قبل أن تقرأ
الإهداء
مدخل
يوميات
1962
1963
1964
فذلكة ختامية
هوامش
قبل أن تقرأ
الإهداء
مدخل
يوميات
1962
1963
1964
فذلكة ختامية
هوامش
يوميات الواحات
يوميات الواحات
تأليف
صنع الله إبراهيم
قبل أن تقرأ
واكبت سنوات مراهقتي نهاية العهد الملكي في مصر. كانت البلاد تموج بدعوات التحرر الوطني من الوجود الإنجليزي العسكري، والتحرر الاجتماعي من سيطرة الإقطاع، ومن الأمية والمرض والحفاء! .. وشكلت هذه البيئة وجداني، وخاصة الحديث عن أن المعرفة هي كالماء والهواء يجب أن تكون للجميع وبالمجان.
وفي مغرب يوم من سنة 1951م، كنا أنا وأبي عائدين من زيارة لأحد أقاربنا في شرق القاهرة. توقفنا في ميدان العتبة لنأخذ «الباص» إلى غربها حيث نقطن. اتخذنا أماكننا في مقاعد الدرجة الثانية. نعم! كانت مقاعد «الباص» آنذاك - والترام أيضا - مقسمة إلى درجتين بثمنين متفاوتين للتذاكر التي يوزعها «كمساري» برداء أصفر مميز أثناء مروره على الركاب.
جلسنا أنا وأبي خلف الحاجز الزجاجي الذي يفصل الدرجتين، وتابعت في حسد ركاب الدرجة الأولى، بينما كان أبي غارقا في أفكاره التي تثيرها دائما أمثال هذه الزيارات.
قلت بحماس طفولي: «سيأتي اليوم الذي يزول فيه هذا الحاجز، بل ويصبح الركوب بالمجان.»
تذكرت الروايات التي أعشق قراءتها فأضفت: «والكتب أيضا!»
تطلع إلي باستياء من سذاجتي: نعم! الكتب بالمجان؟ يا لها من سذاجة!
ولم أتصور وقتها أن يأتي اليوم الذي تصبح فيه كتبي أنا متاحة للقراءة بالمجان! وذلك بفضل مبادرة جريئة من مؤسسة مصرية طموحة، فشكرا لها!
صنع الله إبراهيم
الإهداء
إلى ذكرى حسين عبد ربه، الذي لولاه ما كان هذا الكتاب.
مدخل
السجن هو جامعتي؛ ففيه عايشت القهر والموت، ورأيت بعض الوجوه النادرة للإنسان، وتعلمت الكثير عن عالمه الداخلي وحيواته المتنوعة، ومارست الاستبطان والتأمل، وقرأت في مجالات متباينة. وفيه أيضا قررت أن أكون كاتبا. أما أبي فهو المدرسة. •••
كان حكاء عظيما، يتقن سبك حكاياته ونوادره المختلفة، النابعة من تجاربه أو قراءاته، بحيث يستولي على مستمعيه. وكدت أصبح المستمع الوحيد في السنوات الأخيرة من عمره؛ فقد كان على مشارف الستين عندما أنجبني من زوجة ثانية. وخلق بيننا تقدمه في السن - واختفاء أمي المبكر - العلاقة الحميمة التي تنشأ عادة بين الجد والحفيد. كنا نلعب معا النرد والورق، وأشاركه مزة البيرة التي يحبها ويشربها مرة في الشهر، ثم كان هو الذي شجعني على القراءة. وما زلت أذكر الليلة التي عاد فيها إلى المنزل حاملا ربطة كبيرة من «روايات الجيب» المستعملة المتنوعة. وعندما دخلت طور المراهقة كان هو الوحيد الذي لجأت إليه فجمعت مجموعة من الكتابات عن الممارسات الطبيعية لتلك المرحلة، قدمتها إليه ليقرأها ويسديني النصيحة. وكانت هذه الكتابات تحيط هذه الممارسات بإطار من الترويع والجهل، فيما عدا مقالا في مجلة جديدة اسمها «الطب النفسي» أصدرها ممارس للتنويم المغناطيسي يدعى الدكتور
محب ، حقق شهرة كبيرة في تلك الفترة، ونسب لنفسه نجاحات عديدة، أهمها استعادة ساعة
مصطفى أمين
الضائعة. تعرض المقال للأوهام المنتشرة بشأن «العادة السرية»، ونفى أية أضرار لها، وهاجم دعاة العفة المطلقة قائلا: إن الكف عن استعمال أية عضلة في الجسم يؤدي إلى ضمورها! قرأ أبي هذا المقال باهتمام لكنه ظل حائرا، وحاول أن يدفعني إلى الصلاة، ثم أخذني إلى صيدلي صديق له شاركه الحيرة ونصح بإعطائي بعض الفيتامينات. •••
وكان أبي مثل الكثيرين من أبناء عصره، متدينا مستنيرا، يربط التعاليم الدينية والأخلاقية بالواقع المستوحى من تجاربه الواسعة، وبعضها نابع من تنقلاته في أنحاء
مصر والسودان
بحكم وظيفته المدنية في وزارة الحربية. وآمن في الوقت نفسه بكثير من الأمور الغيبية وبالسحر والشعوذة. وقد أفادني هذا التناقض في شخصيته؛ فقد تشربت منه احترام الكثير من القيم الدينية السامية، وفي الوقت نفسه كراهية المحتل الإنجليزي والملك والأحزاب الفاسدة، والاستعداد للتمرد على الأوضاع والأفكار السائدة، وعدم التسليم بما لا يتفق مع العقل. وفتحت لي حكاياته عالما مثيرا من المثل والبطولات، وشاركته الإعجاب
بعمر بن الخطاب
و
علي بن أبي طالب
وكراهية
معاوية بن أبي سفيان . وعندما بلغت في تطوري مرحلة التمرد عليه، وجدت هدفا لتمردي في الجزء الغيبي من أفكاره.
دفعني الملل من الدراسة (التي كنت فيها متواضع الأداء )، فضلا عن ظروفي العائلية، إلى عالم القصص الساحر. ومن حسن حظي وحظ جيلي من الكتاب، أن وجدنا أمامنا مجلة أسبوعية تدعى «روايات الجيب» تصدر منذ الثلاثينيات، وتنشر ملخصات وافية لكافة أنواع الروايات العالمية من كلاسيكية إلى بوليسية. وقد أسبغ عليها ناشرها عمر عبد العزيز أمين، ما يتميز به من أسلوب عصري بعيد عن التقعر. وشاركه في ذلك عدد من المترجمين المتميزين مثل
شفيق أسعد فريد
و
صادق راشد
و
محمود مسعود
و
بدر الدين خليل . وصار أبطالي هم «
أرسين لوبين » و«
روبن هود »، «الفرسان الثلاثة» و«الكابتن
بلود »، وهم مغامرون رومانسيون، وضحايا للظلم الاجتماعي، ويتميزون بالجرأة والشجاعة، وفي أغلب الأحيان يأخذون من الغني ليعطوا الفقير.
شجعني أبي على قراءتها، فشغفت بالروايات البوليسية التي دفعتني إلى كتابة أولى رواياتي وأنا بعد في الثانية عشرة من عمري. جمعت كمية من الورق الفولوسكاب المسطر ونقلت عليه خفية رواية بوليسية اسمها «الرجل المقنع» بعد أن غيرت أسماء الشخصيات ووضعت اسمي مكان اسم المؤلف الحقيقي. وفي السنة التالية حاولت أن أؤلف فعلا رواية عن سرقة مجوهرات - تجري أحداثها في لندن - لم أتقدم فيها أبعد من الفصل الأول. كما حاولت أن أترجم بعض القصص الإنجليزية.
في سنة 1950 انتقلت مع أبي وأختي الصغيرة من حارة
المرصفي بالعباسية
إلى شارع السبكي
بالدقي
قريبا من كلية الفنون التطبيقية وجامعة القاهرة. وانتقلت بدوري من مدرسة
فاروق الأول
الثانوية إلى مدرسة
السعيدية . أقمنا في منزل قديم من ثلاثة طوابق، يمثل كل طابق شقة واحدة من عدة غرف واسعة عالية الأسقف، تتألف أرضياتها من بلاطات حجرية كبيرة، واقتطع أصحابه ثلاث غرف من الطابق الأول متصلة ببعضها في خط مستقيم وحولوها إلى مسكن مستقل. وكانت الغرفة الداخلية بنافذتين تطل إحداهما على حديقة صغيرة، تمتد أمام طابق أرضي تسكنه عجوز سوداء طالما روعتني. وتطل الثانية مباشرة على نصبة شواء صغيرة بجوار مقهى شعبي في شارع يشبه شوارع القرى ويحمل الاسم التقليدي لأكبرها وهو شارع «داير الناحية»، مدللا على التاريخ الريفي القريب للمنطقة كلها. أما الغرفة الثالثة - التي خصصت للطهي، وأقيم في ركن منها حمام صغير بجدارين خشبيين - فكانت تطل على الحديقة الجرداء الأمامية التي تؤدي إلى الشارع ذي المساكن البرجوازية القديمة.
1 •••
تزامن هذا الانتقال مع دخولي مرحلة المراهقة وتغير اهتماماتي ونوعية قراءاتي، فاتسعت لقصص من نوع «خذني بعاري»، وعندما أزمع مؤلفها عزيز أرماني تنظيم مسابقة لكتاب القصة الشبان، اشتركت فيها بأول قصة قصيرة في حياتي. وفزت بالجائزة الثالثة، فيما أعتقد، ومقدارها ثلاثة جنيهات.
2
كانت القصة ساذجة للغاية تحمل عنوان «الأصل والصورة». ولم أدرك وقتها أن حياتي كلها ستدور حول هذه المقارنة الصعبة، والمحاولة المستمرة للمواءمة بين المثال والواقع. •••
اتسعت اهتماماتي أيضا للموضوعات السياسية؛ فقد كانت البلاد - في ظل الحكم الوفدي وبعد إلغاء معاهدة 36 - تغلي بالمشاعر الوطنية ضد الإنجليز والطبقة الإقطاعية الحاكمة. وتكونت كتائب الفدائيين في منطقة القناة، بينما شن
أحمد حسين
3
هجوما صاعقا على الملك، وقفز توزيع جريدته «الاشتراكية» بعناوينها المثيرة التي تدعو إلى الثورة. وانتشرت الصحف المعارضة مثل «الجمهور المصري» لصاحبها
أبو الخير نجيب ، و«الملايين» التي كانت تصدرها «الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني» (حدتو)
4
علانية. ومن ناحية أخرى كانت «أخبار اليوم» تشن حملة مركزة على
مصطفى النحاس
وحكومته وتنشر صورا له تبرز خاتمه الماسي وفراء زوجته الفاخر. وكان أبي يحتفظ بنسخة من «الكتاب الأسود» الشهير،
5
فجعلته نواة الأرشيف السياسي الذي شرعت في تكوينه من المواد الصحفية. واتسع هذا الأرشيف أيضا لصور نجمات السينما الشهيرات مثل
جين راسل
صاحبة الصدر الأعظم، و
كاميليا
ذات الفم الدافئ، وبيتي جرابل صاحبة السيقان الذهبية، فضلا عن
أستر ويليامز
والسابحات الفاتنات. وقد لازمتني هذه العادة إلى الآن وإن اختفت منها صور الممثلات بالتدريج. •••
كانت سنة 1952 سنة حاسمة في حياتي وحياة البلاد. في بدايتها اشتركت في المظاهرات التي خرجت من كليتي العلوم والهندسة بقيادة
عادل فهمي
و
عادل حسين
و
حسن صدقي (واجتمعنا جميعا فيما بعد بسجن الواحات). وحضرت الاجتماع الحاشد في قاعة الاجتماعات الكبرى في الجامعة قبل حريق القاهرة بأيام، والذي هتف فيه الطالب الوفدي
أحمد الخطيب (وكان يبدو بطربوشه في سن أبي) بسقوط الملك. وسمح لي أبي بالذهاب إلى الاجتماع العام الأسبوعي لحزب
أحمد حسين
الاشتراكي في مقره بشارع «ضريح «
سعد »». فشاهدته في بزة بيضاء وفوجئت بقصر قامته. وفي نهاية الاجتماع حاصرت الشرطة المكان وقبض علي لأول مرة، وقضيت ليلة في قسم شرطة
السيدة زينب . وبعدها بأسبوع شاهدت
القاهرة
تحترق.
وبينما جرت محاكمة
أحمد حسين
الذي اتهم بالحريق، وطالبت النيابة برأسه، كنت أجاهد عبثا لفهم أربعة كتب في الفلسفة تضمنتها المسابقة السنوية التي تنظمها وزارة المعارف، ويتمتع الناجح فيها بمجانية التعليم الجامعي، أذكر منها «التأملات الميتافيزيقية»
لديكارت ، ترجمة
عثمان أمين ، و«المنقذ من الضلال»
للغزالي ، ومع ذلك نجحت في المسابقة وكدت أرسب في امتحان الشهادة الثانوية ذاتها (التوجيهية). وكان معي في نفس الفصل
بهاء طاهر
الذي اشترك في المسابقة الخاصة بالتاريخ.
وفي منتصف السنة قامت الثورة. وقرب نهايتها التحقت بجامعة
القاهرة
لدراسة القانون. لكن علاقتي بالجامعة لم تختلف عن علاقتي بالمدرسة؛ فسرعان ما هربت من قاعات المحاضرات إلى عالم الكبار المثير. وحررت بمفردي جريدة حائط باسم «الحزب الاشتراكي» دون أن يعلم الحزب عنها شيئا. •••
وكان يسكن المنزل المجاور زميل لي في الكلية مغرم بالرسم الكاريكاتيري وبتقليد الرسام المعروف
طوغان . واشتركنا سويا في إصدار مجلة مطبوعة باسم «أنوار الجامعة»، على نفقتنا الخاصة (أعطاني أبي عشرين جنيها لهذا الغرض)، مقتفين أثر تجربة مجلة «أخبار الجامعات» الناجحة التي أصدرها
محمد جلال
بالتعاون مع «أخبار اليوم». أصدرنا من مجلتنا ثلاثة أعداد، طبع العدد الأول بالحروف اليدوية في مطبعة «المستقبل» بشارع
نجيب الريحاني
التي كان يملكها يهودي يدعى
سولومون (كتبت به عدة موضوعات وقعتها جميعا باسمي الثلاثي، أذكر منها واحدا عن الشاعر الهندي
طاغور ، وملخصا لعرض قدمته مجلة «كتابي» التي كان يصدرها
حلمي مراد
لكتاب
بوكاشيو
المعروف «
ديكاميرون »)، وطبعنا الثالث في مطابع «أخبار اليوم».
وفيما بعد تعرفنا على
محفوظ عبد الرحمن
الذي يسكن في نهاية شارعي، كما كنا نلتقي أحيانا على ناصيته
جلال أمين
الذي كان عضوا بالتنظيم السري لحزب «البعث»، وأعطانا مجلة سرية غريبة الشكل مطبوعة على ورق فاخر تسمى «الثأر»، ودخل معنا في نقاشات معقدة تجاوزت مستوانا الذهني. •••
وفي الصف المواجه لمنزلي كان
فاروق منيب
زميلي بكلية الحقوق، يقيم مع أخته وزوجها في طابق أرضي، وكانت غرفته تطل على الشارع، فأنادي عليه وأنتظر حتى يفتح النافذة، فأعتلي قاعدتها وأقفز إلى الداخل. وينضم إلينا
مصطفى الحسيني
الذي كان يسكن في حي بين السرايات المجاور مع إخوته
بهي
و
عادل
و
عظيمة
و
مهدي
و
هاني ، قريبا من أسرتي النقاش (
رجاء
و
وحيد
و
عطاء
و
فريدة
وغيرهم!) و
جبر (إسماعيل و
محمد
و
عبد الرحيم
وغيرهم! أشقاء زوجة
عبد الرحمن الخميسي ) ومن أسرة
إبراهيم فتحي
وأخيه
صلاح قنصوه . كان لقاؤنا بدعوى الاستذكار المشترك لكن
فاروق
كان يقضي الوقت في الكتابة مرارا وتكرارا فوق صفحات كتب القانون: «قصة بقلم
فاروق منيب » (ترك كلية الحقوق بعد سنتين، والتحق بكلية الآداب ثم عمل في الصحافة. وأصبح من كتاب القصة المعروفين) بينما كنت أستسلم لأحلام يقظة تدور حول العمل في الصحافة. أما
مصطفى
فكان سريع الاستيعاب والوحيد بيننا الذي استذكر بجدية. •••
كان ينضم إلينا أحيانا الشاعر السوداني
جيلي عبد الرحمن (الذي نشأ مع
فاروق
في بلدة
أنشاص ) ونذهب معه إلى النادي النوبي؛ حيث تعرفنا
بمحمود شندي
و
إبراهيم شعراوي
و
تاج السر الحسن
وغيرهم، وأغرمنا بشرب الشاي النوبي الممزوج باللبن، والغشية التي تنتاب
جيلي عبد الرحمن - مصحوبة بعرق غزير - عندما يلقي شعره. وتداولنا كتب
جوركي
و
تشيخوف
و
شتاينبك
و
كالدويل
و
أمادو
و
بريخت
و
إيلوار
و
سارتر
و
مارلو
و
كامو
و
توماس مان . وحاولنا عبثا أن نفهم كتب «
هنري لوفافر » في ترجمتها البيروتية. وترددنا على جمعية الأدباء ومجلة «
روز اليوسف » حيث تعرفنا
بيوسف إدريس
و
أحمد بهاء الدين
وإ
حسان عبد القدوس
و
صلاح حافظ . وأعددت ماكيتا كاملا لجريدة «تابلويد» حملته إلى
عبد المنعم الصاوي
في غرفته الضيقة على رأس درج مبنى جريدة «المصري» في شارع «القصر العيني»، وذلك قبل إغلاقها بشهور . وحاولت الالتحاق بجريدة «
القاهرة » اليومية في بداية صدورها، فترجمت بعض الأخبار من صحف إنجليزية، وذهبت إلى دارها. وبقيت في الردهة الخارجية حتى خرج لي
سعد لبيب
وألقى نظرة عليها، ثم اعتذر عن نشرها.
ثم كتبت بعض القصص على المنوال الواقعي الرومانسي الذي تجلى لدى
عبد الرحمن الخميسي
و
عبد الرحمن الشرقاوي
و
يوسف إدريس . وعرضت إحداها على الأخير - ودارت حول شخصية تدعى خليل بيه - فوعدني بنشرها في باب القصة الذي أشرف عليه في «
روز اليوسف » عام 1954. ولم يلبث أن اعتقل فلم يتحقق الوعد.
6
وكنت أقترب بسرعة من هذا المصير؛ فقد شكلنا أنا و
مصطفى الحسيني
و
بدوي محمود بدوي
وآخرون جمعية «الثقافة الجديدة» بكلية الحقوق التي نظمت ندوة عن الديمقراطية دعونا إليها
عبد العظيم أنيس ،
عبد الرازق حسن ،
أحمد بهاء الدين ، و
صلاح حافظ
وآخرين. وفي ذلك الوقت تعرضت حكومة الانقلاب إلى ضغوط أجنبية وأمريكية أساسا من أجل فتح البلاد لرءوس الأموال الأجنبية. ودار نقاش ساخن حول هذا الموضوع في الصحف، فنظمنا في 21 يناير 54 مناظرة بشأنه بين محبذين (
عبد الوهاب مسيحة
و
عبد المنعم البيه
الأستاذين بكلية التجارة) ومعارضين (
عبد الرازق حسن
و
حلمي مراد
و
صلاح حافظ ). وبالنتيجة قبض علينا - أنا و
مصطفى الحسيني - عندما نشبت أزمة مارس بين
محمد نجيب
و
عبد الناصر .
احتجزنا ثلاث ليال في مركز شرطة
الدقي . وكنت ما أزال أحمل في جيب بنطلوني الخلفي لفافة من الأحجبة والآيات القرآنية التي أعدها لي أبي كي تحميني من كل مكروه. وعندما أحكم
عبد الناصر
قبضته على البلاد توقعنا الاعتقال فاختفينا في قريته.
ولعلي قررت في تلك الفترة أن أنتقل من التظاهر إلى الفعل المنظم (وكانت رواية
جوركي «الأم» قد سحرتني) فالتحقت بعدها مباشرة بتنظيم «حدتو»، وهي الحروف الأولى من «الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني» التي اتهمتها المنظمات الشيوعية الأخرى بالخيانة لأنها أيدت الانقلاب العسكري فور وقوعه.
7
أما
مصطفى الحسيني
فالتحق على ما أظن بمنظمة «طليعة العمال» أو «
د. ش » (ديمقراطية شعبية) التي تحولت بعد ذلك إلى «
ع . ف »؛ أي العمال والفلاحين. ولم يلبث أن انضم إلى
حدتو .
8
وأهملت دراستي منكبا على النشاط السري من اجتماعات وتوزيع منشورات تطالب بجبهة لإسقاط «الدكتاتورية العسكرية». وذات يوم عثر أبي على بعض هذه المنشورات في مخبأ صنعته في مكتبي وأراد التخلص منها، فتجرأت عليه لأول مرة في حياتي؛ إذ هددته بالقتل إن فعل.
ومع ذلك كان هناك تغير واضح في سلوكي إزاء أختي وأبي وأقاربي والناس عموما. حقا إن انضمامي للنشاط السري كان امتدادا لقصص المغامرات التي شغفت بها، وتأكيدا للذات في مواجهة الكبار والأغنياء. لكني كنت أنا وغيري في حالة تربية ثقافية مستمرة انعكست على سلوكنا وأخلاقياتنا وعلاقاتنا الاجتماعية. آمنا أن الشيوعي يجب أن يكون قدوة لغيره في السلوك والخلق وأن يحقق اتساقا بين حربه ضد الاستغلال وحديثه عن العدالة الاجتماعية وبين حياته الخاصة. وبدت قيم الأمانة والصدق والإخلاص والوفاء والتضحية والزهد والتعالي على المظهرية واحترام المرأة والبعد عن الغرور متسقة مع التعاليم الدينية والمفاهيم الإنسانية. •••
مات أبي في
يونيو
سنة 1955، فانتقلت أختي للحياة في منزل أخي الأكبر وبقيت بمفردي، وقد أتيحت لي فرصة الانغماس الكامل في العمل السياسي. هجرت الجامعة وتخلصت من القصص القليلة التي كتبتها معتبرا أنها عبث المراهقة، كما تخلصت أيضا من أرشيفي المصور ومن دفتر كبير سجلت فيه أمي مذكراتها. وفرضت نفسي على جماعة المحترفين الثوريين الذين تفرغوا تماما للعمل السري مقابل راتب ضئيل من حصيلة مساهمات الأعضاء. لكني كنت محترفا على حسابي.
9
بحثت عن غرفة مفروشة رخيصة فوجدت واحدة لدى أسرة يهودية مصرية في حارة بحي
عابدين ، كانت تستعد للهجرة إلى
إسرائيل . ثم تركتها عندما احتجت مدام
روز ، صاحبة الشقة، على استقبالي لشاب وفتاة من زملائي. ثم تنقلت بين عدة غرف. وفي واحدة منها فوق سطح منزل بشارع «ولي العهد» في
حدائق القبة
اشتركت في طباعة المنشور الذي غير خط الحزب من الإسقاط إلى التأييد في أعقاب مؤتمر
باندونج
في
أبريل 1955 . وكانت مطبعة الحزب قد سقطت في يد الشرطة فقمت مع
منير المغربي
و
نبيل غالي
بإعداد واحدة بدائية من إطار خشبي صغير في حجم المجلة الأسبوعية وغطاء من القماش الشفاف ثم فرشاة من المطاط وأنبوبة من الحبر الأسود وقلم حديدي وورق «استنسل» وطبعنا عليه منشورا بخط يدي وصف فيه كاتبه - ولعله كان
محمود أمين العالم
أو
شهدي عطية - الحكومة بالرشيدة، ووقعه باسم «الحزب الشيوعي المصري الموحد» الذي تكون قبل شهور في فبراير 1955 من اندماج عدة منظمات مع
حدتو . وفي غرفة أخرى كريهة بسطح منزل قديم في منطقة
الوايلي
يتميز بموقعه؛ إذ يمكن الوصول إليه من عدة جهات، كتبت قصة حب قصيرة للغاية عن لقاء غرامي بين ثوريين أردت نشرها في مجلة الحزب السرية التي كنت أشارك في لجنة تحريرها. لكن المسئول عن المجلة وكان
إبراهيم المناسترلي
لم يتحمس للأمر. •••
وفي السنة التالية اشتركت في مظاهرة نظمها أهالي المسجونين السياسيين أمام نقابة الصحفيين وقبض علي من جديد مع
منير المغربي
و
نبيل غالي
وأخذونا إلى سجن مصر الذي كان يديره محمود صاحب خال الأخير. حلقوا لنا رءوسنا، وألبسونا البزة البيضاء المضحكة، ثم نقلونا إلى سجن الاستئناف، ثم سجن
القناطر الخيرية
حيث تعرفت فيه على الرموز الشهيرة للحركة التي حوكمت أمام محكمة
الدجوي
العسكرية سنة
1953 - ومن بينهم
زكي مراد
المحامي و
محمد شطا
أحد قادة عمال
شبرا الخيمة
الذي كان يحتفظ بشارب مماثل لشارب ستالين الشهير.
10
كما تعرفت على أغاني
سيد درويش
المفضلة لدى المسجونين الشيوعيين. واستفدت من إلغاء الأحكام العرفية فخرجت إلى الشارع في نفس اللحظة التي كان فيها جمال عبد الناصر يعلن تأميم قناة السويس وفي حذائي ورقة مهربة تتضمن النص الكامل لأغنية
سيد درويش «شفتي بتاكلني». •••
قبض علي مرة أخرى بعد شهور قليلة عندما كنت أوزع علنا منشورا بتوقيع الحزب الشيوعي الموحد يدعو إلى الوقوف صفا واحدا خلف
جمال عبد الناصر
في مواجهة العدوان الثلاثي. وجرى إيداعي في قسم شرطة
الدقي
مرة أخرى لكن لمدة ساعات؛ إذ وصل على الفور
حسن طلعت
مدير المباحث الذي صار بعد عشر سنوات أمينا ل «الاتحاد الاشتراكي » في
القاهرة .
أخذني
حسن طلعت
في سيارته، وأجلسني بجوار السائق وجلس ورائي، ثم انهال على رأسي باللطمات وأنا عاجز عن تفاديها، وأرفقها بمجموعة طيبة من الشتائم والإهانات وهو يردد في غضب هائج: «وديتوا البلد في داهية»! وتواصل ضربي وتحطيم نظارتي في بدروم الفيلا التي تضم مكتب مباحث
الدقي ، وكانت في الشارع الذي يوجد به منزل
أحمد أمين . واستمر ذلك ثلاث ليال، حتى أنقذني الإنذار الروسي، فاستدعاني
طلعت
إلى مكتبه، واعتذر لي قائلا إنه فقد أعصابه بسبب خوفه على الوطن، وأفرج عني. •••
انتقل مركز الثقل من العمل السري إلى العمل الجماهيري، فاستأجرت غرفة صغيرة نظيفة في شارع جانبي متفرع من
سليمان جوهر بالدقي (تعتمد على حمام في السطح)، وشرعت في الاختلاط بالناس والتعرف على مشاكلهم ومحاولة الوصول إلى تجمعاتهم. كانت عملية شاقة للغاية بسبب شخصيتي الانطوائية. لكني تمكنت من إقامة علاقات جيدة ببعض المزارعين في
بولاق الدكرور
وبعض الطلبة، فضلا عن الضابطين المسئولين عن هيئة التحرير، وهما
فتح الله رفعت
و
جمال الليثي
الذي أسر إلي بأن حلم حياته هو تحويل قصص
أرسين لوبين
إلى أفلام سينمائية.
11
وسرت خلفه في موكب من المتطوعين للمقاومة الشعبية في شوارع
الدقي
حاملين البنادق، وتولى تدريبنا صول عجوز يدعى
أبو رجيلة ، استمتع كثيرا بعجزي عن التمييز بين القدم اليسرى وأختها اليمنى.
في الوقت نفسه عدت إلى محاولة العمل في الصحافة، فكتبت عرضا لكتاب
علي الشلقاني
عن ثورة الجزائر نشر في مجلة «الهدف». ثم مقالا عن يعقوب بن صنوع حملته إلى
شهدي عطية
في مسكن أبيه بالطابق العلوي من منزل في بداية شارع
الخليج ، حيث كان يقيم في غرفة بسيطة ذات فراش حديدي مجاورة للباب كي يسهل عليه استقبال الشرطي بعد غروب الشمس للتوقيع في دفتر المراقبة القضائية.
12
وكان قد اشترك في تأسيس جريدة «المساء» وتولى مسئولية الصفحة الأخيرة ونشر بها حلقات من روايته الوحيدة «حارة
أم الحسيني » باسم مستعار هو
أحمد نصر .
خصصت النهار للعمل السياسي، وفي المساء كانت غرفتي تتحول إلى ورشة كتابة ينضم إليها
كمال القلش
بأكوام من الكتابات التي لم تكتمل أبدا، و
مهدي الحسيني
عندما يختلف مع والديه.
واختارني
شهدي
للعمل معه في منشأة صغيرة للترجمة أسسها (بعد أن فشل مشروع تأسيس مدرسة خاصة)، احتلت في البداية الركن العلوي من حانوت للكتب الأجنبية في
الزمالك
تملكه زوجته اليونانية الأصل (جاليري،
صفر خان
الآن) قبل أن ينتقل إلى عمارة حديثة في شارع
محمد مظهر . وانتقلت أنا إلى شقة وشاركني
رجائي طنطاوي
بعض الوقت.
تعلمت من
شهدي
أخلاقيات العمل الجاد المنضبط والترجمة من الإنجليزية إلى العربية. واحتل مني موقع الوالد أو الأخ الأكبر. وكان يعتمد منهاجا في التربية يقوم على إفساح المجال للمبادرات الشخصية، فشجعني على تنفيذ اقتراحاتي بإعادة صياغة الموضوعات المملة للمجلة السوفييتية التي كان المكتب يتولى ترجمتها وطباعتها، ثم على القيام بإعداد التوضيب الفني لصفحاتها.
13
جاء عام
1958
بثلاثة أحداث هامة؛ ففي
8 يناير
توحدت المنظمات الشيوعية (الموحد والراية والعمال والفلاحين) في حزب واحد. وشاب الوحدة نوع من العجلة والتسابق بين المنظمات الثلاث على الفوز بأكبر عدد من المقاعد في الحزب الجديد. وبعد شهر تمت الوحدة السورية المصرية بنفس العجلة. وفي
14 يوليو 1958
قامت الثورة العراقية التي شهدت في أسابيعها الأولى ازدهارا مدهشا للديمقراطية، أدار رأس الشيوعيين العراقيين و
عبد الكريم قاسم
وأثار القلق لدى
عبد الناصر ، كما أنعش الاتجاهات اليسارية في الحزب المصري الوليد. وتصاعد داخله الخلاف بسرعة حول الوحدة المصرية السورية وحول الموقف من «الاتحاد القومي»، التنظيم الناصري.
وكما ضاق صدر
عبد الناصر
بالحوار الوطني، ضاق صدر فرقاء الحزب الوليد بالحوار الحزبي فحاول البعض - كما يقول
رفعت السعيد
في تأريخه للحركة الشيوعية المصرية - «أن يستخدم الأغلبية العددية في القيادة استخداما عنيفا، وتمرد الآخرون تمردا متعجلا.» وانتهى الأمر بالانقسام، فخرجت أغلب عناصر
حدتو
بقيادة
كمال عبد الحليم
وشهدي عطية و
أحمد الرفاعي ، مراهنين على وطنية الحكم وإمكان التحالف معه.
في هذه الأثناء تصاعدت حملة صحفية شرسة بلغت قمتها بمقال
محمد حسنين هيكل ، الذي هدد فيه بوضع أقفال من حديد على شفاه الشيوعيين. وجاءت الضربة بأسرع مما توقع الجميع، وشملت الجميع من مؤيدين ومعارضين على السواء، الذين أنهكوا أنفسهم في صراعهم مع بعضهم البعض، ولم يتورعوا في غمار هذا الصراع عن فضح أدق أسرار حياتهم الحزبية الداخلية. •••
في اليوم الأول من شهر
يناير
عام
59
كنت أمر مع بضع عشرات - تحولوا خلال عدة شهور إلى مئات - من البوابة الخشبية لمعتقل «القلعة» الشهير.
وكان الإنجليز قد أنشئوا داخل المبنى الأثري سجنا حربيا ظل يستقبل الثوريين والسياسيين حتى بعد جلائهم عن
مصر
سنة
1954 . وفي عام 1981 استقبل آخر نزلائه، وهم مجموعة الأصوليين الإسلاميين الذين قتلوا
أنور السادات ، وأغلق بعدها، ثم تحول إلى متحف للشرطة.
يتألف السجن/المتحف من عنبر طويل تعلوه سلسلة من الزنازين الصغيرة التي شيدت على جانبي ممرين مفتوحين. وفي أربعة من هذه الزنازين توجد الآن «مانيكانات» تمثل سجناء من عهود مختلفة، تميزها اللافتات المثبتة إلى جوار الأبواب. وتشير ثلاث من هذه اللافتات إلى عهود المماليك والعثمانيين و
محمد علي ، ويظهر فيها السجناء في ملابس تلك العهود، مقيدين بسلاسل حديدية إلى أوتاد. وتتغير الصورة في الزنزانة الرابعة التي تعلن لافتتها عن «سجين من العصر الحديث»، فنشاهد داخلها «مانيكانا» يرتدي الملابس العصرية (قميص وبنطلون) ويضع على عينيه نظارة طبية ويمسك كتابا. وهي صورة تثير الإعجاب بالمصمم الذي أدرك الارتباط بين التمرد والوعي، لكنها للأسف تفتقر إلى الدقة التاريخية.
ذلك أني حللت في هذه الزنزانة ذاتها وبقيت ثلاثة شهور محروما من الصحف والراديو والكتب والورق والقلم. وهي كلها حقوق عادية كان يتمتع بها المعتقل السياسي أيام الاستعمار الإنجليزي. •••
لكن تاريخية المكان ما لبثت أن استولت علي وحركت خيالي؛ فقد كان يشرف على موقع المذبحة الشهيرة التي تخلص فيها
محمد علي
من إحدى أغرب الجماعات البشرية في التاريخ وهي جماعة «المماليك». وكانت تجليات الحاضر أكثر إلفاتا؛ فقد شاهدت
إلهام سيف النصر
في روب دي شامبر حريري مزركش، و
محمد علي عامر ، الزعيم العمالي الشهير، يمارس التمرينات الرياضية مزهوا بجسمه المفتول العضلات، و
شهدي
عندما تفشى بيننا وباء الإنفلونزا يحاول تنظيف مناديله في حوض الغسيل الضيق وقد ربط عشرة منها إلى بعضها من أطرافها جاعلا منها سلسلة واحدة، و
سعد عبد اللطيف
المحامي الأربعيني بوجهه البشوش ودماثته وقدرته على حل المشاكل؛ الأمر الذي أهله لأن يمثل المعتقلين لدى إدارة المعتقل (وقد استقر في هذا الدور طوال سنوات الاعتقال الخمس وعرف في كل السجون باسم
سعد اللجنة ).
استمعت أيضا إلى شروح
محمد سيد أحمد
للنظرية النسبية - دون أن أفهم منها شيئا - أثناء طابور المشي في الساحة الصغيرة الفاصلة بين العنابر، وإلى إ
براهيم عبد الحليم
وقد دس بنطلون بيجامته داخل جورب صوفي، وأخذ يدق الأرض في مشية عسكرية مرددا أحد الأناشيد الثورية بعد أن حوره بحيث يتغنى
بعبد الناصر
مستفزا أعضاء المنظمات الأخرى. كما رأيت لأول مرة
فؤاد مرسي
أستاذ الاقتصاد الذي أسس منظمة «الراية» مع
إسماعيل صبري عبد الله ، وعجزت المباحث عن الوصول إلى حقيقته حتى كشف عن نفسه بعد الوحدة. وكنت أتصور الرجل الذي تعود أنصاره الهتاف باسمه في الزنازين مرددين: «عاش الرفيق
خالد
ألف عام»، (على وزن هتاف مماثل باسم ستالين) عملاقا ضخم القامة، فوجدته أقصر مني. كما لمست زهو
إسماعيل صبري عبد الله
المشروع بنفسه، وهو الذي صمد لتعذيب شرس قبل ثلاثة أعوام كي يعترف بشخصية الرفيق
خالد
الحقيقية. •••
خلال ذلك تضاعف عددنا، وضاقت بنا زنازين السجن الصغير فنقلنا إلى السجن المركزي القريب، الذي كان يعرف بسجن
مصر ، وكانت به مكتبة ضخمة تكونت أغلب محتوياتها على مدى الزمن من مساهمات النزلاء أنفسهم الذين ضموا نسبة محترمة من المتعلمين والأجانب. وأتيح لنا استخدام هذه المكتبة بواسطة مندوب يقترض بضعة كتب توزع على الزنازين ويتم تبادلها بيننا ثم تستبدل بمجموعة غيرها.
بالطبع لم يكن من الممكن التحكم في اختيارات المندوب التي يحاول بها إرضاء الأذواق المختلفة. هكذا أتيحت لي الفرصة لأن أقرأ كتبا لم يكن من الممكن أن اختارها بنفسي. كنت في الواحدة والعشرين من عمري وما زلت مغرما بروايات المغامرة، ولا أستسيغ الكتب النظرية التي كنت أقرؤها بغير حماس بسبب جفافها وعسرها على الفهم؛ إذ كان أغلبها في ترجمات لبنانية ضعيفة وغامضة. وصرت فجأة مرغما على القراءة لكتاب لم أهتم بهم من قبل وفي موضوعات لم تخطر لي على بال. قرأت
لطه حسين
و
المازني
الذي وجدت له رواية إيروتيكية أذكر منها مشهد سحاق في مكتبة منزل، وأعتقد أنها مقتبسة أو ممصرة. كما قرأت رواية الشاعر الإنجليزي
روبرت جريفز
عن الإمبراطور
كلوديوس . وما زلت أذكر غلاف هذا الكتاب الأصفر اللون البسيط التصميم والذي حمل علامة القطرس، شعار دار النشر الشهيرة في الثلاثينيات. قرأت أيضا كتابا فريدا بالإنجليزية لكاتب ذي اسم هولندي لا أتذكره وموضوعه الجغرافيا التي طالما عذبتني في المدرسة. وأمتعني الكتاب بطلاوة أسلوبه وخفة ظله، وجعلني أدرك أن أكثر الموضوعات جفافا وتعقيدا يمكن أن تكتسب جاذبية وإثارة إذا كان الكاتب واسع الثقافة عاشقا لموضوعه وحريصا على توصيله للآخرين.
كما قرأت عن عالم الحيوان في كتاب جميل للكاتب السويدي
أكسيل مونتيه
نشره مشروع الألف كتاب العظيم. ولعل هذا الكتاب هو الذي وضع في رأسي البذرة الأولى لسلسلة الروايات التي كتبتها بعد عقدين عن عالم الحيوان.
تعرفت أيضا على عالم العمارة وإنجاز «
فرانك لويد رايت » من خلال رواية «النبع» للكاتبة الأمريكية المحافظة آني راند. لم تخف المؤلفة ميولها الفاشية ودفاعها عن الفردية المطلقة والتميز الشخصي، لكني شغفت بالموضوع الرئيسي لها، وهو فن العمارة والتاريخ الشخصي للمعماري الأمريكي العظيم. •••
لكننا لم نهنأ بهذا الوضع طويلا؛ فقد تصاعدت الأزمة المصرية العراقية. وعندما وقع انقلاب الشواف في
الموصل
في الأسبوع الأول من مارس انطلق
أحمد سعيد
من «صوت العرب» يصرخ بطريقته الهمجية: «هيا يا عرب ... أجهزوا عليهم، الشيوعيين الملاحدة ... طهروا التراب والتراث ... اقتلوهم حيث وجدتموهم.» وفشل الانقلاب فخرجت صحف «أخبار اليوم» تعلن أن الشيوعيين يدوسون المصاحف ويقتلون رجال الدين ويسحلونهم في الشوارع، وطالبت بإقامة مذابح للشيوعيين. وأصدرت مصلحة الاستعلامات بسرعة كتب
إلياس مرقص
و
أمين الأعور
وغيرهما المعادية ل «الشعوبيين» كما أسموا الشيوعيين. وعزل
خالد محيي الدين
عن رئاسة تحرير جريدة «المساء » التي ظلت تدعو إلى ضبط النفس والحرص على الوحدة الوطنية، وجرى اعتقال أغلب محرريها. وفي
العراق
أيضا انزلق الحزب الشيوعي العراقي إلى الحملة العصبية فرفع شعار «ماكو زعيم إلا
كريم ». وفيما بعد انتقد الحزب هذا الموقف. •••
نقلنا خبراء الأمن إلى
الواحات
في قطار خاص، بعد أن قيدونا إلى بعضنا البعض بسلسلة واحدة تمر من ثقب في القيود (الكلبشات) التي يضم كل منها شخصين متجاورين. وكان من شأن هذه «الوحدة» المتينة أن من يرفع يده لشيء ترتفع أيدي رفاقه كلها معه، وكذلك شأنه عندما يرغب في التبول.
استغرقت الرحلة حتى
سوهاج ، ومنها إلى
الواحات ، على مبعدة حوالي 400 كيلومتر من شاطئ النيل، عشرين ساعة دون طعام أو ماء. لكني حظيت خلالها بمشاهدة قرص الشمس أثناء اكتماله وصعوده في الفجر، وبالاستماع إلى صوت
محمد علي عامر
الأوبرالي وهو يغني «عالدلعونة عالدلعونة».
وكان في انتظارنا اللواء
إسماعيل همت ، المتخصص في الاستقبالات الدموية وحفلات التعذيب. وكان بيننا من «تخرجوا» على يديه في معتقل
أبي زعبل
الأول سنة 1954 مثل
أحمد الرفاعي
و
جمال غالي
و
عادل حسين
و
محمد عباس
و
إبراهيم عبد الحليم .
14 •••
سرنا في الصحراء بين مدافع رشاشة مصوبة إلى صدورنا إلى أن ولجنا ساحة بها ثلاثة عنابر مستطيلة حديثة البناء من طابق واحد. وتألف كل عنبر من جناحين يضم كل جناح عشر زنازين كبيرة. وفي نهاية كل جناح دورة مياه بها خمسة محلات وثلاثة أحواض لغسيل الوجه.
