كما هو الحال مع أغلب الموضوعات، ثمة اختلافات على التعريف. إحدى المسائل التي تحير الناس دائما تنشأ من عدم التمييز بين اليوتوبية باعتبارها فكرة عامة، والأدب اليوتوبي باعتباره فرعا من فروع الأدب؛ فاليوتوبية تشير إلى الأحلام والكوابيس المتعلقة بالسبل التي تنظم بها الجماعات البشرية حيواتها، التي عادة ما تضع تصورا لمجتمع مختلف كليا عن المجتمع الذي يعيش فيه الحالمون. واليوتوبية، على العكس من معظم النظريات الاجتماعية، تركز على الحياة اليومية، إضافة إلى المشكلات المتعلقة بالأمور الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
ويمكن التعرف على نطاق الكلمة في وصف الفيلسوف البولندي ليشك كولاكفسكي (1927-2009) للعملية التي بموجبها برزت الكلمة:
كاسم مصاغ اصطناعيا، واكتسبت، في القرنين الماضيين، معنى واسعا لدرجة أنه لا يشير إلى جنس أدبي وحسب، وإنما أيضا طريقة في التفكير، إلى عقلية، إلى موقف فلسفي، وتستخدم في تصوير ظواهر ثقافية تعود إلى الماضي البعيد.
يعرض كولاكفسكي التعقيد الذي تنطوي عليه اليوتوبية. إنني أطلق على اليوتوبية: «الحلم الاجتماعي»، في حين تطلق عليها عالمة الاجتماع روث ليفيتاس (المولودة في عام 1949): «الرغبة في طريقة أفضل للوجود»؛ بحيث تكون اليوتوبيا جانبا في «تثقيف هذه الرغبة». وفي إطار هذا النطاق العريض للكلمة، يكمن ما أطلق عليه «أوجه اليوتوبية الثلاثة»: الأدب اليوتوبي، والتطبيق العملي لليوتوبيا، والنظرية الاجتماعية اليوتوبية. وكما توضح الاقتباسات المعروضة في صدر هذه المقدمة، أصبحت الكلمة تحمل معاني مختلفة لأشخاص مختلفين.
يستخدم الباحثون اليوم - على نحو عام - تعريفين متشابهين جدا للأدب اليوتوبي: الأول وضعه المنظر الأدبي داركو سوفين (المولود عام 1930)، أما الثاني فأنا الذي وضعته:
البناء اللفظي لمجتمع شبه بشري خاص تنظم فيه المؤسسات الاجتماعية السياسية، والأعراف، والعلاقات بين الأفراد حسب أسس أكثر مثالية من تلك الموجودة في مجتمع المؤلف؛ وهذا البناء يقوم على انفصال ناشئ عن فرضية تاريخية بديلة.
مجتمع غير موجود معروض بتفصيل كبير، عادة ما يشغل زمانا ومكانا. وفي الاستخدام القياسي، تستخدم اليوتوبيا كما هي معرفة هنا، وأيضا باعتبارها مرادفا للمجتمع السعيد الطيب؛ أي المجتمع غير الموجود المعروض بتفصيل كبير، الذي عادة ما يشغل زمانا ومكانا، والذي يقصد المؤلف أن يراه القارئ المعاصر أفضل كثيرا من المجتمع الذي يعيش فيه.
وحيث إن الكتاب الذين يؤلفون أعمالا عن اليوتوبيا يبتكرون باستمرار أشكالا جديدة من اليوتوبيا لعرض أفكارهم، فيجب أن يكون لأي تعريف لليوتوبيا حدود مرنة نوعا ما. واليوتوبيات المعاصرة لا تشبه على الإطلاق ما كنا نطلق عليه في السابق يوتوبيا؛ فهي على وجه الخصوص أكثر تعقيدا، وأقل تحديدا في مقاصدها، وتسعى لتوضيح عيوب البشرية.
ينطوي التطبيق العملي لليوتوبيا على ما نطلق عليه - في أغلب الأحيان - الآن المجتمعات المقصودة أو الكوميونات، إلا أنه كان يطلق عليها في السابق أسماء أخرى كثيرة، بما في ذلك المجتمعات اليوتوبية، والتجارب اليوتوبية، واليوتوبيا العملية. هنا، لا يوجد أي تعريف متفق عليه، لكن يستخدم كثير من الباحثين تعريفي كثيرا مع تغييرات طفيفة، والذي ينص على ما يلي:
المجتمع المقصود هو مجموعة من خمسة أفراد بالغين أو أكثر وأطفالهم، إن وجدوا، قادمين من أكثر من أسرة نووية، واختاروا أن يعيشوا معا لتعزيز قيمهم المشتركة، أو لغرض ما آخر اتفقوا عليه فيما بينهم.
نامعلوم صفحہ