تبتدئ هذه الجهة من السور المذكور من جنوبي هويس ترعة المحمودية الواقع أمام شون الأقطان، ويمتد السور منها متجها إلى الشمال مسافة قدرها 350 مترا؛ حيث كان يوجد في نهاية هذه المسافة منه باب يدعى «باب المغارات» وموقعه الآن بشارع الكوبري القديم أمام مكابس الأقطان، ثم يمتد في هذا الاتجاه مسافة قدرها 80 مترا، ثم ينكسر متجها قليلا إلى ناحية الشمال الغربي ممتدا في هذا الاتجاه مسافة قدرها 300 متر؛ حيث موقع رصيف جمرك المحمودية الآن، ثم يعتدل إلى ناحية الشمال ممتدا مسافة قدرها 100 متر، مارا بموقع مخازن الجمرك الآن، ثم يستدير نحو الشرق قليلا مع اتجاهه إلى ناحية الشمال ممتدا في هذا الاتجاه مسافة قدرها 650 مترا، مارا بمواقع مخازن جمرك الإسكندرية ومكتب البريد؛ حيث ينتهي بالقرب من مواقع مخازن الدخان الآن غربي شارع البحرية؛ أي عند بدايته في موقع الباب رقم 10 الآنف الذكر.
ومن هذا الوصف يعرف أن جزءا من مدينة الإسكندرية الحالية كان موجودا وقت مجيء الحملة الفرنسية، ولم يكن داخل هذا السور وهذا الجزء هو الواقع شمال هذا السور بين الميناء الشرقية والميناء الغربية، ويشتمل على قسم رأس التين وقسم الجمرك وجزء من قسم المنشية، ولا بد أن يكون السبب في ذلك يرجع إلى أن هذا الجزء كان في قديم الزمان مغمورا بالماء، وكانت الميناءان متصلتين ببعضهما، وكانت المدينة متصلة بجزيرة فاروس بواسطة جسر من الأحجار، وكان هذا الجسر هو الخط الفاصل بين الميناءين المذكورتين، وكان حد الإسكندرية الشمالي ينتهي بسور العرب ولا يجاوزه.
والنتيجة المترتبة على ذلك هي أن هذا الجزء لم يشيد، ولم يصبح في هذه الحالة التي وجدته عليها الحملة الفرنسية إلا بعد أن ردم هذا الجسر وطمر واتصلت الميناءان ببعضهما ثم اتصلتا بجزيرة فاروس.
أما بناء هذا السور الحربي فإنه كان على ما يلوح من البناء الفاخر كما تدل على ذلك صوره ورسومه المخططة في كتاب «وصف مصر» لعلماء الحملة الفرنسية.
ومما يؤسف له أشد الأسف عدم الاحتفاظ بهذا السور الأثري القيم الذي هدم جانب منه، وهو الجزء الواقع بالقرب من الميناءين في عهد حكم محمد علي، ثم تهدم جزء آخر منه في حكم الخديو إسماعيل، وباقيه هدم في عهد الاحتلال الإنكليزي.
وإليك وصف هذا السور وقت مجيء الحملة الفرنسية كما جاء في كتاب «وصف مصر» بالجزء الخاص بمدينة الإسكندرية الحديثة:
لا يحتوي سور هذه المدينة المهجور، الذي بعض أجزائه محصن بأكثر من 100 برج مختلفة الأشكال، إلا على جزء من مدينة الإسكندرية اليونانية الرومانية القديمة. ويسمى هذا السور من زمن بعيد بسور مدينة العرب؛ لأنه يظن أن أمراء الأمة العربية الذين دام لهم حكم الإسكندرية ومصر نحو 1200 سنة هم الذين بنوه.
ويبدو لنا أن الواقع هو أن هذا السور الذي يبلغ امتداده 7893 مترا قد شيد العرب أكبر جزء منه في القرن التاسع الميلادي (القرن الرابع الهجري) وحالة حيطانه الآن التي يحميها خندق ضيق، سيئة على وجه العموم، وبين أبراجه الكثيرة الشاهقة التي أكثرها رحب وبنيانها فخم، يشاهد بعض أبراج واقعة على الميناءين وعلى أطراف المدينة الحديثة يرجع تاريخ إقامتها إلى القرون الأولى التي أنشئت فيها مدينة الإسكندرية القديمة؛ فقد نقل الخلف عن السلف أن واحدا من هذه الأبراج، وهو الذي يشرف على الفرضة الجديدة (الميناء الشرقية) من صنع يد الرومانيين، وهذا البرج ما زال إلى الآن يسمى «البرج الروماني»، وهو البرج القائم قرب مسلات كليوبطرة وعلى الشمال منها.
وهنالك برجان آخران يلفتان النظر بضخامتهما ولونهما العتيق: أحدهما قائم على الميناء الجديدة ومطل على مدخل الساحة التي عندها تنتهي قناطر المجرى المائي، والثاني يشرف على الميناء القديمة وبداخله برج آخر قائم في وسطه. وهذا البرج المزدوج المتصلة حيطانه من الداخل بقبو مستدير، رحب جدا وبناؤه أنيق. كما أن بعض أبراج أخرى كانت أجزاؤها السفلى تستخدم ولا بد لخزن الماء.
ويوجد صهريج فخم في برج من الأبراج المطلة على واجهة المدينة الحديثة الجنوبية.
نامعلوم صفحہ