خصص العنبر الأول للمعتقلين الشيوعيين الذين صدر قرار من الحاكم العسكري العام أو رئيس الجمهورية باعتقالهم دون توجيه أي تهمة لهم أو عرضهم على جهات التحقيق. وضم العنبر الثاني المسجونين الشيوعيين الذين صدرت ضدهم أحكام محددة بمدة معينة، بعضهم ممن حوكموا أمام محكمة
الدجوي
العسكرية. والبعض الآخر حكم عليه قبيل الثورة وعندما أفرجت عن كافة المسجونين السياسيين في أول عهدها استثنتهم بعد أن ابتدع لها
سليمان حافظ
قانونا يعتبر الشيوعية جريمة اجتماعية وليست سياسية!
أما العنبر الثالث فقد أودع في أحد جناحيه الإخوان المسلمون الذين حوكموا في أعقاب محاولة اغتيال
عبد الناصر
في
الإسكندرية . واحتل سجناء في جرائم غير سياسية الجناح الآخر، وكان الغرض من وجودهم هو القيام بأعمال النظافة والمخبز والمطبخ. لكن الشيوعيين كانوا يرفضون أن يقوم أحد غيرهم بتنظيف عنابرهم أو زنازينهم معتبرين ذلك نوعا من العبودية.
انتهى الاستقبال دون حادث لكن اليوم التالي حمل إلينا صراخ استنجاد وصوت السياط. وعلمنا فيما بعد أن
همت
أشرف قبل رحيله على ضرب
سيد ترك ، أحد المسجونين القدامى من قادة
حدتو
العمال، فوق «العروسة» الخشبية التي يشد إليها السجين من أمام بحيث يصبح ظهره العاري تحت رحمة السياط الجلدية. وأظن أنها كانت تمثيلية متعمدة لإرهابنا، خاصة وأن الشكوك حامت حول علاقة
سيد ترك
بالمباحث بعد الإفراج عنه.
لكن الإرهاب الحقيقي جاءنا من ناحية أخرى؛ فقد خلق وجودنا بيئة مواتية لجحافل الذباب. ولم نلبث أن انخرطنا في أول معركة لنا مع الطبيعة. ولم يكن الأمر يتعلق بالصراع معها بقدر ما تعلق بالصراع مع أنفسنا. وتلقيت أحد الدروس الهامة في حياتي العملية عندما بدأنا حملة منظمة من أجل النظافة.
كان نفض البطاطين وكنس الأرضيات ثم مسحها وغسل أواني الطعام وتفريغ جرادل البول والبراز وتنظيف دورات المياه أمرا صعبا لمن لم تؤهلهم تربيتهم لذلك. وعندما حان دوري مع زميل لي هو
إبراهيم المناسترلي
تسللت إلى الفناء في محاولة للتهرب. ووجدت أن
المناسترلي - الذي يكبرني بعقدين من الأعوام - قد سبقني إلى الهرب. وكان هو من بذل جهدا خارقا للسيطرة على مشاعره وتطويعها لواجب فرضه العقل، فعدنا سويا للقيام بالمهمة البغيضة. •••
لم نمكث كثيرا في
الواحات ؛ إذ جرى ترحيلنا فجأة بعد شهور قليلة إلى سجن
القناطر الخيرية ، ووضعنا في مكان منعزل وحرمنا تماما من فرصة الاختلاط بالسجناء العاديين والحصول على الصحف منهم، كما منعنا من استخدام المكتبة ومن الاستماع إلى الراديو. وفوجئت بالصول العجوز
أبو رجيلة - الذي كان يتولى تدريبي في المقاومة الشعبية - مسئولا عن الطابق الذي أقمنا به. وكان يستمتع بأن يجلس في منتصفه على مقعد وسط العنبر، ويأمرنا بأن نقعي أمامه وفي مقدمتنا
شهدي عطية .
كانت هذه فترة قاسية حقا؛ فالمكان شديد البرودة. وفراشنا مكون من برش من الليف وبطانية. وفرضوا علينا أن نضع هذا الفراش كل صباح خارج الزنازين التي تغلق علينا حتى المساء. ونقضي اليوم كله ونحن نقفز كالقرود التماسا لبعض الدفء، وخلال ذلك نتبادل الحكايات. هكذا بدأت أتذكر أحداث طفولتي التي انشغلت عنها بحاضري. وعندما انتهت الحكايات واستنفدت ذكرياتي انفتح المجال لأحلام اليقظة، وتأليف القصص. وتحولت كل حكاية سمعتها إلى قصة فنية بعنوان مثير.
منعنا تماما من الكتب، لكن لم يكن بوسع مدير السجن أن يرفض مطالبتنا بالكتب المقدسة. هكذا أتيح لي أن أقرأ التوراة والإنجيل وأرى العلاقة القائمة بين الكتب السماوية الثلاثة والتجليات المختلفة للحلم الإنساني بالعدل والمساواة. كما أن الحكايات التاريخية في التوراة والقرآن روت عطشي إلى القصص. ونشط خيالي في تطوير كثير منها. •••
في أواخر
فبراير
من العام التالي نقلنا إلى سجن
الإسكندرية
للمثول أمام محكمة عسكرية بتهمة التآمر لقلب نظام الحكم. وقبل المحاكمة بأسبوع نشبت مشادة بين أحد ضباط السجن وزميل من
الإسكندرية -
حمدي مرسي - يهوى الملاكمة ويتميز بسرعة الانفعال. وجه الضابط السباب إلى الزميل فرد عليه باللكمات. أمر الضابط بإغلاق الزنازين، وتجمع الحراس على الفور وأمرونا بالخروج عرايا، حيث انهالوا علينا بالضرب، وتم تجريد الزنازين من محتوياتها من الملابس والأطعمة. وعندما أعادونا إليها وجدت نفسي في زنزانة مع
أحمد القصير
و
جمال غالي . وتعرف الأخير على موسيقى
بيزيه
التي كان الراديو يذيعها. وفتح الباب مرة أخرى ودخل حارس متجهم سكب فوق أجسادنا العارية جردل البراز والبول. تمخض عن ذلك تأجيل المحاكمة أسبوعا، وتحقق الهدف من المؤامرة الصغيرة - والتي ثارت شكوك في أنها كانت تمثيلية مدبرة - وهو الحيلولة دون حضور الصحفيين الأجانب، فضلا عن المحامين الفرنسيين الذين أرسلهم
هنري كورييل
للدفاع عنا. •••
تولى رئاسة المحكمة الفريق
هلال عبد الله هلال
الذي عزل بعد عدوان 1967، بصفته أحد المسئولين عن الهزيمة. واستمرت المحاكمة ثلاثة شهور بلغت أوجها بدفاع
شهدي
الذي أقر باعتناقه الماركسية، وفي نفس الوقت أوضح موقف التأييد الذي اتخذته حدتو من
عبد الناصر . وشهدت المحاكمة قمة أخرى عندما وقف
كمال الشلودي ، أحد المتهمين، وسط القفص، ورفع يده ليعترف على عدد من زملائه من بينهم اثنان من الذين سبق الحكم عليهم ويقضيان مدة حكمهما في سجن
الواحات ؛ هما
محمد شطا
و
زكي مراد . تابعت الموقف مذهولا، وقضيت فترة طويلة فيما بعد أتساءل عن العوامل التي دفعته لهذا السلوك. وكان عاملا ومحترفا ثوريا لطيف المعشر.
استمرت المحاكمة ثلاثة شهور، ودع
شهدي
في نهايتها القضاة، وطالب بالإفراج عنا للمساهمة في بناء الوطن كجنود مخلصين ل «حكومتنا الوطنية ولرئيسنا
جمال عبد الناصر ». وختم كلمته بالهتاف بحياة الحكومة الوطنية ووحدة الصف العربي ووحدة الصف الوطني. •••
نقلنا عقب انتهاء المحاكمة مباشرة إلى معتقل
أبي زعبل
الملحق بالليمان الشهير في ضواحي
القاهرة . ولم يكن أغلبنا يعلم أن إحدى الصفحات السوداء في التاريخ السياسي المصري الحديث تكتب فيه.
15
غادرنا
الإسكندرية
بعد منتصف ليلة 15 يونيو في سيارات «الترحيلات» الكبيرة المغطاة، وجاء نصيبي في سيارة واحدة مع
شهدي
الذي تميز بقامة طويلة وعظام عريضة، بينما كنت وما زلت نحيف البنية ضئيلها؛ ولهذا السبب اختار أن نشترك سويا في القيد الحديدي لمعصمينا. وقضينا الوقت في حديث عن الكاتب الأمريكي
هيمنجواي . وكان يرفع يده بين الحين والآخر ليتناول مشطا صغيرا من جيب سترته الأعلى ويمر به على شعره الخفيف وهي عادته في لحظات القلق.
وصلت بنا السيارات في الخامسة والنصف صباحا إلى ساحة تحيط بها أكوام من القاذورات، وتشرف عليها فرقة من الجنود المسلحين بالمدافع الرشاشة والضباط المزودين بالسياط فوق خيولهم. يقودهم
حسن منير
مدير المعتقل، وبينهم ضابط بشوارب مرفوعة إلى أعلى ... وصدرت إلينا الأوامر - التي تخللتها الشتائم - بالجلوس القرفصاء وخفض الرءوس. ومن الطبيعي أن رأس
شهدي
كانت بارزة بسبب طول جسمه، فصاح به أحد الضباط وهو يضربه بالعصا على عنقه (عرفت فيما بعد أن اسمه النقيب
مرجان إسحاق مرجان ): وطي راسك يا ولد.
ولمحته بطرف عيني يضرب
شهدي
بالعصا على رقبته، وانهال ضابط آخر بالسوط على
بهيج نصار
الذي كان قريبا مني، ولا يتحكم عادة في تعبيرات وجهه وهو يصيح به: إنت مشمئنط ليه يا ابن القحبة؟
انصرمت ساعة ونصف ونحن على هذا الوضع حتى لم أعد أشعر بساقي، ثم سمعت صوتا يصيح: فين هو
شهدي ؟
وارتفع صوت
شهدي
قائلا: أنا هو.
ولعله ظن في تلك اللحظة أن تدخلا سياسيا ما قد تم، وأنه استدعي لحوار سياسي أو لاستثنائه من التعذيب، بحكم سنه ومكانته الاجتماعية والسياسية. لكن النداء عليه لم يكن إلا إيذانا ببدء الحفل. •••
وفجأة جاء الرائد
صلاح طه
الذي كان يرتدي بزة مدنية كحلية اللون، وأعطى ورقة لأحد الضباط. وسمعت اسمي وأسماء ثلاثة آخرين من زملائي؛ هم
إبراهيم المناسترلي ، و
سعد بهجت ، و
عبد الحميد السحرتي . أخرجونا من الصفوف وأمرونا بالجلوس القرفصاء. ورأيت زملائي يجرون وخلفهم ضابط على حصان. ثم صدر إلينا أمر بالوقوف وارتفع صوت قائلا: اجري يا ابن الكلب.
جريت مع زملائي وسط صفين من الجنود مزودين بأحجام مختلفة من العصي والشوم. وما زلت أذكر وجها ريفيا شابا، يخلو من أي تعبير، بينما يهوي صاحبه على جسدي بعصا في سمك جذع الشجرة. وأبصرت أمامي مائدة طويلة اصطف خلفها عدد من الرجال في ملابس عسكرية ومدنية يرتدون النظارات الشمسية السوداء، ميزت بينهم
إسماعيل همت
بجسده السمين وملامحه التركية، و
الحلواني
مدير سجن الإسكندرية، و
سعد عقل
رئيس مباحث
الإسكندرية
ومعاونه
السيد فهمي - الذي صار وزيرا للداخلية في عهد السادات -
وصلاح طه .
أمرونا نحن الأربعة بأن نجلس القرفصاء في جانب ونضع رءوسنا في الأرض ففعلنا، ثم أمرونا أن نرفع رءوسنا بحيث نرى ما يجري لزملائنا. وتتابع هؤلاء أمامنا؛ يجردون من ملابسهم وهم يضربون ويترنحون عرايا وهم يلهثون ويغمى عليهم، فيغمسون في مياه ترعة صغيرة ويداسون بالأقدام. ورأيت
إبراهيم عبد الحليم
وهو عار يلهث من الضرب الذي كاله له
يونس مرعي . وترددت الأصوات الآمرة: إنت شيوعي يا بن الكلب، قول أنا مرة. - اسمك يا ولد، قول أنا مرة.
انصرف جميع الجالسين أمامنا، وخلت الساحة إلا من اللجنة ونحن الأربعة. أمرونا بالمشي حتى صرت أمام
همت
فسألني عن اسمي. وردد أحد الضباط: إسمك يا ابن القحبة. - بصوت أعلى. - قول أفندم. - بصوت أعلى ...
ثم قال
همت
للعساكر خدوه. وفي ثوان تم تجريدنا من ملابسنا الخارجية والداخلية حتى صرنا عرايا دون أن تكف الشتائم والضربات. وركعت أمام حلاق جز شعر رأسي وعانتي دون أن يتوقف الضرب بالشوم. ثم أعطاني أحدهم لفافة من ملابس السجن وبرش وبطانية خفيفة. وصاح آخر: نام على ضهرك. قول أنا مرة.
بدأ الضرب من جديد. رأيت
صلاح طه
يقترب وسمعته يقول: كفاية.
جرني أحدهم على ظهري فوق الرمال بطريقة السحل التي ذاع أمرها في أحداث
العراق . وكان في انتظاري على باب المعتقل الضابط
عبد اللطيف رشدي
بجسمه الضخم راكعا على ركبته. ارتفعت قبضته في الهواء وتسمرت عيناي على بقعة دماء فوقها ثم التقت بعينيه الباردتين.
اتجهت قبضته نحوي، وقبل أن تلمس رأسي تدخل
صلاح طه
مرة أخرى.
16
أمرني رشدي بالوقوف وبالجري حتى باب العنبر حيث انتظرني الصول
مطاوع .
كانت هستريا المرأة قد استولت عليهم جميعا فلم أكد أقترب منه حتى انهال علي بعصا رفيعة وهو يقول: قول أنا مرة.
دخلت العنبر فوجدت زملائي واقفين أمام الجدران رافعين أيديهم إلى أعلى وبعضهم راكعين على الأرض. وكان النقابي المخضرم
أحمد خضر
يجلس مذهولا وهو يتمتم: العصافير. العصافير. وتصاعدت من الباقين الأنات والتأوهات.
وفي المساء تبينا أن
شهدي
وأربعة آخرين هم
جمال غالي
و
مبارك عبده فضل
و
محمد عباس
و
عادل حسين
غير موجودين معنا. وكان العنبر عبارة عن ردهة مستطيلة تنتهي من ناحية بباب مصفح ومن الناحية الأخرى بدورة مياه، وتشرف عليها نوافذ عالية بقضبان حديدية. وحملنا أحد الزملاء فوق الأكتاف حتى أصبح رأسه في مستوى النافذة، وتمكن من مخاطبة معتقلي العنبر المجاور. هكذا علمنا بوفاة
شهدي .
ساد الصمت والوجوم، وعندما هجعت للنوم كان جسمي كله يؤلمني رغم أني لم أتعرض لضرب كثير. ولم أتمكن من النوم إلا بعد أن استمنيت خفية. •••
استيقظنا في الصباح على صوت غريب متكرر لم أتبين طبيعته إلا عندما دخل الصول
مطاوع
مع الحراس وصاح: وشك في الحيط وفك الحزام.
أدرنا وجوهنا للحائط وفككنا أحزمة سراويلنا. وتردد الصوت الغريب المتكرر: تش تش. تش تش. مقتربا مني. ثم انهال حزام جلدي على ظهري جيئة وذهابا محدثا الصوت الغريب. وبعد لحظات توقف الضرب وانسحب الحراس ثم انغلق باب العنبر وساد السكون.
انفتح الباب من جديد بعد قليل وتردد صوت الصول
مطاوع
يأمرنا بالوقوف في انتباه. ثم نادى علينا أنا والزملاء الثلاثة الذين نجوا من القسم الأكبر من التعذيب. وقادنا إلى مكتب الضابط يونس مرعي الذي رافقنا في رحلة الواحات. وكان بالغ النحافة أصفر الوجه ذا حركات عصبية.
17 •••
وقفنا أمامه في انتباه مطرقي الرءوس، فأمرنا بصوت متوتر أن نخلع ملابسنا، ثم أمرنا أن نعطيه ظهورنا. ولمحت بطرف عيني جانبا من يده في مرآة طويلة وقد تغطى أحد أصابعها بضمادة.
تأمل ظهورنا ثم أمرنا أن نرتدي ملابسنا وصرف اثنين منا، هما
السحرتي
و
المناسترلي . وبقيت أنا و
سعد بهجت .
قال وهو يخطو أمامنا إننا سننتقل بعد قليل إلى المبنى الرئيسي لليمان لنمثل أمام النيابة وندلي بشهادتنا في واقعة وفاة
شهدي ، ونقول إنه توفي في الطريق قبل وصولنا إلى المعتقل. وأضاف أنه لا توجد ثمة إصابات واضحة في ظهرينا مما سيؤكد أقوالنا.
لم ينتظر منا إجابة، ولم يكن في حاجة إلى ذلك؛ إذ كنا شبه مشلولين. وصحبنا الصول
مطاوع
إلى حجرة خالية فوقفنا ووجهانا إلى الحائط. همست لزميلي متسائلا: حنعمل إيه يا
سعد ؟
رد علي بأنه سيقول إن شرفه العسكري يمنعه من تنفيذ هذا المطلب.
كان صيدليا وضابطا سابقا بالجيش. وكنت محروما من هذا الشرف.
عقبت: طب وأنا أقول إيه؟
لا أذكر أني مررت في حياتي كلها بلحظة شعرت فيها بالوحدة التامة كما كان شأني آنذاك. وشل الرعب تفكيري وإرادتي وصرت مثل «الروبوت»، المستعد لتنفيذ كل ما يطلب منه.
أمرنا الصول بعد قليل أن نتحرك وعاد بنا إلى العنبر. وعندما اقتربنا منه رأيت عدة أشخاص في ملابس مدنية يغادرونه. وعرفت عندما دخلنا أنهم من كبار موظفي الداخلية، وأن أحدهم دمعت عيناه عندما رأى آثار التعذيب على الظهور.
وبعد قليل جاء
يونس مرعي
وأخذ أربعتنا إلى الغرفة الخالية مرة أخرى.
قال: إنتم شايفين المشرف على المسائل دي المباحث. تحقيق النيابة حيروحلها وبعدين نوريكم شغلكم. أنا عاوزكم تقولوا إنه حصل هياج وهتاف وبعدين حصل الضرب.
في هذه المرة كنا قد استعدنا شيئا من آدميتنا فرد عليه
إبراهيم المناسترلي
قائلا: مقدرش يا أفندم. وكررت العبارة - وعيني في الأرض - عندما جاء دوري.
صاح في عصبية: طيب روحوا العنبر.
ولحسن الحظ أن الموقف تغير تماما بعد لحظات؛ إذ اقتحمت النيابة مبنى المعتقل وأمام مكاتب صغيرة انتشرت في ساحة المعتقل أدلينا جميعا بشهاداتنا عما حدث.
18 •••
كانت زوجة «شهدي» قد اقتفت أثرنا من
الإسكندرية
إلى
أبي زعبل
في سيارتها الخاصة، وسمعت من الحراس بمصرع زوجها. وظهر نعي له في جريدة «الأهرام» (لم تكن الرقابة المفروضة على الصحف تهتم بصفحة الوفيات). وتضمن النعي - الذي أعده الشاعر
محمود توفيق - السجين الشيوعي السابق وصهر
يوسف صديق - عدة أبيات من شعر
أبي تمام
في الرثاء، استهلت بهذا البيت:
فتى مات بين الطعن والضرب ميتة
تقوم مقام النصر إن فاته النصر
ألمحت هذه الأبيات إلى الظروف التي جرى فيها مصرع
شهدي . وتناقلت وكالات الأنباء الخبر. وكان
عبد الناصر
وقتها في
بلغراد . ودعاه تيتو لحضور مؤتمر شيوعي. ووقف مندوب يوغوسلافي وسط الجلسة المهيبة ووجه التحية إلى «ذكرى الشهيد الذي قتل في مصر بسبب التعذيب». وتعرض
عبد الناصر
لسؤال من أحد الصحفيين عن الأمر فقال: لم نقتل أحدا، ومن يخرج على النظام يقدم للقضاء العادل. لكنه أبرق لوزارة الداخلية في
القاهرة
بإجراء تحقيق عاجل في الحادث، ووقف التعذيب، وترحيل المعتقلين إلى مكان أكثر أمنا.
19 •••
أرتني هذه التجربة بشاعة القهر وما يؤدي إليه من إهدار للكرامة الإنسانية. وعلمتني النظر إلى الإنسان ككل متكامل مؤلف من نقاط قوة ونقاط ضعف. واحتل هذا الموضوع مكان الصدارة من تفكيري بعد ذلك فيما تلا ذلك من أحداث.
نقلنا بعد عشرة أيام إلى سجن
القناطر
في انتظار صدور الأحكام. وبعد عدة شهور مثلت مرة أخرى أمام المحكمة العسكرية لأسمع الحكم علي بسبع سنوات مع الأشغال الشاقة. وبعد قليل نقلنا إلى سجن
الواحات .
تجمعنا في الزنازين الواسعة التي لا يقل عدد أفراد الواحدة منها عن أربعة عشر نزيلا. وصارت مثل المختبر العلمي للسلوك البشري ولقصص الحياة؛ فقد ضمت بين نزلائها صحفيين وعمالا وكتابا وأساتذة جامعات ومزارعين وطلابا ونوبيين وفلسطينيين أيضا. وداخلها جرى صراع حاد بين التيارات السياسية وبين التكوينات الشخصية على اختلاف مميزاتها. •••
اعتمدنا لفترة طويلة في تزجية الوقت على الألعاب الجماعية التي تتناول موضوعات ثقافية متنوعة وعلى ذكريات ونوادر الحكائين. وكان البعض يتمتعون بذاكرة قوية ويجيدون سرد قراءاتهم مثل
جمال غالي . وكان
صلاح حافظ
يعشق
أم كلثوم
ويجيد ترديد أغانيها. وصار الاثنان نجمين تتنافس الزنازين على استقبالهما ويتم تهريبهما من واحدة إلى أخرى لقضاء أمسية يمارسان خلالها موهبتهما.
وألفت أن أترك الأحاديث والحكايات تحملني على أجنحتها، فأتخيل نفسي في أماكن غريبة؛ على شواطئ
البحر الأحمر
أو في غابة وحوش أو في صحراء لا نهاية لها، وصاعدا جبالا من الثلج، أو نائما في خيمة على حافة بركان، أو متفرجا من أعلى ناطحة سحاب. وكنت أصوغ لنفسي في كل ليلة حياة مختلفة: فلاحا يجمع القطن، أو بحارا في مركب يتنقل بين الموانئ، أو حمالا في ميناء، أو متسلقا للجبال أو صيادا يبدأ يومه بالليل، أو عاملا في عنبر من آلاف العمال والآلات، أو عالما في معمل كبير مليء بالأنابيب والتحاليل والاكتشافات، أو صحفيا يلف العالم ويعيش بقلمه وأعصابه أخطر الأزمات والأحداث. حيوات متعددة مثيرة استهوتني كلها وأردت أن أعيشها جميعا. •••
كان الطعام الذي يقدم إلينا بالغ السوء
20
فسعينا إلى الاشتراك في العمل بالمطبخ العام، وأحدثنا تحسنا في نوعية الطعام أدى إلى نقص كميته. وهنا ظهرت فكرة إنشاء مزرعة تزودنا بما نحتاج إليه من خضروات من ناحية، وتمتص طاقتنا أيضا كما تقدم مثالا على ما نستطيع إنجازه في أصعب الظروف. واحتاجت هذه المزرعة إلى سماد عضوي أمكن توفيره من خلال «الترنش» وهو مجمع للصرف الصحي خارج الأسوار على شكل مستنقعات، فتكونت فرق مهمتها النزول إلى هذه المستنقعات وخلطها بالرمال. كما تطلبت خزانا للمياه، فجرى حفر حوض كبير وتبليطه بالحجارة، ليستقبل مياه الآبار. وفي هذا الخزان تعلمت السباحة.
نجح مشروع المزرعة وظهر إنتاجها من الخضروات الذي كان يوزع على الزنازين بالدور فيسهر نزلاؤها في إعداد وجبة جيدة على نيران «التوتو» وهو مصباح بدائي يعمل بالزيت. وعندما ارتفعت قامة الفول الأخضر أغرى منظر الحبوب السمينة الطرية البعض بمحاولة تخطي الدور. وتعددت حالات الاعتداء على الحق الجمعي فتكونت فرقة لحراسة الحقل رأسها
محمد عمارة (الدكتور والمفكر الإسلامي الآن). وكان ذا وجه متجهم بالغ الصرامة، مما دفعنا - أنا واثنين من الأشقياء هما
كمال القلش
و
إبراهيم هاجوج - لمداعبته، فتسللنا إلى الحقل ورقدنا بين العيدان العالية ثم بدأنا في التهام حباتها الطرية اللذيذة ونحن نتابع قدميه أثناء تجواله حولنا.
أصبح باب السجن مفتوحا بصفة دائمة، فكان العاملون في المزرعة يخرجون إليها في أي وقت من الصباح الباكر حتى غروب الشمس، ولا تغلق الزنازين أبوابها إلا عند الغروب، وبالتدريج أصبحت مفتوحة ليلا ونهارا وتكتفي الإدارة بإغلاق باب العنبر فقط عند الغروب.
وأتاح ذلك الوضع الفرصة لأنشطة متنوعة؛ فقد نظمت محاضرات عامة في الاقتصاد وتاريخ الفلسفة ودروس في اللغات والرياضة البحتة. وعقدت مسابقات أدبية وندوات شعرية ومباريات رياضية خاصة في كرة القدم.
وصدرت صحف ناطقة عديدة، ثم أسس
عبد الستار الطويلة «وكالة أنباء السجن» (واس) التي تجمع الأخبار من مصادر مختلفة أهمها إذاعات العالم ثم تذيعها بردهات العنابر (كانت البداية قبل سنوات عندما هرب كورييل إلى القلة المنفية منذ بداية الخمسينيات راديو ترانزستور قبل أن تعرف مصر هذا النوع من الأجهزة).
وأقام
وليم إسحاق
المعروف باسم
الملك
هو و
داود عزيز
مرسما تردد عليه
عبد الوهاب الجريتلي (الذي غرق في النيل خلال رحلة قام بها إلى
السد العالي
بعد الإفراج، مماثلة للرحلة التي قمت بها مع
كمال القلش
و
رءوف مسعد ) و
مجدي نجيب
و
المهداوي
و
سعيد عارف
و
سعد عبد الوهاب . وخصص
حسن فؤاد مكانا للنحت
وسط مجموعة شجرات في الفناء تردد عليه
صبحي الشاروني .
ووضع
فوزي حبشي
تصميما لمسرح روماني في فناء السجن
21
وصمم
حسن فؤاد
بالتعاون مع
زهدي
و
داود عزيز
و
عبد الوهاب الجريتلي
مسجدا شارك الجميع في بنائه.
أمثال هذه المنافي تخلق وضعا لا تستطيع أي سلطة مقاومته؛ فالحراس من جنود وضباط هم أيضا مسجونون بسبب المسافة التي تفصلهم عن العمران. ولا مفر من أن تنشأ بينهم وبين مسجونيهم مع الوقت علاقات إنسانية. هكذا أمكن إقناع البعض بالقول وأغلب الأحيان بالمال لكي يجلبوا بعض الكتب عند عودتهم من العطلات ويدفنوها في رمال الصحراء. وفيما بعد يتم نقلها إلى داخل السجن لتستقر في مخابئ تحت الأرض. هكذا تكونت مكتبة ضخمة ضمت قرابة عشرة آلاف كتاب، وتوفرت الصحف والمجلات الفرنسية التي كان يرسلها كورييل من باريس مع الملابس والأطعمة والسكر طيلة عشر سنوات.
ولا زلت أذكر اليوم الذي وصلتنا فيه «ثلاثية»
نجيب محفوظ
عقب نشرها مباشرة في ثلاث مجلدات، وكانت تنشر قبلا مسلسلة في مجلة «الرسالة الجديدة» التي رأسها
يوسف السباعي . وكان الزميل المسئول عن توزيع الكتب يحتفظ بقائمة طويلة للرغبات يسجلها بعود محروق من الخشب فوق قاعدة صندوق سجائر. وعندما هرعت لإضافة اسمي أمام «الثلاثية» وجدت أمامي طابورا طويلا من الحاجزين. ولما كان المرضى يقدمون على غيرهم في مختلف منافع الحياة المشتركة، من طعام وخلافه؛ فقد تظاهرت بالمرض. لكني اكتشفت أن أمامي عددا كبيرا من المرضى الذين يحتاجون لتسلية لا تتوفر إلا في هذا الكتاب بالذات. وتفتق ذهني عن حجة جديدة لتخطي زملائي فزعمت أني مقبل على كتابة عدد من النصوص الأدبية وفي حاجة شديدة أكثر من غيري لقراءة الثلاثية لكي أتعلم منها. وفوجئت بأن عددا لا بأس به من الزملاء قرروا أيضا ممارسة الكتابة الأدبية ويحتاجون جميعا لشحذ إبداعهم بقراءة نفس الرواية. بل كان منهم كتاب حقيقيون بالفعل مثل
فؤاد حداد ،
إبراهيم عبد الحليم ،
محمد خليل قاسم ، صاحب رواية «الشمندورة» الرائدة، و
محمد صدقي ، الذي عرف باسم
جوركي مصر ،
زكي مراد ،
محمود أمين العالم
و
عبد العظيم أنيس ،
معين بسيسو
الشاعر الفلسطيني،
فتحي خليل ، إلى جانب مشاريع كتاب عديدين مثل
عبد الحكيم قاسم ،
سمير عبد الباقي ،
كمال القلش ،
فؤاد حجازي ،
حسين عبد ربه ،
متولي عبد اللطيف ،
مهران السيد ،
محمود شندي ،
كمال عمار ،
محسن الخياط ،
مجدي نجيب ،
رءوف نظمي
الذي اشتهر بعد ذلك باسم محجوب عمر وغيرهم.
والواقع أني لم أكذب عندما تذرعت بمشروعاتي الأدبية؛ فقد كنت أتحرق شوقا لوصف ما رأيت وسمعت وعرفت. وكتبت بالفعل - منذ وضعت قدمي في سجن
مصر - عشرات القصص والروايات في ... رأسي! ولم ألبث أن ضقت بهذا الشكل من الكتابة وأخذت أتطلع إلى استخدام الورقة والقلم. •••
كان الزملاء قد احتفظوا بأجولة الأسمنت الورقية التي تخلفت من موقع البناء، وتم تمزيقها إلى شرائح جاهزة للكتابة. ولم يكن من الصعب الحصول على أجزاء صغيرة من أقلام الرصاص. وسرعان ما تمكنت من كتابة أول قصة لي باسم «الضربة»، تصور رد فعل التأميمات الناصرية على أحد أصحاب الشركات الرأسماليين. وعرضتها على
إبراهيم عبد الحليم
في مزيج من الزهو والخجل ثم تتابعت القصص.
لم أكن قادرا بعد على تمثل تجاربي الشخصية فاعتمدت على تجارب الآخرين. كتبت قصة بعنوان «بذور الحب» عن تجربة مر بها
كمال القلش
في طفولته. وعرض علي
إبراهيم المناسترلي
أن أكتب قصة حياته في حلقات مقابل ثلاث سجائر لكل حلقة. وبعد الحلقة الأولى أدركت أني لن أتمكن من المواصلة رغم الإغراء المادي! لم تكن هناك لذة في الكتابة لأني كنت أتعامل مع تجارب لم أعشها. ووجدت هذه اللذة عندما بدأت أصوغ بعض القصص من أجواء طفولتي. هكذا تلقيت درسي الأول؛ ألا أكتب عن شيء إلا إذا كنت أعرفه جيدا. وكان من الطبيعي أن تتحول الطفولة إلى منجم غني بالنسبة للعمل الأول، إلا أني لم ألبث أن توقفت عندما واجهت المشاكل التي يواجهها كل كاتب في بداية عمله؛ أي طريق بين عشرات الطرق والأساليب والمدارس والأشكال؟ •••
في تلك الفترة كنت أشبه بجهاز رادار نشط يتحرك في كل الاتجاهات ليلتقط كل ما يثير المخيلة أو يصلح مادة للكتابة أو يساعد على فهم العملية الإبداعية والحياة نفسها. وأخذت نفسي بجدية شديدة فأخضعت كل دقيقة في اليوم لهدف الكتابة؛ التذكر، القراءة، العلاقات الشخصية والإصغاء إلى الآخرين. كنت قد قررت أن أصبح كاتبا.
وكنت أنتهز فرصة الهدوء الذي يسود العنبر في الصباح عندما يغادره العاملون في المزرعة، فألجأ إلى فرشتي، وأسند الورقة والقلم إلى ركبتي، وأنهمك في تسجيل كل ما يعن لي من خواطر. ويتكرر الأمر في المساء بعد إغلاق السجن وانصراف الحراس إلى ثكناتهم القريبة؛ فبعد العشاء تفتح المخابئ ليحصل كل واحد على أوراقه أو «جواله» وقلمه. وحوالي منتصف الليل يعود كل ذلك إلى مخبئه؛ ولهذا سعيت لأن أصبح أنا نفسي مسئولا عن المخبأ الموجود في زنزانتي كي أضمن مكانا لبنات أفكاري. لكني لم أتمتع بهذه الميزة طويلا؛ ففي أحد الأيام وبينما أنا أستخرج الكتب والأوراق ذات الرائحة الرطبة من المخبأ قام الحراس بحملة تفتيش مفاجئة ولم أتمكن من التصرف بسرعة فوجدوني متلبسا بالجريمة الكبرى.
اقتادني الحراس إلى مكتب المدير وفي أعقابي عدد من المسجونين من ذوي الشخصيات البارزة التي تمثلنا عادة عند التعامل مع الإدارة، مثل
شريف حتاتة
و
سعد عبد اللطيف
و
أحمد الرفاعي . وهناك جرت مواجهة عكست ميزان القوى الجديد في السجن؛ فقد دافع المندوبون عن حقنا في حيازة الكتب، وهدد أحدهم -
فؤاد حبشي - بإعلان العصيان إذا مسني أذى أو صودرت المضبوطات. وقرر المدير أن يتراجع في هدوء ويتغاضى عما حدث وعدت منتصرا بكتبي وأوراقي. •••
كانت هذه المواجهة مؤشرا على التحسن الذي طرأ على وضعنا؛ فقد أصبحت الإدارة تغض الطرف عن وجود الصحف والكتب. وصار في وسعي أن ألجأ إلى المرحوم
إبراهيم عامر
ليترجم لي عن الفرنسية شفويا نص مقال عن
جيمس جويس
في «
ماجازين ليتيرير »، تناول البناء الداخلي لرواية «
بوليسيز » الشهيرة. وظهرت أنواع أفضل من الورق في صورة الكراريس المدرسية، وتوفرت أقلام كاملة للكتاب الشبان من أمثالي، كما أتيح لهم أن ينقلوا إبداعاتهم على ورق لف السجائر الرقيق بخط دقيق يسمح بتهريبها إلى الخارج. وبدأت أفكر في رواية طويلة كتبت منها عدة فصول. بل احتفظت بيوميات دونت فيها خواطري ومشروعاتي القصصية وتعليقات على الكتب التي قرأتها وأسماء كتب أنوي قراءتها في المستقبل.
على أن أبرز نتيجة لهذه التطورات هي رغبتي في أن يصبح لي أنا الآخر كتاب. كانت هناك الآن عملية نشر واسعة للكتب السياسية والنظرية ولمساهمات الشخصيات البارزة بين المسجونين أو من لهم تجربة في الكتابة. وفي هذه الحالة يتم تمويل عملية النشر من المال العام المشترك، وتشمل هذه العملية ثمن الورق وأجر الخطاط الذي يدون النص بخط جميل ويتفنن في كتابة العناوين، ويتقاضى أجره في صورة سجائر معدودة. ولو كان المؤلف محظوظا حصل على رسوم بالحبر أو بالألوان المائية من
حسن فؤاد
أو غيره من الفنانين. وبعد ذلك تأتي مرحلة التجليد بواسطة الورق السميك الذي يتبقى من صناديق السجائر والطعام، ويتم تثبيته بواسطة معجون من دقيق الخبز.
ومن الطبيعي أن هذه الخدمات لم تكن تتوفر لكل إنسان وخاصة إذا كان كاتبا ناشئا صغير السن مثلي. ولم يكن أمامي سوى أن أعتمد على نفسي، فضحيت بجزء من نصيب السجائر اليومي واشتريت الورق وخدمات التجليد وتخليت عن الناسخ مستخدما خطي، مكتفيا بأن يكتب لي الخطاط العناوين بلون أحمر تم «تصنيعه» من دواء «الميكروكروم» المطهر للجروح. وأصبح لي كتيب صغير من نسخة واحدة يضم ثلاث قصص قصيرة ومقدمة رواية بعنوان «
خليل بيه »، لم أعطه عنوانا ولا وضعت اسمي عليه، ولا نشرت شيئا منه في المستقبل. •••
وأتاح لي اتساع حركة النشر فرصة الارتقاء إلى مستوى أعلى؛ فقد قرر الزملاء إقامة معرض للكتب التي تم إصدارها داخل السجن. وتولى
حسن فؤاد
الإشراف على إصدار طبعة خاصة من هذه الكتب بأغلفة ملونة أنيقة رسم بنفسه بعضها.
وكنت قد ترجمت إلى اللغة العربية جانبا من مذكرات الشاعر السوفييتي الشهير
يوفتوشنكو
التي نشرتها جريدة
صنداي تايمز الإنجليزية
على ما أذكر.
22
ورحب أستاذ الرياضيات
عبد العظيم أنيس
بأن أشترك معه بهذه الترجمة في كراس نساهم به في المعرض، ويضم ترجمة قام بها لدراسة سوفييتية قيمة عن
هيمنجواي .
تحدد يوم المعرض في أحد الأعياد التي تخف فيها القيود، ويتغيب فيها عادة مدير السجن. وصفت الكتب فوق عدد من الصناديق المغطاة بالقماش وضعت في الممر الفاصل بين الزنازين. كانت هناك روايتان
لإبراهيم عبد الحليم
ومسرحية «الخبر»
لصلاح حافظ
بمقدمة
لحسن فؤاد
وترجمة عربية لرواية من الخيال العلمي السوفييتي اسمها «
أندروميدا »
لمجدي نصيف
وأخرى لرواية ألمانية بعنوان «عريان بين الذئاب» قام بها
فخري لبيب ، ودراسة عن ثورة 19
لفتحي خليل
ومجموعات قصصية وشعرية بالإضافة إلى عدد من الترجمات السياسية والنظرية الجديدة. ووسط هذه المجموعة ذات الأغلفة الأنيقة استقر كتابي الثاني (أو الأول حسبما تكون وجهة النظر) وتحققت لي أخيرا فرصة النشر «المحترم». •••
جرى تهريب أغلب هذه الإصدارات إلى الخارج، وتمكنت أنا من تهريب «كتابي الأول» بينما ضاع الكتاب الثاني الذي شاركت فيه
عبد العظيم أنيس . كما هربت بضعة فصول من رواية باسم «الرجل والصبي والعنكبوت» لم يقدر لي أن أتمها. ويبدو أني قررت في نوفمبر 63 نقل اليوميات والملاحظات المتفرقة إلى ورق «البفرة» تمهيدا لإخراجها.
وكانت الإفراجات قد بدأت بالمعتقلين، ولم نكن نحن المسجونين على ثقة من أن الإفراج سيشملنا. وكنت قد احتفظت باليوميات حتى آخر لحظة خائفا من تعريضها لمغامرة التهريب. وتطوع
حسين عبد ربه - الذي كان من المعتقلين - لأن يحملها عند الإفراج عنه. وعندما خرجت أخيرا في منتصف مايو 1964 وجدت أوراقي كلها لدى أختي، وبينها المفكرة الثمينة. •••
تتألف هذه الأوراق من عدة أجزاء؛ الأول عبارة عن «كتابي الأول» الذي يحمل تاريخ
يونيو 1962 . ويحوي هذا الدفتر بضع قصص قصيرة هي «بذور الحب»، (
نوفمبر 1961 )، «الذبابة» (
25 نوفمبر 1960 )، «قرص أحمر في الأفق» (
26 أبريل 1962 ) ثم بضع صفحات بعنوان «مقدمة رواية
خليل بيه » بتاريخ
مارس 1962 .
ويضم هذا الجزء كشكولا بغلاف أزرق اللون من 110 صفحة، يحمل ظهره الداخلي تاريخ
27 أبريل 62 -
أول يناير 63 . ويتصدر الصفحة الأولى من الكشكول عنوان «الرجل والصبي والعنكبوت» الذي كتبه بمادة «الميكروكروم» الحمراء عامل من
الإسكندرية
يدعى
محمد الليثي
اشتهر بخطه الجميل.
23
وفي نهاية صفحة 97 عبارة «نهاية الجزء الأول»، ثم قصة قصيرة بعنوان «أميرتي السمراء» اختتمت بتاريخ كتابتها في
25 فبراير 63 .
وداخل الكشكول ورقتا أرز (وهو الورق الذي يستخدم في اللف) مطويتان على شكل ثمانية أعمدة تضم أفكارا عن فلسفة الرواية ومخططا عاما لها وبعض تفاصيل عن شخصياتها الأساسية وعلى رأسها «
خليل بيه ». كما ألصقت بظهر الغلاف الداخلي للكشكول ورقة أرز عريضة دونت عليها بخطي قصة «
الثعبان » وعليها تاريخ 18 / 4 / 63، هي الوحيدة من بين كل هذه الكتابات التي اعترفت بجودتها وعرضتها للنشر الواسع بعد الإفراج عني.
الجزء الثاني من هذه الأوراق عبارة عن صفحات مقتطعة من كراس ومطوية على هيئة كتيب صغير تضم بضع مصطلحات إنجليزية من كتاب «الفسيولوجي» السوفييتي وترجمتها إلى العربية.
ويتألف الجزء الثالث من مجموعة صغيرة من ورق الأرز، وورق «البفرة» الذي يستخدم في لف السجائر، وكراسة صغيرة في حجم علبة الكبريت صنعتها من أوراق كراس مدرسي وثبتها بخيط في المنتصف. وتضم هذه المجموعة الأخيرة قصصي الأولى التي نشرت فيما بعد («الشكولاتة»، «
أرسين لوبين »، «أغاني المساء») ومسودة مشاهد قصيرة من الطفولة ثم بضع وريقات من مشروع رواية بعنوان: «منزل النوافذ الزرقاء» بتاريخ
سبتمبر 63 . كما تضمنت يوميات وملاحظات ومقتطفات من قراءات مختلفة ومشروعات كتابة يرجع بعضها إلى فترة «الكتابة في الرأس» قبل أن يتاح لي الحصول على ورقة وقلم.
