زعیم ثائر احمد عرابی
الزعيم الثائر أحمد عرابي
اصناف
عرابي باشا بعد عودته من المنفى.
فشخصية عرابي كانت تجمع بين المحاسن والأضداد، حقا أن الرأي في شخصيته قد تغير لو كتب له الفوز والنجاح ... فلو أن الثورة قد انتصرت لتضاءلت عيوبه إلى جانب مزاياه ومحاسنه، وهكذا شأن الحوادث والأحداث لها دخل كبير في تقدير الرجال والأشخاص:
والناس من يلق خيرا قائلون له
ما يشتهي، ولأم المخطئ الهبل
1 (4) أسباب إخفاق الثورة
فلنتكلم الآن عن أسباب إخفاق الثورة العرابية، فلعلها تلقي بعض الضوء على شخصية عرابي، والظروف التي اكتنفت الثورة والأسباب التي أدت إلى إخفاقها، ولعل هذه الأسباب تخليه من مسئولية هذا الإخفاق.
إن لإخفاق الثورة العرابية عوامل عدة، بعضها داخلي، وبعضها خارجي ... وأول العوامل الداخلية هو الانقسام الذي وقع في الصفوف بين العرابيين والخديو توفيق، فإن هذا الانقسام جعل من البلد معسكرين متحاربين؛ معسكر الثورة ومعسكر الخديو، فوقع الاصطدام بينهما وتفاقم أمره، وانتهز الإنجليز فرصة وجوده وما أدى إليه من ضعف وتخاذل، فحققوا أغراضهم الاستعمارية بالتدخل في شئون البلاد ثم احتلالها، ولو عولجت أسباب الفرقة والانقسام بالحكمة، وحسن السياسة لسارت الثورة على صراطها المستقيم ونجت البلاد من الاحتلال.
صحيح أن الثورة في ذاتها بدأت بالتصادم مع الخديو، فما واقعة قصر النيل ثم واقعة عابدين، إلا مظاهر لهذا التصادم وذلك الانقسام ... فكيف يمكن إذن تعليل إخفاق الثورة بالانقسام، وهو هو منشأ الثورة؟
نقول نعم ... إن الثورة ظهرت أول ما ظهرت بالتصادم مع الخديو، وهي وليدة هذا التصادم أو هذا الانقسام، ولكن الحكمة كانت تقتضي بعد إجابة مطالب عرابي وصحبه في وقعة عابدين، ونزول الخديو على إرادتهم أن يعالجوا الشئون العامة بالأناة والتريث، ويعملوا على رأب الصدع وتوحيد الكلمة وإزالة الفرقة والخلاف بينهم وبين الخديو، ولكنهم على العكس لم يأبهوا لهذه الناحية ... وداخلهم الشيء الكثير من الغرور وعدم النظر في العواقب، فأخذ الخلاف يتسع ويتفاقم، حتى كان من أمره أن اعتزم العرابيون خلع الخديو وتحدثوا في ذلك علنا، وهذا أقصى مظاهر التنازع والشقاق بين أبناء البلد الواحد. •••
كان لهذا الانقسام من العواقب الوخيمة ما لا يغيب عن البال، فقد أدى إلى التخاذل في ساعة الخطر، وتضعضع قوة المقاومة ... بل هو السبب المباشر للاحتلال البريطاني، إذ إن الإنجليز تذرعوا إلى هذا الاحتلال بدعوى تأييد سلطة الخديو وحماية العرش، فجاسوا خلال الديار وحاربوا العرابيين، وكان في وصف الإنجليز معسكر الخديو والحكومة، وكان يجدر بعرابي وزملائه زعماء الثورة أن يتداركوا هذه الحالة، ويتلافوا أسباب الانقسام تفاديا من التدخل الأجنبي. ولم يكن لهم عذر في أن يجهلوا المطامع الاستعمارية التي تكتنف مصر ... فإن حوادث ذلك العصر، والعصر الذي سبقه كانت تكشف عن نيات إنجلترا في تطلعها إلى احتلال وادي النيل، ولقد تجلت هذه النيات منذ حاربت نابليون في مصر سنة 1798، وحين أسس محمد علي الدولة المصرية الحديثة، فجردت سنة 1807 تلك الحملة التي باءت بالخيبة والخذلان، وما فتئت تعمل على تحقيق أغراضها الاستعمارية في عهد محمد علي وخلفائه، وكان شراؤها أسهم مصر في قناة السويس سنة 1875 الخطوة الأولى نحو الاحتلال ... فهذه الحوادث وغيرها، كان من شأنها أن تبصر العرابيين بالخطر الذي يتهدد البلاد، وتدعوهم إلى تلافي أسباب الانقسام الذي لا شك في أنه يوهن قواها في ساعة الخطر، وكان لهم من احتلال فرنسا وتونس سنة 1881 نذير بما تستهدف له مصر من مطامع الاستعمار الأوروبي عامة ... ولكنهم لم يتبصروا في العواقب، فمهدوا السبيل إلى إخفاق الثورة ووقوع الاحتلال. •••
نامعلوم صفحہ