو القمر بأدلة مختلفة:
أولا:
من اختلاف نظر الشمس إلى القمر، وذلك مجرب أنه متى كان القمر بدرا واشتد تأثير الشمس فيه من الوجه الذي يلينا تزايد المد والجزر في ذلك الحين.
ثانيا:
ازدياد المد والجزر تابع لازدياد القمر وانمحاقه حتى إنه قد يتقدم ويتأخر في كل دور اثنتي عشرة درجة. مثلا: لو قدرنا إن ابتداء المد كان وقت الزوال في يومنا هذا، فإنه يتأخر غدا اثنتي عشرة درجة بعد الزوال؛ لأن القمر في كل دور يتأخر محله اثنتي عشرة درجة. وأيضا بازدياد القمر في نوره المكتسب من الشمس يتزايد المد وفي المحاق ينقص.
ثالثا:
نامعلوم صفحہ