24
وأغلبها من خلال الحكايات التي كنت أسمعها. ويبدو أني كنت مفتونا بالعناوين مثل «سبع قطط تحت الجدار»، «قمر ونجمتين»، «وابور الساعة 12»، وغيرها.
احتلت الكتابة ومشاكلها ودور الكاتب وتكوينه ونظرية الرواية والأقوال المتضاربة بشأنها جانبا هاما من هذه المدونات. شغلت القضايا الفلسفية والسيكولوجية المرتبطة بالعمل السياسي جانبا آخر. وعكس الحديث في أكثر من فقرة عن «سقوط الأوهام» عملية النضج والأسئلة التي طرحتها المواءمة بين المثال والواقع.
ولم تكن كتابة يوميات حقيقية بالأمر السهل؛ فهناك دائما الخوف من أن تقع في أيدي إدارة السجن والمباحث، فضلا عن زملائي أنفسهم؛ ولهذا كان علي أن أتجنب بعض الموضوعات وخاصة ما يتعلق بمشاعري الجنسية أو تساؤلاتي أو ملاحظاتي على الأشخاص والأحداث اليومية داخل السجن. وعند الضرورة كنت ألجأ إلى الرمز.
والحق أني بالرغم من شدة حرصي على هذه الأوراق (حملتها معي إلى كل مكان سافرت إليه وأودعتها مخابئ مختلفة ثم شرعت في نقلها إلى جهاز الكمبيوتر عام 1998)، لم أفكر لحظة في نشرها. كنت أعتبرها أمرا شخصيا لا يهم أحدا غيري، ومن شأنه أن يكون مبعث تسلية لي في وحدة الشيخوخة. وعندما طلب مني الصديق
مصطفى نبيل ، رئيس تحرير مجلة «الهلال»، كتابة بضع صفحات عن العوامل التي ساهمت في تكويني الأدبي، اخترت بعضا من اليوميات نشرت في عددي المجلة الصادرين في
نوفمبر
و
ديسمبر 2003 . ثم رأيت أن اليوميات ككل قد تكون مفيدة في إلقاء الضوء على بعض الأحداث والمواقف، وأيضا على البدايات المعقدة الصعبة لتطور الكاتب، فتفرغت في صيف 2004 لإعدادها للنشر في كتاب.
قررت المحافظة على النص الأصلي فلم أتدخل فيه إلا في القليل النادر عندما وجدت تكرارا أو خطأ في النقل (الذي مر بمراحل متعددة من أوراق صغيرة متفرقة إلى كراس صغير وورق «بفرة» ثم إلى الكمبيوتر فيما بعد)، أو غموضا لا تجدي معه القراءة، ولم تفلح معه محاولات التذكر؛ خاصة وقد توفي أغلب من يمكن استيضاح الأمر منهم. هكذا أبقيت على التأملات الساذجة أو الصياغات السطحية المتعجلة. وأبقيت الخطوط التي وضعتها تحت بعض السطور. ولم أتدخل لتصحيح الهفوات اللغوية. أما الكلمات التي لم أستطع قراءتها فقد وضعت مكانها نقاطا بين أقواس، ثم أضفت هوامش توضيحية لأغلب كل ذلك.
وحرصت على الإشارة إلى مصادر المقتطفات وعلى رأسها جريدة «الأهرام» (الصفحة الأدبية التي أشرف عليها
لويس عوض
وعاونه فيها متخصصان في الثقافة الفرنسية هما
وحيد النقاش
و
مصطفى مرجان ، الذي كان يكتب باسم
مصطفى إبراهيم مصطفى ، بالإضافة إلى مقالات
حسين فوزي )، وكتب مشروع «الألف كتاب»، وأعداد من مجلتي «
تايم » و«
نيوزويك »، ومن مجلات فرنسية مثل «
نوفيل كريتيك » و«
بانسيه » ترجم مادتها داخل السجن
حليم طوسون
و
إبراهيم عامر . من ناحية أخرى قمت بترجمة العبارات التي وردت بالإنجليزية، وهي غالبا مقتطفات من قراءات لم يكن ثمة إمكانية لترجمتها في حينها.
يوميات
(1962-1964)
1962
(1) أبريل ⋆ «سواق نص الليل» (خمس حمولات) (
رشاد الشلودي
وقصة سيارات النقل بالليل).
1 ⋆ «يوم رمادي» عن قصة سمعتها من
حسين غنيم : لا؛ لأنها تشبه تورجنيف.
2 ⋆
دمامل المدينة. «الصرباتية» الحياة تحت الأرض بالمقارنة بفوق الأرض. الجانب الخفي السلبي السيئ في الإنسان بالمقارنة بالسطح النظيف البراق الإيجابي. الدمامل عيون البكابورت ويمكن تناول دورة السباخ. ⋆
نضوج العاطفة الجنسية. ⋆
الحدافة أو الرهاية، وصف الآلة التي تعمل بسرعة رهيبة وتصل إلى هدفها في النهاية، وفي أثناء ذلك تقذف بعيدا بأجسام غريبة أو فضلات أو شظايا. أثناء حركة الآلة القبض على سائق عربة السفير. عملية القبض عليه كصورة الآلة: (1)
الحياة تجري، الناس تتجمع بسرعة. ماذا حدث. يقبض عليه ثم يتفرق الناس. (2)
عسكري الفرقة الأجنبية، الحرب في الجزائر. (3)
الضابط الأردني. (4)
الجزائري. اليوناني. اليهودي. الزنجي. القبرصي المجنون. جاسوس. الحياة في السجن. تغيرات على السائق. الشذوذ. الانتظار.
3 ⋆
15 شخصا يسمعون أغنية حب. الحب في حياة كل منهم والشذوذ. ⋆
القاهرة
تنتحر. حريق 52. المدينة التي ثارت فانقلبت على نفسها تدمرها. قصة الحرية في الشارع والناس. المدينة الضخمة العظيمة من كافة الزوايا في فترة مخاض حرجة. ⋆
الأقدام الكاذبة (الأميبا). ⋆
الرجل والآلات (الضربة). ⋆
الجفاف: صوت الأغنية كمياه تتسلل إلى الطين.
4 ⋆
موظف و«روايات الجيب» في سحارة. يغلق الباب عليه ويفتحها. حياته كلها (مجدي ن) ويتوه في عالم آخر. منظر الشاويش الذي يهرب من العالم الكئيب إلى رواية يطالعها في شغف ويبحث عن الأخرى. والفترات بين كل رواية والثانية مملة كئيبة. ⋆
مسعد. ذباب العيش والموسيقى الداخلية. ⋆ «ثلاث قصص من شارع
مسعود ». الرباط هو الجنس والبحث عن الحب. المجنون والخطاب والفتاة. العراقي والمومس و
لطفي . شلة الطلبة والمكرونة وكبد وكلاوي.
5 ⋆
ثلاثة أحلام يقظة: الفروسية، المغامرة الجاسوسية (الرصاصة الثانية)، حلم البطولة السياسية. ⋆
الشيء الذي يأكل صدر الإنسان. الشعور بالاضطهاد.
صدقي : (إنه درس. لقد كنت مثاليا ).
6 ⋆
مرحلتان في التطور 52-58، 59-62 الأولى مثالية. وتغيرت في الثانية أيديولوجية الناس. أولا القادة. ثانيا الإنسان الواقعي. ثالثا مطالب النفس الضرورية نتيجة غريزة المحافظة على النفس. رابعا كل ما كان خارجنا أو مع الاستعمار وفي أحسن الأحوال وطني قليلا، أما الآن فيمكن أن يكون ضدنا ويقتلنا ولكنه في مصاف الشيوعي.
7 ⋆
المرتد: أربعة أيام من حياته. المنهارون. المعترف (تبرير وشفقة).
8 ⋆
البطل والجماهير -
بليخانوف - عبادة الفرد. ⋆
المحكمة. علقة إسكندرية: ال 48.
شهدي . ⋆
ليل وحنان (الظلمة وراء الباب). ⋆
الإرهاب. الرعب. السجن. إذلال آدمية الإنسان. التعذيب. الحرية. ثلاث أشهر:
يناير ،
فبراير ،
مارس 59
في
روز اليوسف . ⋆
ليس الإنسان حرا مطلق الحرية ومتفردا مطلق التفرد في الكون، ليس بصاحب السلطان الأوحد ولا هو مطلق الحرية. إنما تنبع عظمته من نضاله في سبيل الانتصار في حرب بالحيلة ضد القوى غير المرئية المسيطرة على مصيره. ليست آلهة ولا قدرا وإنما قوى طبيعية تنبع من وجود الإنسان نفسه ومن العالم المحيط به. ⋆ «أن ينام الإنسان بجوار إنسان آخر ليالي طويلة. أن يتوقعا معا الخطر ويعيشا معا لحظات الرعب والفزع. أن يشعر الإنسان بأنه انتزع من حياته وأنها أصبحت ذكريات. وأن يجد بجواره إنسانا آخر يفتح له قلبه ويفتح له أذنيه. أن تخلو حياة الإنسان من البيوت والمقاهي والشوارع، وأماكن العمل واللهو والأطفال والحدائق والناس وهم يمشون وهم يضحكون، ومن جمال وجه المرأة، وأن يشعر بأن عليه أن يخلق لنفسه من واقعه الذي يخلو من كل هذه الأشياء حياة جديدة تعتمد على ذكرياته وعلى الصور التي اختزنها للأشياء التي رآها والتي عاشها في أيامه الماضية»، «رسالة العام الجديد»
لإبراهيم عبد الحليم .
9 ⋆ «إننا لم نعرف بعضنا بعد. فنحن لم نجسر بعد على الجلوس معا في صمت»، من رواية «
كارل وأنا ».
10 ⋆
يوميات مدرسة. فكرة صديق العمر. كل التوتر والضيق والبحث عن صداقات عميقة. الرغبة في الفناء في شخص آخر. لحظات الكآبة. فقد الرغبة في كل شيء. الاختناق. ⋆
التعذيب: ومنذ ذلك الحين وهو يشعر عندما يكون سائرا أو داخلا أو خارجا ... أن شيئا ما سيلطمه أو يرتطم به. وإذا اقترب منه أحد فجأة توترت عضلاته وتوقع صفعة أو ركلة. ⋆
الوحش الذي ينطلق من عقاله بالليل ويزحف فوق عنبر به 300 رجل. ⋆
الرواية التاريخية. ملك اليهود، من «أنا،
كلوديوس » و«أنا، الإله»، في سلسلة
ألباتروس .
11 ⋆
إستر ومذبحة اليهود - «ليالي الدم»
12 - «جسر على نهر درينة»: قطاع زمني 500 سنة به عدة أجيال. يبدو الإنسان على حقيقته بتاريخ وأساطير وفلسفة. النهر هو الموضوع الرئيسي. ربط
إيفو أندريتش
في قصصه التاريخي بين فهمه العلمي الحديث والحدث التاريخي نفسه. موضوعه الرئيسي هو الطغيان. ⋆
القوقعة. حالة طفل أمضى في الرحم 15 شهرا ونصفا وفي جهاز الحضانة الاصطناعي ثلاثة أشهر ونصفا،
هاربر مجازين دايجيست 1961 . ⋆
فكرة للرواية الثانية عن «
خليل بيه ». ⋆
ثقب إلى قلب الأرض. جيولوجيا. وتحقيق نفسي. فكرة اللاشعور بعد ذلك. ⋆
صيام المخ وموت القلب: إيقاف القلب أحد الاحتياجات التي تتخذ أثناء جراحته. توقف القلب يعني حرمان خلايا المخ من غذائها من الدم وهو يندفع إليها بفعل القلب. وحرمان هذه الخلايا كل هذه المدة معناه أنها بدأت تتحلل؛ فخلايا المخ هي التي تقبض فعلا على سر الحياة. أما القلب فليس أكثر من مضخة تدفع الغذاء إلى هذه الخلايا لتحتفظ بحياتها. كتاب «عالم الإنسان البدائي»، بول رايدان. ⋆
أربعة أبعاد من الموت (
لومومبا ) القسم الأول أربعة أبعاد من الصاج. الثاني من الخشب. ⋆
الإنسان ليس حرا تماما. فرصته في الاختيار أمامه تتسع مع التقدم وسيطرة الإنسان على قوانين الطبيعة. الإله المعبود (...) المسيطر على الظروف القاهرة التي تتراجع أمام تقدم الإنسان الذي يسيطر تدريجيا على الطبيعة. ⋆
المعبود الأسمر - اكتشاف الإله - رحلة استكشاف المنابع - الحائط العظيم: النوبة والسد
ليزل جرينر - «النيل في الأدب المصري»
نعمات أحمد فؤاد - مقال
محمد عودة «الرجل الذي تكلم عنه
كوزمين » (عامل اشترك في كل السدود)، كتاب
كوزمين
عن طريق السعادة. «النيل»،
إميل لودفيج - النيل الأزرق والنيل الأبيض،
آلان مورهيد
13 . ⋆
تحقيق داخل شخص: في داخل هذا المصوراتي عشت تلك التجربة. نور وظلام. حقيقة وكذب. هكذا تتكون الصور. وهكذا أيضا تتكون الحياة. توازن مستمر بين الحقيقة والكذب . بين النور والظلام. ⋆
أبواب خلف بعضها تفتح وأدخل منها إلى داخل هذا الشخص. ⋆
مغامرات عقلة الصباع. (2) يونيو ⋆
الشيء الذي يبدو لي أني أبعد عنه رغم أني أفكر فيه باستمرار وأود أن أحققه باستمرار هو تناول الإنسان من الداخل. مئات المشاعر والعمليات الداخلية الغريبة والمعقدة. ⋆
هكسلي
في «الأوراق العقيمة»،
مس ثريبلو
تشعر بالحزن وفي نفس الوقت تفكر كم هي حساسة لأنها تحزن هكذا. أنا حزينة فعلا ولكني أمثل. استدعيت الدموع في وقت محدد لأجلب شفقة الحبيبة. أشعر أني شخص ذو أخلاق وقيم عندما أتحدث عن الخلق. وفي نفس اللحظة أشعر أني مجدود لأني أبدو هكذا. عندما أبالغ في الثورة على شيء سيئ رغم أني فعلا ضده وأستنكره لأؤكد موقفي ضده. ⋆
ويقول أحد أبطال هذه الرواية عن الحب: «إما أنك تحب المرأة أو لا. إما أنك واقع تحت تأثير خيالك الملتهب (لأن الشخص الذي تحبه حقيقة بعنف هو دائما اختراعك وأكثر خيالاتك جموحا) أو تحت تأثير غرائزك وفضولك الذهني، فإذا كنت لا تحب فالأمر لا يعدو تجربة في ميدان الفسيولوجي، مع بعض أبحاث سيكولوجية مقحمة على الموضوع لتجعله مثيرا بعض الشيء. ولكنك إذا كنت تحب فمعناه أنك تصبح مستعبدا مشغولا، تابعا لشخص آخر بشكل غير لطيف.» ⋆
الألوان ومعناها: الأحمر الحب. الأصفر الغيرة. الأزرق الحزن. الأخضر الوفاء. الأبيض الصفاء. البنفسجي الحنان. ⋆
يقول المهرب السوري لمفتش البوليس وهو يحاول إغواءه: سوف أعتني بك. ويرد المفتش: كيف يمكنك أن تفعل هذا؟ وفكر بدهشة: لم أشعر باستياء. هناك من سيعتني بي. واستولى عليه نوع من السلام المهدهد. اللحظة التي يطحن فيها الإنسان في أزمة. لو هناك من بيده حل معجزة للمشكلة؟ من رواية «جوهر الأمر» للكاتب الإنجليزي
جراهام جرين .
14 ⋆ «ميلاد كل منا هو مغامرة مع القدر. نخرج إلى العالم بكفاءات وراثية لا تتغير، من أبوين لم نخترهما. ونعيش في وسط تتكون فيه نفوسنا وتملى علينا فيه العقائد وطرز السلوك قبل أن نستطيع أن نغيره. ثم تتوالى علينا الحوادث التي تقرر اتجاهاتنا في الحياة. وتقع بنا الكوارث التي نتكيف بها وننزل على مقتضياتها. وعلى الرغم من أننا جميعا نصاغ في قالب البشرية فإن كلا منا فذ في هذه الدنيا، قد كتبت حظوظه وأكثرها قبل أن يولد، إن خيرا أو شرا؛ ولذلك فإن قصة كل منا هي قصة فذة مفردة تستحق أن تروى وأن تقرأ،
تربية
سلامة موسى.» ⋆
إن تكوين الكاتب ليس بالمسألة السهلة. إنه نضال طويل وشاق وقاس وصارم. إنه يتطلب إرادة كالحديد. يتطلب تدريب هذه الإرادة وتكوينها على مر الأيام. إن العمل اليدوي (ومسئوليته والمسئولية أمام الآخرين) قد لعب دائما دورا هاما في تكوين الإرادة والشخصية وصلبها. إن طريق الكاتب مليء بالتضحيات. كل شيء يجب أن يخضع لفنه. لقد خسر
بوشكين
خمس سنوات من حياته في الجري وراء حبيبته ولعبت به. لا يجب للكاتب أن يسمح بما يعوق عمله وفنه (ص). إنه قديس وشهيد. ⋆
حياة
توفيق الحكيم
وتكوينه درس رائع. إن سنوات طويلة يجب أن تنفق في الدراسة والتحصيل والكتابة، والتجربة يجب أن تستمر إلى الأبد. (1)
دراسة التراث الإسلامي والعربي واليوناني والأوروبي والمعاصر. روح مصر المتمثلة في تاريخها وحاضرها وأساطيرها يجب أن تبرز في العمل الفني الحديث. عالمية الكاتب تأتي من تفوقه في التعبير عن قوميته.
15 (2)
دراسة علمية للأسس الاقتصادية والفلسفية. صقل وتعميق النظرة العلمية للإنسان والمجتمع. ودراسة الفنون الأخرى. (3)
العمل الشاق المستمر بلا توقف في الكتابة. (4)
التجربة الذاتية مهمة. الفنان لا يغلق طريق أي تجربة أمامه. لكن في الإطار العام لخطته. إن التجربة الفردية الذاتية إنسانية وضرورية ولكنها محدودة. لا بد وأن يتسع الفنان للتجربة العامة لمجتمعه وشعبه. لا يمكن تصور
مصر
تبني وتشغي بالعمل والحياة والحركة والمشاكل ثم تقرأ قصة «الضياع» التي نشرتها «الجمهورية». ⋆
إن فكرة الضياع والعدم بشكل عام لا تتفق والصورة العامة لبلادنا اليوم. لن تكون هذه الفكرة هنا إلا تعبيرا عن موقف فردي معين. عن تجربة مؤقتة. عن إحساس مؤقت يجب أن يذوب في الموجة العارمة التي تكتسح البلاد. (1)
الفن الذي يعيش اليوم في
مصر
هو فن تسجيل حركة المجتمع الواقعية وروح الشعب. (2)
ليس التسجيل فقط ولكن المساهمة أيضا في استكشاف الطريق في تعبئة المجتمع في اتجاه تقدمه، بحث مشاكله وإلقاء الضوء عليها. (3)
والإنسان الفرد أيضا وحدة هذا المجتمع. يصوره الفن من الداخل، ويفك مجاهله وعقده لا للاستعراض وإنما ليساعده على أن يسيطر على نفسه في حدود الإمكان ليساعده على أن ينضم إلى المجموع في نشاطه. ⋆
وهذا هو دور الفنان في
مصر
اليوم. لا أن يكتب أي شيء يحلو له لقيمة جمالية بحتة. لا أن يتوه في بحث مشاكل فكرية وفلسفية فقط، لا أن يعيش أسير تجربته الفردية التي قد تسلمه للانعزال والإحساس بالضياع والعدم. لا أن يكتفي بتسجيل ما يحدث في المجتمع تسجيلا انطباعيا حياديا سطحيا. إن فنان مصر اليوم يجب أن يعمل بنشاط وتفاعل ويغوص في أعماق الشعب وفي أعماق الفرد. يكشف ويغير الطريق ويوجه، يقود ويلعب دورا في الحركة اليومية. مسلحا بالتكنيك والتجربة الذاتية والوعي والمثابرة والتضحية.
16 ⋆
لو أن موت أي إنسان يعيش في الذاكرة إلى الأبد. لو أن الحزن يدوم ولا ينتهي ولا يضيع في زحمة الدنيا والأحداث وتعقبه الأفراح، ما كانت هناك لذة للحياة. ⋆
الكاتب مسئول عن كل كلمة يكتبها. ⋆ «عندما يتكلم الناس أصغ كلية. معظم الناس لا ينصتون»، من نصيحة وجهها
هيمنجواي
في رسالة إلى أحد الكتاب الشبان. ⋆ «الذين يحملون النور»، في المؤتمر الثاني والعشرين للحزب الشيوعي السوفييتي.
17 ⋆
ألكسندر تفاردوفسكي : «إن بطل قصتي الذي أحبه بكل خلجة من روحي والذي حاولت أن أصوره في كل جماله، والذي كان وما زال وسيظل أبدا رائعا هو الحقيقة.» تولستوي. ⋆ ... والأمر يختلف عندما يلحظ الكاتب في الحياة شيئا جديدا وهاما وإن لم يرد له ذكر في وثائق الحزب وافتتاحيات
البرافدا
فيدافع بجرأة وإخلاص معتمدا على مواقف الحزب وتقديراته بل واستنتاجاته. بهذا يقدم للحزب معاونة حقيقية ... الحزب مثله مثل مجتمعنا بأسره لا يقتصر ما ينتظره من الأدب على الشهادات التطبيقية المباشرة للحياة الاقتصادية وللعمل في بلادنا. إن ما ينتظره ويتطلبه أوسع بكثير ويتعلق بحياة الشعب الثقافية بالمباهج والآلام والهموم والرغبات التي لا تختص بالعمل فحسب، ولكن تفيض أيضا بالحياة الجارية. وفي العلاقات العائلية والحب. وبالاختصار في كل التعقيد الذي تتصف به الحياة كما هي. ⋆
من الممكن أن يعيش المرء في القرية ولكن يحيا حياة مكتبية (بضعة أشهر من كل عام في مكان محدد عدة سنوات والاختلاط بأهله يكفي). ⋆
إن كل شيء يتوقف على حب الصنعة والتعلق بالموضوع الذي يصبح بشكل ما قضية حياة أو موت للمؤلف. ⋆
هذه هي النظرة التي يرى بها بعضهم مواضيع الواقع الراهن فتؤدي بهم مطاردة التاريخ إلى إضعاف ما يتطلبه التأمل الفكري والفني ومستوى الأعمال. وتظهر في سوق الكتب أعمال اصطنعت على عجل لا تهز فينا شعرة. إن الكتاب الذين يسرعون إلى الاستجابة لمتطلبات اليوم ويطلعون علينا بمواضيع عن الواقع الراهن يستحقون لقب «القشاطين». لا ينال منهم شق قناة
الفولجا
مثلا إلا دراستين أو ثلاثا في الوقت المناسب، وهي دراسات سطحية مكتوبة على عجل. لقد عكس الأحداث وكفى. ولكن هذا الموضوع قد كلف
فلاديميير فومنكو
عشر سنوات من العمل الدائب. ولا أستطيع أن أكتم مخاوفي كلما رأيت الكتاب المتعجلين يبذرون الأحداث والوقائع دون أن تنضج في قلوبهم ودون أن يستشعروا الحاجة إلى أن يمسوا قلب القراء. كلما كان الفنان موهوبا وجادا كلما قلت ثقته بنفسه ويتغلب على تردده الأليم وشكوكه فيتوجه إلى القارئ لأنه يشعر بضرورة في داخله تدعوه للتعبير لأنه لا يستطيع أن يكتم ما بنفسه ... عندئذ يظهر الكتاب الذي يهزني أنا القارئ في صميم قلبي. كتاب ينفذ إلى أعماقي الروحية ... كتاب لا يبرح أن يكون جزءا من نفسي ويجعلني أكثر إدراكا وخيرا وأقوى وأسعد مما كنت. ⋆
إذا لم ينفعل الفنان هو نفسه ولم تتملكه الأفكار وصور الحياة التي يملأ بها عمله فلا معجزة هناك يمكن وقوعها. ⋆
أفسحوا المكان للضحك. ⋆
شولوخوف : «ليس هناك من روابط أقدس من تلك التي توجد بين رفاق ورفاق. الأب يحب ابنه والأم تحب ابنها والولد يحب والديه، ولكن ما لنا ولهذا يا إخوتي. إن البهيمة أيضا تحب صغيرها. ولكن الإنسان هو وحده القادر على أن يتقارب بالروح لا بالدم.»
جوجول
على لسان
تاراس بولبا . ⋆
يجب ألا تقل معلومات الكاتب الذي يتكلم عن المزرعة الجماعية عن معلومات المهندس الزراعي المحلي (عارض
تفاردوفسكي
هذا بأن الفنان يقدم شيئا آخر). ... وهذا ما سيحدث في الأدب ... ستبقى البذور، أما النفايات فستذهب. ⋆
من الصعب أن يقدم ما لا يعرف الحياة النصيحة لغيره. ⋆
تنسب
لتشيكوف
هذه الكلمات حول فن الكتابة: «عندما تجلس للكتابة كن باردا كالثلج»، لا ... لا ... أريد أن يغلي دم الكاتب عندما يكتب ويمتقع وجهه من الحقد ويضحك ويبكي. ⋆
أنا شيوعي أولا ثم كاتب بعد ذلك. (3) نوفمبر ⋆
كان الواحد من أبناء الطبقة الوسطى الذي قد لا يوجد فيها، يكتب ويفكر وهمه وأمله في الحياة أن يعيش في المدينة وأن يصل إلى مكان فيها، فإذا ما صار في المدينة تقطعت صلته بالريف ونسي معرفته به وتطلع من جديد إلى أوروبا التي كانت بمثابة تطلع طبقي يؤكد مكاسبهم الفردية ويهب لهم قدرا معقولا من الراحة المادية ومن القدرة على التشبث بالحدود الضيقة للاستقلال والحرية والتمتع بما في آفاق الفردية ومراقبة الذات من متع جزئية خاصة. بدر الديب في «أخبار اليوم». ⋆
فن الفيلم: لندرجتن . ⋆ «ولكن مهمة القصصي هي أن يكشف عن الحياة الكامنة في أعماق الشخصيات، وأن يذكر لنا عن الملكة
فكتوريا
أكثر مما يمكن معرفته تاريخيا، وهو بهذا يعرض لنا شخصية جديدة ليست هي الملكة
فكتوريا
التي ورد ذكرها في التاريخ»،
آ. م. فوستر
في كتاب «عناصر الرواية». ⋆ «هناك خيط ذهني يربط القصص الأربع ويتمثل في فتاة ملائكية شقراء الشعر تمسك بيدها مهد الإنسانية وتهزه إلى الأبد»، عنوان سينمائي لفيلم «التعصب» 1966، إخراج و. جريفيث. أربع قصص سقوط بابل القديمة، قصة صلب المسيح، مذابح
بارثلوميو ، قصة حديثة. القصص متداخلة. ⋆ «لقد حاول النقاد أن يصوروا موقفي على أنه فقدان للاهتمام بمضمون اللقطات، فخلطوا بذلك بين البحث عن أحد أوجه المشكلة وبين موقف الباحث من الواقعية في العرض.»
أيزنشتاين ، في إشارة إلى الحملة السوفييتية على الشكلية في الفن خلال الأعوام الأولى من العقد الثالث. ⋆ «المادة الحقيقية للفيلم هي المنولوج»،
أيزنشتاين . ⋆ «إذا نحن قارنا بين التجارب الصغيرة والتجارب الكبيرة نجد أن عقل الشاعر يمر بمثل هذه التجربة أيضا، ولكنها تكتسب في حالته عمقا خاصا. وفي حالة الشاعر
كولردج
كان من الواضح أن هذه التجارب تتابع باستمرار؛ فقد كانت تترسب دائما في أعماق ذهنه الفقرات الحيوية من قراءاته. وحينما تستقر هناك بعيدا عن مجال نشاط العقل الواعي تبدأ هذه الفقرات في إثارة انفعالات عنيفة وغامضة. ورغم أن هذه الفقرات تصل إلى العقل الواعي متفرقة ومتباعدة فإنها عندما تستقر في أعماق الشعور تلتقي معا وتقوم بينها صلات وثيقة. ورغم أننا كثيرا ما نغفل من حسابنا كل شيء عدا العقل الواعي فإن هذه التجربة التي أشرنا إليها صادقة في جوهرها؛ فالحقائق التي ترسب على فترات بعيدا عن الذاكرة الواعية تتقارب في أعماق الذهن وكأنما يحدث بينها امتزاج كيماوي مثلما يحدث بين العناصر المتشابهة، «دراسة في أساليب الخيال»، 1927،
جون ليفنجستون لويس
الأمريكي (هل يمكن التعبير عن هذه العملية بشكل روائي؟)» ⋆ «إن الغليان الفوضوي والبحث المحموم كلاهما أمر حتمي. إن الثورة تحرر كل القوى التي كانت مقهورة بالأمس وتدفعها من الأعماق إلى سطح الحياة. ومن الواضح أن الحياة الإبداعية تقتضي التبذير في الطبيعة كما في المجتمع. ومن الضروري ضرورة مطلقة ضمان أكبر حرية للمبادرات والميول الفردية، وكذلك ضمان أكبر حرية للفكر والخيال»،
لينين . ⋆
مئات المواضيع والأفكار. مشاكل حيوية. لا بد من تحديد موقف كل لحظة وكل دقيقة. لا بد من لعب دور والتعبير. عندما تنشغل في رواية طول العام كيف يمكن مواجهة هذه الأشياء العابرة؟ هل هي سطحية وستموت؟ خذ مثلا اللحظة التي كان العالم فيها على حافة الحرب بسبب
كوبا . ثم أنقذ السلام. هل يمكن التعبير بمثل ما عبر
بيكاسو
عن الحرب بالقط الأسود المشوه؟ كي نتجنب التعبير السطحي الساذج؟ ⋆
حادث
سويلم
الصابون والسجائر ثم حادث
القصير . كيف نأتي إلى الشخص من الناحية الطيبة. وكيف يمكن بكلمة أو اثنتين ومجهود بسيط تخفيف أحزان الناس . الإنسان مهما كان معقدا وسيئا له جانبه الطيب.
جوركي : «الناس طيبون إذا اعتبرتهم كذلك، وسيئون أيضا إذا اعتبرتهم كذلك.» سأحاول تجربة
ف. حبشي .
18 ⋆
الاهتمام الحقيقي بالناس غير موجود. كل يبحث عن نفسه. أنانية. أين روح التضحية والإيثار؟ مشاكل نفسية. سرقة. طبيعة الظروف. عدم الاعتقاد لفترة طويلة بإمكانية الإقامة الطويلة. النظر للناس كنمر وآلات. ليسوا مهمين في حد ذاتهم وإنما تنبع أهميتهم من كونهم مجموعة. ولو ذهبوا لا يهم لأنه سيأتي غيرهم! (الألم العظيم يعقبه خلق عظيم) فكرة الستالينيين. «رفضنا أن نضحي بالجيل الحاضر لحساب الجيل القادم»،
عبد الناصر ، مطلوب نظرة إنسانية أكثر. البناء بالناس الموجودين فعلا. ليس الانتظار حتى تبنى المصانع والوفرة ثم يتم إسعاد الناس. يمكن إسعادهم إلى حد ما في ظل الظروف المتخلفة من خلال بحث مشاكلهم. بحث تركيب الفرد ومشاكله النفسية وعلاجها. رفض ما قاله
إبراهيم : «إن دورنا ليس الجري وراء العمليات الدقيقة العصبية والنفسية للإنسان الفرد. هذا يمكن عمله بعد مائة سنة. أما الآن فهناك بناء البلاد ومعاركها القومية والطبقية!» - لماذا يتعارض الأمران؟ لماذا لا يسيران سويا؟
19 ⋆
هل تمثل رواية «
خليل بيه » بعد قصة «قرص أحمر في الأفق» الأرض الوحيدة التي يمكن أن أقف عليها فترة في رحلة الشك والبحث؟ ⋆
الحقيقة :
طاهر
في طريق الموت. تليف في القفص الأوسط من الرئة اليسرى. رشح على اليمنى. أعراض غريبة. هل هو إهمال؟ محاكمة.
ط : هل أهمل: طباع معينة. إحساس بموقف الناس. هل يهرب (يوم المزرعة وعادة الجري). أسوأ اجتماع في حياتي. دفاع عن نفسه، عرض الحقائق من وجهة نظره. لم يكن هذا في الإمكان.
ع : أتهم. لا أدلة. إنسان مريض. كل ش فيه تآمر. فسدت نظرته للناس والحياة. نظرته ذاتية. تصوره للأمور على أساس إمكان حدوث مسائل كهذه. خوفه هو شخصيا. هناك مثال الستالينيين.
R : جاء خصوصا. الكلب المخلص. لا يريد أن يفكر: رأيه أن هناك أساسا يجمع الناس وهو الثقة. الصدام. (لماذا لم يقف الناس معه ضد ع بصراحة؟)
نابليون : الباحث عن الأجواء. ماذا وراء هذا كله؟
العمدة : كان مع
ط . ماذا قال له
ش
من قبل تصوره للأمور.
القعنقور : علاقته ب
و ... محاولته أن يكون موضوعيا. جواه.
ص : حيرة. أين الصح وأين الخطأ. كل شيء يمكن أن يفسر بأي شكل. إنه على الأقل موقف عام من الناس هو الإهمال.
س : الطيب. قام بجمع معلومات (الإهانة في ذلك).
D : الكل ضده. هل هم على حق، هل يريد أحد استغلال الموقف.
ش
في الركن سيشمت. هل ينتهي دوره؟
ع. ح . الأمل الأخير. يتحطم. مناقشته.
ع. ح
يسأل: الآن عندما يلح أحد مدة معينة سيوضع موضع الشك.
ج . نعم. إذن كان هذا مفروضا من قبل
ج . الأمر يختلف. كيف أن
س
ذهب يسأل طبيبا غريبا. كيف يستمر مع هؤلاء الناس وبالذات
ع
الذي يتهم. كيف يتركهم وماذا سيقول الآخرون. هل هي غلطته أنه كان يقلل من شأن شكاوى المرضى؟ إنه يريد أن يستفيد من الوقت لينمي نفسه في مواجهة آخرين يفعلون ذلك بالدراسة. والمحافظة على صحته بالرياضة. هل هو يكره هذه المهنة؟ لا مكان في برنامجه اليومي للناس ومشاكلهم. الزيف والمجاملة عندما يسأل أحدا عن شأن خاص به. المغامرة والتقدير في الطب.
ش : لا شك أنه إهمال. التناقضات بينه وبين ط. موقف فؤاد بعد ذلك من.
القعنقور : المريض نفسه يبكي ويشتم ثم يقرر النضال. الفكرة الأساسية إنقاذه.
20 (4) ديسمبر ⋆
اللاشعور وكيف يحرك التصرفات دون وعي (راجع دراسة في أساليب الخيال)، أشياء قديمة ومركبات توجد في الأعماق ولا يدركها المرء ولا تدور بذهنه ولا يسترجعها ولا يفكر فيها ولكنه يتصرف بوحي منها. تداعي المعاني لا يقدم هذا الجانب؟ هل يمكن تقديمه بصورة أخرى؟ «
ثلوج كليمنجارو » كنموذج قريب من حيث الشكل؟ لا بد من قراءة
يوليسيز . الاقتراب من مستودعات الإدراك المختزنة يعقبه انتعاش أو هبوط. ⋆
الصورة والتناقض ثم النتيجة.
بودفكين . هل يمكن استخدام هذا التكنيك؟ ⋆
البحث عن تكنيك جديد تتمثل فيه طبيعة مصر وروحها وتاريخها. ⋆
بحث في الأعماق أو كطفل يتحسس طريقه في متحف. ⋆
الحب بين أخوين. العالم من خلال طفل؟ ⋆
المدرسة التعبيرية الألمانية في باليه
ماندارين
الأسطوري: الشاب يوشك على الموت. مصاب بجراح. عندما يحقق شهوته الجنسية تنبثق الدماء من الجراح ويموت. ⋆ «الماضي الحقيقي هامشي (...) يوجد على هامش التجربة. يعكس نفسه من خلال الأشخاص الذين رأيناهم فترات وجيزة من الزمن فحسب، بين الحين والآخر، أو حتى مرة واحدة في حياتنا، في أماكن وأحياء لم نضع أقدامنا فيها أبدا مرة ثانية»، «الشياطين»، فون دودرر، الرواية النمساوية في ثلاثين سنة،
الأوبزرفر . ⋆
الفم كالسجن يحتوي داخله عندما يغلق كائنات حية. ⋆
قصة من قسمين؛ قسم ناس تدخل وتتصرف وتخرج تصرفات غريبة، التلقائية والعفوية والعبث. والقسم الثاني نفس الناس في حركة منطقية أو في تفسير لتصرفاتهم والقوانين التي تحكمت في كل ما بدا منهم أو يبدو منهم عفويا وعابثا ومصادفة. ⋆
هناك قانون يتحكم في كل شيء ولكننا لا نعرفه. مرة أخرى موضوع الظروف القاهرة والقوى الخارجية عن الإنسان. قانون الاحتمالات؟ ⋆
المسرح الملحمي عند بريخت. فكرة العمل. ⋆
ما أقل ما أعرف! ⋆
الجنازة.
21
1963
(1) يناير ⋆ «لا شيء أجمل من جسد امرأة»،
بيير لويس
أمام تمثال
أفروديت . ⋆
نحن الذين نصنع أقدارنا بأنفسنا. القدر هو إرادتنا غير الواعية. حادث أو علم أو نبوءة نصدقها وتستقر في أعماقنا وتعمل على دفعنا في طريق تحقيقها. ⋆ «نحن نعيش داخل آمالنا. فإذا اندكت فنحن كالنمل الشارد في الشتاء العاصف.»
توفيق الحكيم
في «زهرة العمر». ⋆
الإنسان الحي حقا هو ذلك الكائن الذي تيقظت فيه كل حاسة وملكة مادية أو روحية. وتكونت وتهذبت بكل حاسة أدبها السمع والذوق والشم والبصر والعقل، المرجع السابق +
ماركس . ⋆ «ماذا هناك في هذه الدنيا؟ أنا فقط ... ولكن من أنا؟ كل ما أعرفه عن نفسي أنني أتعذب. لماذا؟ لأن في داخلي تمزقا. لأنني منقسم على نفسي ...» (مسرح العبث،
أنيس منصور ). ⋆ «إن الإنسان يقف وحده. لا أحد يدري به ولا أحد يهتم به، ولا أحد يعنيه ولا هو يعني أحدا من الناس. الإنسان وحده يولد، وحده يقف، وحده يتسول، ووحده يموت.» رواية «البنج بونج»، للأرمني
أرتور أداموف (ولد 1908). قالت إلزا
تريوليه
عن أحدث رواياته إنه أدب الواقعية الاشتراكية وهي عن كومونة
باريس .
1 ⋆
ليس
العري
معيبا في الفن سواء أكان في التصوير أم في الأدب، أم على المسرح، إلا إذا أراد الفنان أن يكون كذلك، «
س. أبرازوف ». (2) فبراير ⋆
لا يمكن القول مع
السيرياليين : يسقط العالم! ولم يعد باب الموضوع مغلقا أمام الفنان. لا يمكن أن نردد «لم يعد هناك ما يمكن الكتابة عنه.» إن ظروف بلادنا لا تسمح بذلك. إن مئات الموضوعات تنتظر. ومئات الآفاق تنفسح كل يوم. إن تنظيم السينما سيسمح بالارتقاء بها واستيعاب الإنتاج الروائي الجيد. لكن هذا لا يلغي المأساة. ستظل المأساة قائمة؛ الإنسان يحقق انتصارات ويقترب دائما من مصيره ... ولكن ما زالت هناك مأساة الموت ومأساتي أنا الفرد العابر. ⋆
لم لا نعبر عن هذه الفكرة في رواية «النيل»؟
2 ⋆
لماذا لا أكتب قصة كتابة رواية «
الرجل والصبي والعنكبوت » بل وقصة اتجاهي إلى القصة؛ لو كتبت بصدق ودقة وعمق تكون وثيقة سيكولوجية ممتازة. ⋆ (...) جانب سلبي خطير. إننا سنمر بتجربة الستالينية. إن الجيل الجديد لا يستطيع الاشتغال بالسياسة بمعنى الاختلاف في الأفكار. إنه جيل يوشك أن يكون جبانا. إن تاريخ النضال الثوري قبل الثورة قد ألقي عليه ستار كثيف (...) جهاز الحكم أناس مخلصون لكنهم تعلموا الخوف. كيف تحول عمال ثوريون إلى أن يكرهوا بلادهم ويفرحوا لكل ما يصيبها ... كيف دمرت نفسية الكثيرين بفعل الرعب. إذلال الإنسان. ثلاثة أشهر الرعب: يناير-مارس 1959.
3 ⋆
انطباعات كتاب
مصطفى سويف :
4 - الفرض: الصراع الذي تتعرض له الشخصية بين أهدافها الخاصة والهدف المشترك للجماعة، يمكن أن يكون منشأ العبقرية كما أنه يمكن أن يكون منشأ الجنون أو منشأ أية ظاهرة تدل على سوء التكيف؛ لأنه يدفع إلى الحركة من أجل تحقيق النحن أو التكامل الاجتماعي. والإطار يعين الطريق لهذه الاستعادة. - «
الضغط على الفكر » (أو الجانب السلبي في الالتزام الشديد). قال
فرويد
عما أسماه بعنصر «الإبعاد لرقابة الفكر»، إن بعض الأشخاص يعانون من أنهم لا يستطيعون الانطلاق بسهولة مع الخواطر التي تبزغ عندهم في حرية، ولا يستطيعون أن يغفلوا النقد الذي ينصب عليهم؛ ذلك أن الخواطر المرغوب فيها (وخواطر الفنان من هذا النوع، لأنها أولا وقبل كل شيء مدفوعة بالدافع الشبقي) تخلق نوعا من المقاومة العنيفة التي تحاول أن تمنعها من الظهور في ضوء الشعور. إن الشرط الجوهري للإبداع الشعري عند «
شيلر » يتضمن اتجاها شديد الشبه بهذا الرأي الفرويدي؛ فقد كتب في إحدى خطاباته إلى «
كايزر » مجيبا على صديق يشكو من ضعف في القوى الإبداعية، فقال: «إن علة شكواك فيما أرى تتمثل في ذلك الضغط الذي يفرضه فكرك على خيالك. ومن الجلي أنه من العبث الذي ليس وراءه طائل أن يختبر الفكر بدقة كل الأفكار التي تزدحم على الأبواب. ونحن إذا نظرنا إلى أية فكرة منعزلة ... فقد نجدها تافهة غير أنها ربما حصلت على بعض الأهمية من فكرة أخرى تليها، فهذه تفيد كحلقة اتصال غاية في الأهمية عندما تلتئم بمجموعة من الأفكار التي كانت تبدو هي الأخرى مماثلة في السخف. والفكر لا يستطيع أن يحكم على هذه الأفكار جميعا إلا إذا جمع بينها ... والرأي عندي أن الفكر يبعد حراسه عن الأبواب في حالة الذهن المبدع، وأن الخواطر تندفع كالموج، وعندئذ فقط ينظر الفكر ويتفقد الجموع»، من كتاب «تفسير الأحلام»
لفرويد . -
اللغة : وفي الحق أننا نستطيع أن نعتبر استخدام الشاعر للغة مظهرا لوظيفتها الأصلية بتمامها؛ فهي أداة متكاملة البناء، نظام متكامل هو النحن، والشاعر إذ يستخدمها هكذا متكاملة، وربما كان من أهم مظاهر هذا التكامل لديه تطابق اللفظ والمعنى، ويضرب المثل في هذا الصدد دائما ببيت
امرئ القيس : «مكر مفر مقبل مدبر معا، كجلمود صخر حطه السيل من عل». ومن الأمثلة الواضحة عليها في الشعر العربي الحديث قصيدتا
ميخائيل نعيمة «الرياح» و«أخي». - وتعيب «
أديث سيتول » على بعض الشعراء المحدثين ضعف شعورهم بالنسيج اللغوي: «ليس الأمر مقصورا على أن نسيج البيت الشعري أو نسيج القصيدة لا يدل على شيء في نظرهم بل إن شكل اللفظ ووزنه ... قد أصبح كل منهما منسيا ... فهؤلاء الكتاب لا يرون للكلمات ظلا تضفيه ولا شعاعا تشعه، وليست تتفاوت في طولها وعمقها ، ولا يعرفون أن الكلمة قد تتلألأ كما يتلألأ النجم المنعكس على صفحة الماء، وأن اللفظ قد يكون مستديرا ناعم الملمس كأنه تفاحة»، ص 295 من «الأسس النفسية». - كتاب
مكسيم جوركي «الأدب والحياة، مختارات من كتاباته». -
النتيجة النهائية لبحث سويف : الشاعر العبقري هو: (1)
شخص تنتظم علاقته بمجاله الاجتماعي بحيث يبرز لديه الشعور بالحاجة إلى النحن. (2)
يكون ذلك ناتجا عن عدة أسباب في المجال (أي البيئة والشخصية)، ولا شك أن من بين هذه الأسباب الاستعداد الفطري، ويتمثل في درجة مطاوعة المادة النفسية التي تظهر في ازدياد نسبة التهويم في الإدراك، وربما شدة الارتباط بين الجهاز الحسي والجهاز الحركي. (3)
والارتباط الوثيق بين الجهاز الحسي والجهاز الحركي، وخاصة في منطقة التعبير اللغوي ... هو الأساس الفطري لاكتساب الإطار الشعري، الذي يتحدد مضمونه تبعا للبيئة الاجتماعية للشاعر. (4)
وحركة الشاعر كلها هي حركة لإعادة تنظيم النحن، يمضي فيها بخطوات ينظمها إطاره الشعري. -
رأي كودويل
5
في الفن والمجتمع من كتابه «الوهم والواقع»، 1946: «الفن يعكس أنواع التكيف الغريزي للناس ولبعضهم مع بعض ومع الطبيعة، من حيث إن هذا التكيف يسلك سبيل الإيقاع فيوجد لدى الجماعة اشتراكا قطيعيا خاصا يمكن أن نطلق عليه اسم الاشتراك «الغريزي» تمييزا له عن الاشتراك الشعوري الذي نمارسه في حياتنا اليومية تبعا لتقارب أهدافنا وإلخ ... وعلى هذا الأساس يمكن أن يقال إن الشعر بما له من إيقاع يتيح للفرد أن يمضي إلى أعماق نفسه حيث المشاركة القطيعية الوجدانية، ومن ثم فكلما حسب الشاعر من أتباع «الفن للفن» أنه يبعد عن المجتمع لينكمش في نفسه، كان في الواقع يمضي نحو الاتحاد بالمجتمع أكثر وأكثر ... ولا تحطم هذه القاعدة إلا في حالة واحدة، عندما يثور الشاعر على كل العلاقات الاجتماعية ويتجه نحو الفوضوية في الفن، فيقرض الشعر الحر ويتخلص من الإيقاع تماما، وحتى هنا لا يمكن أن يتحقق للشاعر ما يريد بالتمام؛ لأن المضمون الشعوري للغة أو الجانب الرمزي منها هو الآخر اجتماعي في أساسه، فعلى مثل هذا الشاعر أن ينصرف عن كل ما له دلالة حتى يتم له ما يريد، والظاهر أن هذا الاتجاه هو المسيطر على أصحاب النزعة الأوتوماتية في الفن.» -
دراسة تطبيقية : (1)
في الطفولة أحداث غريبة وعواطف حادة. (2)
تأكيد على التميز والاختصاص بالرعاية الإلهية. (3)
في سن 12 حساسية بالنسبة للأوضاع الاجتماعية مطبقة في العائلة + إحساس بالغربة بالنسبة للعائلة والتدخل. (4)
اتجاه للكتابة منذ سن 11 وأثر «روايات الجيب» وشحنة كتب حرب فلسطين،
أماني فريد ، كتابات عن الإصلاح. ترجمة، تأليف. مع أن تطور الدراسة لم يكن ينبئ بذلك (تلميذ عادي. ضعيف في الإنشاء. إحساس بالتميز على أساس صغر السن). - لا أحد يريده. شعوره بأنه متطفل ... لا يريد أن يفرض نفسه، يتشكك في مشاعر الناس ناحيته. يريد مشاعر حقيقية، وكل شيء يبدو زائفا لأنه ما الذي يدفعهم إلى الاهتمام به ... حادث 61 إنما تجسيد للرغبة في العثور على شخص يهتم اهتماما حقيقيا وأكيدا وصادقا ... في السياسة لا يريد أن يفرض نفسه على أناس لا يريدونه (إنهم لا يريدون إشراكي في هذا الأمر فهم وشأنهم إذن؛ وليس: سأشترك رغم أنفهم أو أضغط عليهم أو أطلب منهم). ومن هنا يبدو موضوع البار
6
معقدا: ليس فقط تغيير الإطار والشعور بالأهمية والانهيار وإنما أيضا حساسية خاصة مبعثها ظروف الطفولة، كما ينطبق هذا أيضا في موضوع الاتجاهات الفنية من بدايتها والحساسية بالنسبة لها. ⋆
عندما أقوم بجولة وألتقي بالعشرات أحس كم الإنسان مسكين! كم هو ضعيف وبائس! وأردد قول إليوت بشكل مختلف: نحن المساكين، فلنتساند! ⋆
هل لا بد للتجربة التي يعبر عنها الفنان أن تكون ذاتية تماما، أو يمكنه أن يعبر عن تجربة عامة («الحائط العظيم»
7
مثلا) وينجح فيها أيضا؟ إن النجاح والتمرس في التعبير عن التجارب الذاتية، يمكن من النجاح في تناول تجارب الآخرين ... كما تقوم التجربة الذاتية بتوسيع دائرة نظر الفنان لتجارب الآخرين. ⋆
موقف الفنان من الأحداث اليومية: لا شك أن التجربة تحتاج إلى بعض الزمن لتختزن وتهضم وتقيم ثم يتم التعبير عنها، ولكن هذا لا يمنع أن ينجح التعبير السريع عن إحدى التجارب ما دام هناك خبرة، وما دامت استوعبت وهضمت وقيمت. كما أنه يمكن التجاوز أحيانا عن بعض المعايير الفنية - أحيانا فقط - من أجل القيام بدور إيجابي (اليمن مثلا). هذا رأي
فتحي خليل . وأنا أنظر للموضوع من زاوية أخرى. إني أعتقد أن الأمر يتوقف على الفنان نفسه انفعل أو لم ينفعل؛ ففي الحالة الأولى سينتج بشكل ممتاز وفي الثانية لن يحدث هذا ولو تشقلب أو اختفى خلف يافطة «فن المعركة» وسيكون كاذبا. الأساس هو الموقف الصادق لا المفروض أو المدفوع باعتبارات معينة. ما قيمة أي دافع سياسي أو اعتبار اجتماعي لا أحس به فعلا وأندفع بوحي انفعالي على ضوئه؟ عدا ذلك سأكون نصابا. راجع
تفاردوفسكي
في المؤتمر. ⋆
كل شيء يجب الكتابة عنه ويمكن ذلك. ⋆
الحياة هنا والناس وتاريخهم لا بد من الكتابة عنه. لماذا لا نختار لحظة معينة في حياة خمسين واحدا مثلا ويقدموا بخيرهم وشرهم؟ هذا عمل ضخم يحتاج إلى تقييم سليم وموضوعي. ⋆ «الأهرام» في
13 فبراير 63
تيارات جديدة، «السينما الأصلية بلا ممثل ولا سيناريو ولا ستديو». منذ عام
1919
وبعض السينمائيين يحلمون بسينما لا يصور موضوعها في استديو ولا تحتاج إلى ممثل. وكانت وجهة نظرهم ترتكز على أن الكاميرا هي أداة في يد السينمائي أشبه بالقلم في يد الكاتب، فإذا كان الكاتب يهرع إلى قلمه ليسجل ردود فعله إزاء الأحداث فلماذا لا يفعل السينمائي ذلك؟ لماذا لا يحمل الكاميرا ويتجول في الشارع أو الحي؛ فإذا صادفته ظاهرة أراد أن «يعلق» عليها، أمسك بالكاميرا وسجل انطباعه؟ هذا ما فعله السوفييتي
زفيرتوف
ثم الأمريكي
فلاهارتي . ومن بعدهما الفرنسيان
أبستين
و
فيجو . ولكن لماذا فشل هؤلاء في تثبيت تيارهم؟ يقول السينمائي الفرنسي المعاصر جان
روش : «إن ذلك الفشل يرجع إلى خلطهم بين الريبورتاج وبين الفيلم الدرامي؛ فقد كانوا يسجلون ظواهر الحياة كما هي بينما السينمائي الأصيل يعتمد على الاختيار. إننا حينما نحمل الكاميرا ونصطدم بظاهرة فإننا نتخذ وضعا جسمانيا أمام الظاهرة، وعندئذ «نضبط» العدسة على جانب معين منها ولا نصور الظاهرة كاملة. إننا نعزل عناصر ونركز على أخرى، وتركيزنا هذا يبدو في تكوين اللقطة، ثم بعد أن نصور ظواهر عديدة قد تستغرق فيلما ممكنا عرضه في عشرين ساعة، ننتقي منها عند المونتاج مادة تكفي للعرض في ساعة ونصف. هنا نحن «نضبط» فكرتنا عن الموضوع، تماما كما يعد الروائي مسوداته للنشر. وروش «يطبق هذا المبدأ على المجتمعات الأفريقية في
أبيدجان (
ساحل العاج ) لأنه كان عالم أجناس، أوفدته جمعية الإثنوجرافيا الفرنسية إلى «
أفريقيا ». وبعد تجارب تقوم على تصوير الحياة الاجتماعية في وسط أسود، استطاع أن يستخلص منهجا جيدا للإخراج السينمائي يجعل المخرج المؤلف الوحيد للفيلم، ويجعل الواقع الذي يسجله هو المادة الدرامية الأولى للفيلم؛ فهو باختياره لعناصر الصراع في كل ظاهرة وبإبرازه لها عن طريق الكادراج والمونتاج، قد حول الكاميرا إلى عين بشرية تختار من الواقع ما يوائم وجهة نظر المخرج، ثم تنشر على الواقع وعيا جديدا ما كنا نصل إليه ونحن نرى الأشياء مختلطة بالأحداث العادية. وأفلام «
روش » «يوميات صيف» و«أنا أسود» و«الأهرامات البشرية» هي طريق جديد لسينما يسميها النقاد بالسينما الحقيقية أو السينما الأصيلة.» (تجربة
زافاتيني . كاميرات في الميدان أمام قسم بوليس).
8 ⋆
الناس والحياة، 1891-1912، إليا إيرنبورج ،
9
عن «نيوزويك». - «
تخضع
الاكتشافات في مجالات العلوم الدقيقة للبرهان، وسواء كان
أيزنشتاين
على صواب أم على خطأ، فإن ذلك أمر قد حسمه الرياضيون لا ملايين الناس الذين لا يتذكرون بالكاد جدول الضرب. لقد دخلت الأشكال الفنية الجديدة وعي الناس ببطء وبأساليب ملتوية، وفي البداية لم يفهمها ويتقبلها سوى القلة. وعلى أية حال فمن الصعب تحديد الأذواق أو ترويجها أو فرضها.» - «أثناء الفترة التي أكتب عنها، عندما كنت مرتبكا وضائعا، كان
بوريس باسترناك
يمثل ضمانا لحيوية الفن ومدخلا إلى الحياة الحقيقية ... وطوال نصف قرن كنت غالبا ما أجد نفسي فجأة أردد أبياتا
لإدجار ألن بو . ليس بوسعك أن تمحو هذه القصائد من الدنيا فهي حية.» - «كثير من المعاصرين لي وجدوا أنفسهم تحت عجلات الزمن. وقد أفلت لا لأني كنت أقوى أو أبعد نظرا وإنما لأن هناك أوقاتا لا يكون فيها مصير الإنسان مثل لعبة في الشطرنج يعتمد على المهارة وإنما مثل اليانصيب.» ⋆
مارسيل بروست ، كتاب عنه اسمه «المصباح السحري
لمارسيل بروست ، تأليف
هوارد موس . ويبدو أن له مؤلفا هاما هو «تذكر الأشياء الماضية»، يوصف بأنه أعظم روايات القرن العشرين، قارنته مجلة «تايم» برواية ل «
شارلس بل » على أساس طريقة الفلاش بلاك، تداعي الذكريات أثناء الشراب (مثلا زوجان يفترقان كل منهما يتذكر، وينتهي سيل الذكريات إلى اللقاء). اسم الرواية «أرض الزواج» أو «الأرض المشتركة» وهي متهمة بالملل من ناحية واضطراب الذكريات (الجد والعم والأبناء، وجد الجد ... إلخ)، أو الازدحام بحيث يحدث اضطراب في متابعة الأشخاص والأحداث - لا بد من قراءة «
بروست ». ⋆ «
القصة القصيرة
هي بالتأكيد أكثر أشكال النثر وعورة، وقليل من المؤلفين من يستطيع كتابة واحدة جيدة، لكن أي شيء أقل عبقرية ليست له قيمة»، مجلة «
تايم ». ⋆ «مغامرات في عالم الحيوان»،
إرنست تومبسون . ⋆
أزمة
يوسف إدريس
النفسية. خروج
صلاح .
لويس عوض
أكيد تحول إلى المثالية.
إبراهيم شعراوي
والتصوف. كيف انجذب
لويس عوض
لأدب منحل مثل
ميلر
و
تروخي
هكذا فعل الإرهاب. قتل شخصية الإنسان وتمزيقها.
10 ⋆
دمعة في عين
أوك
وهو يتطلع من قضبان الباب.
11 ⋆
كل
الأدب السوفييتي
ليس إلا ريبورتاجات صحفية تسجيلية.
12 ⋆
دماء
العراق
شنيعة. ومصير الإنسان رهيب. إنها مشكلة المصير مرة أخرى. كحجر يتدحرج فوق جبل.
يا لليوم الذي سألتقي فيه بالباليه والعرائس والمسرح والسينما والفولكلور! ⋆
بوشكين ، مقالات مختارة،
موسكو
1939، عظمة
بوشكين
للأستاذ
أ. لوبول .
قال
بلينسكي
عن ملحمة «
أيوجين أوجينين » إنها عمل قومي في كونها «دائرة معارف الحياة الروسية». ونحن نستطيع أن نقول اليوم إن كتابات
بوشكين
تشكل دائرة معارف فنية للحياة القومية والضمير القومي.
كتب
بوشكين
قبل عام من وفاته: «إن اللغة المكتوبة تثري باستمرار التعبيرات التي تنشأ أثناء الحديث ولكن لا يجدر بنا أن نتنكر لهبة القرون. إن استخدام اللغة المنطوقة وحدها في الكتابة معناه أن المرء لا يعرف لغته.»
وهذا هو ما يجعلنا نلتقي في أشعار
بوشكين
بتعبيرات أدبية مميزة، وكلمات شائعة الاستعمال، وعناصر من اللغة القديمة، لكنها كلها قد ذابت في لغة بوشكينية واحدة ، بهيجة على السمع، طيعة وموسيقية.
كان
بوشكين
يؤمن بأن صدق الفن لا يكمن في النهج التقليدي أو في تأكيد لأحد جوانبه لكن يكمن فقط في رجحان الصدق عليه. إن رجحان الصدق لا يوجد في «التمسك الشديد بالزي واللون والزمن والمكان» وإنما «في صدق العواطف واحتمالية الظروف والمشاعر المستبقة، في احتمالية الشخوص، شخوص مميزة في ظروف مميزة»،
إنجلز .
العمل والإلهام ضروريان بشكل متساو للشاعر «إن العمل يؤكد الفكر، بينما الإلهام هو استعداد العقل للاستقبال الحي للانطباعات ولفهم الأفكار وبالتالي تفسيرها.»
وكان
بوشكين
يطلب من الكاتب: «الفلسفة والموضوعية وأفكار المؤرخ الشبيهة بأفكار رجل الدولة والذكاء الثاقب والخيال النشط، والتجرد من الميل للأفكار المفضلة لديه، والحرية».
إن موضوع التراجيديا، إن معنى الفن العظيم يكمن في: «الفرد والأمة، مصير الإنسان ومصير الأمة».
استوعب
بوشكين
الفولكلور الروسي وكافة أعمال الأدب العالمي فأصبح الشجرة الضخمة للأدب الروسي الحديث التي خرج منها
ليرمنتوف ،
جوجول ،
نيكراسوف ،
تشيدرين ،
تولستوي ،
ديستويفسكي ،
تشيكوف ،
جوركي .
قال
جوركي
في مقال له عن
بوشكين : «يجب أن يعرف المرء أيضا تاريخ الأدب الأجنبي منذ كان العمل الأدبي في جوهره واحدا في كل البلاد وبين كل الشعوب. إن المسألة ليست مجرد روابط شكلية فليس هناك أهمية للحقيقة المعروفة وهي أن
بوشكين
أعطى
جوجول
موضوع «الأرواح الميتة» وأن
بوشكين
نفسه غالبا ما اقترض هذا الموضوع من «رحلة عاطفية»
لستيرن ... إنما المهم أن نعلم أنه منذ قديم الأزل وفي كل مكان، نسجت وتنسج إلى الآن شبكة تهدف إلى اقتناص الروح الإنسانية، وأنه دائما في كل مكان كان هناك ويوجد الآن ناس جعلوا لأنفسهم هدفا؛ هو تحرير الإنسان من الإجحاف والخرافات.»
لا بد من قراءة قصة
بوشكين «ملكة الأسباتي».
بوشكين
والقصة التاريخية: تأثر
بشكسبير
و
والتر سكوت . نقل فترة تاريخية كاملة من خلال أشخاص عاديين. ⋆ «مولد نحلة»،
هيرالد دورينج ، سترلينج 1963. (3) مارس ⋆
أميرتي السمراء : في 25 فبراير انتهيت من كتابتها. لم يتحمس لها إلا
منس . قال
ف. خ . إن الأسلوب (الذي كنت أعول عليه كتجربة جديدة في البساطة والتلقائية) ليس جديدا ، وإنه استعمل، وهو الذي يعتمد على إلغاء حروف العطف والربط. أشار إلى
ساجان
و
نجيبة العسال ، وقال إن التجربة شاذة، وهي تجربة بطل متوتر ومعقد في شلة يربطها رباط غريب من السخرية ببعض. وإن البطل لا يجذب حب القارئ أو سخطه على الأوضاع التي تفرق بين الجنسين وتمنع اللقاء العاطفي. فضل عليها أسلوبي في الرواية. قال
منس
إنها صورة شباب العصر.
أنا بالطبع متحمس لها. إن فكرة العجز في الحب لا بد وأن أتعرض لها كثيرا.
13 ⋆
العرائس.
علي بابا
أوحى لي بفكرة «
الموسيقي الأعمى » (شارع في بغداد. قصر. السلطان المجنون الذي يفقأ عين أي واحد يرى جواريه، ففقأ عين الشاب المغني. أغاني حزينة. ثورة ثم أغاني انتصار) و«فارس الملك» فكرتي القديمة عن
هيرود .
علي الشريف
يضغط علي لأكتبها مسرحية ليلعب هو دور الفارس. لها مغزى بالنسبة للأوضاع الحالية. أنا حائر. لا أريد أن أتوقف عن الرواية وأدخل في أشياء جانبية. ⋆
في النقد يحدث تعسف كبير. إن الفنان عندما يخلق يقصد أشياء محددة ويستخدم عدة رموز، ولكن من التعسف تفسير كل كلمة ورمز وحركة كما فعل
لويس عوض
مع «يا طالع الشجرة» فلا يمكن أن يهتم الفنان بكل هذه التفاصيل ويهدف إليها.
14 ⋆
أيها الرجل الحر: سيظل البحر إلى الأبد حبيبك؛
فالبحر هو مرآتك، وإنك لتتأمل روحك
في صفحاته التي تتعاقب بلا انتهاء،
وإن روحك ليست بأقل عمقا من ذلك البحر،
إنك لتغتبط بغوصك في أعماق صورتك
وتحتضنها بعينيك وذراعيك وقلبك،
وربما نسي قلبك خفقاته
لدى سماعك صوت تلك الشكايا الجريئة القوية،
كلاكما مظلم، محفوف بالأسرار؛
فأنت أيها الرجل ليس هناك من سبر أغوارك،
وأنت أيها البحر ليس هناك من يعرف كنوزك الخفية،
ما أكثر غيرتكما وحرصكما على الاحتفاظ بالأسرار،
وهكذا تمر قرون لا تحصى
وأنتما تتصارعان بلا شفقة ولا ندم؛
لفرط حبكما البطش والموت،
أيها المصارعان الأبديان، أيها الأخوان اللدودان. (من قصيدة
بودلير ، «الرجل والبحر»). ⋆ «إن الحاجة الشاملة المطلقة التي تؤدي إلى نشوء الفن، مصدرها أن الإنسان وعي مفكر ، والإنسان يصل إلى (يدرك؟) وعيه بطريقتين؛ أولا يدركه نظريا، ومن جهة ثانية يدركه عمليا، بقدر ما يملك من غريزة خلق ذاته هو نفسه في الموضوع المعطى مباشرة، يعني في الموجودات والكائنات الخارجية. وهذه الغاية يصل إليها الإنسان بتطوير الأشياء التي هي خارجه. ويفعل الإنسان هذا بوصفه حرا، وينعم من خلال ... بطبيعته الخاصة التي أضفاها على الخارج ومدها إلى الأشياء الخارجية. وهذه الحاجة تجتاز أشكالا متباينة حتى تبلغ هذا الخط من إنتاج الإنسان لذاته، وهو الأثر الفني»،
هيجيل . ⋆ «والفنان الذي أراده العهد البرجوازي بمثابة فرد على الهامش، وصوره بصورة رجل مجنون، نسيج وحده، هو على العكس - إذا نظرنا إلى أعماق الأمور - أكثر الناس سلامة وحسا اجتماعيا وأكثرهم خلوا من الانحراف عن الجوهر والانزلاق، وهذا الوضع يسمو كلما سما قدر الفنان وكان أعظم.»
15 ⋆
الجدلية معناها الدقيق دراسة التناقض في صميم جوهر الأشياء. هذا التناقض في داخل الأشياء هو السبب في تطورها لكن الأسباب الخارجية هي شروط التغير. بينما الداخلية هي أساس التغير. ماو. ⋆
نافذة الألف ثقب
أو خروم السلك (رحلة مستشفى أسيوط) تداعي، مقابلة بين داخل الغرفة وخارجها. (
مربع مقسم إلى خمس خانات رأسية وست أفقية وهي بالترتيب من اليمين إلى اليسار أفقيا :
الصول -
أحمد -
سيد - عسكري الكلى -
رتيبة .
المجنون والتبول - التمرجي - ناظر مدرسة -
إحسان - المومس.
الطبيب الأليط - الطبيب الطويل - الشرقاوية - صاحب الوجه اللطيف -
صفية .
الطبيب الطويل - عجايبي - الخادمة المنتحرة - الفلاحة والأعرج - الطبيب الذي فقد 10 جنيه. «الراجل ده حيجنني» من الراديو - المشرف الاجتماعي - الطلاب الثلاثة - الجنايني - البنات - المريضة من الخارج.
المرأة فوق الخمسين -
عبد الوهاب
والصول الأليط - المخبر والصول ال (...) - ضابط اللي -
عبد الحكيم
أم (...) - الممرضة الأليطة).
16 ⋆
من
أسيوط : الثعبان. عيني التي ستنفجر.
خليل بيه
يتزوج من الأرياف.
17 ⋆
النوم - نصف الطريق إلى الموت؟ العقل يموت. المرء يتنفس وينمو بلا وعي. تعود الشخصية إلى ينبوعها الطبيعي. عصارة في لحاء من الشجرة. زر كهربائي ينطفئ في المخ يصنع المعجزات. اللحظة الحرجة التي يسقط فيها المألوف المعتاد ولمعت الحياة بالدهشة وبرق العقل بأسئلة جديدة تماما - تكوينات جديدة لم يكن يجدها وهو في كامل يقظته وارتباطه بالأشياء. ماذا يحدث عند النوم؟ تنظيم الوظائف الأصلية: (1) تنظيم دورة الدم والتنفس والهضم والامتصاص والإفراز. (2) يبدأ النمو والبناء ويتوقف الهدم ويقل الاحتراق. (3) تستيقظ رغبات أكثر أصالة من رغبات النهار والغرائز كلها تستيقظ وتعمل وتنشر نشاطها في الأحلام. ⋆
لا بد من قراءة رواية «الأفريقي»، تأليف
وليام كونتون ، لموضوع «
لومومبا ».
18 ⋆
شقاوة العيال. منظر عدة صبية متحمسين عنيدين مصممين يتآمرون يجمعون قشر البطيخ في الصباح - يضربون بالنبلة الناس الذين يتبولون - النبلة واصطياد الطيور مقالب مع الناس باستخدام الحشرات. ⋆
بئر السلم والظلام، شخير وأشباح وأطياف وأحلام الناس النائمين في كل مكان، وحشرات وميكروبات وأخطار و
عزرائيل . تحت هذا الستار الأسود تكمن كل الخيانات وترتكب الجرائم. وفي حماه يمارس الإنسان أجمل شيء في حياته فيقترب لحمه من لحم أنثاه. ⋆
كتبت «
المغني الأعمى ». «إن أكبر الآمال تحقق. لكن ما أفدح الثمن الذي يدفع في سبيل ذلك!» هذا هو موضوعها. لم يتحمس لها ح. ف.
19
لأنه لا يريد أن يدخل هذا المجال. المفروض أن يعد لها
حمام
أغاني لكن يبدو أنها لن تتم. (4) مايو «الطاعون»،
ألبير كامي : - «الناس أميل إلى الخير منهم إلى الشر، ... ولكنهم يجهلون - إن قليلا أو كثيرا - وهذا هو ما نسميه الفضيلة والرذيلة، فأبغض الرذائل ليست إلا رذيلة الجهل الذي يجعل صاحبه يعتقد أنه يعرف كل شيء، ويعطي لنفسه حق القتل.» - «نعم، لو كان حقيقيا أن الناس يحبون أن يتخذوا لأنفسهم أسوات وقدوات فيمن يسمونهم أبطالا، وإذا كان من الضروري أن يكون هناك بطل لهذه القصة، فإن الراوي يقترح هذا البطل بالذات، هذا البطل التافه المغمور الذي لا يمتاز إلا بشيء من طيبة القلب ومثل أعلى يدعو للسخرية على ما كان يبدو، فهذا من شأنه أن يعطي ما للحقيقة للحقيقة، وما لجمع اثنين واثنين حاصل جمعهما وهو أربعة، كما يعطي للبطولة ذلك المكان القانوني الذي لا تستحق غيره؛ أي خلف المطالب السخية التي تتطلبها السعادة، لا أمامها، وهذا من شأنه أيضا أن يضفي على هذه القصة طابعها الحقيقي، طابع العلاقات القائمة على المشاعر الطيبة؛ أي المشاعر التي لا تتسم بالسوء الصارخ ولا بالحماس الذي لا يوجد إلا في المسرحيات المتبذلة.» - «
ريو : إن هذا عناء. ولا ينبغي لك أن تخجل لأنك فضلت السيارة.
رامبير : لكن قد يكون مخجلا أن يكون المرء سعيدا بمفرده.
تارو : لو أردت اقتسام شقاء الناس فإنك لن تحصل أبدا على وقت للسعادة. وعليك أن تختار.» - «لقد خسر
تارو
الجولة. أما
ريو
فماذا ربح؟ لقد ربح أنه عرف الطاعون، وأنه بقيت له ذكراه، وأنه عرف الصداقة، وأنه بقيت له ذكراها، وأنه عرف الحنان وأنه لا بد أن يأتي يوم لا يبقى منه إلا ذكراه (انتهى الطاعون ومات صديقه وما زالت أمه على قيد الحياة). إن كل ما يمكن للمرء أن يربحه في لعبة الطاعون (الموت، الحرب، كل ما هو سيئ وشرير) والحياة، هو المعرفة والذكرى؛ فقد يكون هذا هو ما عناه تارو بقوله ربح الجولة.» - «إنهم يعرفون الآن أنه إذا كان ثمة شيء يتمناه الناس دائما ويحصلون عليه أحيانا فهو الحنان.» - (آخر سطور الرواية) ... «قرر الدكتور ريو أن يكتب تلك القصة التي تصل الآن إلى نهايتها، وذلك حتى لا يكون من أولئك الذين يلزمون الصمت، وحتى يقدم شهادة في صالح مرضى الطاعون، ولكي يترك من ورائه شهادة تذكر بالظلم والعنف اللذين حاقا بهم. وأخيرا لكي يذكر ببساطة أننا نتعلم من النكبات أن الإنسان فيه ما هو جدير بالإعجاب أكثر ما يستحق من الازدراء.
ولكنه كان يعرف مع ذلك أن تلك القصة لا يمكن أن تكون قصة النصر النهائي. إنها ليست إلا شهادة على ما لا بد لهؤلاء الناس من تحقيقه، وما يتبقى لهم أن يحققوه - في أغلب الظن - رغم (...) وسلاحه الذي لا يكل، ورغم همومهم الشخصية؛ ذلك أنهم إذا كانوا يستطيعون أن يكونوا قديسين ويرفضون الاستسلام للأوبئة، فإنهم مضطرون أن يكونوا أطباء.
والواقع أن
ريو
كان ينصت إلى صيحات الفرح تتصاعد من المدينة، فتذكر أن هذا الفرح ما زال مهددا؛ لأنه كان يعرف ما تجهله تلك الجموع المبتهجة، وما يمكن قراءته في الكتب من أن جرثومة الطاعون لا تموت ولا تختفي أبدا، وأنها قد تظل عشرات السنوات نائمة في الأثاث والفرش، وأنها تنتظر - في صبر وأناة - في الغرف والأقبية والحقائب، والمناديل والأوراق القديمة، وأنه ربما يأتي يوم يوقظ فيه الطاعون فئرانه ويبعث بهم إلى الناس من أجل شقائهم وتعليمهم لكي يختطفهم الموت من بين أحضان حياة سعيدة.»
20 ⋆
يوفتوشنكو :
21 «اعترافات فتى العصر السوفييتي»،
الإكسبريس : - «سيرة شاعر هي مجموع قصائده. وما عدا ذلك مجرد تعليق. على الشاعر أن يتقدم لقرائه بمشاعره وأفكاره وأعماله، ولكي يحق له التعبير عن الآخرين يجب أن يدفع الثمن ... عليه أن يسلم نفسه بلا رحمة للحقيقة. الشاعر ممنوع من الغش، وإذا حاول أن تكون له شخصيتان؛ الرجل الحقيقي من جهة، والرجل الذي يعبر من جهة أخرى، فسيجد نفسه عقيما لا محالة. عندما أصبح
رامبو
نخاسا، وتناقضت تصرفاته مع مثله الشعرية، كف عن الكتابة.» - «عندما يبدأ الشاعر بإسكات حقيقته فهو ينتهي حتما بالسكوت على حقائق الآخرين وآلامهم ومآسيهم (أفكاره الخاصة وتناقضاته وتعقيدات مشاكله الخاصة) ... بعد الثورة أسس الشعراء الشيوعيون ذات يوم جمعية «الثقافة البروليتارية» وقرروا ألا يتكلموا إلا بصيغة الجمع بأن يقولوا «نحن» - وتفنن نقادنا الأدبيون في اختراع نظرية «البطل الغنائي». كانوا يقولون إنه يتعين على الشاعر أن يتغنى بالفضائل العليا وأن تبدو أعماله لا كما هو ولكن كنموذج للرجل الكامل ... إن الأحياء لا يتميزون بالشكل الذي يتخذه أسلوبهم في التعبير، ولكنهم يتميزون بأفكارهم الفريدة. ولا يمكن أن توجد سيرة شخصية حقيقية لا تعبر عما يحمله كل شخص في نفسه من تفرد غير قابل للتقليد.» - «أعرف أن هناك رجالا قادرين على طبع عصرهم بأفكارهم الشخصية يقدمونها كما لو كانت أسلحة في المعركة لمجتمعهم، وهذه هي أسمى أشكال الخلق الفكري - لكني للأسف لا أنتمي لهذه الفئة الخلاقة.» - أعتقد أنه يجب أن تكون للمرء شخصيته المستقلة المحددة لكي يستطيع أن يعبر بأعماله عما هو مشترك بين عدد كبير من البشر. وهذا ما لا يتعداه طموحي كشاعر ... يوم أفقد «الأنا»، سأفقد القدرة على الكتابة. - «إن عددا كبيرا من البلاشفة القدامى الذين قبض عليهم وأسيئت معاملتهم ظلوا يعتقدون أنهم اضطهدوا دون علمه، ولم يسلموا أبدا بأنه هو الذي أمر شخصيا بما حل بهم. وكان الكثيرون منهم يكتبون بعد عودتهم من التعذيب بدمهم على جدران الزنازين «عاش
ستالين .»
22 - ... «كان أكثر الشعب يرفضون مواجهة الحقيقة. كان كل منهم يشعر بذلك (الإرهاب الستاليني) بشكل غريزي لكنه يرفض التسليم بما يهمس به قلبه. كان التسليم بذلك شديد القسوة بالغ الفظاعة ... كانت أكبر المخاطر التي تهدد الشعب يوما بعد يوم هي الانفصام بين سلوكه ومعتقداته (فترة (...) ثني الشيء في الاتجاه المضاد لتقويته - اضطهاد المثقفين).» - «كم أود أن أكون
تل أولينشبيجل
23
عصر الذرة! قلبه يخفق من أجل طبقته ومن أجل الذين ماتوا ظلما في سبيل سعادة الإنسانية. أريد أن أكون
تل
الذي يضرب في الأرض وينشد أغنيته المثيرة التي تدعو الرجال إلى الكفاح من أجل العدالة. أريد أن أكون
تل
الذي يزدري رجال محاكم التفتيش مهما كان مسقط رأسهم، والذي يسخر من كل الذين لا يحلمون إلا بملء بطونهم والنوم في راحة!» - «هل يمكن أن يقال إن
روسيا
انتصرت بسبب تعلق أبنائها بالوطن فقط؟ لا ... لا أعتقد أنها انتصرت لهذا السبب فقط. سبق أن قلت إن الشعب الروسي كان يتهدده قبل الحرب خطر الازدواج في حياته، لكنه لم يفقد في قرارة نفسه الإيمان بمثل الثورة، وقد هب لا للدفاع عن وطنه فقط، بل عن ثورته على الأخص بالرغم من كابوس معسكرات
ستالين ، وليس مصادفة أن الشاعر
ميخائيل كولتشيكي
الذي مات في الجبهة وهو بعد في العشرين كتب وهو يتوقع نشوب الحرب:
في الضباب الكثيف،
تتحرك فرق سرية جديدة،
وتقترب الشيوعية مرة أخرى،
كما كانت في سنة 17.
وقد يكون من العسير على الإنسان أن يعترف بذلك، لكن حياة الشعب الروسي أثناء الحرب كانت أيسر من الناحية المعنوية؛ لأنها كانت أكثر إخلاصا، وهذا أحد الأسباب الرئيسية لانتصارنا. كان الجميع كبارا وصغارا يكرسون كل جهودهم من أجل النصر.» ⋆
إلى أي مدى تعبر ذاتية الفنان الفردية عن النحن. ⋆
لا يوجد نموذج شاذ. الشواذ هم شواذ بالنسبة لجهلنا وهم في غرابتهم يمثلون وجها من وجوه المجتمع. كلما ازداد الفنان عمقا في فرديته (من ناحية التعبير) أمكنه أن يعبر بنجاح عن المجموع - ص. ⋆
خواطر
سترافنسكي
عند بلوغه الثمانين (عن
سمحة الخولي ): - «رأيي الحقيقي في الناقد الموسيقي أن الشخص الذي يكرس حياته لمهنة الموسيقى وممارستها ممارسة عملية خلاقة، لا ينبغي أن يكون موضع الحكم ممن لا مهنة له ولا يفهم الموسيقى في الممارسة، مما يلون نظراته إليها؛ فالموسيقى في حياته أقل أهمية وخطورة بكثير مما في هي في حياة المؤلف.» - «أردت أن أوضح عمق الهوة بين الذي «يعمل» والذي يفسر أو يشرح.» - «هل كنا أنا و
إليوت
نكتفي بترميم السفن القديمة في حين كان المعسكر الآخر (مثل
فيبرن
و
شونبرج
و
جويس
و
كلي ) يسعى إلى خلق وسائل جديدة للشعر؟ أظن أن هذا التفسير أو التقسيم الذي طال الحديث عنه في الجيل الماضي قد اختفى الآن من الأذهان؛ فإن عصرنا ليس إلا وحدة كبيرة نشترك جميعا فيها، وكل واحد منا يكون جزءا منها ... والواقع أنه قد يبدو أني و
إليوت
نستغل أشياء تفتقر إلى الاتصال أو الاستمرار الحي، أو أننا خلقنا فنا من أجزاء متفرقة وأشتات متناثرة، استخدمنا اقتباسات من شعراء وفنانين آخرين، وإشارات وتلميحات إلى أساليب سابقة (وهي إشارات إلى أعمال فنية أخرى سابقة لعصرنا)، لكننا استخدمنا كل هذا وغيره مما كان في متناول يدنا وسخرنا ذلك كله للبناء من جديد، ونحن لم نبتكر أو نخترع ناقلات أو وسائل جديدة للسفر؛ وذلك لأن وظيفة الفنان هي ترميم السفن القديمة وإعدادها وإعدادا جديدا، فهو لا يملك إلا أن يقول بطريقته الخاصة ما قاله غيره من قبل.» ⋆
التفسير النفسي لمسرحية «يا طالع الشجرة»،
عز الدين إسماعيل ؛ الشعور واللاشعور والأنا العليا أو الوعي.
الإنسان بين عالمين مختلفين في اتجاهين مختلفين، الوجود الخارجي الحقيقي. وجوده الداخلي الغير معقول. «إن عالم النفس البشرية عالم رحب وخصب، وهذا الاتجاه المعاصر من جانب الفنان إلى استكشافه وعرضه كما هو دون «تعقيل» له - على عكس ما كان الفنان القديم يصنع - كفيل بأن يطلعنا في نفوسنا على ثروة وذخيرة حيوية لا تنتهي.» ⋆
عن
السيريالية (المجلة): - «البحث عن الحقيقة من خلال تحطيم الروابط المستتبة بين الأشياء. إثارة الدهشة وزعزعة الجمهور عن المضي في حياة باردة فاترة رتيبة نتيجة قيامها على مسلمات متوارثة متواتر عليها بغير مناقشة. الوسيلة لذلك من اللاشعور حيث توجد صور الأشياء على نحو غامض مبهم وتترابط ترابطا نابعا عن عالم آخر غير عالم الواقع.» - «المدهش وحده هو الجميل.» - «على كل فنان أن يعمل بمنأى عن الآخرين منصرفا إلى رؤياه الخاصة للوجود غير آبه برؤى الآخرين.» ⋆
يقول
بريخت
في كتاب أصدره عام
48
بعنوان «أورجانون المسرح الصغير» إنه ينكر أعماله الفنية الأولى ويرى أنها كانت تعليمية سياسية، وإن المسرح يجب أن يكون مجاله المتعة الفنية لا غير، غير أنه يتحتم أن يتكيف بملابسات عصرنا ويكون علميا في طريقته ... نحتاج إلى مسرح لا يقتصر على مجرد إتاحة المشاعر والمعارف والدوافع التي يسمح بها مجال العلاقات الإنسانية الذي تجري به الأحداث، وإنما نحتاج إلى مسرح يستغل الأفكار وينتجها حتى تلعب هي دورا في تغيير العالم»،
بريخت ،
دونالد جراي (الغاية خلف الإحكام الفني). ⋆
الصورة الفنية (كالتشبيه) لا بد أن تكون مربوطة تماما بطبيعة الشخصية وحركتها والموقف كله والجو العام والحالة النفسية والتكنيك ... إلخ. ⋆ «رحلات مع شارلي»،
شتاينبك .
24
قال إنه كان يعتمد في أعماله الأخرى لا على تجاربه وإنما على ذكرياته، ومن الإجرام في رأيه أن يعتمد الكاتب على ذكرياته وحدها. ⋆ «
كفافيس » (مات 1930): «أيام المستقبل تقوم أمامنا مثل صف من شميعات موقدة ... ذهبية، دافئة ... شميعات فيها حياة.
وأيامنا الماضية تقف من ورائنا صفا من شموع خامدة مطفأة، القريب منها إلينا لا يزال يرسل دخانا.
شموع باردة، ذائبة، متهدلة ...
إنني لا أريد أن أراها ... يحزنني مرآها وأتحسر على أضوائها الأولى.
لهذا أنظر دائما أمامي ... إلى شموعي الموقدة.
على أنني أنزعج ... فما أسرع ما يطول صف الوراء! ... وما أسرع ما تكثر شموعي الخامدة!» - «إنني شاعر غير قدري النزعة، إنني شاعر جبري، لا يشرفني أن أعتمد على الوحي وهمسات الحدس والتخمين، وتسول الفرص ... أنا شاعر أكتب عن وعي وإدراك ... أعني ما أقول وأتقن ما أصنع، ولهذا أخمر التجربة تخميرا كي أستصفى روحها خمرا خالدا ...» ⋆ «الخيال الرومانتيكي»،
سير موريس بورا : (راجع السيريالية): - آمن
كولردج
بأن الخيال الذي يتوسل بالحدس أفضل من المنطق التحليلي في اكتشاف حقائق الأشياء؛ إذ إن الحدس في هذه الحالة سوف يتخطى العقل والحواس جميعا ويخرج بالإنسان إلى عوالم قد لا تكون معقولة وقد لا تكون ممكنة الوجود ... لكنها تجسد في غرابتها وغموضها عالم الروح الزاخر بشتى المشاعر التي تدق على الإدراك والفهم والتعبير إلا بهذا السبيل. - العقل لا يستطيع القيام بذلك. أما عوالم الخيال التي يخلقها التهويم، فهي وحدها القادرة على ذلك بإفساحها المجال لدلالات الرمز ودلالات الإيحاء. - إن عوالم التهويم تشبه الأحلام ... إنها تجعل المرء يعيش في دنيا مختلفة عن دنياه، ويتذوق أنماطا من الخيال لا توجد في حياته اليومية، ويجرب أحاسيس لا عهد له بها من قبل فيثري ثراء من لون جديد. ⋆ «ما دام لكل موجود بشري ذاتي متناقضاته الخاصة وأحداثه الدرامية المشخصة؛ فإنه هيهات للفيلسوف أو عالم النفس أن يحل لكل منا مشكلته الخلقية الخاصة. إن الفيلسوف قد يساعده على أن يستجمع شتات قواه العقلية والوجدانية، كما أن عالم النفس قد يساعدنا على تبديد أوهامنا ودعم طاقاتنا، لكن «الحدث» وحده هو الذي سيولد تصميمنا النهائي، وليس للفيلسوف أو عالم النفس على الحدث يد ... لا سبيل مطلقا إلى نقل الحكمة المكتسبة إلى الأجيال الناشئة. وما دام سبيل الحياة لا بد من أن يظل دائما طريقا خاصا يضرب فيه كل منا لحسابه الخاص ويخوضه دائما بمفرده، فإن فيلسوف الأخلاق لم يعد يستطيع اليوم أن يحاكي المربي الواهم الذي يعتقد أن خبرات الكبار حاسمة بالنسبة للصغار وأنها لا بد من أن تفهم وتعصمهم من مواطن الزلل ... لا بد لكل جيل من أن يكون لنفسه حكمته الخاصة، ولا بد لهذه الحكمة من أن تجيء ملائمة لمقتضيات عصره وطبيعة مشكلاته. ولا بد لكل فرد منا في زمانه الخاص وموقفه الذاتي من أن يعمل على اكتشاف شروط توازنه الشخصي ... الإنسان مخلوق معاصر أو كائن واقعي، الأخلاق مغامرة كبرى أو مخاطرة هائلة يحياها كل موجود بشري لحسابه الخاص؛ ومن ثم فإنه لا بد من أن تظل ممكنة ذاتية تعبر عن «التزام» الموجود المشخص أمام وحدته التاريخية الخاصة، «المشكلة الخلقية عند الفيلسوف الوجودي»،
زكريا إبراهيم . ⋆ «عناصر الرواية»،
إ. م. فوستر : (1)
القصة: حاولت
جرترود شتاين
أن تحطم الزمن بإلغاء عنصر الحكاية كلية والتعبير عن قيم الحياة فقط. (2)
الأشخاص: شخصية مسطحة. شخصية مستديرة. إما أن يصف الكاتب الشخصية من الخارج كمتفرج متحيز أو غير متحيز، أو أن يتخذ موقف المحيط بكل شيء عن شخصيات روايته فيصفهم من الداخل، أو يضع نفسه موضع أحدهم ويدعي جهله بدوافع الآخرين. (3)
الحبكة: أحداث مرتبة في سياق زمني (الحكاية) + السببية والمنطق. (4)
الفانتازيا أو التهويم (مثل تقديم وحش أو ملاك أو
جلفر
والأقزام أو سياحة في داخل الشخصية وانفصاماتها أو رحلة إلى عوامل الزمن مثل الماضي والمستقبل). (5)
النبوءة: نغمة في صوت الكاتب تتخلل روايته، أنشودة ربما تغنى فيها الكاتب بأحد الأديان أو بتقديس العواطف من حب وكره. (6)
النمط والإيقاع: يقصد بهما الشكل العام للرواية.
مستقبل الرواية: ربما تتغير الرواية وتطمس معالمها الحالية لكي تأخذ مكانها معالم جديدة، لكن ذلك لن يكون مرجعه أن المرآة (الرواية) قد تغيرت ولكن لأن ما تعكسه المرآة (الحياة) قد تغير.
الرمز: هو شكل أكثر تعقيدا من أشكال الصور الفنية (أبسطها هو التشبيه المباشر أو الاستعارة). يصل الفنان إلى هذه الصور بالحدس. اللغة العادية مليئة بالصور الفنية لكنها بليت من كثرة الاستعمال. يستخدم بعض الشعراء الرموز بطريقة أكثر تعقيدا حتى يتركوا في نفوسنا إحساسا غامضا بما يمثله الرمز ويترك للقارئ فرصة استيحاء ظلال معان قد لا تنتهي. ⋆ «
جويوم أبولينير
والحياة التكعيبية»،
سيسيل ماكورث :
كان
أبولينير
قوة ملحوظة في ازدهار التكعيبية . كان شعره متغيرا مليئا بالألغاز مثله تماما. وكان يتناول موضوعات السخرية الدينية وفوضى العالم ووحدة الأحداث والانطباعات. «التكعيبية» محاولة اكتشاف حقيقة شيء معين بكشف كافة جوانبه وزواياه في وقت واحد. وقد طبقها على الكتابة وهو أول شاعر تكعيبي.
قال وهو يموت: «أنقذني يا دكتور. ما زال عندي الكثير لأقوله.»
في النظرة التكعيبية ليست هناك زاوية أكثر حقيقة أو صدقا من الأخرى، وهكذا فإن كل جانب من جوانب
أبولينير
كان صادقا لأنه كان جزءا من الكل وزائفا في الوقت نفسه لأنه لم يكن الكل. «إن الحركة التكعيبية نبعت - إلى درجة بعيدة - من نفاد صبر
أبولينير
من قصور الزمن الرياضي، ورغبته الملهوفة في مضاعفة نفسه.» ⋆
بينت الماركسية على يد
إنجلز
في رسائله إلى
شميدت وبلوخ
وغيرهما أثر البناء الفوقي (السياسي والفكري والديني ... إلخ) في تحديد العلاقات الاجتماعية، بل لقد قال
إنجلز
إنه هو و
ماركس
الملومان على أن كثيرا من الشباب (في أواخر القرن 19) قد أصبحوا يعتقدون أن الاقتصاد هو كل شيء في تحديد مسار التطور الاجتماعي وذلك بطريقة فجة، وسطحية. إن العامل الاقتصادي هو العامل الحاسم في النهاية، ولكن حتى يتم ذلك فإن التطور يأخذ مسارا مركبا تلعب فيه الأفكار بل يلعب فيه الأفراد، أدوارا هامة، بل قد تكون أدوارا حاسمة في اللحظة المعينة. ⋆ «الحرب والسلام»،
تولستوي : «... كل عواطفهم، رغباتهم، نداماتهم، خزيهم، معاناتهم، ثورات كبريائهم، خوفهم وحماساتهم ...» ⋆
لا بد من الكتابة عن
القاهرة
بعد دراستها حارة حارة وفئاتها وتطورها. أربعة ملايين في أضخم مدينة في
أفريقيا . «نجمة الشمال»؟! بالنسبة لبقية القارة والعرب. لوحة كبيرة ضخمة، «
القاهرة
66».
25 ⋆ «لقد قلنا صراحة أثناء حملتنا الانتخابية إننا نعتبر حرية الخلق الفني هامة جدا، وإننا في هذه النقطة نختلف تماما مع رفاقنا في
روسيا . إننا لا نفهم أبدا حملة النقد التي هبت في
موسكو
ضد مثقفين وأدباء مثل
نيكراسوف
و
فوزنسينسكي
و
يوفتوشنكو . وقد كان يسعدنا حقا لو أن
يوفتوشنكو
تمكن من تنفيذ رحلته التي كانت مقررة إلى
إيطاليا . إن قضية حرية الفنان تبدو لنا هامة لدرجة أننا نريد مناقشتها مناقشة كاملة خلال المؤتمر الشيوعي الدولي المقبل»،
تولياتي ، حديث له في الأسبوع الأخير من شهر مايو 63. ⋆ «عندما بدأت الكتابة كنت أعلم أني أكتب بأسلوب أقرأ نعيه بقلم
فرجينيا وولف ، ولكن التجربة التي أقدمها كانت في حاجة إلى هذا الأسلوب. لقد اخترت الأسلوب الواقعي في هذا الوقت الذي كانت
فرجينيا وولف
تهاجم فيه الأسلوب الواقعي وتدعو إلى الأسلوب النفسي. والمعروف أن
أوروبا
كانت مكتظة بالواقعية لحد الاختناق، أما أنا فكنت متلهفا على الأسلوب الواقعي الذي لم نكن نعرفه حينذاك ... والأسلوب الكلاسيكي الذي كتبت به كان هو أحدث الأساليب وأشدها إغراء وتناسبا مع تجربتي وشخصي وزمني. وأحسست أني لو كتبت بالأسلوب الحديث سأصبح مجرد مقلد.» - «تستطيع أن تقول إنني في المرحلة الأخيرة أتبع الواقعية الجديدة، وهذه لا تحتاج إطلاقا لمميزات الواقعية التقليدية التي نقصد بها أن تكون صورة من الحياة ... الواقعية الجديدة تتجاوز التفاصيل والتشخيص الكامل، وهذا ليس تطورا في الأسلوب بل تغير في المضمون. الواقعية التقليدية أساسها الحياة، فأنت تصورها وتبين مجراها وتستخرج منها اتجاهاتها وما قد تتضمنه من رسالات، وتبدأ القصة فيها وتنتهي وهي تعتمد على الحياة والأحياء وملابساتهم بكل تفاصيلها، أما في الواقعية الجديدة فالباعث على الكتابة أفكار وانفعالات معينة تتجه إلى الواقع لتجعله وسيلة للتعبير عنها»،
نجيب محفوظ . ⋆ «نعم. إن قصصي الأولى كانت تسير في النهج التقليدي؛ أي القصة التي تهتم بالسلوك والأخلاق مثل قصص
فلوبير ؛ فالكاتب يهتم بما يحدث وبما قيل؛ أي إن القصة كانت تقوم على السرد، ولكن السينما الآن تستطيع أن تقوم بهذا الدور خير قيام.
بلزاك
كان يحتاج لعشرين صفحة ليعطيك صورة مرئية لشيء ما، والسينما تستطيع أن تفعل ذلك في دقيقة أو دقيقتين، وتستطيع أن تفعله بدقة أكثر؛ لذلك اضطر كاتب القصة أن يبحث عن طريقة جديدة للكتابة مثل القصة ذات المقال، (
بروست
مثلا)، فروايته «في البحث عن الزمن الضائع» عبارة عن مقال كبير؛ فهناك فكرة وراء الأحداث، وهي تعطي مفهوما جديدا للواقع، وهذه خطوة بعد السينما ... فالسينما تعطينا الواقع الذي نعرفه أما الفن فهو عملية اكتشاف لواقع جديد لا تستطيع أن تراه من غير الفنان.»
مورافيا
في يناير 63. (5) يونيو - البداية الحقيقية للأدب الأفريقي الزنجي الحديث تتمثل في رواية «
باتولا »
لرينيه ماران
وهو زنجي من جزر
المارتينيك .
فيتوريد «النمر»،
هيرن «وجوه الحب»،
جاك رومان «حاكم الورد». جزر الهند الغربية. - في
أفريقيا : بيتر برامز «صبي المنجم»، «الهجوم الوحشي»، «ممر الرعد»،
أزكيل مافليل «الميدان الخلفي»،
توماس جوفولو «مسافر إلى الشرق» و«شاكا»،
سولومن بانجيه «اليهودي»،
مونجوبيتي . - «
أفريقيا
العجيبة»، و
يلارد رايس . - أشجار
الباؤاب
الخضراء التي تشبه الحيوانات المنحوتة وتحتوي على عدة أغصان تشبه خرطوم الفيل في اتجاهات متعارضة مختلفة. لا تتشابه هذه الأشجار أبدا في حين أن كل فصيلة من أية شجرة (المانجو-اللوز) تنمو بطريقة واحدة. تختلف مساحات محيطها واتجاهات فروعها، تنحني أو تأخذ شكل عضو أصابه الروماتزم أو الذبول. جذعها أجوف يستخدمه الوطنيون كمنازل يمكن أن تأوي 30 رجلا، أو كمقبرة. -
الماساي : «إن القبائل التي تنتقل من مرعى إلى آخر بحثا عن الأعشاب في هذا العالم الذي تسوده اللجان والموائد والمناقشات، ولا تقبل أن تتماشى مع التطورات الجديدة، تشبه تماما فصائل الديناصور والتروداكنيس التي كانت تعيش في الماضي وانقرضت وتلاشت تماما لأنها لم تستطع مسايرة العصور الجديدة، وهذا ينطبق تماما على الأجناس البشرية التي تزول وتختفي لعدم محاولتها تغيير الطبيعة التي تعيش فيها للتماشي مع التيارات الجديدة في العالم»، «
ألدوس هكسلي ». - الديناصور -
الماساي ؟ - الأخوان -
محمد الأرفلي ؟
26 - «أربعة أبعاد للموت» تلح علي - «
الآسي » - هل أكتب عن شيء لا أعرفه جيدا؟ ⋆
فكرت في «
العنكبوت ». الأجزاء الثلاثة تحمل نفس الاسم: «الرجل والصبي والعنكبوت». العنكبوت موجود في الجزء الأول-الجزء الثاني: السرطان. الجزء الثالث الفكرة التي تأكل قلب الابن (الحلم). هل يمكن أن يكون السرطان والفكرة كالحشرة؟ لقد كان عندي من قبل إحساس بعدم التناسق بين الأجزاء الثلاثة في صورتها السابقة في ذهني. لماذا لا يوجد هذا التناسق؟ ⋆
شيروود أندرسون
1874-1941، أسلوب جديد لا يعنى بالصنعة ولا باستغلال قوة الإيحاء في الجملة (الأبيض المسكين ) (
وتسبرج أوهايو ). ⋆
جيرترود شتاين (1874-1946)، درست علم تشريح الرأس ثم طبقته على التصوير والكتابة. حاولت أن تفعل بالألفاظ ما كان يحاول
ماتيس
و
بيكاسو
فعله بالألوان. وصفت 30 سنة من حياتها في «حياة
إلسي توكلاس ». «ثلاث صور من الحياة»: سباق ذهني بطيء لثلاث نساء ساذجات بأسلوب إيقاعي تكراري قضى على الصرف والنحو والإعراب بغية تحرير اللفظة المنفردة، فأصبحت اللغة لدنة وإمكانياتها غير محدودة. تجلى هذا كله في «تكوين الأمريكيين» أعسر روايات العصر قراءة. أصلحت بعض الشيء من إسرافها في هذه التجربة في كتاباتها التي جاءت بعد ذلك كأوبرا «أربعة قديسين في ثلاثة فصول» (حاولت تحطيم الزمن). ظل اكتشافها هذا ماثلا أمامها وهي مقتنعة أن في إمكان الفن أن يعيش في «الحاضر الفعلي التام» عن طريق استعمال الألفاظ خارج سياقها الشكلي كعناصر صرفة للتعبير المباشر. ⋆
جون دوس باسوس (ولد 1896)، النظرة البانورامية الشاملة. روح صحفية. المدينة ذاتها أكثر من فرد بعينه في ثلاثية «
الولايات المتحدة ». ⋆
هيمنجواي : إطار ضيق من ثلاثة أبعاد؛ الشخصية البسيطة. الأسلوب البسيط. الموقف البسيط. في كتابه «تلال أفريقيا الخضراء» تحدث عن النثر ذي الأبعاد الأربعة؛ هو الذي لم يكتب بعد ولكن يمكن كتابته. هناك بعد رابع وكذلك بعد خامس (الرمزية؟). (البرقيات الصحفية المختصرة). ⋆ «هناك ملايين من المثقفين العلميين في
روسيا
الآن، وكثير منهم يعمل في الأقمار الصناعية وفي آلات أخرى بالغة التركيب والتعقيد. وهم بذلك يحبون الشعر الذي يجهد الشاعر في ابتداعه، الشعر المركب. إنهم لا يستسيغون افتتاحيات الصحف التي كتبت نثرا بدلا من أن تكتب نظما.»
فوزنسينسكي . ⋆
نيزفسني
في مجلة اتحاد المصورين السوفييتية، عرضه
حسين فوزي
في «الأهرام» 28 يونيو 63. «زماننا زمن الاختراق؛ اختراق الآفاق، واختراق سرعة الصوت، واختراق الفضاء.
فنحن اليوم باحثون عن صلات جديدة في عالم الواقع. والفنان المعاصر نظرته للعالم توازي تماما الفكرة المعاصرة عن كيان الكون؛ لأن الفنان الصادق هو الذي يرتفع إلى المستويات التي تحققها عقول معاصريه في غير الفن.
ومن الخطأ أن نتصور عالما حديثا يتمسك بنظريات السابقين من العلماء؛ لأن العالم الحقيقي لا يسعى إلى تطوير نظرياته فحسب، بل هو على استعداد لأن يقلبها رأسا على عقب، عندما يفرض عليه تقدم العلوم أن يتخلى عنها؛ فالإنسان في زماننا لا يعنيه أن يقيم نصبا تذكاريا لمجد الإنسان. إنما تهمه فاعلية الأعمال ذاتها.
والفنان، كالعالم، صناعته الكشف عن الكون، ولو بطريقته الخاصة؛ فالتصور والإدراك الداخلي، الفهم والرمز، كلها عناصر في عالم الفنان ورجل العلم، ولكن في أدوار مختلفة وبدرجات متفاوتة. والفرق بين اقتحام دنيا رجل العلم ودنيا رجل الفن، هو فرق في التوقيت والدرجة. كما أن إحساس الفنان بالحقيقة العلمية لا ينفصل عن طبيعة الفن.
مثلا، ما كشف عنه الميكروسكوب الإلكتروني، والتصوير الفوتوغرافي على البعد، وفحص الأفلاك بأمواج الأثير، أضاف ثروة من الأشكال الجديدة لعالمنا. ومع ذلك فالفنان كان سباقا إلى إدراك بعض هذه الأشكال عن طريق مخيلته وحاسته الفنية.
والقوالب أو الصيغ الجديدة (الأشكال) لا تجيء تبعا لحسابات عقلية هادئة إنما يحققها رجل الفن بتجاربه الإنسانية وإحساسه المرهف بتنوع أشكال المادة. ويقول أينشتاين: إن مطالعة
دوستويفسكي
أعانته على الوصول إلى النظرية النسبية. لماذا؟ لأن
دوستويفسكي
كان شديد الحساسية بالحياة عميق النفاذ إلى أركانها حتى ليعتبر مكتشفا قاسيا جريئا لأغوار النفس البشرية.
الإدراك الداخلي والتصور أساس كل عمل خلاق؛ فالعالم يتصور ويتخيل ما لا يراه، كما حدث في الكشف عن داخل الذرة، أو عن مادة التوريت، وكذلك الفنان، إدراكه الداخلي وتصوره يقودان إلى اكتشاف أشياء بأسبق ما توصلت إليه الملاحظة المباشرة. والفن الصادق الأصيل هو الذي يكشف الغطاء.
والإنسان المعاصر، وهو ينقب عن حقائق جديدة، لا يضيع وقته في تكرار ما عرفه الناس من قبل، ولا في المرور بأدوار الاختراعات من أولها؛ فهناك آلات للملاحظة والتسجيل والحساب تعصم الإنسان من أن يكون مجرد متأمل للطبيعة؛ لأن الفنان ولد ليخلق لا ليكون مسجل عقود، أو رئيس حسابات الكون.
والفكرة، كعمل وإجراء، لا كمجرد تأمل، هي التي تميز فنان العصر الحاضر. وهو كأي فنان، لا يرضى أن يكون مرآة للظواهر الكونية حوله، بل يهدف إلى أن يخلق عالما جديدا ، أو أن يطور عالمه القديم. والماركسية تقول بأن الإنسان هو الذي يهندس قضاءه وقدره.
نحن في حقبة الفيلسوف الفنان؛ لأن فن الفكرة هو وحده الجدير بالعيش في عصرنا. وما يطلبه الآن الفن من رجل الفن هو أن يحول التصور الفلسفي إلى صور وجدانية.
ما هو الجمال في عرفي؟ إنه التوتر. هو القالب الدرامي الذي يعبر به الفنان عن فكرة عظيمة بعقله وإحساسه؛ فالموات لا توتر فيه ولا إمكانيات للتطور؛ لأن التوتر ديدن كل شيء حي. والحياة وهي تتقدم، تغالب عقبات الحياة ذاتها فالحركة والسكون جميلان، أما الغشية فهي قذى العين، والقبح بعينه.
والأكاديمية (أي الاتباع) في الفن، هي غشية الحواس، نظرتها إلى موضوعها نظرة زجاجية، لا حياة فيها.
والنحت تحقيق لأبعاد الفضاء الثلاثة؛ لهذا أحرص على أن يجيء كل واحد من أعمالي لا مجرد قطعة أو «موضوع» بل أن ينتصر على الفضاء، أو يشكل تنظيما خاصا له؛ فالكتل والاستدارات المحدودية، والفراغات في عمل النحات تشكل إيقاعا خاصا قد يكون هادئا أو قلقا وقورا وحزينا. وأنا أسعى لتوليد هذا الإيقاع مع العناية بالإنشاء والتكوين؛ ففي كل هذا ينفخ الفنان في عمله روح التوتر. ... وعملي كنحات هو البحث عن الكناية والرمز فيما يوائم عصرنا. فكر لحظة بالعصور الخالية: ما هو
القنطورس ؟ إنه الإنسان/الحصان. وما هو
الفنكس ؟ إنسان مجنح، له بأس الأسد. لكن لا الجياد ولا السباع في حياتنا الحاضرة تقدم رمزا على القوة؛ فكل الناس اليوم بفضل العلم فيهم قوة الأسود، ويطيرون بأسرع وأعلى من النسور، فكيف نحقق الصلة بين الإنسان والتكنولوجيا؟ كيف نستطيع بلوغها في كمال وجمال
القنطورس
و
أبي الهول ؟ ... وأخيرا تعبر خاطري فكرة الغموض في الفن. من حق الفنان أن يكون غامضا. إنما الجريمة الفنية أن يتخذ الغموض شعارا؛ فالفنان في حاجة لأن يفهمه أكبر عدد من الناس. ومن مآسي رجل الفن أن يستغلق أمره على الجمهور.
لكن هذا بالذات يلقي على عاتق (...) تبعة لا يبدي الجمهور استعدادا للاضطلاع بها؛ وهي أن يحسوا نحو الفنان بواجبهم، فيبذلوا في فحص العمل الفني جهدا إيجابيا؛ دون أن يتأثروا برواسب الأفكار الراسخة العتيقة فتحول بينهم وبينه الحيدة المطلوبة لإصدار الأحكام.» ⋆
مشاعر مختلطة مركبة. ⋆ «
هيمنجواي ، الكاتب فنانا»،
كارلوس بيكر ، ترجمة الدكتور
إحسان عباس . - منه إلى
فيتزجيرالد (بعد رحلة «
كينيا » ومرضه بالدوسنتاريا ورؤيته قمة كليمنجارو): إن أي شيء يصيب الكاتب يجب أن يكون مصدر نفع له فإذا تألم فليس له أن يتذمر شاكيا ولكن عليه أن يحول الألم إلى إنتاج.» - «أريد أن أكتب قدر استطاعتي، وأتعلم أثناء تنقلي وأسفاري، وأنا في الوقت نفسه أستمتع بحياتي.» - في
أفريقيا : «عليك دائما أن تقيد كل شيء. اكتب، أثبت ما تراه وما تسمعه، دون أن تفكر كيف يتاح لك أن تفيد منه.» بعد ذلك وصف
هيمنجواي
بكل دقة ما صادفه في الرحلة في كتاب «نجاد أفريقيا الخضر» وبعدها بسنة استغل مادته في قصتين بارعتين هما «ثلوج «
كليمنجارو »»، و«حياة
فرنسيس مكومبر
القصيرة السعيدة». - «الكتابة منافسة ومضاهاة. وعلى الكاتب إذن أن يستكشف من خلال قراءاته ما يجب أن يبزه أو يحاكيه.» - مقياسه الخاص في الحكم على الكتابة؛ مقدار توفرها على أن تنقل للقارئ «كيف كان الحال» في الزمان والمكان اللذين اختارهما الكاتب ليكتب عنهما ... كل الكتاب الكبار يشتركون في القدرة على استغراق خيال القارئ، ومن ثم «نعيش نحن في تلك الكتب ونجد أنفسنا» - كما يقول «
هيمنجواي ». وحين قال متحدثا عن نفسه وعن غيره من الكتاب: «إن أحسنا - معاشر الكتاب - فيما نكتب، ذهبت أيها القارئ إلى حيث ذهبنا.» - المقياس العملي هو المشاركة. وهناك مقاييس أخرى عملية؛ صدق الكتابة وحيويتها (أي بحيث لا يمكن نفي شيء منها نفيا تاما دون أن يؤثر ذلك في حيويتها لغة أو فكرا أو عملا). - «البساطة خير محك لمقدرة الفنان؛ فالفنان الرديء يفشل إذا انتحى البساطة، أما من انتحلها ونجح في ذلك فلا بد من أن يكون عظيما.» «
ليتون ستراشي ». - «الذكريات الثاوية التي تنتفض من مكانها وتؤرق صاحبها رغم أنفه.» - تجربة «
هيمنجواي » في «
أفريقيا » في نقل الواقع: قال في مقدمة كتاب «النجاد الخضر»: «هب أنه أتيحت لك بلاد ممتعة
كأفريقيا
وفترة شهر للصيد، وعزم على ألا تروي إلا الصدق وجعلت من كل ذلك كتابا، فهل يستطيع هذا الكتاب أن ينافس كتابا من عمل الخيال؟ الجواب بالإيجاب. إذا كان الكاتب بارعا يلتزم بطرفي الصدق والجمال أي كيف كان الحال + بناء محكم ... لكن التجربة برهنت أيضا على أن الكاتب الذي لا يتصرف بأحداث تجاربه، فيرويها تماما كما حدثت ولا يخترع شيئا، يضيق مجالا رحبا على نفسه في تلك المنافسة (روعة «ثلوج «
كليمنجارو »» و«
حياة فرنسيس مكومبر »). وقد مكن هذا الكتاب والقصتان مبدأ فنيا هاما في ذهن
هيمنجواي : أعلى الفن لا بد له من التصرف بالطرق التي ينقل بها الصدق لا بالصدق نفسه. -
هيمنجواي
والسياسة «الأديب يستطيع أن يكفل لنفسه سيرة حسنة ما دام حيا ... إذا اعتنق قضية سياسية وعاش يعمل من داخلها وجعل اعتناقه لها مهنة، فإذا فازت تلك القضية ارتفعت مكانته ... ولكن لا شيء من هذه الأمور يعينه على أن يكون أديبا إلا إن استكشف جديدا يضيفه بأدبه إلى المعرفة الإنسانية.» - «يجب أن تكون الكتب التي تؤلفها عن ناس تعرفهم تحبهم وتكرههم لا عن ناس تقرأ عنهم، فإذا كتبت عن أولئك الناس بصدق فإنك لا بد أن ترى من علاقاتهم الاقتصادية كل ما يتسع له كتاب.» - «الأمر الهام في أي قصة هو أن تنتهي منها كما أن أهم شيء في الحرب هو أن تكسبها.» «لمن تدق الأجراس»، 700 حتى ألف كلمة يوميا أي بين خمس صفحات وسبع صفحات في اليوم. عمل فيها 18 شهرا معيدا كتابة كل يوم ومراجعا.
هناك كانت تتجلى مشاعر الحزب في أشد حالاتها تزمتا وإيمانا يشبه العقيدة. وكانت تلك الأحاسيس تمنح أتباعها «المشاعر» التي يريد المرء أن تتوفر لديه - فلا تتوفر لديه - في أول عشاء رباني ... إنها تمنحه المشاركة في شيء يؤمن به إيمانا كاملا تاما ويحس فيه بالأخوة المطلقة بينه وبين رفاقه المشتركين معه.» وهذه الإشارات الدينية تؤكد لدينا أن ذلك المذهب الدنيوي حل محل الدين، فاستطاع أن يأسر إخلاص المثاليين البعيدين عنه .
ومن صور الكفاح في «
إسبانيا » محاولة المثالي أن يظل له إيمانه في وجه ذلك التثقيف الواقعي الذي يجده في
جيلورد . - «كل الكتاب الرديئين مغرمون بالملحمة». إن من يجهد وراء الطول الملحمي (
ويتمان
شعرا
وولف
نثرا) قد يحيل المكتوب إلى خطابة ... «لمن تدق الأجراس» ملحمة نثرية. خطأ الفاشلين جهلهم «المجاز الذي علاقته كلية»، أي التعبير بجزء عن كل، مع تحقيق القوة الرمزية المجازية الكبرى دون إغفال لخصوصية الأجزاء. نجاح
هيمنجواي
في أن قصته حافلة بالأبعاد الرمزية. - من وسائل هذا المنهج اللغة المدبجة عمدا في «لمن تدق الأجراس» وهي وسيلة لتحقيق المنهج الملحمي. يقول إدوار
فنيمور : «إن تردد النغمة الإليزابيثية في عدد من التعبيرات والجمل في صفحات
هيمنجواي
كان أمرا محتوما؛ لأن في قصته ما في الملحمة من اتساع، أعني أن شخوصه تعني شيئا أكثر من ذواتها؛ لأن العمل الذي تؤديه يتسع حتى يعبر عما هو كوني عام ... أو قومي على الأقل. وكان لدى الإنجليز في العصر الإليزابيثي لغة ملحمية، فتغلغل
هيمنجواي
في أشكال هذه اللغة بينما كان يجوس خلال العالم الذي يخلقه.» - مرحلة جديدة في نضج
هيمنجواي
في هذه القصة؛ فبعد أن كان المتمرن القديم يرى شعاره هو «المس وامض»، أصبح شعار «المعلم» والمحنك «توقف وتأمل». لم تمت خصائصه الأولى غير أنه تخطاها بعيدا، فمثلا الإيحاء - وهو المبدأ الذي يتطلب من القارئ أن يلبس الحقيقة العارية من نسيج خياله - لم يضح به بل تعداه إلى مبدأ «الخزن» أي أصبح يخزن في تضاعيف القطعة الأدبية كثيرا مما كان يحذفه من قبل في سبيل الاقتصار على الإيحاء ... فالتوقف عند الماضي والتأمل فيه - أو اختراعه - لترى العين مدى دلالته على الحاضر - هو انتقال حققه «
هيمنجواي » في دور النضج؛ أي تنازلت لديه الرغبة في النقل عن مكانها للرغبة في الاختراع، دون التضحية بالأولى من أجل الثانية. من قبل كانت مجالات النظر في الماضي لديه محدودة، أما في دور النضج فقد أصبح «سلاح» الزمن الماضي كله مسلطا على الزمن الحاضر، وهذا من خصائص الفن الملحمي أيضا . - من خطابه إلى لجنة جائزة
نوبل
في
1954 : «إن الكتابة في خير أحوالها عيش في الوحدة، أما منظمات الكتاب فتخفف عليهم وحدتهم ولكني أشك في أنها تحسن كتابتهم؛ فالكاتب يرتفع نجمه بين الجمهور لكنه يتخلى عن وحدته وينحط إنتاجه؛ لأنه لا بد له من الوحدة. وإذا كان كاتبا مجيدا فعليه أن يواجه الخلود أو فقده كل يوم. وكل كتاب لدى صاحبه يجب أن يكون بدءا جديدا حيث يحاول أن يحقق شيئا يعسر على التحقيق. وعليه دائما أن يجرب شيئا لم يكن، أو جربه غيره وأخفق فيه، وقد يسعفه الحظ أحيانا على النجاح. ما أبسط الكتابة لو كان كل كاتب يعيد ما كتب من قبل على نحو جديد. ولما كان لدينا كتاب مجيدون في الماضي فلا بد للكاتب الحديث من أن يبعد موغلا حيث يستطيع أن يبلغ وحيث لا يكون ثمة من يعينه.» ⋆
قال
إليوت
للشاعر الأمريكي
دونالد هول
في عام
59
ونشر ذلك في «
باريس ريفيو »: «أعتقد أن ممارستي نشاطات أخرى، كالعمل في مصرف بل وفي دار نشر، كانت لها فائدة كبيرة لي. وأعتقد أيضا أن الصعوبة التي لاقيتها - لأنه لم يكن لدي متسع من الوقت الذي أحببت أن يكون لي - جعلتني أهتم اهتماما كبيرا بالتركيز ... أعني أنها منعتني من الإسهاب في الكتابة؛ فالخطر هو أن المرء إذا لم يكن لديه شيء آخر يعمله فإنه سيسهب في الكتابة بدلا من أن يركز اهتمامه بكمية قليلة ويقربها إلى مستوى الكمال.» ⋆
لا بد من الاهتمام
بالرموز الدينية ؛ لأنها تعيش في أعماق الناس منسوجة بوجدانهم وتصرفاتهم وأفكارهم فيمكنهم أن يحسوها ويستجيبوا لها. «
غار حراء »، الصلب. ⋆ «مشكلة الواقع في الفن الحديث»،
إرنست فيشر
56، مجلة «
نوفيل كريتيك » الفرنسية:
27 - إن الواقع بالنسبة للفنان أكثر عمقا وأكثر تعقيدا وأكثر سرية منه بالنسبة لرجل العمل الذي يقنع بأن يمارس على الواقع سيطرة مباشرة، وليس عليه أن يستخرج منه مواد مختارة بعناية يدخرها لكي يستخدمها في خلق فني. إن الواقع لا يتكون فقط من المعطيات المباشرة والواضحة وحدها ولا من العالم الموجود بشكل مستقل عنا، لكن أيضا مما لا يمكن فهمه، الحلم، الرؤيا، العمل الفني ذاته، بل وحتى أنواع التداعي التي ينتجها خيالنا. إن الفنان يختار من هذا كله ما هو جوهري؛ أي يتخذ موقفا. - لم يسبق أبدا أن تشابك الكل ببعضه بهذه الدرجة التي لا يمكن فصلها، ولم يسبق للعالم أجمع أن وصل إلى هذه الدرجة العميقة من التكامل مع مصير كل فرد، ومع كل صراع يقوم به الفرد، لم يسبق أبدا أن وجد العالم في كليته بمثل هذا القدر في كل جزء من أجزائه. ولم يعد من الممكن أن تكون أحداث التاريخ العالمي المثيرة مجرد ديكور في أي عمل فني لعصرنا، وإنما يجب أن تنعكس الظواهر بكليتها حتى في الموضوع المحدود جدا. إن المشكلة التي تواجه كل كاتب كبير هي: الوصول إلى ذلك دون افتعال موهبته. - كيف يمكن التعبير عن الواقع الجديد العملاق؟ - ... لقد وجدت احتياجات جديدة وهي توتر متزايد وإيقاع أكثر حيوية وتأثير كالصدمة الفنية. - ... ومن الأسهل بكثير بالنسبة للأدب والفن وضع العالم القديم في قفص الاتهام ... إن ذلك أسهل من تصوير العالم الجديد، دون إخفاء مصاعبه، ودون تبسيط مشاكله، ولكن أيضا دون التخلي عن مهمة استشعار المستقبل الذي في طريقه للولادة في قلب الحاضر. «الديالوج الداخلي -
كلود مورياك - كوسيلة لحل مشكلة المستقبل؟ وأيضا طريق
روبير جرييه
الجديد؟» المثال والمسخ كوسيلة لعرض الواقع بعمق مركز -
كافكا .» - ... إننا نعيش في عالم أصعب في تصويره مما يريده بعض المستشارين ذوي النوايا الحسنة من الفنان والكاتب بقولهم: «صور الطبيعة كما هي في الواقع، صف البشر كما هم حقيقة! المسألة ليست بهذه الصعوبة!» اسمحوا لي! إنها بهذه الصعوبة! لكن بعد تحديد هذه الصعوبات لسنا على استعداد للمساومة مع فن وأدب هجرا الواقع الاجتماعي، وجعلا الوجود قاتما بأقنعة غامضة. يكمن في أنفسنا الإصرار على طلب فن يبحث بحزم عن الحقيقة، ويصور الواقع ويعرضه من كل جوانبه، ويوضح مشاكله وتطوره. إننا مقتنعون أنه يوجد أكثر من طريق يؤدي إلى هذا الغرض وأكثر من شكل يسمح بالتعبير عن جوهر الأشياء ...» (6) يوليو ⋆
أول
يوليو : فكرت في قصة قصيرة بعنوان الأغنية. طوال الأسبوع كان جو منزل
ماما تحية
يلح علي. فجأة أجد نفسي أشم رائحته في حنان. واكتشفت أن هذا كان يحدث لي من زمن بعيد بين الحين والآخر. فقررت أن أكتب هذه القصة بأسلوب بسيط ربما كنت متأثرا في تحديده بما قرأته عن الموجة الجديدة في فرنسا وكاتبة يوغوسلافية (الجد والعصافير والبحر) من أعضاء هذه الموجة. ⋆
5 يوليو : يوجد تطور في الموضوع قليلا. إضافة قصتين أخريين في نفس الاتجاه يربطهما موضوع واحد هو الحرب من بعيد، وذكريات فترة محددة. الأسلوب بسيط تماما. بدأت العمل؛ اسم مشترك هو «عن الأغاني والشكولاتة». ⋆
في ليلة 13 يوليو 63 عثرت على نص خطاب كنت أرسلته إلى أختي وأنا أفكر دائما في أن أكتب لأختي عن مشاعري الحقيقية نحوها وأصف لها أشياء كثيرة. لكن خطاباتي لها تمر بأكثر من جهة قبل أن تصل إليها. وإحساسي بأن هناك من سيقرؤها ويبتسم لسذاجة المشاعر الواردة بها كانت تشل يدي، وأيضا فكرة أني قد ألتقي بواحد قرأ هذه الخطابات وسخر مني وبينه وبين نفسه ولا أعرفه وينظر إلي ساخرا دون أن أعرف. رغم أن الآخرين لا يعبئون بمشاعرك الساذجة.
وفكرة أن هذا الوضع يمكن أن يكون شأن حياتي كلها. وهو من ناحية أخرى يمثل دور الدولة بالنسبة لحياة الفرد، ودور الآخرين.
قد ينظر البعض لهذه القصة من الناحية الجنسية فقط، وهذا يكون خطأ بالغا. ربما رأى فيها البعض تعبيرا عن نرجسية.
كافكا ؟ المعادل الموضوعي لإليوت؟
خط آخر . صورة للصراع النفسي في داخل شخص بين رغباته البسيطة البدائية (الهو) وبين جهاز الوعي (الإيجو والسوبر إيجو).
الرجل الآخر.
انحنيت برأسي إلى أسفل ومددت يدي إلى فتحة بنطلوني وفككت الزرارين الأخيرين.
كنت أرتجف من السعادة واللهفة؛ فقد حانت الفرصة أخيرا.
وتسللت بأصابعي داخل الفتحة أبحث عن جسمي الصغير. فجأة أحسست بشيء يدفعني ويضغط بشدة على كتفي، وعندما رفعت رأسي إلى أعلى، اصطدمت برأس غريبة لرجل لا أعرفه تنحني فوق كتفي . وكان الرجل ينظر إلى حيث تسللت أصابعي.
شعرت بدمي ينشف. أخرجت أصابعي بسرعة وكانت ترتجف. وحاولت أن أغلق فتحة بنطلوني ولكني لم أستطع فاكتفيت بأن وضعت يدي على الفتحة.
ونظرت إلى الرجل الغريب، لم تلتق عيناي بعينيه فقد كان لا يزال ينظر إلى أسفل باهتمام، إلى حيث تجمدت أصابعي. وخيل إلي أني رأيته يبتسم.
لم أعرف ماذا أفعل. وكنت أحاول أن أفكر. ولكن رأسي كانت مشوشة. وكان هناك السرير العريض في أقصى الغرفة. وكان سطحه الأبيض المسترخي يدعوني إليه، كامرأة تنتظرني مفتوحة الذراعين.
أحسست بكتفي تؤلمني. كانت ذقن الرجل كقطعة حجر. وكانت تضغط بشدة على كتفي. وفكرت أن أتكلم مع الرجل ولكني لم أستطع. ولم يكن يبدو عليه أنه يفكر في الانصراف. وعدت أنظر إلى السرير في يأس. لولا هذا الرجل لكنت الآن فوق هذه الملاءة البيضاء النظيفة. لولاه لكنت خلعت ملابسي من زمن، واحتفظت بالأجزاء الداخلية بعض الوقت، ثم ارتميت على المرتبة الناعمة المتموجة أتمرغ فوقها ثم أتخلص من الأجزاء الداخلية. وأتمدد أخيرا عاريا تماما.
ولم يعد سطح السرير الممتد أمامي مستويا كما كان من قبل؛ فقد أصبحت أرى فوقه علامات كالكدمات. وهبطت الوسادة قليلا في منتصفها وانبعج طرفاها.
وابتسمت.
ها هو جسمي يرسم آثاره على السرير عندما أنام على وجهي، وأدفن أنفي ورأسي في المخدة الناعمة، وأتشمم رائحتها النظيفة، وأبسط ذراعي حولي في أنحاء السرير فلا تطولان آخره ولا تصطدمان بأي شيء. وأتنهد في راحة. وأشعر بجسمي كله مصطدما بالأغطية وأشعر بأثره وأعتدل على ظهري. وأثني ذراعي. وألقي به على وجهي. وأتحسس بشفتي جلده الناعم. وأتشمم عرق إبطي الذي أحبه. وأداعب بيدي شعره الذي سعدت به عندما ظهر لأول مرة منذ سنوات بعيدة. وأبسط ذراعي أخيرا حولي. وأسترخي في رضا وأروح أتحسس صدري بأصابعي ويملؤني الزهو. أشعر أن جسدي قوي مليء بالعضلات. وأتلمس في فخر شعر صدري القليل وهو شعور يختفي على الفور لو وقفت أمام المرآة ورأيت قامتي النحيلة وجسدي الضئيل. لكن هذا لن يحدث وأنا فوق السرير؛ فعندما أستدير على جانبي الأيسر واضعا ذراعي اليمنى تحت رأسي، دافنا اليسرى بين ساقي، سأشعر أني جميل ولطيف وقوي. وسأسبح في نشوة الحرارة التي تحصل عليها يدي اليسرى من جسمي. الحرارة والنعومة. ما ألطف جسمي الصغير هذا! لو أستطيع أن أقبله. حاولت مرة أن أنثني لأقبله ففشلت. وأغمضت عيني. ها هو حلمي القديم لن يتحقق، فما أسوأ حظي! وأوشكت أن أبكي. لماذا يأتي هذا الرجل في اللحظة التي أتخلص فيها من الآخرين الذين لم يكونوا يتركونني بمفردي أبدا؟ أعددت كل شيء في رأسي. أعددته جيدا. كيلا تفشل هذه الساعات الرائعة. كانت هناك عدة خيوط لأختار بينها. ولأنتقل من واحد إلى آخر لو لم يعجبني ولو تغيرت حالتي النفسية.
كانت هناك البحيرة واسعة عميقة لا تبدو نهايتها. وتحف بها غابات من الأشجار العالية الكثيفة وعلى صخرة بارزة فوق البحيرة أجلس أنا. أتطلع إلى المياه أبحث فيها عما أريد. عندما تكون ثائرة مضطربة يقلبها الهواء ويعصف بها أرى فيها صدري المضطرب الثائر. وعندما تكون جامدة ساكنة كالزجاج أرى فيها روحي الملولة وضجري. وعندما تكون هادئة وادعة تتحرك في رقة وخفة بفعل النسيم أرى فيها نشوتي وأحلامي وسعادتي. والمياه الآن تضطرب في خفة والرياح باردة قليلا. وبين الأشجار.
28 ⋆
18 يوليو : فكرة جديدة تتويجا لعملية كانت تحدث طوال الأيام الأخيرة وهي استرجاع فكرة محددة والتعمق في أحداثها. عمل رواية طويلة مكونة من حوالي عشر قصص قصيرة مستقلة في الظاهر. هي فترة حارة
المرصفي . وتلعب فيها الشكولاتة والأغاني أدوارا رمزية؛ ففي بدء الرواية في القصة الثانية تمثل الشكولاتة بشاعة الحرب والواجهة الحلوة التي تخفي البشاعة. وبعد ذلك في قصة الأم التي لم أكتبها بعد تلعب دورا رمزيا ثانيا هو فشل الاتصال بين الإنسان والإنسان. ثم في نهاية الرواية في آخر قصة، تقوم الشكولاتة بدور آخر هو تحقيق الاتصال بين الإنسان والإنسان.
لا يوجد أسعد مني اليوم رغم أني لم أستطع أن أنام ظهرا بسبب سيطرة هذه الأفكار علي وبالذات وصولي إلى فكرة الربط بين هذه القصص وانتهاء بقصة
أم فايقة
ورمز الشكولاتة. أجمل شيء أن هذه الرواية تمضي في اتساق مع خطتي عن هذه الفترة. إنني عازم على إنهاء رواية «العنكبوت» بعد هذه الرواية. و«الشكولاتة» تتناول الفترة التي لا مكان لها في «العنكبوت» أو «
خليل بيه
يموت» أو «الحلم».
أشعر أنني أكتب شيئا مختلفا تماما عن «العنكبوت» لا أدري كيف؛ فلا يوجد البناء المعين (المقيد؟) أو التوتر العنيف في «العنكبوت». إني أكتب الآن بنوع من الحزن الخفيف والحنين الدافق، ولا أبحث عن مواقف أو قمم وإنما أحاول أن أترك نفسي تنساب. وأشعر أني من زمن أريد أن أكتب هكذا، ولكن ليس معنى هذا أن هذا هو هدفي؛ فأنا أعتقد أن الموضوع نفسه لم يكن ليصور إلا هكذا. وربما كان الأمر نوعا من الراحة أعود بعدها إلى ذلك التوتر الذي يحكم الرواية الأولى. ⋆
هل القضية في الفن قضية شكل. أيمكن القول إن الفن شكل أساسا. وليس معنى ذلك أننا ضد المضمون؛ فالشكل من غير مضمون لا معنى له (اللوحة التجريدية يكمن مضمونها في مجموعة الأحاسيس التي يمكن أن تثيرها مساحات متناسقة من الألوان في النفس). الفنان عندما ينتج لا تحركه أولا فكرة محددة وإنما تثيره أشكال وأساليب وفي خلال معالجتها يبثها الروح أي المضمون (وقد يحدث العكس) في المجتمعات المتخلفة أو عندما يوضع الفن في متناول الجماهير بشكل واسع في مرحلة تكون فيها متخلفة ثقافيا (
روسيا
عند الثورة) يكون الأسلوب المباشر ضروريا ومنطقيا. وعندما يرتفع المستوى الثقافي أو تتعقد الحياة أكثر ويزداد التطور الفكري تصبح الحاجة ملحة إلى مزيد من العمق، إلى أساليب وأشكال جديدة، إلى ارتباطات أكثر تنوعا وعمقا بين عناصر الإبداع في كل فن (في القصة الذكريات والتجربة والرمز والأسلوب والوعي العلمي). ⋆
إذا أردت أن أصف صورة أختي عندما كانت صغيرة وساذجة ومتفتحة ويمكن أن يصنع منها شيء كبير، وترتدي فستانا بمبيا بنقط بيضاء يبدو منه بروز خفيف جدا في صدرها وعرق عند حافة الفستان فوق كتفها، فهل يمكن للكلمات أن تنجح في وصفها ونقل الإحساس الذي يحفر في صدري؟ السينما تستطيع ذلك بشكل أحسن. وعند هذا لا بد من البحث عن طريقة ما غير الصورة الفوتوغرافية الدقيقة لعكس الإحساس المطلوب بالكلمات. ⋆
12 ساعة في حياة راهب مسكين: (1)
الاستيقاظ. الفروض اليومية. الراهب الثاني. احتكاكات الضحى. نفور محدد. لا عاطفة. تعجب لما حدث من قبل. (2)
رغبة في الاحتجاج. ماذا يظنه. (3)
أحداث صغيرة (حجرة الكابتن) ثقة في اتجاه عواطفه. (4)
نوع من الاحتقار الذاتي أو الرغبة في المقاومة على أساس هذا الموقف الذي تكرر. (5)
ليلا تحول في اتجاه المشاعر: ماذا يدور برأس الثاني؟ كيف حدث ما حدث؟ الحادث هو ما كنت أتشوق إليه منذ الحادث القديم؟ لأن الراهب لم يكن له أب ولا أم وكان صغير السن؟
تبدأ هكذا: «استيقظ الراهب في موعده المعتاد. وكان أول ما شعر به هو إحساس غامر بالارتياح؛ لأنه كان نائما ولم يكن يفكر. وعندما تنبه إلى ما حوله وإلى الفرش والجدران والملابس تذكر علاقته بكل هذه الأشياء. وتذكر على التو الراهب الثاني.
وكان الراهب الثاني قد قام من نومه مبكرا ...»
29 ⋆
في القاع وعلى السطح: (
في القاع ) ياه. هذه الردهة القصر. الأم. الفوطة والحمام وحضنه. سرقة الخمسين قرشا. الست التركية والترام والسينما. حنان الأب الذي اختفى. في المدرسة لا أحد يريده (لطيف). الملابس القديمة. إعادة البدلة إلى
إبراهيم . الجاكتة بتاعة محمد في الطريق إلى «السعيدية» (وجيه) رأسه المحني للتأكد من البنطلون. (
على السطح ) وحيد. مغلق. الأصدقاء من حوله يحبون ويتحدثون عن حبهم. منير: متهيأ لي بتحبك ... (ف)، (ر). شعرها والفوطة. اهتمامها. إنت وجيه. وحيد. لطيف. بسيط.
30 - هل يلتحم الجنس بالرغبة في الأم؟ كيف يمكن التعبير عن فكرة الأعماق والسطح في شكل جديد؟ يأكل صدري شيء لا أدري ما هو. أخشى أن تكون النتيجة هي فكرة الرواية التحليلية القديمة. أبحث عن شكل جديد. ⋆
قرأت رواية رائعة عن الفضاء. «
أندروميدا » لعالم سوفييتي في الحفريات. كنت قد قرأت الفصل الأول منها في مجلة «الأرض السوفييتية» الهندية عام 58. أشعر برغبة شديدة في متابعة المسائل الخاصة بالفضاء وأعماق البحر وأعماق الأرض. ما أفظع مأساة الإنسان في هذا الكون الرهيب المترامي! فكرة الزمن الرهيبة. ⋆
قرأت كتابا هاما
لسومرست موم
31
عن حياته. رغم احتقاري السابق لشأنه إلا أني وجدته مفيدا، عندما انتهيت من الكتاب كنت أشعر بالكآبة وظللت هكذا لفترة طويلة. (7) أغسطس ⋆
حزين جدا. توقفت عن الكتابة منذ فترة طويلة واليوم عدت أقرأ ما كتبته وأشعر بالرغبة في أن أواصل من جديد. قرأت ملاحظة لي لا أدري ماذا سأفعل بها «يجب أن تكتب هذه القصص بصيغة الماضي كغلالة من الضباب القديم.» ما كتبته لا بأس به وإن كان لا يزال أمامي الكثير لأصنع منه شيئا وأواصل بقية «الشكولاتة». تخامرني أفكار جديدة عن هذه الرواية. الجو في السجن أصبح لا يحتمل. الضجة شنيعة ولا أستطيع النوم بالليل أو ظهرا. أتمنى أن يخرج المعتقلون. لا أعرف كيف أعمل. باستمرار أشعر بهبوط ولا تتغير هذه الحالة إلا إذا قرأت قصة جيدة أو موضوعا في الصنعة الأدبية. إني واثق أني أعرف الكتابة ولكن الذي يكاد يحطمني هو إلى أي مدى سأكون كاتبا؟ خواطر كثيرة تجول بذهني فأريد أن أعبر عنها ولا أستطيع. لست أعرف كيف أعبر عن أفكاري بدقة في الحديث الشفهي. وإذا حاولت كتابته تكون هذه الأفكار قد هربت. كان
عبد العظيم
و
فتحي
مضحكين في تعليقهما على «عيلة الدوغري» فقد ألبساها أشياء غريبة لا يمكن أن تكون قد خطرت ببال
نعمان عاشور . متى يظهر ناقد عظيم في بلدنا؟ لو أستطيع أن أصارح نفسي على الورق كل ليلة؟ انتهى
إبراهيم
من قصة «الأصل والصورة». أحس أن بها شيئا ناقصا. لم أتعاطف مع بطله الذي يمثل التضحية. لا أدري لماذا. لقد قال إن البعض يصفون هذا البطل بالعبط وأنا من هؤلاء. يبدو لي أن فكرة التضحية بالصورة المسيحية خاطئة. إننا نريد أن نعطي وأن نأخذ. نحن لسنا رهبانا، لكن هناك مواقف معينة تتطلب ... أشعر بحيرة شديدة.
32 ⋆
هل الفنان ظاهرة شاذة؟ الغيبيون كانوا يؤكدون ذلك. ومع التقدم العلمي ظهر اتجاه إلى نزع كل خصوصية عن الفنان واعتباره «منتجا» عاديا يخضع لكل القوانين. وما لبث هذا الاتجاه نفسه أن بدأ يعترف بأن دائرة الفن مجال ذو طابع خاص. ما الذي يخلق فنانا؟ طرح
مصطفى سويف
هذا السؤال من قبل دون إجابة. إنني أستطيع أن أتتبع في طفولتي وتطوري عوامل معينة؛ تعدد الانطباعات الحادة السريعة - أحداث غريبة - جو المأساة - قراءة الروايات - فكرة الامتياز - الصدام مع المجتمع عند أول حب - تعاقب التجارب الحادة؛ الموت، الخوف، الجنس. لكن يمكن القول إن عشرات الناس يمرون بأشياء مشابهة ولكنها لا تصنع منهم فنانين، وإن صنعت لا تجعل منهم موهوبين أو عباقرة. لا شك أن هناك شيئا ما. ⋆
ما أسخف الكتاب الذين إذا أرادوا أن يتناولوا موضوعا معينا ذا طابع سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي يصنعون له قصة حب كي يبلع. بهذه الطريقة يبدو الأمر مفتعلا ومركبا مثل الأفلام المصرية. تبدو هذه الظاهرة في مرحلة معينة من الأدب السوفييتي، «الربيع على نهر
الأودر ».
33
إن قصة الحب لا تبدو من النسيج الحي الأساسي، ويمكن نزعها دون أن يؤثر هذا على القصة. في سنة 60 عندما فكرت في معالجة موضوع السد العالي «الحائط العظيم» كنت أفكر بنفس الطريقة؛ كيف أركب بعض الأحداث؛ مهندس معين يحب فتاة تذهب إلى هناك بشكل ما. وينمو السد ويمثل بالنسبة لهما شيئا كما يمثل بالنسبة للمجتمع كله (وهنا الفكرة أكثر عمقا قليلا من الصورة الأولى في
الأودر ). لكني اليوم عندما فكرت في هذا الموضوع أشعر أني سأصنع شيئا عظيما دون حاجة إلى اختلاق قصص جانبية. سأجعل المياه نفسها تتكلم والصخور والسد نفسه والهواء. إلا إذا أمدتني تجربتي الذاتية هناك بشيء آخر. (يبدو أني لم أستطع أن أعبر بالدقة عما أريده). مثل
جورجي زيدان
الحب ليس مقصودا لذاته وإنما كوسيلة للربط و
إبراهيم
في «
بورسعيد ». ⋆ «كلما زادت معرفة المرء عن الكتابة كلما صارت ممارستها من الصعوبة بشكل لا يصدق ... ولكني أحس مع كل محاولة جديدة - رغم احتمال إثارتها للفزع - بوجود التساؤل والأمل والبهجة»،
شتاينبك . ⋆
وانلي
يرسم سيمفونيات
بيتهوفن
وقطع
خاتشاتوريان . فكرت منذ عام في كتابة روائع
عبد الوهاب . الفكرة تسجيل الصور (تداعي الذكريات أو ما تعنيه النغمة مرتبطة بحادث معين في الماضي) الخاصة بالأغنية المعنية ثم إيجاد شكل معين أو رابطة داخلية. ⋆
عندما نعبر عن أنفسنا فإنما نعبر عن الجماعة. لقطة من عند السور. ما هو الشيء المشترك بين هذه الجموع؛ الملل، القرف، سقوط الأقنعة. ذهبت رومانسية النضال. بقيت الحقائق عارية تماما. عبادة الفرد وانهيارها. إعادة التفكير في كل شيء. سقوط الأقنعة (قناع الدين. قناع البطل ...)
34 ⋆
عين الطفل : «إن الطبيعة الإنسانية تريد دائما أن تعرف العالم المحيط بها، لكن هذه الرغبة تقل مع السنين. وكلما كبرنا في السن بدأ العالم يفقد بريقه وروعته. لكننا نستعيد حدة إبصارنا ويعود العالم مشرقا إلينا من خلال الطفل الذي يرقب العالم من حوله بعيون واسعة متطلعة.» ⋆
قرأت «الشريط الأخير»
لبيكيت . هذا الرجل فنان عظيم. ومن قبل قرأت ملخصات «لعبة النهاية» ولاحظت أن نثره رائع. وهنا في الشريط أيضا قطعة نثر رائعة بشكل لا يصدق وهي التي يصف فيها القارب والفتاة وعينيها في الشمس كشق و... إنه بخلاف
يونسكو
فالأخير تحس أنه مهرج أو ساخر. أما
بيكيت
فيعاني بعمق. ⋆ «أوج الحياة»،
سيمون دي بوفوار - «ريش الحمام»،
جون أوبدايك ، «فرصة للمحبة»،
نادين جوديمر - «أطلس موجز للعالم الكلاسيكي»، «سلسلة
نيلسون
لتاريخ الحضارة» - «الوجه في الفن الغربي»، جون بروفي - «دليل إلى مسرحيات برنارد شو»،
س. ب. بوندوم - «حوانيت القرفة وقصص أخرى»،
برونو شولتز - «يوم واحد في حياة
إيفان دنيزوفيتش » - «
روزا »،
ليفيا دي ستيفاني - «أفكار البيولوجيا» - «فرصة جديدة للحياة»،
جورج سيمنون ، «
الكاماسوترا »،
فرجينيا وولف ،
دوروثي برويستر - سلسلة «كتاب ونقاد»؛
أندريه جيد ،
توماس هاردي ،
فرجينيا وولف
تأليف
أ. د. موودي .
35 ⋆
شكرا لمجلة «
تراث الإنسانية » أن عرفت بأسماء كتب لداروين غير «أصل الأنواع»؛ «مذكرات رحلة حول العالم»، 1842، «مشاهدات جيولوجي في
أمريكا الجنوبية »، «موسوعة هدبيات الأقدام»، «الوسائل المختلفة لتلقيح
زهر الأوركيد
بواسطة الحشرات»، «تغير الحيوانات والنباتات بالتدجين»، «حركات النباتات المتسلقة وعاداتها»، «التعبير عن العواطف في الحيوان والإنسان»، «النباتات الآكلة للحشرات»، «أصل الإنسان »، «تكون السماد الطبيعي من نشاط الديدان.»
36 ⋆
من شعر
المتصوفة لابن عربي:
يا من يراني ولا أراه
كم ذا أراه ولا يراني
يا من يراني مجرما
ولا أراه آخذا
كم ذا أراه منعما
ولا يراني لائذا ⋆
أصبحت أحب المرض . رقدت يومين بسبب مصل التيفود. كنت مستريحا لفكرة أني لن أعمل شيئا لفترة. ولست مسئولا عن شيء، وأستطيع أن أسرح. سرحت في
قصة السد . لا بد أن تكون رواية ذاتية تماما. ضحكت من الطريقة التي كنت أتصورها بها من ثلاث سنوات؛ رجل وامرأة وقصة حب ثم السد يرمز لشيء فيها. الموضوع أكبر من ذلك. ولا بد أن يرمز السد لنهاية فترة وبداية فترة أخرى على صعيدين؛ الصعيد القومي والصعيد الذاتي. والبطل هو السد نفسه. المياه والأحجار والتراب. فكرت كثيرا في الشكل. تطاردني «
ثلوج «كليمنجارو »» الذكريات المتقطعة.
37
الطريشة وقتلها. ⋆ «ماء إلى حصان العائلة». ديوان يبدو شعرا جديدا
لشوقي أبو شقرا ، دار مجلة شعر، 1963. ⋆
2 سبتمبر ظهرا : حلمت بأبي. كان يسير وهو يضع ساعده على كتفي ويحتضنني إليه. كان يبدو قويا متماسكا. وشكا لي من أنه لقي متاعب وآلاما في العام الأخير. قلت له أما أنا فأتألم من ساعة ما بلغت الثامنة عشرة. وكنت لحظتها أحاول أن أحدد واستعددت لأن أحكي له من أول (ف.) وكنت أشعر بالسعادة لأني أشكو له وأتوقع منه المعونة. لكنه أشار إلى ترام مزدحم. وقال لي مبتسما في لطف: حينشلوا من بعض. وأدركت أنه يريد تغيير الموضوع. ثم اختفى وحل محله
عادل ح . وسرنا بجوار بعض وساعده على كتفي. وبدأت أشكو له هو الآخر. وكان يحنو علي ثم تركني عند ملعب. وشعرت بحنق شديد؛ لقد استمع لي كي أوصله إلى الملعب ولم يكن مهتما اهتماما خاصا بأمري. عدت بعد أن أخذت منشفته انتقاما. استيقظت سعيدا لرؤية أبي وأخذت أسترجع شعوري باللذة والسعادة والراحة لإمكانية الشكوى وتلقي العون. فكرت: لو كان الوعي العلمي بالحلم غير موجود. كم كان الأمر يكون رائعا لو كانت هذه زيارة من روح أبي. مساندة لي الآن ونبوءة!
38 ⋆ «كلما قرأنا المزيد من الكتب، اتضح لنا أن وظيفة الكاتب الحقيقية هي أن ينتج لنا عملا من الطراز الأول، وأن أية وظيفة أخرى له لا أهمية لها ... إن كل عمل يقوم به الكاتب للصحافة والإذاعة، للدعاية والسينما ... إن كل عمل يقوم به - مهما كان يصبو إلى أن يكون فنا رفيعا - لا بد أن يكون مصيره الفشل وخيبة الأمل؛ لذلك فمن الحمق أن نبذل أسمى ما تجود به قرائحنا في هذه الميادين؛ لأننا بذلك نقضي على أفكارنا بالنسيان، الجيد منها والرديء ... إن الكتاب الذين ينشغلون بأي عمل أدبي لا يتصيد الكمال إنما يخدعون أنفسهم إذا اعتبروا ذلك أكثر من مجرد مساهمة في الجهد الحربي.»
سيريل كونولي (1903-؟) من «القبر المضطرب». ⋆
قرأت قصة مصرع
الحسين بن علي
في مقال لطيف للدكتور
الديواني . إن
الحسين
شخصية ممتازة في قصة درامية من الطراز الأول. موضوعه الأساسي هو الإنسان الذي يعرف مصيره، ولكنه يناضل إلى آخر لحظة. يمكن أخذ عدة أيام منذ وصوله إلى
كربلاء . واستخدام الفلاش باك لسرد ما حدث
لعلي . تكون تجربة ممتازة. ⋆
قرأت مقال «
الجدل في الطبيعة ». الكواكب وهي تتحرك. الأرض تبرد. تنشأ ظروف الحياة. الخلية الأولى. الفقرات. الإنسان. الإنسان في أقصى تطوره. فناء الأرض (برودتها وسقوطها في الشمس). استمرار المادة في مختلف صورها في الكون اللانهائي. موضوع رواية ممتازة. لو أستطيع أن أكتب كل هذه الأفكار. يمكن على الأقل ألا أكتب شيئا تافها أو مبتذلا أو جرى استخدامه من قبل. ⋆
في متاهة النقد: «المفكرون الثلاثيون» بقلم
إدموند ويلسون ، «الرؤيا المسلحة» بقلم
ستانلي هايمن .
مبادئ النقد الأدبي عند أرنولد: وظيفة النقد إبداعية؛ أي إنه يؤدي إلى خلق «تيار من الأفكار الجديدة حقا» حول أي موضوع ذي أهمية عامة دون التأثر بالاعتبارات الاجتماعية والعملية. «
نظرية النقد » عند «إليوت»: مقال «
رشاد رشدي » في «أصوات»، لندن 1963: (1)
الأدب خلق وليس تعبيرا. ما يتحكم في الأدب هو الأدب نفسه؛ أي وعي الفنان بفنه لا بمجتمعه. إحساس الفنان أو إدراكه لتقاليد فنه. العمل الفني الجديد والجديد حقا هو الذي يتفق مع التقاليد التي نشأ فيها ومع ذلك يختلف عنها لأنه يضيف إليها (ضد الرومانسية التي تقول بأن الأدب تعبير عن المجتمع، وتقرير أو سرد الوجدان كما هو). (2)
المعادل الموضوعي: ليس العمل الفني تعبيرا عن الفنان نفسه كما يقول الرومانسيون. كانوا يرون قيمة العمل في صدق التعبير أي مدى مطابقته لمشاعر الفنان كما هي في الحياة، ولكن العكس هو الصحيح؛ فكلما اقترب العمل الفني من مشاعر الفنان كما هي في الحياة، كان مجرد تسجيل لهذه المشاعر، وابتعد بذلك عن محيط الفن (الخلق) واقترب من محيط الحياة. «كلما اكتمل الفنان، كلما انفصل فيه الرجل الذي يعاني عن العقل الذي يخلق، وكلما زادت قدرة العقل على هضم وإحالة المشاعر التي هي مادته إلى مادة جديدة.» ... «الشعر ليس الوجدان نفسه وليس تذكر الوجدان ... بل هو خلق شيء جديد من تجميع عدد من الخبرات ...» (3)
أهداف النقد ووسائله: - ليس النقد عملا خلاقا. النقد كالعلم. - مهمة النقد هي التوضيح لا التفسير. وينصب على الشعر لا الشاعر. - الوسيلة هي تحليل العمل الفني من حيث تركيبه ونسيجه بحيث يتسنى لنا أن نرى إذا ما كان الكاتب قد بلغ هدفه الفني وكيف، وبحيث نستطيع أن ندرك العمل الفني ككل. - الوسيلة الثانية هي مقارنة العمل الفني بغيره لا للمفاضلة ولكن لكي نراه على حقيقته (بالنسبة إلى غيره. بالنسبة للتقاليد الفنية التي نشأ منها). (كل هذا جعل العصر الحديث ينظر إلى الأدب على أنه فن كبقية الفنون، فتغير بذلك مفهوم البلاغة كما لم يتغير منذ
أرسطو ). ⋆
عالم جديد فتحته لي رواية «إلى الفنار»
لفرجينيا وولف . هذا هو الفن الحقيقي. طول الوقت وأنا أقرأ - ودون أن أعرف بالدقة ما هي الحكاية - تتفتح في مشاعر وأحاسيس رائعة. كيف استطاعت أن تستحضر الكلمات التي عبرت بها عن كل ما عبرت عنه في شاعرية ورقة. يبدو أن رأيها في الفن هو ما ذكرته في الرواية على لسان الرسامة: «يرغب المرء، فكرت وهي تسقط فرشاتها متعمدة، في أن يكون على مستوى التجربة العادية، ليشعر ببساطة أن هذا مقعد وهذه مائدة وفي نفس الوقت أن ذلك معجزة، نشوة.» هذا ما كانت
فرجينيا وولف
تفعله في هذه الرواية بتناول كل ما هو بسيط وعادي ويومي. إنها تكتب بسحر. برقة وبساطة. بلا افتعال: - «لكنه لم يسألهم شيئا؛ فقد جلس ونظر إلى الجزيرة ولعله فكر: نحن نفنى، كل بمفرده، أو ربما كان يفكر: لقد بلغت الأمر. لقد وجدته، لكنه لم يقل شيئا.» - «لا بد أنه بلغها، قالت
ليلى برايس . نزل إلى الشاطئ.» - «وقف هناك باسطا يديه فوق كل ضعف البشرية ومعاناتها، فكرت أنه كان يتأمل، بتقبل وتعاطف، مصيرهم النهائي.» - «... لكن ما أهمية ذلك ... (مصير لوحتها).» - «أجل، فكرت وهي تخفض فرشاتها بتعب بالغ، لقد حققت رؤياي.»
لا بد من قراءة بقية كتبها ومقالاتها في النقد وكتاب فن الرواية وكتاب «مفكرة كاتب» وسير حياتها المتعددة.
39 ⋆
يعتبر
تشارلتون
قصة «ملحمة
فورسايت »
ل. جالسورذي ، نموذجا تتوفر به كل عناصر القصة الفنية. ⋆
في «القوزاق»
لتولستوي
موضوع جانبي رائع هو القتال البدوي والثأر.
الججني
الأحمر الشعر الذي مات أخوه وذهب يفتدي جثته وقد مات إخوة له من قبل وهو الباقي، وسأل من الذي قتله، ثم المعركة الأخيرة وقد جاء يثأر. وشعر
الججن
أنهم مهزومون. «ثم ارتفع من صفوف
الججن
فجأة أنشودة نائحة تشبه أنشودة العم
بيروشكا
آي داي، والالاي.» وكان
الججن
يعلمون أن لا مناص لهم من القتال فربطوا ركبهم بعضها إلى بعض حتى لا يغريهم الأمر بالهرب، وأعدوا بنادقهم للإطلاق، وأخذوا ينشدون نشيد الموت الخاص بهم.»
أما
الججني
ذو الشعر الأحمر «فكان قد أثخن بالجراح في أجزاء كثيرة من جسمه، وكان يتلفت حوله في وحشية وقد تشابكت أسنانه وربض ممسكا خنجره في يده متهيئا للدفاع عن نفسه كأنه الصقر الجريح وقد تسربل بالدم (كان الدم يتدفق من جرح تحت عينه اليمنى)، وشحب لونه وعلت الكآبة وجهه ... ونهض، لكن منيته كانت قد دنت، فهوى إلى الأرض.» ⋆
عذاب من جديد. يبدو أني لن أتم شيئا أبدا بتأثير من رواية «إلى الفنار». انتزعت الفصل الرابع من «
الأغاني والشكولاتة » كي أكتبه بطريقة خاصة كموضوع مستقل - كبر الموضوع في ذهني. سأسميه «
منزل النوافذ الزرقاء ». من ثلاثة أقسام؛ الأول زيارة للمنزل، والثاني قصير عن «الزمن» والثالث «العودة». اكتشفت أني أتعمد تمثل الطريقة التي كتبت بها
فرجينيا وولف . يضايقني هذا جدا. رغم أني أدرك أني لا أقلد؛ فالموضوع كان عندي قبل أن أقرأها، بل وكنت قد حققت فيه شيئا من الأسلوب الذي أبحث عنه والذي يلتقي مع
فرجينيا وولف . كما أن ما أفعله الآن استمرار لمحاولات قديمة. ما أبحث عنه هو أسلوب شاعري يحرك الأشجان (!) ولا افتعال فيه، ويساعد على تقديم جديد، ويعتمد أساسا على تيار الشعور. أبحث عن قصة جديدة تقدم فيها الحياة من زاوية جديدة. (مرة أخرى لا أعرف كيف أعبر بالضبط عما في رأسي). «لتشعر ببساطة أن هذا مقعد وفي نفس الوقت أنه معجزة، نشوة» - بكيت أمس عجزا. لا أعرف كيف أكتب هنا. ولا بد من الكتابة. ⋆
مجموعة مهمة من سلسلة كتب قيمة عن
مايكل أنجلو ،
تشايكوفسكي ،
نابليون ،
تاليران ،
ستندال ،
بلزاك ،
زفايج ،
جاك لندن : «حياة مشهورين». - كيف يمكن للمرء أن يعبر عن كل هذه المشاعر المبهمة التي يشعر بها عندما يكتب مؤلفا للآلات بلا موضوع محدد؟ إنها عملية غنائية صرفة.»
تشايكوفسكي . - «يكتب بيرنز (الشاعر الاسكتلندي) عن نفسه وهو يحرث الأرض أو يقبل أو يحب أو يسخر من المجاملين والمنافقين.» كاتب سيرته. - قال
فلوبير
إن مهنته ليس العيش وإنما الكتابة. - «بالنسبة لي، عمل فيلم هو العيش، في زمننا ليست علاقة الإنسان بالمجتمع هي المهمة، بقدر ما هي علاقة الإنسان بنفسه، الإنسان الحديث في كل تعقيده والقوى التي تعذبه وتسيره.»
مايكل أنجلو أنطونيوني . ⋆
رواية تاريخية عن
لوتريك «
مولان روج » تأليف
بييرلا ميور . ⋆ «علم الحياة»،
جوردون راتازي ،
ثوماس آند هدسون . ⋆ «
ريفيو أوف إنجليش ليتراتشر »، مجلة فصلية تصدر عن دار
لونجمانز . ⋆
قصيدة
لأول مرة؛ تصور!
40
في الليل، تحت المصباح القوي،
عندما أضع القلم لحظة،
وقد دهمني الرعب.
رعب هادئ عرفته من قبل،
في تلك الليلة البعيدة،
التي كنت أراجع فيها دروسي للمرة الأخيرة،
وأدركت فجأة أنه لا فائدة.
وهرعت إلى أبي في الظلام،
فاستيقظ مفزوعا وضمني في حنان.
رعب هادئ عرفته من قبل،
وأنا أنحدر فوق حافة السرير،
أوشك أن أقع،
ثم أستيقظ لأجد نفسي أحلم
وأرقد لحظة، في رعب. •••
عندئذ ستكونين هناك.
شعرك الطويل يتناثر على المكتب.
وسأستطيع أن أمد أصابعي إليك.
سأستطيع أن أدفن يدي،
يدي التي حملت القلم،
في شعرك.
وعندما تقع خيوط منه صدفة،
على وجهي،
سأقبلها.
وستديرين رأسك إلي
في الضوء ...
وفي عينيك العميقتين
سأجد سلوتي. (25 / 9/ 63) ⋆
ما زلت أعمل في «
منزل النوافذ الزرقاء ». مصر على الانتهاء منها. المحتوى الأساسي غير واضح حتى الآن: الحنين إلى الماضي؟ أمس تكشف لي جانب مهم؛ اللحظة التي ننسى فيها كل متاعبنا ونركنها جانبا قليلا. وهي لحظة الزيارة. هناك جانب آخر؛ تلافي الشعور بالاتصال الإنساني. أفكر في اتباع تكنيك خاص باتباع دوائر للشعور بين الشخصيات. كلما أعمل يزداد وعيي بالمحتوى. مصر على كتابتها. إنها جديرة بالكتابة. إن أي شيء يخرج بنا من نطاق الرواية العادية التي أصبحت مبتذلة جدير بالمحاولة. أعتقد أن الكتابة - العملية نفسها - ستكشف محتويات التجربة وتجسد مضمونها.
41 ⋆
أول
أكتوبر : الحب هو المحتوى. إن «اللحظة» التي تمت فيها الزيارة هي لحظة تعاطف وحب رغم كل عوامل الفرقة والقيود التي يكبل بها الماضي والحاضر كل واحد. وفي القسم الثاني يقوم الزمن بدوره ... إن بشاعة تظهر في قروح العمة وهي تموت. وفي القسم الثالث يعود البطل متعبا مثقلا بما كشفت له الحياة. وقد تركناه في القسم الأول طفلا صغيرا (يمكن استخدام عبارة «اللي ما تعلمه أمه وأبوه تعلمه الأيام والليالي»). يعود ليواجه بالتغيرات التي حدثت في المنزل وبالرغبة في إقامة «اللحظة» مع أخته - ابنة عمته - ابنتها. بالنسبة للأولى صعب (هناك أساس ولكن هناك شيء أكثر من التعاطف الأخوي. إنه يريد حياتها كلها ولكنها ستعطي هذه الحياة لشخص آخر. ابنة عمته كبيرة محطمة تتطلع إلى ناحية أخرى. بقي ابنتها (إنها صغيرة جدا ولكنها فرصته) هذا المكان الذي كان (...) يشعر فيه بالغربة هل يقتحمه ؟ ⋆
كيف أكتب ؟ لا أفكر أنني يجب أن أكتب في الموضوع الفلاني. وأجلس لأكتبه وأبحث له عن شكل. كلا. إن مشاعري تتحرك وتتأثر بفكرة، بتجربة أو ذكرى، بأسلوب، شكل وتطالب بالانطلاق. وفي أثناء عملية الانطلاق تتفاعل مع عقلي الواعي ليصاغ موضوعها أو محتواها.
42 ⋆
أعماق البحار: كتاب
د. وليم بيبي «نصف ميل تحت سطح البحر»، «عند عمق 18 مترا اختفى الضوء الأحمر، وعلى عمق 100 اختفى الأصفر، ثم تلاشى الأخضر والأزرق من ألوان الطيف عند عمق 240، وبعد ذلك لون أزرق غامق عميق. ثم بعد عمق 520م و580 كان ما يكتنفنا هو الظلام الدامس.» - المعارك في ظلمات المياه العميقة بين الحوت (...) طن والأخطبوط طوله 9 أمتار وأذرعه الملتوية الماسكة ذات الممصات وطوله بها 15 مترا. عالم غريب تسوده الظلمات وغير آمن ونادر التغير وفي برودة الثلج وقليل الأوكسجين. لكن الحياة موجودة فيه. - دورة الحياة من البحر ... إلى البحر. الإنساني المائي ذو الخياشيم تحت إبطيه - الجنبري الياباني يقول عنه الدكتور
نوجيناما : تتم عملية التلقيح بين منتصف الليل والثامنة صباحا، وفي الليالي الصيفية الهادئة وفي المياه الصافية «فيلاحق الذكر الأنثى ... ويمسك بها فتفلت منه ... وتخلع قشرتها الخارجية. يحتضن الذكر أنثاه العارية، ثم تأخذ هي بطريقة وحشية فظة عضوه التناسلي في فتحتها وتقطعه ... ليظل في حالة عجز إلى أن يظهر له عضو جديد يحل محل القديم» - المياه «الساكنة» في المحيطات والبحيرات تغير سطح الأرض! ذلك أنها ليست هادئة تماما. إن أحجاما هائلة منها تتحرك باستمرار مكونة تيارات بحرية تنحت بعض الشواطئ بينما تبني بعض الشواطئ الأخرى. ⋆
بقية مقالات
يوفتوشنكو
في «الإكسبريس»: - «كان شعار
لينين » يجب أن تكون الشيوعية في خدمة الناس «أما
ستالين
فشعاره: يجب أن يكون الناس في خدمة الشيوعية ... الستالينية هي النظرية التي تعتبر البشر مجرد تروس في مؤسسة صناعية ضخمة. وقد ترتب على هذه النظرية في الحياة نتائج فظيعة ... لقد رفع العمل إلى مرتبة أعلى من الآدميين ... وكان على الفنانين أن يقدموا القرابين ل «العمل»، هذا الإله المجرد، وأن ينزلوا بالحياة الروحية للأمة إلى مستوى وصف مختلف أشكال «العمل ». وهكذا أصبح الصلب البطل الرئيسي في عدة روايات.» - «لم يكن الإرهاب والاعتقالات وإبادة الضحايا أكبر جرائم
ستالين . لا. كانت جريمة الجرائم هي إفساد الأرواح البشرية.» - «كان يبدو لي أن الكلام عن الطبيعة والنساء وهمسات النفس، والناس حولي تشقى، عمل غير أخلاقي.» - «لقن
ستالين
الناس الخضوع الآلي، وهذه الطاعة العمياء للأوامر الآتية من فوق.» - «إن الرصاصات التي أطلقت على رأس بريا عادلة، لكنها للأسف عدالة متأخرة. غير أنه يبدو لي أن العدالة قطار يصل متأخرا دائما.» - ... «لكن النثر أقل طواعية من الشعر بمراحل؛ فالرواية لا تكتب في بضعة أيام ولا تقرأ على الجمهور.» - «كان
فاسيلييف
و
نيزفسني
قد مرا بمدرسة الجبهة الشاقة وأصيبا عدة مرات بجراح، وقد رفضا بعد الحرب أن يتبعا بشكل أعمى مواصفات الفن الأكاديمي، وراحا يبحثان عن أشكال جديدة. وكانا يريان وهما محقان أنهما دفعا بالدم حق رسم ونحت ما يروق لهما.» - «الواقعية أرقى أشكال الفن. لكنها قد تتخذ بالنسبة لي مئات إن لم يكن آلاف الأشكال المختلفة ... وأعتبر واقعيا كل عمل يحرك روح الإنسان حتى ولو كان هذا العمل لا يمثل منازل أو أشخاصا أو أشجارا.» - «... كان صاحباي تفوح منهما رائحة الصلصال والألوان. وكانا يعملان بلا توقف. وكان إيمانهما وإلهامهما ينتقل كالعدوى إلى الذين يترددون عليهما ... وكان المثل الذي يضربانه يمنحني القوة لكي أتماسك وأركز على عملي.» - «في مرة قالت لي عاملة متعبة: «يا بني لا تكتب إلا الحقيقة ... الحقيقة وحدها ... ابحث عنها في نفسك وقدمها للشعب، وابحث عنها في الشعب وضعها في نفسك.» - «الماركسي الحقيقي إنسان في حالة تكون مستمر.» - (عملية متواصلة من الملاحظة والفهم المستمر للأشياء، للجديد.) ⋆
8 أكتوبر 63 : «إن الفنان يتميز بقدرته على التأثر بالمؤثرات الخارجية والتمييز بينها. ويتميز بقدرته على إبقاء انطباعاته في حالة حرية تامة بحيث تنشأ فيما بينها علاقات جديدة، ولعل الفرق بين الكاتب الجيد والكاتب الرديء هو المجال والدقة والحرية التي تميز ما يمكن أن يقيمه من علاقات بين العناصر المختلفة التي تتألف منها تجربته. والقدرة على استرجاع تجارب الماضي لا تتوفر إلا لفنان، وما يهم الفنان هنا ليس قدرته على اكتناز الماضي وليس قدرته على تأريخ الحدث وحفظه في المكان الخاص به، وإنما قدرته على بعث التجربة الماضية بحرية، واسترجاع الحالة الشعورية الخاصة بهذه التجربة، وتوصيل هذه الحالة الشعورية إلى نفس القارئ الذي يستقبلها ليقيم منها داخل نفسه بناء ينفجر بعلاقات جديدة تصالحه مع الحياة وتنظم دوافعه فيها.»
43 ⋆
الهرب .
44 ⋆
25 أكتوبر 63 : كتاب نورمبرج - موضوع مهم للكتابة عن التعصب من 3 أجزاء؛ مذبحة
سان بارثلوميو ،
باريس - جيتو اليهود في
وارسو (
نورمبرج ،
نوفيل
كريتيك ، رواية «الحائط»، تأليف
جون أرسكين ) -
بغداد 63 ، اصطياد اليهود كالفئران من مجاري وارسو 1915 ثم
فلسطين
واللاجئين. ⋆
مقدمة
سومرست موم
للطبعة الشعبية من رواية «عن الرباط الإنساني» وحول الرواية الطويلة: «بدا له أنه قد اتبع طول حياته المثل التي زرعها فيه آخرون، بكلماتهم أو كتاباتهم، وليس أبدا رغبات قلبه هو. دائما تحدد طريقه بما ظنه واجبا لا بما أراد عمله من أعماقه.» (عبر عن هذه الفكرة مرة أخرى في سيرته الموجزة كخلاصة لتجربة حياته الطويلة.) «فكر في رغبته بعمل تصميم معقد وجميل، من حقائق الحياة التي بلا معنى ولا تعد ولا تحصى ... ألم ير أيضا أن أبسط نسق، الذي يولد فيه الإنسان ويعمل ويتزوج وينجب أطفالا ويموت، هو أيضا أكمل الأنساق.» ⋆ «ذات مساء تملكني دون إنذار خوف فظيع على وجودي ... مريض بالصرع رأيته ... لا شيء أملكه بوسعه أن يحميني من ذلك المصير إذا ما دقت ساعته كما دقت بالنسبة إليه. ... كيف أني نفسي، غير واع بهذه الحفرة من عدم الأمان تحت سطح الحياة ...»
ويليام جيمس . ⋆ «الحياة ككل، من أبسط الكائنات إلى أكثرها تعقيدا، هي سلسلة طويلة من التوازنات مع البيئة الخارجية.»
الفيسيولوجي .
45 (8) نوفمبر ⋆ «الهزيمة»
لفادييف :
46
رواية واقعية جدا أشبه بإنتاج الوجوديين الفرنسيين. عرض لنفسية القائد سلبه كل الرواء. - «أحس الجميع أنه أصبح ضعيفا ... قد دبت فيه الشيخوخة. وكيف لم يعد يخجل من ضعفه ...» - «ونظر
ليفينسون
صامتا - وعيناه دامعتان - إلى السماء الواسعة وإلى الأرض التي تعدهم بالخير والراحة وإلى هؤلاء القوم الغرباء فوق أرض الحصاد ... فعليه أن يجعلهم رجاله ... ليصبحوا قريبين إلى قلبه، أثيرين لديه كهؤلاء الرجال الذين يتبعونه في صمت ... وكف عن البكاء ... فعلى الرجل أن يعيش ليحقق مسئوليته!» ترجمة
إبراهيم فتحي ، دار الشرق. ⋆
عن جريدة «
الأهرام »: «
بيير جاسكار
والكلاسيكيين الجدد»: الإنسان عنده عواطف وأفكار، وهي دائما في حالة نمو وتطور، وما هو ثابت فيها هو أنها تخضع لهذا النمو ولهذا التطور منذ الأبد؛ فصراع الإنسان كان دائما في سبيل المزيد من تطور إنسانيته. وجوهر الإنسان هو هذا الصراع. أما مشكلة الإنسان المعاصر، بل مأساته، فتكمن في ظروف تتفاعل بدرجة تفوق قدرة الإنسان. ويضرب مثلا بالحرب: إنها تحدث على الرغم منا، نتيجة لتطورات شاركنا نحن حقا في إحداثها ومع ذلك انفلتت منا؛ فالدولة التي تصل إلى أقصى درجات الرأسمالية ... ولا مفر من الحرب لانتزاع أسواقها. فهل أراد الإنسان هذا المصير؟ إن الحرب التي يصنعها الإنسان إنما تهدد بل وتحطم جوهر الإنسان؛ لأنها تحوله إلى وقود، بينما «طبيعته الثابتة»، بينما «إنسانيته»، هي أن يتطور في ظروف سلامية. كيف يصل الإنسان إلى هذا الوضع. لكي يتتبع «جاسكار» عملية التعارض بين ما هو إنساني فينا و(...) الظروف المحطمة لإنسانيتنا، يتخذ منهجا روائيا يقوم على تسجيل التغيرات التي تحدثها الحرب فينا تسجيلا موضوعيا (...) الاتجاه التسجيلي. في كل جانب من جوانب الصراع يخضع للأسلوب الكلاسيكي، لكن كون الحقيقة تبدو ضفيرة من المتناقضات وليست سطحا واحدا يجعل مذهبه هو الكلاسيكية الجديدة. ⋆
من مقال
جاك كابو
في «
الإكسبريس » عن كتاب
مالكولم لوري
47
الأخير «اسمع صوتنا أيها الرب.» 20 سبتمبر 1962، وإشارة إلى كتابه الأول «فوق البركان»: «إننا نرى أننا هنا في موقف معارض تماما للرواية الجديدة. في عالم يعتبر الموضوع فيه لا شيء بينما الوعي (الشعور) المتخيل (أو الموهوم) هو كل شيء. إنه فن معقد (مركب)، رومانسي وواقعي في نفس الوقت، يهدده الفشل على الدوام، ويؤدي برواده الأنجلو ساكسون من
جويس وفرجينيا
و
ولف ولوري
إلى الموت، ولكنه فن عصر بلوغ الرواية.»
مقال آخر عن رواية «سخرية قمرية ». ⋆
مجلات : «نيو أوتلوك »، شهرية
لوس أنجلوس - «دراسات في الرواية الحديثة»، فصلية عن جامعة بردو بولاية
أنديانا ،
الولايات المتحدة - مجلة «الجماليات والنقد الفني»، فصلية تصدرها جمعية «علم الجمال» الأمريكية - مجلة «عرض الأدب الإنجليزي»،
لونجمانز ، تصدر عن قسم الأدب الإنجليزي بجامعة ليدز - «دراسات
القاهرة
في الأدب الإنجليزي»، جامعة
القاهرة . ⋆ «موضوع
بروست
أساسا هو أن الزمن يهدم والذكرى تحفظ والفيلم «
هيروشيما
حبي» يعالج هذا لكن على أساس أن الذكرى بالنسبة للبطلين تهدم والزمن يعيد ويشفي،
فبروست
يهتم بالذاكرة والمخرج يهتم بالنسيان، والذكريات عند
بروست
تأتي بالفرح وهي في الفيلم مصدر الحزن وأحيانا الفزع، والمادة الخام في الحالتين واحدة وهي التوتر بين الماضي والحاضر. سمى
بروست
الجزء الأخير من روايته «العثور على الزمن» أي الماضي؛ فهو يجد خلاصه وحياته في الذكريات لأنها الطريقة الوحيدة لاستعادة الماضي. أما الفيلم فيرى أن الطريقة الوحيدة لأن نعيش هي أن ننسى مهما كانت أهمية خبراتنا السابقة وسننساها آجلا أو عاجلا، من مقال عن الفيلم والزمن في مجلة «الجماليات والنقد الفني» الأمريكية، ربيع 63. ⋆
قصة
عمر بن الخطاب
والقدر - وقصة الوفاء - حكايتها في الطفولة.
48 ⋆ «المعادل الموضوعي» عند
إليوت : يعني به تلك الصورة التي يعبر بها الشاعر عن عاطفته لكي تثير هذه الصورة عاطفة مشابهة عند القارئ. والعاطفة ليست هي المشاعر، بل هي تحويل المشاعر إلى صورة أخرى؛ إذ إن الشعر ليس تعبيرا عن المشاعر، بل هربا منها. هو جهود الشاعر ليحول آلامه الخاصة إلى شيء خصب غريب. شيء كوني عام يستجيب له الكون كله، شيء لا ذاتي. ⋆
الضجة لا تطاق - أنسخ «الشكولاتة» - تراودني أفكار فظيعة حول قدرتي الفنية - موضوعي الأساسي هو الأب - غير مستريح ل «العنكبوت» - أثر من مقال كابو عن لورى: صورته وهو يحمل مخطوطة روايته ويدور بين البارات يطارده الفشل وإحساس فني عظيم - هل يمكن أن أوحد الذاتي بالموضوعي في كتابتي - علينا أن ننطلق في ثلاث جبهات في وقت واحد: الموضوع والأسلوب والشكل - إنني أبحث عن أسلوب وشكل للموضوع - وأريد أن أحقق جديدا ... يا للغرور!
49 ⋆
علمني أبي
أن أستخف بأي شيء يكون مبرره الوحيد أنه تقليد صالح. عرفت منه أنه يجب أن أفكر في كل شيء بنفسي ولنفسي. ⋆
يجب أن أثق في تفكيري . في إيحاءات وجداني. يجب هذا وإلا فلن أكون مبدعا. هذا هو الطريق الوحيد لاكتشاف الحقيقة خلف الواجهات المكررة والمبتذلة. أقصد التعبيرات وقوالب التفكير التي صيغت من قبل. ⋆ - «
إني أكره العقائديين . إنهم يمثلون من وجهة نظري أسوأ أشكال المراجعة. ويعيش بعضهم بكل إخلاص داخل أسوار تعصبهم، ولكن أغلبهم يتشدقون بالكلمات الجميلة لا لشيء سوى لإخفاء مصالحهم الفردية المريبة. وقد تأكد لي ذلك منذ الطفولة.» - «... سافر الشعراء من أقصى البلاد إلى أقصاها ليشاهدوا المنشآت الجديدة وليعجبوا بالآلات الحديثة. أما الرجال الذين يستخدمون هذه الآلات فلم يسترعوا انتباههم إطلاقا ...»
يوفتوشنكو
في «
الإكسبريس ». ⋆
أعيش مع
كافكا
في «المحاكمة» ودراسات عنه. هذا فنان عظيم لأن له رؤياه الخاصة وأسلوبه الخاص. لا كنموذج للتقليد. ⋆ «كانت صور حرب القرم أول صور حربية تقضي على فن التصوير التاريخي والوقائع اليومية.» - «لم يعد الفنانون يهمهم نقل الطبيعة كما هي، بل تحولوا إلى خلق الطبيعة تبعا لرؤاهم الداخلية»، من كتاب عن
الفوتوغرافيا
عرضه
حسين فوزي . ⋆
أسلوب
نجيب محفوظ
في «الطريق» هو نفس الأسلوب الذي بدأت أكتب به «العنكبوت» منذ عام. إنه ينهل أيضا من
جويس ووولف . وهذه الرواية التي لم تظهر منها غير 4 حلقات حتى الآن أعتقد أنها ستكون بداية الرواية الحديثة في
مصر . ⋆
أنا مقتنع بضرورة التأني جدا في الكتابة والتجربة والتنقيح على مهل دون اضطرار للإسراع. ⋆ (...) ابن سينا: كمال علام . ⋆
السرطان
ليس مجرد ورم، بل مرض يصيب الجسم كله، ويظهر في مكان محدد تعرض للتأثير المباشر للعامل المولد - لاحظ العامل العصبي - الإجهاد الوظيفي للجهاز المركزي -
د. محمود محفوظ ، و
د. لطفي أبو النصر ، المركز القومي للبحوث. ⋆
آل بودنبروك ،
توماس مان ، «المؤسسة العربية الحديثة» 41,5 قرشا - «تاريخ الأدب الفرنسي» ج1 وج2
لانسون ، الناشر السابق، 7,5 - «
سارتوس »،
وليم فوكنر ، مؤسسة سجل العرب، (...) «شتاء السخط»،
شتاينبك ، الناشر السابق 35. «وداعا للسلاح»،
هيمنجواي ، الناشر السابق، نفس السعر. «
ليزا »،
تورجنيف ، دار النهضة العربية (...) «طيران في الليل »،
أنطوان دي سانت أوكسوبري ، دار (...) 7,5 قرش. «تاريخ العالم»،
جون هامرتون ، دار النهضة. (...) الأعداد 61، 62، 63.
تليفون (...)
50 ⋆
اكتشاف أعلنته جمعية
السرطان
الأمريكية: حامض
دي إن إيه
يوجد خارج النواة كما يوجد داخلها، «الأهرام» 20 سبتمبر 63. ⋆ «إن الفنان العظيم متقدم على عصره دائما. والواقع أن الفنان إذا كان خلاقا حقا، فهو دائما مع عصره حتى وإن كان يعمل ضد هذا العصر؛ فالفنان الكبير يستمد مادته من عملية الحياة وليس من تأمل الفن الماضي. وسواء كان مع عصره أو ضده فهو لا يفعل غير أن ينظم الأحاسيس والمدركات التي يتلقاها من حياته فيه. أما الجمهور فيبدو أنه لا يقبل الفن إلا إذا كان شبيها بما اعتاده من فن؛ لذلك فإن المسئولية تقع تماما على مناهج النقد والتعليم.
أهم ما نحتاج إليه حقا هو معرفة ما يفعله الفن الجيد في النفوس وليس معرفة أي فن هو الفن الجيد.
لقد حدث نتيجة لتحذلق بعض النقاد ... أن انحرف بعض الفنانين والتوت مواهبهم بعد أن ألقت بهم أحكام النقاد المتحذلقة، في تنافس كاذب وراء قيم يقررها أولئك النقاد دون صدق مع أنفسهم أو إخلاص لحقيقة مشاعرهم وميولهم.
يجب أن يتعرض الجمهور لفن من جميع العصور ومن جميع الأنواع ... وعلى النقاد أن يستبعدوا المشاعر والقضايا غير الضرورية في النقد وأن يقتصروا على التبصر باللذة ... أما التحزب السياسي واستهداف الترقي بالإنسان أو الاتفاق مع أفضل الناس في الذوق والرأي فكلها لعنات يجب التخلص منها»، «الحرية والإنسانية»،
جان بارازان .
51 (راجع كلمة سومرست موم في «الموجز» وفي «عن الرباط الإنساني»). ⋆
خليل بيه ، و
سعيد
في «منزل النوافذ الزرقاء» هل هما «الغريبان»؟ ⋆ - «في سياق العصر فإن حيوية الرسالة سيجري تقديرها إذا ما تم التخلي عن التناول القديم المهجور، إذا ما لم تعد الرواية تقرأ كتعبير عن عجز الإنسان في مواجهة اللانهائي، وعلى الأقل اعترف بها على أنها تأكيد لحريته المطلقة والصلدة في مواجهته (اللانهائي). - ... «بشرط أن نتذكر دائما كلمات روبرت ويدل: «الرسالة هي شيء يتلقاه القارئ من الكتاب، وليس شيئا يضعه المؤلف فيه»، من تعليق
ف. و. ج. هيمنجز
على أدب «
كافكا » في المختارات. ⋆
إن ثبات العامل الداخلي هو أساس الحياة الحرة للكائن»،
كلود برنار ، مرجع الفسيولوجي. ⋆
شتاينبك : ولد 1902 - الجامعة وقصتان في مجلتها 1920 -
نيويورك
1925 - مجموعة قصص قصيرة رفضتها دار النشر 1926 - «الكأس الذهبي» 1929 - «
تورتيلا فلات » (يعوزها الترابط والتماسك) 1935 - بداية الشهرة وتأثر بالكتاب الروس و«
هيمنجواي »
1935-1937 «قائد الشعب» و«رجال وفئران» 1937 - «عناقيد الغضب» 1939 - «اللؤلؤة» 1947 - نوبل و«شتاء السخط» 1962. ⋆
إن تصوير الحياة المكسيكية لن يصل إلى الواقعية ما لم يبرز الكتاب إلى السطح المكونات الفكرية التي تعيش في أذهان الناس في شكل أسطوري. إن هذه المكونات هي طريقة الجماهير في تحليل الحياة وهي ليست أفكارا مجردة، وإنما هي سلوك أيضا. إنها عبارة عن جزئيات واقع مادية أضيف إليها مفهوم ساذج عن الكون يجعلها تخلق عالما سحريا تسيطر عليه الآلهة المتعددة والجنيات. ولو بدأ الروائي من عملية تحويل هذه الجزئيات إلى الصورة النهائية في ذهن الإنسان العادي ثم عارض ذلك بحركة موازية بمفهومه الموضوعي لنفس الجزئيات، لتمت في الرواية عملية مقابلة تفكير البسطاء بالتفكير المعاصر. وهذا ما حققه
فوينتس
في روايته «أكثر المناطق شفافية»،
وبنيتيس
في روايته «الملك العجوز». من «
الرواية في المكسيك »، «الأهرام» 5 نوفمبر 1963. (9) ديسمبر ⋆
لقد قدمت فيلم «المدرعة
بوتومكين » على أنه مجموعة أحداث متتالية تكون كلا أشبه بالدراما. وسر الوحدة في هذا العمل يكمن في أني تحكمت في تطور الأحداث بقوانين التراجيديا؛ وأعني التراجيديا الكلاسيكية ذات الخمسة فصول؛ فقد قسمت أحداث الفيلم إلى خمسة فصول أخذت بعد ذلك من كل فصل أحداثا معينة بحيث لا يكون لأحدها معنى بارز دون تركيبه على الحدث الذي يسبقه أو الذي يليه. وهذا مع ملاحظة أن كل لقطة تضيف شيئا جديدا إلى سابقتها. - إشراك المتفرج في الرواية ... يقدم له لقطات منظمة. لكل لقطة معنى معين، والفكرة العامة للفيلم كله لا تكمن في الفيلم وإنما يخلقها المتفرج بتتبعه لهذه الأحداث المختارة من وقائع الرواية»، «تأملات سينمائي»،
سيرجي أيزنشتاين .
52 ⋆
الإنسان في علاقته بالآخرين : أسرة. أصدقاء. طبقة. مجتمع. - الإنسان في داخله: (1)
تأثير الآخرين على نفسيته (علم النفس الاجتماعي؟) (2)
تكوينه العضوي الداخلي (الفسيولوجي؟) - لا يمكن تصور الحديث عن موقف إنساني معين في وضع معين دون فهم خصائصه الفسيولوجية والسيكولوجية والاجتماعية وتفاعلها المعقد المتشابك ببعضها (
زولا
تأثر
بكلود برنار
الذي عثر على الحلقة البيولوجية، فنظر للإنسان على أنه كائن تحركه مقتضيات بيولوجية منها الوراثة، وفرض الشر والخير عليه) - (الرواية التجريبية؟) - بعد ذلك يمكن اعتبار أن المادية الجدلية وجهت النظر مرة واحدة إلى الظروف الخارجية - هل يمكن أن يكون هذا التعقيد (ضفيرة من المتناقضات العديدة الخيوط في تفاعل متشابك منتظم؟) ⋆ «لا يوجد دائما ثمة حل»،
فيشر
عن
كافكا ، «
نوفيل كريتيك » 63. ⋆ «الفنان بطبيعته فوضوي. إنه يعيش في حرية خياله، يمثل العنصر التجريبي في الحياة. فإذا تدخلت السلطة لتحدد له ما يفكر فيه أو يشعر به، فإن التجربة لن تتم ويولد «طفل المخ» ميتا»،
أبتون سنكلير
في «بين عالمين». (راجع
لينين ). ⋆ «لأني كنت جائعا ولم تعطني لحما، وكنت عطشان ولم تعطني شرابا، وكنت غريبا ولم تأوني، عاريا ولم تكسني، وفي السجن ولم تزرني!» (...)
53 ⋆
كتاب عن
الطيور ، «الأجنحة النابتة»،
ساريتا فان فليك . ⋆ «كانت السينما حتى عام 1924 فنا روائيا أو ملحميا؛ بمعنى أنه يتناول الموضوع بطريقة أفقية. سرد الحوادث بالكاميرا هو هدف المخرج الأول. لكن
أيزنشتاين
هو أول من اعتبر السينما فنا دراميا؛ فقد تناول في أفلامه موضوعات بطريقة عمودية عميقة الأثر في نفوس المشاهدين.» ⋆
قد يحدث انفجار شديد في أحد الكهوف بفعل الحرارة المتولدة عن تحلل ما تراكم من زبل
الخفافيش . وفي هذه الكارثة يهلك الملايين من الخفافيش. ⋆
إن الإنسان يمتلك اليوم لأول مرة في تاريخه القدرة على محو الحياة بأسرها من على سطح كوكبنا (والقدرة على استكشاف أسرارها؟) «تقارير من القرن الواحد والعشرين».
54 ⋆
ثلاث مجلدات عن
هنري جيمس ،
ليون إيدل . ⋆
الجمعة 20 ديسمبر 63 : ما أروع أن تسمع فجأة كلمة تقدير موجهة للشيء الذي تفكر فيه ولا يقدره أحد آخر. قال
ع.
مديحا يدير الدماغ. لا أدري ماذا أقول أو أفكر. إنه شيء جميل أن تجد أحدا يقول لك إنك شبه عبقري أو إنك ستحدث فعلا جديدا محددا. لكن هل هذا صحيح؟ إنني فعلا كنت أبحث عن جديد، وهذا ما كان يجعلني في الأيام الماضية ضيقا باستخدام
نجيب محفوظ
لتيار الشعور الداخلي بالشكل الذي اتبعه في رواية «الطريق» ... فهل سأكرره؟ ... بهذا لا بد لي أن أبحث عن طريق جديد ... إن
ع
يقول إني طرقت هذا الجديد منذ الصفحة الأولى في «العنكبوت» (الحياة من خلال الأبعاد التي لا نلتفت إليها.
ليليبوت
والعمالقة، الميكروسكوب. حقيقة أن اللحاف كان منشورا من خلال وجود شوكة من خشب البلكونة فيه). (...) فهل هذا هو كل ما كنت أفكر فيه من سنة 60: النيل من خلال المياه - السد من خلال الأحجار - والتراب - السرطان - الفكرة الثابتة - البترول - الدم - البحر - إلخ). هل هذا هو طريقي؟ وكيف سأعثر عليه بالضبط من بين الأشياء التي أحققها في الكتابة: الحالة الوجدانية. الرومانسية والسنتمنتالية أحيانا - تيار الشعور الداخلي وتداعي المعاني والفلاش باك بالذات - اللهجة الشاعرية ... لهذا كنت أدرك في الأيام الأخيرة أن تيار الشعور الداخلي يزحف على كافة الروايات والقصص في العالم وفي
مصر ؟ لقد أدركت أيضا أني كنت أضيق جدا بالعبارات المألوفة المبتذلة التي أصبحت قوالب (كان يمشي. ذهب. قال ...) ... هل يمكن أن تقدم بلدنا إنجازا في الرواية على نطاق العالم؟ ... لا أعرف ... إني أرتجف من الخوف ... لو كنت (...) لناديت الله.
55 ⋆
كلمات
ع. - بما أن الإنسان اكتشف المنهج العلمي في حياته فيجب أن ينعكس هذا المنهج على الكتابة في الأدب. - الكاتب لا يجب أن يثير ذعر القارئ بإيراد كلمات مثيرة أو صور مبهمة (مرعب، بشع، فظيع)، (صورة إنسان يتفتت أي كأن سكاكين تقطع في جسده) لا، بل يجب أن يثير الأسى الناجم عن إدراك الحقيقة (مثال وصف الملاريا في قصة ووصفها في كراسة الأحياء المدرسية). - للمخ منطق في حركته وللكلام على الورق منطق خاص (المنولوج؟) - ما هو الابتذال: (الفنان كالشمعة التي تحترق لتضيء للناس!) لماذا ابتذلت هذه الصورة أو بمعنى آخر لماذا لم يعد الناس يطيقونها؟) ببساطة لأن الفنان حقيقة ليس شمعة، فإذا قال كاتب ما هو الفنان حقيقة فلن يبتذل قوله أبدا. ⋆ - «إنها لعملية معقدة ومثيرة جدا أن نستطيع النفاذ ببصيرتنا خلال التشابك الهائل لموجات الغاز والضوء عن طريق الحزم الثقيلة لمجالات المغناطيسية والجاذبية وفي فوضى القوى التحت الذرية التي فقدت استقلالها.» - «المادة المضادة. التقاء رجل من كوكب آخر مضاد داخل غلاف زجاجي بفتاة على كوكبنا. القبلة معناها انفجار هائل؛ ذلك أن انفجار المادة حين التقائها بالمادة المضادة أقوى من الانفجار الذري.» الواقعية العلمية، من كتاب «تقارير». ⋆
ما أروع الحلم الذي داعب عشرات الفنانين وهم يقفون عند الذهن البشري ويحاولون التغلغل في أعماقه.
جويس .
يوسف إدريس
في قصة «
إسماعيل » ... «انتصار الهزيمة»، نزيف المخ.
أرسكين كالدويل
في «فدان الله الصغير» ... غطى وجهه مرة أخرى لدرجة أنه كان يستطيع تتبع فكرة ما عبر الأنبوبة اللانهائية في مخه. كل فكرة كانت تصل إلى أعماق لا نهائية، ولكنها كل مرة كانت تعود بعد رحلتها الدائرية في مخه. كل فكرة كانت تندفع دائرة في رأسه، متدفقة بنعومة من خلية إلى خلية. وأغلق عينيه، كان يعرف في كل لحظة النقطة المحددة في جمجمته حيث يستطيع أن يضع طرف إصبعه ويحدد موضعها ...» ⋆
كانت الواقعية في الفن والأدب رؤية جديدة للواقع بعد تغير الظروف المادية والاجتماعية والسياسية في القرن 19 عنها في القرن 18، وبالذات مع قيام الثورة الصناعية؛ فلم يعد الكاتب يكتب ليخلص الناس من مللهم ويساعدهم على إزجاء وقتهم، ووجه كشافاته إلى القتامة التي طرأت على رؤياه - واستمالته الدعوات الأخلاقية والسياسية فاصطبغت الحركة الأدبية والفنية بهذه الدعوات؛ الأدب الهادف والواقعية ... النفسية، التاريخية، الاجتماعية، المادية، الاشتراكية، الثورية.
كل المدارس
كانت محاولة مستمرة للوصول إلى الحقيقة وبحثا عن أشكال جديدة. لم تكن السيريالية تشاؤما وهروبا كما يظن التافهون، بل كانت محاولة جديدة فرضها كابوس الحرب العالمية الأولى لاستكشاف الواقع الذي أبرز فجأة عجز المدارس القديمة عن التعبير عنه واستكشافه. إن
الواقعية الاشتراكية
تقوم بهذا الدور في عصر العلم. لكنها فشلت بسبب الجمود واليسارية والنظرة «غير العلمية» للواقع (تجاهل الجوانب السلبية ورسم صورة زاهية والتزام أسلوب وتكنيك عاجزين). إن الاشتراكية العلمية علم وليست مذهبا. ليس هناك التزام. هناك فقط مسألة المنهج العلمي. فكيف يمكن
ليوسف جوهر
أن يلتزم؟ ثم ما بالنا و
يوسف السباعي
يكتب آلاف الصفحات التي أصبحت تتضمن خطب الرئيس؟ يجب هز النظرة السطحية الساذجة. إن الفن ضد السياسة اليومية. الفن نظرة شاملة بعيدة. تجربة وخطأ. ليس أداة. مفتوح لكل جديد.
لينين
وحرية الخيال.
أبتون سنكلير .
56
ما عاش من
تولستوي
هو فنه، أما كتاباته التعليمية في مرحلة ثورته على الفن فقبرت ...
هيمينجز ، اقتباس
روبرت هيدل
عن رسالة الكتاب. ⋆
لن يكون للحياة معنى إلا إذا توقفنا فجأة ونظرنا إليها فرأينا كل ما لم تكن تراه عيوننا من قبل ... إذا ما رأينا كل ما يختفي تحت السطح ... إذا ما ثار فضولنا لنرى معجزة الحياة اليومية العادية. ⋆ (مأساة العقائدية. الذهن الخائف. رغبة الإنسان في أن يكون شريفا كاملا). ⋆
غالي شكري
عن رؤية
نجيب محفوظ : عالج الوجود في «أولاد حارتنا» بأن صور محاولات الإنسان الدائبة المستمرة لحل مأساته الاجتماعية، ولغز الوجود والمصير، وانتهى إلى أن العلم والعقل في إطار المنهج المادي للمعرفة سوف يحل مأساة المجتمع أولا (انتصرت الاشتراكية) ويتفرغ بعدئذ لحل مأساة الوجود، الكشف عن سر الوجود والانتصار على الموت - أعلن التفرغ لمشكلة العلاقة بين الله والإنسان، بين الوعي البشري ولغز الوجود الإنساني. إن المعرفة في طريقها الطويل سوف تنتصر وتكشف سر الحقيقة. ⋆
لم نعد في عصر الثورة الاجتماعية . نحن في عصر كشف الكون.(؟)
57 ⋆
من أجل حركة جديدة في الرواية والقصة، لماذا الأزمة؟ ليس لنا تاريخ طويل في هذا الفن. وواقعنا تغير بشكل مذهل ولا يمكن الآن التعبير عن هذا الواقع بالوسائل القديمة. لا يمكن أن يسير تطور هذا الفن في مصر كما سار في
أوروبا . لا بد من قفزة حقيقية. ⋆
الموجة الجديدة في السينما،
عبد المنعم الحفني ، المخرج أو الكاتب أو المؤلف. أفلام
تروفو ،
شابرول ،
جان دانييل بوليه (27 سنة)،
هانون ،
لوي مال . «إن مخرجي الموجة الجديدة يتجهون إلى نقض الدراما التقليدية، فهم يعرضون الشخصيات ولكنهم لا يمنطقونها، وأفلامهم تخلو تماما من البناء الدرامي التقليدي ... وما دامت الكاميرا لم تعد مجبرة على أن تقص قصة متصلة الأجزاء لها أول ووسط ونهاية؛ فهي تصور ما تراه تماما كما هو في الحياة ... إن الحياة غير منظمة ووحداتها غير مفهومة، واتصالها الوحيد هو الشخصية الرئيسية التي تدور حولها هذه الحياة وتلك الحوادث»،
ألكسندر استروك في لوموند ، 12 أغسطس 59. ⋆
لماذا فشلت
الواقعية الجديدة في السينما الإيطالية ؟
إيريك روذ ، ترجمة
عطاء النقاش
مجلة «الكاتب» أبريل 63. - يعتقد
مورافيا
أن الواقعية الجديدة قد انتهت لأنها حققت أغراضها التي حددها في «... الاستجابة للحاجة الماسة التي نشأت بعد الحرب إلى إعطاء تقرير عن كل نوع من النقائص والاحتياجات التي خلقتها الهزيمة والمصيبة القومية ...» لقد كانت أكبر من مجرد عامل مساعد على التقدم المعنوي ... كانت محاولة للعودة إلى البداية من جديد: ما هو الإنسان؟ ما هي حقوقه ومسئولياته؟ - إن فشل الواقعية الجديدة - كما قال
زافاتيني - سوف يكون نهاية السينما، بل نهاية الديمقراطية. - «عادت الحقيقة المدفونة تحت الأساطير إلى الازدهار، وبدأت السينما تعيد خلق العالم. كان ثمة شجرة، ورجل عجوز، بيت، رجل يأكل، رجل نائم، ورجل يصيح»،
سيزار زافاتيني . -
مبادئ هذه الحركة : (1)
التخلص من الكليشيهات الساذجة. (2)
التخلص من الفبركة الخيالية الكريهة. (3)
التخلص من القصص التاريخية ومن تحويل القصص والروايات المكتوبة إلى أفلام. (4)
التخلص من البلاغة التي أظهرت الإيطاليين عامة كمن مستهم جميعا نفس الإحساسات النبيلة ... فأصبحوا جميعا، وبنفس القدر، يفهمون كل مشاكل الحياة ...» - أمل الواقعيون الجدد في أن يكشفوا عن أنفسهم بعد قراءة
زولا «الوحش الآدمي». - عرف
زولا
الكاتب الطبيعي: «همه الأكبر أن يجمع المادة ويكتشف ماذا يستطيع أن يفعل تجاه ذلك العالم الذي يرغب في أن يصفه. وعندما تتجمع تلك المادة سوف تأخذ الرواية شكلها بنفسها، وكل ما على الكاتب هو أن يجمع تلك الحقائق ويضعها في إطار واقعي إذ يجب ألا يتركز الاهتمام على ما في القصة من غرائب. بل على العكس تماما. كلما كانت القصة شائعة وعامة كانت أفضل ...» - «إذا عرفنا الشكل بأنه الضرورة التي تربط بين جزئيات الحدث، وإذا كانت مميزات الإنسان الخاصة بالنسبة للطبيعيين عرضية ...» - «إن الفن البروليتاري الجيد يخفي بساطته ... وعندما تخفق البساطة في وسائل تفكيرها تحتمي فيما يشبه عبادة الطفولة والتوسل ببراءة الطفولة»،
وليام أمبسون . - «تحققت فجأة من أن أوعية الوعي عندي ... من المستحيل أن تصبح على وفاق مع الحقيقة عندما كنت صبيا وقحا ... وذلك بالإضافة إلى أن الصبية الصغار ليسوا «موجودين» في الحقيقة ... إن حساسية الأنثى الصغيرة لا شك فيها ... ولكنها أكثر أهمية بالنسبة للشباب ...»
هنري جيمس . - تمثل أقرب ما وصل به
زافاتيني
إلى مثله الأعلى في 90 دقيقة متصلة وممتعة من حياة إنسان من خلال الفيلم ... ولكننا هنا أمام تناقض في فيلم من الاتجاه الواقعي الجديد يقدم في بعض اللحظات الحقيقة كما اقتطعها من الحياة وفي الغالب تكاد تكون بلا معنى مما يجعلها تقترب كثيرا من واقعية
آلان روب جرييه
في «الذي يرقب». وعلى ذلك يجب ألا ندهش لأن ذلك هو التطور المنطقي لنظرية «
زولا » في جمع الحقائق ومعرفة أي معنى أو أهمية تحمل في حد ذاتها. وقد كان متوقعا ألا تحمل هذه الحقائق أكثر مما تحمل من معان. - الطبيعية تمنعهم من مواجهة الأحوال الاجتماعية في عصرهم. - «إن وظيفة الشاعر ليست في أن يصف أشياء قد حدثت، وإنما أشياء يمكن حدوثها، أو بمعنى آخر ما هو ممكن بصفته محتملا وحتميا»،
أرسطو .
يقول
جورج لوكاتش
58
في تعليق له عن
زولا : «ربما لم يوجد بعد من يستطيع أن يرسم بكل هذه الدقة والقدرة على الإيحاء الزخارف الخارجية للحياة الحديثة. الزخارف الخارجية فقط ... التي تكون ستارة خلفية عملاقة يتحرك أمامها ذهابا وإيابا أقزام من الناس في حركات عرضية ويعيشون أمامها حيواتهم العارضة. إن
زولا
لم يستطع أن يتبين ما حققه
بلزاك
أو
ويلز
أو
ديكنز
أو عمالقة الواقعية، من تقديم للأنظمة الاجتماعية باعتبارها علاقات إنسانية وتقديم للظواهر الاجتماعية باعتبارها مركبة لتلك العلاقات ...» - استبدل الوصف والتحليل بالمواقف والعقد الملحمية. - ميزة العمل الفني بالنسبة للواقعي (كما بالنسبة
لأرسطو )، تكمن في الطريقة التي يحاكي بها الفعل. - كان
روسيلليني
استعراضيا أكثر منه فنانا؛ فقد كان طريق إثارة الحواس أكثر جاذبية بالنسبة إليه من طريق الحقيقة الصعب. - تفكير ستاندال المفعم بالأمل (رومانسي عظيم) والذي يسمح لأبطاله الفاسدين أن يظلوا متماسكين دون انهيار. -
مايكل أنجلو أنطونيوني : الواقعية الجديدة تستطيع أن تتطور فقط عن طريق الاهتمام بالعوالم الخاصة وبمشاعر الشخصيات. ⋆ «كيف يعمل الكتاب»، مقابلات مجلة «باريس ريفيو»،
فان ويك بروكس ،
فايكنج . - «كلما تقدمت في الكتابة، أصبحت أكثر وحدة، وصار وقت العمل أقصر باستمرار، وإذا أضعته تشعر بأنك ارتكبت خطيئة»،
هيمنجواي . - «لم يعد الشعر الغنائي بقادر على التعبير عن ضخامة
تجربتنا . لقد صارت الحياة ثقيلة ومعقدة للغاية»، باسترناك. - «توصلت إلى أن التكنيك الأفضل هو ألا يكون هناك تكنيك على الإطلاق. لا يجب أن يفكر الكاتب كثيرا»،
هنري ميلر . - «ليس من الحكمة أن تنتهك القواعد قبل أن تتعلم كيف تراعيها»،
إليوت . ⋆ «مذكرات»،
ألبير كامي ،
1935-1942 . ⋆
روايات
إرسكين كالدويل
59
الأخيرة: «جيني بالطبيعة»، «قريبا من البيت».
كيف نضج ككاتب ، مجلة «الأدب السوفييتي»، 63: - «شعرت أني لن أتمكن أبدا من الكتابة بنجاح عن الآخرين في أماكن أخرى قبل أن أكتب قصة العائلات المشردة الفقيرة التي تعيش فوق تلال شرق
جورجيا
الرملية وفي شوارع التبغ ...» - «أردت أن أروي قصة الناس الذين عرفتهم بالطريقة التي يعيشون بها فعلا من يوم إلى يوم ومن سنة إلى أخرى، وأن أرويها دون اعتبار للموضة السائدة في الكتابة والحبكات التقليدية. وبدا لي أن أصدق مادة للتخييل وأكثرها قدرة على البقاء هي الناس أنفسهم وليست الحبكات والحبكات المضادة البارعة التي ترمي إلى التلاعب بخطاب وأفعال الكائنات الإنسانية.»
بعد عشرين سنة، في 1951، وهو يسترجع تلك الفترة من نشاطه الأدبي، تعمد أن يؤكد أنه لم تكن لديه «أي حقائق فلسفية ولا دافع تبشيري لتغيير مجرى المصير الإنساني. كل ما أردت فعله هو ببساطة أن أصف بأفضل ما أستطيع مطامح وقنوط الناس الذين كتبت عنهم، فإذا كان ثمة دروس يمكن تعلمها من هذا الوصف للحياة، فإنها تكمن فيه، وكل قارئ، حسب وعيه، حر في أن يضفي تفسيراته عليها.» ⋆ «دروب
ألتاي »،
سيرجي زاليوجين ، 1962: عن بعثة علمية سوفييتية بقلم روائي عالم، يرفض الدروب المطروقة في العلم. ⋆
واقعية بلا حدود ، تعليق «
لوموند » على كتاب
جارودي :
60 - «قد يكون من السخف أن نقصر مفهوم أي إنسان عن العالم على وضعه الطبقي.» - المطلوب من الكاتب هو «أن يعبر بقوة عن شكل من أشكال وجود الإنسان في المجتمع.» - إن تعبير «واقعية بلا حدود» يتسع ليشمل ما غير الاتجاه الواقعي في الرسم والكتابة؛ فلا يقتصر على الخضوع خضوعا سلبيا إلى الجانب العام والمعتاد في الأشياء. إنه يتضمن نظرة أبعد (معارضة الظاهر) ويتضمن التأمل المبني على الأحاسيس والتأمل السلبي والإيجابي وتأمل المستقبل (التطلع إلى الشيء فيما سيكون عليه) أو المعرفة العقلية النشطة الموجودة كما يقول
جارودي
عند الرسام التجريدي
بوسان .
إن رفض نظام العالم كما هو عليه وتحطيم الصورة الواقعية والتعبير بالرموز عما هو كائن وما سيكون، إنما هو ممارسة الواقعية الحقيقية العظيمة «أي خلق الأساطير والملاحم
البرومثيوسية »؛ ومن ثم فإننا نبعد كثيرا بذلك عن الواقعية البرجوازية أو الاشتراكية بنظرتهما القصيرة المتعصبة أو الحرفية وبروحهما الموعظية. ونلتقي بأعلى أشكال الفن الموجودة في المثالية التي تحتل القطب المضاد، المقتنعة بأن العين عندما تنظر إلى الشيء لا تراه على ما هو عليه وإنما على ما تتمنى أن تراه.
يلمس
أراجون
نفس هذه الفكرة عندما يلاحظ «أن الحقيقة التاريخية تنتهي بأن تشبه حلما من أحلام كبار الفنانين ...»
إن عبقرية المبدع والرؤيا الشعرية الحقة تظل في الإحساس الداخلي وتعبر عن اكتشافها. بهذا الهامش فوق الواقعي وباختراع الرموز التي تلمح إليها. هذا على ما أعتقد هو الاعتناق العميق
لجارودي ، وما يفهم من كلامه أنه وهو الشيوعي لا يريد علما للجمال يقتصر بسبب أسباب انتهازية أو تعليمية على إنزال الأهداف العليا للفن إلى مستوى الفلسفة الثورية.
يقول
جارودي : «إنه سيصبح مفهوما غريبا عن الفن وفي غير صالح الشعب أن نزعم أن المستوى الشديد الانخفاض والواقع الشديد السطحية هما ما يمكن أن يكون في متناول الجماهير.»
رأي
أراجون
في كلام
جارودي
رفض وفتح ...
قال
جارودي : إنه يحب الإنسانية بلا وسيط في «سان برس» شاعر السعادة والعظمة الإنسانية.
وقال: إن التأملات القلقة عند «
كافكا » أمل في خلاص جماعي للإنسانية رغم أنه برجوازي صغير، متدين وغير ثوري. ⋆
عن كتاب «صور من الحياة»،
دكتور مصطفى عبد العزيز ، ص 123-125 (أهمية الجنس).
تجديد الشباب: - نافورة
جوفنس . الأسطورة. ينبوع الحياة. - خط غذائي: المواد التي لا تنهك الآلة الجسدية. بروتين الزاين في الذرة. - خط استغلال مفاتيح الحياة في الآلة الجسدية.
لاحظ
ستاينباخ
اقتران الشيخوخة بفقدان الغريزة الجنسية والقدرة التناسلية مع إفراز مواد خاصة تفرزها الأعضاء التناسلية هي الهرمونات الذكرية والأنثوية - تجارب في اتجاه إمداد الآلة الجسدية بهرمونات جنسية وغرس خصية حيوان مماثل أو قريب من جنس الحيوان الهرم بحيث يكون على اتصال مباشر بدورته الدموية - تجربة ربط القناة المنوية لحبس الحيوانات المنوية داخل الخصية مما يؤدي إلى ضمورها، وزيادة إفراز الهرمونات الجنسية الذكرية التي تنشط غيرها من الهرمونات غير الجنسية، كما يؤدي إلى استرداد الآلة الجسدية لحيويتها - حقن الجسم بخلاصة الخصى أو بالهرمونات التي تكونها الغدد الجنسية. ⋆
في مؤتمر الكتاب الأوروبي في
ليننجراد : - «عالمنا في حالة سيولة دائمة، ويتغير بسرعة. لقد شاهد رجال الفضاء السوفييت ما كان غير مرئي بالأمس فقط. كل يوم يجلب تغييرا في مظهر الشوارع، والمدن ووسائل المواصلات، وأيضا في أفكارنا عن الفضاء. ودون أن نغادر مقاعدنا يمكننا اليوم السفر إلى كل مكان على الكوكب، بل وخارج حدوده. ومن شأن ذلك أن يدفع الفنان إلى البحث عن وسائل جديدة للتعبير في الفن ... الفن في نضال مستمر مع العالم من أجل أن يتمكن من إعادة خلقه، من أجل الوصول إلى جوهر الإنسان»،
جويسيبي أونجاريتي . - «الرواية التقليدية عاجزة وإستاتيكية وصفية، وغير قادرة على عكس الواقع المتغير بسرعة»،
روجر كايوا . - «الرواية الواقعية الجديدة المعاصرة محاولة لتقديم جديد للواقع المتفتت»،
جويدو بيوفيني . - «الرواية الجديدة لم تولد بعد؛ فكل ما هو معارض للرواية القديمة (الرواية الجديدة والرواية الضد) هو قبل الرواية ويعبد الطريق لرواية المستقبل»،
برنار بينجو . - «أعطي اسم «الرواية» لشيء هو من الناحية الفنية مراوغ ويفتقد إلى الشكل المحدد ... الرواية الجديدة هي التي «يواجه فيها المرء باستمرار غير المتوقع وغير المعروف، كما هو الحال في عالم اليوم»،
جياكومودي ...» ⋆
عن الرواية الجديدة: - «فقط من خلال الكتابة يمكن للكاتب أن يكتشف قيما فنية جديدة.» «لم تكن الرواية الواقعية الاشتراكية مرضية؛ لأنها عالجت أساسا قيما معنوية معروفة جيدا»،
روب آلان جرييه . - «الكاتب يجب أن يبتعد عن الواقع المرئي، المعروف، والمدروس، يجب أن يركز على العالم الداخلي الغريب عنه»،
ناتالي ساروت . (هناك ترجمة إنجليزية لرواية ساروت «الفواكه الذهبية»). ⋆
الرواية الشاعرية (غير المغامرات والأخلاقية) عند
هرمان هسه
و
ولف
و
أندريه جيد ، تأليف
رالف فريدمان ، جامعة
برينستون . ⋆
في حديث
الحكيم
مع
ألفريد فرج : - التراجيديا اليونانية تصور الصراع بين الإنسان والقدر. - الإنسان لا يصارع قوة خارجية عنه بل قوة مرتبطة بذات وجوده المادي والمعنوي ... قوة معنوية ... الإنسان سجين الزمان والمكان والغرائز والطباع ... وإرادته ترتطم أحيانا بكل هذه العوامل ... ويهزم ... ولا يسلم بهزيمته. - تراجيديا
شكسبير
الصراع داخل النفس. - لو كان عند المصريين القدماء لكانوا أقاموا التراجيديا على نفس الفكرة
للحكيم . كانوا يصارعون الزمن أو الفناء. «الإنسان هو الوحيد بين المخلوقات الذي يسلم تسليما منطقيا بأنه لا حياة له بدون هذه القوى التي يحاربها ... ومع ذلك لا يكف عن محاربتها ... كان المصريون القدماء يعرفون أن الموت شيء محتوم ... ومع ذلك يحاربونه بالمقابر الضخمة والتحنيط وهم بدون شك اعتقدوا بأنهم انتصروا إلى حد ما؛ لأننا لا نزال نرى أجسادهم ...» - إن الفن التقليدي في كل مجال قد وصل إلى ذروته التكنيكية، ولا بد من عملية تحطيم جديدة للفن ... ⋆ - «إنك تفسد الفكرة بسهولة شديدة. لكن هل كان الأمر فسادا أو كان مجرد أنك فقدت السذاجة التي بدأت بها؟» - «سوف يكتب كتابا عندما ينتهي من هذا الأمر. لكن فقط عن الأشياء التي عرفها حقا وعما عرف. وفكر، لكن يجب أن أكون كاتبا أفضل بكثير مما أنا الآن كي أتعامل مع هذه الأشياء؛ فالأشياء التي أصبح يعرفها في هذه الحرب لم تكن بسيطة »،
هيمنجواي
في «لمن تدق الأجراس».
1964
(1) يناير
ليلة رأس السنة (ليه تيجي هنا في جهنم/
وخدتلك برش ونمرة/
دي الحبسة دي ماهيش خالصة.)
1 ⋆
يونسكو ،
2
في مجلة «الكاتب». مهم: - «يقال: إنه يتعين على المرء أن ينحاز إلى جانب حتى يكون منتميا لعصره، هذا الموقف يحد من الأفق ويشوه الحقيقة الجوهرية ...» - «لكي يكون المرء منتميا لعصره، لا بد من تواجده ولا بد من إخلاص أعمى يجعل الرؤية واضحة ...» - «تاريخ الفن والفكر عبارة عن أزمات، انفصال وتيري ومعارضة ومحاولات للعودة إلى المراكز المهجورة. ولولا هذه «الأزمات» لما بقي لنا سوى الركود والتحجر والموت؛ فكل فكر وفن عدواني، وهو ينفي حتى يؤكد، ولكن القديم يكمن في الجديد ... هذا القديم هو الدائم، هو الجوهر الدائم في الفكر الإنساني ...» - «لقد تمتعت الموسيقى بنعمة الإفلات من الطغيان والتوجيه.» - الحقيقة عنده ليست حقيقة اجتماعية إنما هي حقيقة ذاتية، تكمن «في أحلامنا وفي الخيال» وقوامها الحب، والموت، والدهشة - مشغوليات الفرد الأساسية. أما الحقيقة الاجتماعية فهي أشد الحقائق سطحية. (2) فبراير ⋆
جزء من مذكرات
يوفتوشنكو
لم يأت في الحلقات الأولى ويتناول شعره الأول الرسمي. عن مجلة «الكاتب» عدد
فبراير . - قال الشاب لموظف المكتبة: ليس هذا شعرا ... إنه مجرد دق على الطبول ... وهذا لن يحفظ لأحد ثقته في الحياة. - قال لي: إن هذه النغمات الكئيبة تفزعني ... إنك تبدو كرجل عجوز. لكني لم أصبح عجوزا؛ فقد بدأ طور النمو. وهذا الشاعر المسئول لم تكن له خبرة شخصية في أطوار النمو؛ ولذلك حينما رآها في الآخرين حسبها شيخوخة مبكرة ... هل من الممكن أصلا التأمل في شيء دون حزن! إن الذين يرون الخطر في الحزن هم أنفسهم خطر عظيم على البشرية. والتفاؤل المصطنع لا يساعد الناس على التقدم؛ لأنه يجعلهم يتحركون في أماكنهم دون خطوة إلى الأمام. إن شعورا نظيفا أمينا بالحزن بعيدا عن المؤثرات العاطفية بكل ما فيه من جو مشحون بالعجز يدفعنا حتما إلى الأمام، ويخلق بيديه الهشة أعظم الثروات الروحية التي تعرفها البشرية. ⋆
الحديث عن
السد العالي
لا بد وأن يتمثل التجربة من قبل في الاتحاد السوفييتي. فإذا لم أر فيه الروعة التي عبر عنها من قبل هناك فما ذلك إلا لأن هناك إدراكا أعمق للمستقبل.
3 ⋆
نجيب محفوظ
في مجلة «الكاتب»: - الرواية لم تنته لا هنا أو هناك. - ... في هذه الرواية (أولاد حارتنا) ظن العلم أنه في غنى عن
الجبلاوي
فقتله، وهذه النهاية توصله إلى الخواء، وإلى الإحساس بمرارة الحياة، وهي النتيجة التي توصل إليها
كامي
حين اعتقد أن الحياة لا معنى لها، وأن العبث هو المعنى الوحيد. - حين كان الإنسان يؤمن بالمجتمع ظهرت الرواية الواقعية والرواية الطبيعية، فلما بدأ الشك في المجتمع عاد السؤال الميتافيزيقي. - عندما كانت الرواية تهتم بالحياة في حد ذاتها كان الأسلوب التقليدي أنسب شيء لها، وكانت الشخصية الإنسانية تظهر بكل تفاصيلها. أما حين تتحول الحياة إلى مشكلة لا يصبح الإنسان شخصا معينا، بل مجرد إنسان ... تختفي التفاصيل ويختفي السرد وتتصدر المناقشة كل العناصر الأخرى ... عندما يكون الإنسان أمام مصيره وجها لوجه تفقد التفاصيل قيمتها. - ينبغي أن تأتي الأحداث والأشخاص والجو العام للعمل الفني بصورة طبيعية بعيدة عن افتعال الصنعة والتدبير المسبق. وهو ما يبعد هذا المنهج في التعبير عن الأدب الفكري (
كافكا ). - الالتزام الأساسي الوحيد في الفن هو الصدق. ⋆
انحراف الكروموزومات (يكون عددها 3 بدلا من 2)؛ أي حاملات الوراثة الخاصة بالصفات الجنسية في خلايا الجسم، مسئول عن الإصابة بالشيزوفرينيا وضعف القوى العقلية. ⋆
يجب أن نثير الأسى الناجم عن إدراك الحقيقة، ضد الكلمات المثيرة والصور المبهمة. ⋆
للمخ منطق خاص في حركته وللكلام على الورق منطقه الخاص؛ بخصوص المنولوج المباشر. ⋆ «المنطقة المحرمة» رواية
أناتولي كالينين . في أوائل الخمسينيات على شاطئ نهر
الدون
في داخل أحد معسكرات العمل، المسئول السياسي للمعسكر شيوعي مخلص اسمه
جريكوف ، وهو يتأثر بألوان الإهانات التي يتعرض لها المسجونون التابعون ل «المنطقة المحرمة»؛ أي الذين حوكموا بمقتضى قوانين أمن الدولة، فيناضل ضد ما يعتبره خطأ، لكنه لا يحرز نجاحا يعتد به فكيف كان مسلك الآخرين؟ هناك من يئسوا من المقاومة، ووجه غيرهم همهم إلى الاستفادة من الوضع. ومن هؤلاء كاتب اعتبر وجود موضوعات محرمة عليه مزية في صفه. وتقول مجلة «الأدب السوفييتي» عن هذه الرواية: «... في تلك الفترة كان هناك جدار لا يمكن لوعي
جريكوف
الحزبي أن يتخطاه؛ فقد كانت هناك «مناطق محرمة» في كافة مجالات الحياة.»
رواية أخرى «خضم الحياة»
لأناتولي نيكولكوف
نشرتها مجلة «
سبيريسكي أوجني » الروسية أخيرا تتعرض للفترة بين 1920 و1937 وبطلها واسمه
إيفان
عضو في الحزب «... يربطه بزوجته إخلاصهما المشترك للحزب. وإيمانهما الجازم بسلامة القضية وضرورتها ... لكن
إيفان
سريع الاحتداد، يؤمن إيمانا لا حد له
بستالين
ويعجب ب «إرادته الحديدية»، و«قبضته الحازمة» ... ومن شعارات
إيفان
التي يرددها لزوجته عندما لا يعجبها شيء: «لا يمكنك أن تصنعي عجة دون أن تكسري البيضة.» وفي نهاية الرواية يصبح
إيفان
نفسه ضحية لما كان يدافع عنه، فيقبض عليه. ويحاول أن يفهم ما حدث ... ويؤمن بأنه «كان من الضروري أن يكون والده عدوا للشعب»!» قصة طفولة المؤلف الحقيقية. ⋆ «الجنس والأخلاق في الولايات المتحدة»، مجلة
تايم : - عبارة
هيمنجواي
تحولت إلى قانون أخلاقي: «ما هو أخلاقي هو ما تشعر بعده بشعور طيب، واللاأخلاقي هو ما تشعر بعده بشعور سيئ.» - بينما كان الحديث عن الحرية الجنسية في العشرينيات مفزعا أصبح أمرا طبيعيا اليوم. الجنس والرجل الأعزب، دكتور
ألبرت إليس . - روايات جون أوبدايك،
ويليام باروز (الغذاء العاري). - الخمر مقبولة؛ فهي تكسر الثلج، والرقص بهذه الطريقة لطيف. لكن لماذا يؤجل ما هو الأكثر مودة بينما يمكن أن يمارسه اثنان؟ أحلى، ولنواجه الأمر، أكثر الأشياء اكتمالا ومودة بين كل ما يمكن أن يفعله اثنان! - إنها جزء من، وأحد أعراض عصر تعتبر فيه الأخلاق أمرا خاصا ونسبيا، والمتعة أقرب إلى أن تكون حقا دستوريا من أن تكون امتيازا، وحيث ينظر بشكل متزايد إلى إنكار الذات على أنه غباء أكثر مما هو فضيلة. - «لم يعد تحديد النسل مساهمة في تخطيط سليم للأسرة وإنما أصبح بوابة لعمق وبهجة جديدين في العلاقات الشخصية بين الزوج والزوجة»، الأساقفة
الأنجليكيون
في مؤتمر
لامبث
الثامن والخمسين. - بعد أن سكتت الشيوعية منذ زمن بعيد عن كل حديث جريء عن الحب الحر، أصبحت اليوم أكبر قوة تطهرية في العالم. - 3 قواعد عن السماح مع المودة، للعالم الاجتماعي إيرا ريز: «الأخلاق شأن خاص. الحب يبرر الجنس قبل الزواج، وربما أيضا بعده. ليس هناك في الحقيقة خطأ طالما أن أحدا آخر لا يضار.» - القواعد السالفة تمثل في جوهرها قانونا أنانيا. ويعارضها
كانط
بقوله: «أحكم على كل فعل كأنه سيصبح مبدأ عاما ينطبق على الجميع.» - محاولة
لستر كيركندال
في كتابه «الجماع قبل الزواج والعلاقات الشخصية بين الناس»: القرار الأخلاقي سيكون هو الذي يؤدي إلى بناء الثقة في النفس وفي الآخرين، والكمال في العلاقات. - فكرة أخرى في تقويم الجنس: إنه ليس مسألة أخلاقية. إنما المسألة هي: «هل هو ممكن اجتماعيا، هل هو صحي ومجز من الناحية الشخصية، هل سيؤدي إلى إثراء الحياة الإنسانية.» - تعتقد فتيات
رادكليف
أن التقبيل والعناق شيء قذر؛ لأنه يعذب بإثارة الرغبة دون إشباعها، فالجماع أفضل. - كلمة «عذراء» تتخذ الآن معنى جديدا بعض الشيء. - حبة منع الحمل الفمية: «هل تتعاطين الحبوب؟» - قال القديس
بول
إنه من الأفضل أن يتزوج المرء بدلا من أن يحرق. ويعتقد الأمريكيون أن الطلاق أفضل من الاحتراق. - أصدرت الكنيسة كتابا عن الزواج ينصح الزوجين باستكشاف وابتكار أوضاع وأفعال متنوعة في الجماع. - الحرية الجنسية الجديدة في
الولايات المتحدة
لا تجعل الناس أحرارا بالضرورة ... إن الخطيئة العظمى الجديدة اليوم لم تعد الاستسلام للرغبة وإنما عدم الاستسلام لها بشكل كامل وناجح. وبينما ازداد الاستمتاع بالجنس بالنسبة للكثيرين، فإن الهوس التنافسي لإثبات الذات كآلة جنسية مقبولة يخلق لدى كثيرين آخرين إحساسا بالذنب بشكل عصابي فيصابون بالعنة أو البرود الجنسي. - الأورجازم الجيد يفتح إمكانياته والسيئ يسجنه. - «أغلب أدبنا وفلسفتنا الاجتماعية بعد 1850 كان صوتا للحرية ضد السلطة، للطفل ضد الأبوين، للتلميذ ضد المدرس ... إنها وظيفة الشباب أن يدافع عن الحرية والابتكار، وكبار السن أن يدافعوا عن النظام والتقليد، ومتوسطو العمر أن يجدوا سبيلا وسطا ... لنقل بتواضع إننا لا نقبل الفساد في السياسة، والخداع في النشاط المالي، وعدم الإخلاص في الزواج، والبورنو في الأدب، والفجاجة في اللغة، والفوضى في الموسيقى، واللامعنى في الفن»،
ول ديورانت .
4 - «تنمو أسرار الحب في الروح، لكن الجسد هو كتابه»،
جون دون .
5 ⋆
مجموعة روايات
كونراد أيكن - «السيرة الذاتية التخييلية»،
أوشانت . ⋆ «الشعب ليس بالذكاء الذي يصوره المنافقون والانتهازيون والسطحيون في دعاياتهم نفاقا ورياء، لكنه ليس أيضا بالغباء الذي يعتقدونه داخل نفوسهم»،
فلاديسلاف جومولكا ، زعيم الحزب الشيوعي البولندي. ⋆
مقال «سارتر» عن الفيلم السوفييتي «طفولة إنسان» في «
ليتر فرانسيز »، الجريدة الأدبية للحزب الشيوعي الفرنسي: - اتهم البعض المخرج
تاركوفسكي
6
بأن رمزيته سيريالية أو تعبيرية وأنه استوعب أساليب تخطاها الغرب ومنها الأحلام. - «إني أرى الخسارة حين يحاول أن يلجأ إلى الأساليب البرجوازية كعلاج لا ينبع من الفيلم نفسه ومن المادة التي يعالجها.» فربط المخرج بين الحقيقة والخيال، اليقظة والحلم، الواقع والهلوسة هو من صميم عملية الحرب نفسها. في قصة
شولوخوف
وجد الطفل أباه في شخص أحد الضباط ... لكن إيفان لم يعد في حاجة إلى والدين؛ فأعمق من الحرمان منهما بشاعة المذبحة التي رآها ... وهي تلجئه إلى العزلة، وينتهي الأمر بالضباط إلى أن ينظروا إلى الطفل بمزيج من الحنان والدهشة والارتياب الأليم، يرون في هذا المسخ الكامل جميلا يكاد يكون كريها، والذي لا تتأكد شخصيته إلا في الاندفاعات القاتلة (الخنجر مثلا) ... والذي يحتاج الآن إلى هذا الكون الشنيع ليحيا، والذي تحرر من الخوف في قلب المعركة وقد يجرفه القلق في المؤخرة. «ليس هناك إذن تعبيرية، ولا رمزية، إنما أسلوب في السرد يقتضيه الموضوع ذاته.» ويطلق عليه الشاعر الشاب
فوزنسينسكي »السريالية الاشتراكية.» ... الحرب تقتل من يمارسها ولو عاش بعدها؛ أي إن التاريخ في الحركة الواحدة نفسها يتطلب أبطاله ويخلقهم ويهدمهم ويجعلهم غير قادرين على الحياة بلا ألم في المجتمع الذي ساهموا في صنعه. - «إن خيرة الأعمال الواقعية الاشتراكية قد قدمت لنا دائما وعلى الرغم من كل شيء أبطالا معقدين منوعين ومجدت فضائلهم وعنيت بإبراز بعض نواحي ضعفهم، ولكن المشكلة ليست في أن (...) رذائل الأبطال وفضائلهم ولكن أن نضع البطولة نفسها موضع المناقشة، لا لنرفضها بل لنفهمها.» (3) مارس ⋆ «
لا تستسلم للأشياء العادية »،
بريخت . ⋆
مقال
رشدي صالح
في «أخبار اليوم» مفتاح لشخصية
بريخت ؛ المراوغ.
جاليليو ؛ «ولكنها تدور»! «الاستثناء والقاعدة» قمة مرحلته الأولى التعليمية. كتاب «
أورجانون
المسرح الصغير» 48. هل انتقد هذه المرحلة؟ «دائرة الطباشير» مفتاح أيضا لشخصيته.
جروشا
الخادمة تتحدث عن الحرب:
إذا كنت ذاهبا لملاقاة العدو،
فلا تندفع في الحرب،
ولا تجر وراء الحرب؛
ففي المقدمة نار حمراء،
وفي المؤخرة دخان أحمر،
تمسك بوسط الحرب،
وتمسك بحامل العلم،
إن الأولين يموتون دائما،
والأخيرين أيضا يصيبهم القتال.
أما الذين في الوسط فيعودون إلى بيوتهم.
يا ميخائيل! يجب أن نكون ماكرين!
لو تصاغرنا وحدنا مثل الخنافس، فإن زوجة الأخ ستنسى أننا في بيتها.
نظرة إنسانية ماكرة - شخصية أزدك؛ عدالة من نوع خاص. موقفه من الدوق - شاعرية جميلة - مقال
سعد أردش
و
صبحي شفيق
في مجلة «المسرح» عدد 2. ⋆ (2) قالت لي: لا أحبك.
كانت تنظر في دلال.
جمعت ما في عينيها من معنى،
وقلت لقلبي الذي خفق في خوف:
لا زال هناك أمل.
تمددت أمامي ... ساقاها أمامي،
انتظرت ولكنها لم تتحرك.
لم ألمسها، انتظرت،
بحثت عن عينيها في الضوء الضعيف،
عندما وجدتهما فقدتهما.
تكورت على نفسي. دفنت وجهي في الحائط.
ومن أسفل صعدت موسيقى رائعة،
وارتجف قلبي في بهجة ...
5 مارس 64
7 ⋆
7 مارس : أحاول من يومين أن أبدأ الكتابة من جديد. يخيل إلي أني قد تكشفت لأول مرة جوهر موضوعي وكيف سأكتبه. ولكن عندما أبدأ الكتابة أفزع. أول أمس بكيت لأني لم أستطع أن أستمر في أكثر من صفحتين، ثم أحسست أني فقدت شيئا. الليلة لم أكن أنوي لكني أحسست برغبة شديدة وبوضوح كامل ولكن نفس النتيجة. أنوي التفرغ تماما للرواية بعد الانتهاء من موضوع المسرح.
8 ⋆
9 مارس : سأحاول أن أحقق النثر ذا الأبعاد المختلفة. إن طريقي يبدأ من
هيمنجواي
و
كامي . «
عن الأغاني والشكولاتة » ثم «
منزل النوافذ الزرقاء » - الرجل في الفراش بالليل يزفر ويتقلب ويبحث بساعديه وصورته على الحائط. سعيد مبتسم والكائنات تحيا في كل مكان.
العنكبوت - سؤال: الطفولة تكمن في البراءة المفتقدة في الإنسان أم عكس هذا لأن النضج يتيح إدراك الحقيقة الواقعة ... النضج النابع من الإدراك والأيام والليالي.
9 ⋆ «... قرأتها وشعرت بضيق كبير لأني عرفت تاريخ حياة بابا مع ماما وأنا وأنت، وعرفت قد إيه بابا تعب حتى استطاع أن يأخذني من والدتي، وقد إيه إحنا كنا سبب عدم راحة بابا، وكان يمكن أن يعيش في لوكاندة إذا كنا احنا مش موجودين في هذه الدنيا. ولكن حمدت الله أن بابا أخذ يسعى حتى أخذني من عائلة أمي؛ لأني لو كنت معها كنت أكون أتعس إنسانة، وعرفت أيضا ماما
عيشة
كانت بتعمل فينا إيه، وعرفت حاجات كثيرة لم أعرفها من قبل كده؛ فأنت الذي تعرف كل شيء. وقد أعجبتني القصة لأنك أخذتها من واقع الحياة؛ يعني مش خيالية زيادة عن اللزوم، ونفس أسلوبك ونفس تعبيرك؛ فهو غير المعتاد؛ فيه الغرابة شوية، وده كان أحسن حاجة في القصة طريقة تعبيرك. لكن ازاي فاكر كل حاجة بالدقة دي.
ولكن أرجو أن تنسى الأسوة، وخصوصا من ماما
عيشة ؛ فقد تغيرت كثيرا، يجوز لكي تكفر عن ذنوبها اللي فاتت؛ فهي التي أصرت على أن تزورك في
القناطر
مرة واتنين، وهي دائمة السؤال عنك، فأرجو أن تنسى كل شيء. أما بقية ...» من خطاب لأختي.
10 ⋆
م. ع. ف : «حاتجنن ... حاتجنن ...» كيف تحول إلى خرقة. قصة
مشمش . كيف استغلت رغبته في أن يكون إنسانا طيبا شريفا مخلصا غير ذاتي.
11 ⋆
كتاب عن
العمليات الدقيقة تحت الميكروسكوب ، للدكتور
حامد البدري ، رئيس قسم هندسة التعدين والبترول بهندسة القاهرة. ⋆
11 مارس : من مأساة «
جميلة »
لعبد الرحمن الشرقاوي : «
جاسر : إننا جيل يسير بلا توقف، كي يقهر الفوضى والاستبداد والحرب الكريهة والتعسف.» ... ونحن جيل يقف ليفكر ... ⋆
عالم غريب :
12 «شهود يهوه». عندما يصرخون: «يا رب ارحمني. لقد أخطأت.»
النقد الذاتي
عندما يأخذ هذا الشكل. تعذيب للنفس وإذلال، وما يحدثه هذا من أثر؛ سرور لدى الآخرين ومتعة وانتماء كامل عند صاحبه يقضي على كل ازدهار للصفات الفردية التي تحدث عنها
يوفتوشنكو . كم كانت
آني راند
مصيبة في رواية «النبع» عندما تحدثت عن فرق تسد واحشد واحكم. «... أنا اشتركت في كذا وكذا ... فلان واحد من العتاولة اللي بنوا البيت ده. عندما وصلتني التشويهات الأخيرة لاصقة
بعزيز
ولعلاقتي به وقفت ضدها، وحزبنا ساعدني في نهاية الأمر على تغيير فكرتي وتصوراتي السياسية. انتابني إحساس نادرا ما أشعر به، إحساس بالخطر شعرت به وأنا أقف أمام المحكمة، شعرت به مرة أخرى عندما مات
فريد حداد ... إحساس بالجدية في أعنف درجاتها، ومن قلب هذا الشعور بالخطر اندفعت أناقش وأقرأ التقارير باهتمام شديد، واستمعت على الأقل لنصف الموجودين هنا في مناقشات فردية معهم ... أنا أتكلم هكذا لأني أثق بكم جميعا لدرجة تجعلني أعري نفسي أمامكم تماما؛ فالإنسان يحتاج إلى الشجاعة عندما يناقش عدوا، ويحتاج لكي يتصارح مع زملائه أن يكون على ثقة بهم؛ لهذا السبب وحده أتكلم. وأحب أن أقول ما أروع الصدق وما أصعبه! ما أروع أن يجد الإنسان أرضا كان قد فقدها وعاد إليها! ما أروع (...) هذا كله! ولهذا أناشد كل من مر بظروف مماثلة أن يتحدث إلينا بقلب مفتوح لأني حريص ألا تفوتهم روعة هذا المذاق العذب، وشكرا.» (...) - «عشت فترة التشكيك، ما يزرعه فينا المكان من عادات وإثبات الذات ... عدم الثقة. هنا يجب أن نعد أنفسنا ونرفع من مستوانا الفكري والثقافي.» - مذكرات
أحمد عرابي
في المنفى، الانتماء بأقصى صوره. ⋆
12 مارس : عندما كنت أكتب «
العنكبوت » كنت خاضعا للرغبة في تسجيل ما حدث فعلا. وكانت هناك ضرورة لتقييم ما حدث، وهذا ما فعلته طوال العام الذي توقفت فيه عن الكتابة. ⋆
مسرحية
بريخت
عن الثوريين الأربعة.
الثوري الفعال الحقيقي
يجب أن يتحرر من عواطفه وذاتيته ... الدفاع عن الغاية تبرر الوسيلة والألم العظيم (
ستالين ) ... ضد ذلك نكتب. يجب أن يكون الثوري إنسانا حقيقيا لأن الخطأ والصواب ليس حقيقة آنية. ⋆ «ليس عصب الشخصية هو سمتها الأساسية وإنما هو وجه التناقضات فيها؛ فكل شخصية هي مزيج من الخير والشر معا»،
ستانسلافسكي . ⋆
موقفان للقادة الصينيين . في 24 سبتمبر 58 قال
ليو شاو شي : «إن المصنع هو مدرسة متوسطة للراشدين ... يجب أن يعمل الطالب في المصنع 6 ساعات ودراسة سياسية 3 ساعات ومذاكرة 4 ساعات.» كانت النتيجة أن أمضى الطلبة معظم وقتهم في الكميونات، وانخفض مستوى التعليم في بلد كان في أشد الحاجة إلى الكادر، فعاد
شن يي
يقول في سبتمبر 61: «يجب في المرحلة الحالية أن نركز على الدراسات المهنية. وليس سليما أن ينفق في المدارس وقت طويل في الأعمال السياسية أو البدنية على حساب الدراسة. إذا لم نبذل الاهتمام الكافي للدراسة فإن العلوم والثقافة في بلدنا ستتخلف باستمرار. إن التعلم مهنة تتطلب اهتماما مركزا يبلغ أحيانا درجة تنسيك طعامك. كان
كونفوشيوس
أثناء دراسته يركز اهتمامه لدرجة ينسى فيها طعامه. وظل
تونج شونج سو
ثلاث سنين في منزله لا يبارحه. ووقف
بودبرهارا
البوذي الذي حضر إلينا عام 1526 أمام حائط مفكرا مدة 9 سنوات! لنتعلم مثلهم كيف ندرس»، مجلة «
نوفيل كريتيك » الفرنسية 64. ⋆
حسن فؤاد
في ذكرياته عن مسرحية «الخبر»
لصلاح حافظ ، يونيو 1961: «إن
فهيم العابد
شخصية من أمتع الشخصيات المسرحية التي صادفتها في حياتي على المسرح أو في الكتب ... إنها بمثابة الصرخة التي يطلقها «
صلاح » في وجه العادي والمبتذل والهدوء المستسلم!»
13 ⋆
الوثبة إلى المستقبل
التي طبقها
رءوف
مهمة جدا. هي عنصر من عناصر رؤيتنا الجديدة للواقع. مثال من
بورسعيد : أ. ر. يقاتل بجرأة وفي نفس الوقت نقطع لنراه بعد عشر سنوات في ظروف أخرى متغيرة. مثال آخر: متصل بتقييم الإنسان في السجن: يصل التعذيب إلى درجة معينة ثم يقف، وبعد خمس سنوات في قعدة عادية يتكلم بثبات وهدوء وثقة من مركز سيطرة على الآخرين، في حين أنه لو كان التعذيب قد استمر درجة أخرى لكان مصيره قد تغير نهائيا - في مأساة
جميلة بوحريد
دخولها السجن بعد التحرير - إدراك ذلك منذ البداية يعطي قوة.
14 ⋆
لا بد من دراسة العلاقة بين الناس أنفسهم وأدوارهم على المسرح. مثلا
صلاح
في دور «وحيد» (الشخصية القلقة المتعجلة الطموحة)، «
فكري
في دور الطبيب النفساني،
حمزة
في دور «همام» ...
رءوف
في دور إحسان وعيشة».
15 ⋆
عودة إلى الوثبة إلى المستقبل : مثال مجموعة الشبان والفتيات حول عربة
باندونج
ثم ما حدث لهم بعد ذلك - «منزل النوافذ الزرقاء»، «الأيام والليالي» و«العودة» هي التطور المستقبل الذي يلقي أضواء على واقع الزيارة ويعطي معنى لكل لحظة من لحظاتها؛ أي يعطي معنى للواقع الحاضر.
16 ⋆
من «
نوفيل كريتيك » عدد ديسمبر 1962،
كلود بريفوست . معركة
موسكو
بعد 16 سنة، عن روايتي
ألكسندر بك : «طريق «
فولكولامسك »» الصادرة في عام 1944 و«بضعة أيام» الصادرة في 1960.
17
إنه نفس الموضوع. وقد توقف
بك
عن الكتابة عن الحرب بين التاريخين. انتهت الرواية الأولى في 26 أكتوبر وتبدأ الثانية من هذا التاريخ لمدة ثلاثة أيام.
حتى عام 1956 كان موضوع التراجع مهملا لم يعالجه سوى «
نيكراسوف » في رواية عن
ستالينجراد .
إن رواية
بك
الأولى دعائية، أغنيات للمحاربين. أما روايته الثانية فدراسة وإجابة على أسئلة وتحديد مفهوم للمعركة أثناء حدوثها. إنها تتناول الجانب الفكري للحرب والأحكام القاسية لمقتضيات الاستراتيجية والتكتيك ومشاكل التراجع. وسؤال كيف نواجه الموت والرعب الذي واجهه بك نفسه في تلك الرواية كان قد تلقى الإجابة أثناء الحرب وتحول إلى: كيف تغلب الرجال على الموت والرعب.
النظرة الإنسانية
أكثر ما يلفت النظر في الحرب السوفييتية هو إنسانية القيادة. لاحظ
نكراسوف
هذا؛ فبطله أدين لأنه تسبب في موت عدد ضخم من الرجال في هجوم جماعي. أما عند بك في روايته الأولى فإن
بانفيلوف
يقول: إن الجندي لا يحارب من أجل أن يموت بل من أجل أن يعيش ... ويرفض التشدق اللفظي بالكلام عن أسمى أنواع التضحية. ويسخر
بانفيلوف
من الرجل الذي يريد أن يموت مع فصيلته من أجل الشرف: «يجب عليك أن تشن 30 معركة بفصيلتك وتحافظ عليها.» المحافظة على الجندي والاعتناء بطعامه.
التفاؤل المطلق
قال
ستالين
عن مقابلته الأولى
للينين : إنه رجل عادي جدا ذو قامة أقل من المتوسط لا يختلف على الإطلاق عن أي إنسان فان.»
إن أمثال
بانفيلوف
هم الذين استطاعوا أن يحدثوا تحول 56.
18
عرفوا كيف يقولون الحقيقة؛ فهو كان يرفض أن يكذب على الجنود وكان يحذرهم من التفاؤل المطلق في القيادة : «إن هذا التفاؤل يكون أكذوبة.» لا أحد سعيد في الحرب. لا أحد على ما يرام، فعلى كل جندي أن يصارع البرد والتعب والحرمان، وهو لا يستطيع أن يصارعهم إذا كان جاهلا بهم. فكان بانفيلوف يوصي رجاله بألا يعاملوا الجنود بالشفقة الكذوبة التي تخفي عدم الثقة فيهم. إن القوة المعنوية تأتي من معرفة الحقيقة.
مع تولستوي
درس
تولستوي
هو: الحرب تكسب بكل جندي؛ فالأمير
أندريه
19
قال: إنني لم أعتمد أبدا ولن أعتمد أبدا على الموقع أو السلاح أو العدد ... سأعتمد على الروح التي في داخلي وفي داخله وداخل كل جندي.
وكان
كوتوزوف
20
يؤمن بشيئين اثنين: الجماهير والصبر. «كل شيء سيسير على ما يرام للذي يعرف كيف ينتظر.» و«الشعب عميق كالبحر فيجب على القائد أن يثبت استراتيجيته على حركة هذا المحيط، وأن يعرف كيف ينتظر لحظة المد.»
الوقت عند
كوتوزوف
قدري: انتظاره بشكل غير عقلي. يجب على العقل أن ينضوي تحت لوائه. الله معنا ممثلا في الزمن.
أما
بك
فيتخطى الفكرة التولستوية عن الزمن. إنه يحافظ على نواتها الصلبة الشعبية «الثقة التي لا تنضب بالناس.» لكنه يرفض السلبية وترك النفس للقدر.
فبانفيلوف
لا يؤمن بالفضائل اللامحدودة للزمان والمكان. حقا يجب وضعهم في الاعتبار. لكنه يرى أن الاستيلاء على كل شبر من الأرض شيء ثمين (القتال على طريق
فولكو
دفاعا عن
موسكو ) ومن الضروري النضال ضد الزمن؛ انتصار العقل المناضل.
كان
ماميش أوغلي
يتدرب على تشغيل عقله والتغلب على الخوف، وبهذا صور الإنسان السوفييتي على أنه ليس مصنوعا من نسيج خاص. ليس بطلا تلقائيا. إنه يعلم أن جنوده ليسوا رجالا خارقين ... وإنما أناس عاديون يجب تعليمهم ضد الرعب وضد الغرائز الأكثر بدائية بتغليب العقل؛ الانضباط.
الانضباط
قدم
تولستوي
الجنود «كجزء من كل لم يفكروا لحظة في هذا الكل.» إن الانضباط في الرأسمالية هو إبقاء الجماهير جاهلة وخاضعة، وضد ذلك ظهر أدب
ريمارك
21
و
ميرل ميلر
و
باربوس .
أما عند
ماميش أوغلي
فهو الذي كان يجعله يركل الجنود من أجل أن ينطقوا به . ويطالبهم بأن يفسروا الانضباط، والتفسير البروليتاري الذي أعطاه
لينين
في «الشيوعية اليسارية»:
22 «الانضباط الثوري يعتمد على وعي الطليعة الثورية وعلى ضبط النفس وعلى روح التنظيم والبطولة. ولكن يعتمد أيضا على القدرة على الذوبان في جماهير العاملين بما في ذلك جماهير أولئك الذين ليسوا من البروليتاريا.» يقول
ماميش أوغلي
للجندي: الوطن هو زوجتك. هو أنت. وعند
وليم ستاروين
في «المسيرة الكبرى»: «التدريب هو تدريب جسماني مع تحطيم صفاتهم الذاتية ليصبحوا كالشمع يسهل إذابته.»
23
أما
بك
فالتدريب عنده تقوية جسمانية وتدريب علمي على التفكير المستند إلى التجربة؛ فالتطبيق يؤكد نظرية الانضباط الضروري.
ولا يخفي أن الانضباط عنصر سلبي بالضرورة؛ فهو يتضمن سلبية الجندي وعدم مبادرته. وهذه هي الصعوبة التي واجهها
بك
وكل الكتاب السوفييت الذين أرادوا الكلام بصدق في ظل نظام
ستالين . ويبدو هذا التناقض في خطاب
أوغلي
الأول لرجاله: «إنني سأملي عليكم إرادتي. لا مساواة في الجيش. لا ديمقراطية.» «هذا هو الانضباط، الطاعة السلبية التي تصنع الجيوش.»
إنه يحافظ على علاقات وثيقة برجاله ويتحدث معهم من القلب إلى القلب. إنه ليس إنسانا آليا وهو يفكر دائما في الراحة المادية لقواته. ولكن في الديالكتيك المرن بين سلطة الرئيس والمبادرة الخلاقة للرجال اقتضى الأمر تحطيم التوازن لحساب السلطة. «إن إظهار الشفقة على الرجال ضعف.» ومن هذه النقطة يبدأ
أوغلي
في التعسف. إن من الضروري المحافظة على كل شبر من الأرض. لكن
برودني
تقهقر ليكسر الحصار فخسر ستة رجال وقتل 100 ألماني، ثم يحاسبه
أوغلي
كما لو كان قد تخلى عن
موسكو . ويوجه السباب للذين حوصروا والذين خرجوا من الحصار وهم يحاربون فيقول له واحد: «أنت على خطأ؛ فهم مواطنون سوفييت.» فيصرخ فيه
أوغلي : «لا ... إنني أرفض أن أستمع إلى التوسلات ... إن
موسكو
لا تؤمن بالدموع».
24
عن التراجع
إن المسألة معقدة. و
لبك
الفضل في أنه لم يبسطها. إن
أوغلي
قاس وعنيد ضد الذين حوصروا لكنه يشعر بالذنب في نفس الوقت. إنه يتحمل أخطاء رجاله. وكان يقدر أن الخروج على المبادئ التي تبدو شكلية يحمل القوات خسائر. يقول: «التراجع عن قرية معرضة للحصار يبدو منطقيا. لكن الأمر أعقد من ذلك؛ فربما كنت بتراجعي أصنع إسفينا.» وفي بعض الأحيان يتردد في لوم المتراجعين وفي نهاية الرواية يبدو من الضروري التضحية بمجموعتين من الرجال من أجل كسر الحصار. لقد وجد
أوغلي
بعد صراع شديد داخله أنه مضطر لذلك، ويشعر براحة بعد أن تكلل العملية بالنجاح، غير أنه بصفة عامة يرفض الانسحاب لتلافي الحصار حتى لو أدى هذا الانسحاب إلى الانضمام إلى الصفوف المحاربة وهي فكرة ملحمية.
كانت معالجة موضوع التراجع والانسحاب محظورا على الكتاب، وكذلك مشكلة أسرى الحرب. «الجندي السوفييتي لا يتراجع ولا يؤسر.» وبعد 53 ظهرت رواية
شولوخوف «مصير إنسان»، و
سميرنوف
عن المحاصرين في «
بريست ليتوفسك » الذين ظلوا يعطلون فرقا من الجيش الألماني كان يحتاجها في أماكن أخرى. ويصور
سولجينتسين
في روايته الأخيرة المحاصرين العائدين على أنهم 30 عربة من «الرءوس المحترقة»، وفقا للتعبير الشعبي (جرت تربية الشعب على أنه لا يوجد تراجع وعندما يرى عائدين يعتبرهم موتى) وصور كيف لم يرغب أحد في تقديم الطعام إليهم.
ويبدو هذا التناقض عند
بك (الرجال ذوو قيمة فيجب أن يخرجوا من الحصار أو الرجال لا قيمة لهم فيجب ألا يخرجوا إلا موتى). ويتحدث
بانفيلوف
عن أهمية الدور الذي تلعبه الوحدات المحاصرة التي ترفع الحصار. الخروج من الحصار بطولة كما فعل
أوغلي
وكان يعتبره جبنا إلى أن وقع هو نفسه في الحصار.
إن متناقضات
أوغلي
عميقة جدا في الحقيقة. إنه يعكس على الأقل جزءا من التناقضات الموجودة عند بك. والذي أدى إلى التكنيك الذي استخدمه في الرواية وهو الحديث مع
أوغلي
ثم العودة إلى الخلف؛ أي الإفلات من الحظة الحالية. وأبرز التناقض حادثة الإعدام. إنها علامة ذلك الزمن.
حادثة بارامبايف
25
في عام 49 كتب
لوكاتش 29
صفحة عن هذا الموضوع. إن تأمل
بك
أليم؛ إذ يزن قراره طويلا. والمؤلف يعطي تعبيرا جماليا إدانيا لهذه المناقشة الداخلية للقرار عند
أوغلي . إن الحقيقة المحددة التي يخلقها الروائي لا توجد فقط في ذاتها وإنما في وصف كل جوانبها في الحياة، وتقتضي من الكاتب السوفييتي موقفا ملتزما أخلاقيا، وبهذا فموقف
أوغلي
هو موقف نموذجي أخلاقي، ولكن
بك
لا يوافق على هذا النمط فيقوم ببعض التصحيحات؛ تدخل
بانفيلوف ؛ مما يعكس محاولات
بك
للتعبير عن نفسه في مرحلة مضطربة باللجوء إلى أساليب غير مباشرة؛ فهو لا يصور
أوغلي
قاطعا في قراره وإنما شاكا مستريبا. وفي التطبيق تؤدي بعض المواقف التي لا يخرج منها إلى حلول يائسة. لكن مثل هذه الحلول اليائسة استثناءات محزنة. ولكن فرق بين أن نعتبر هذا الحل اليائس محزنا أو نعتبره قاعدة نقننها في شكل قانون عام.
إن الشر كان واسع الانتشار. ودليلنا على ذلك مسرحية
بريخت «القرار»: وهكذا قررنا ... يجب علينا. أن نقطع من لحمنا وأن نبتر من قدمنا؛ فقد أفسد زميلهم كل شيء لأنه كان شفوقا فلم يستوعب درس المسئول؛ إنكم لستم أنتم. أنت لم تعد
كارل شميت
من
برلين ... إنكم بلا أسماء. بلا أمهات. أوراق بيضاء تكتب عليها الثورة أوامرها. هنا نرى المآزق الجديدة بين الشفقة والعمل، بين الأخوة والتاريخ، بين الوجود والفعل.
ولقد قال أحد المتفقهين في الدين عند صدور مسرحية «القرار»: «منذ سنوات عديدة لم نسمع الحقيقة المسيحية بهذا الوضوح والبساطة والشكل المباشر مثلما سمعناها هنا؛ هذه المقطوعة المدهشة. إن تقديم الالتزام والاستعداد للتضحية بالحياة لا كعمل استثنائي من أعمال البطولة وإنما كعمل عادي من أعمال الحياة اليومية لم يكن من الممكن أن يفعله أحد غير
بريخت .»
26
وقال عالم دين سياسي إن رواية «الأمل»
لمارلو
27
تتضمن مشهدا يشبه مشهد
بارامبايف ؛ أمر بإعدام هاربين بالرغم من توسلاتهما وشعوره بأنهما ضحيتا موقفه. إن
مارلو
يشعر بضرورة الاختيار بين الضرورة والشفقة. ويقول
مانويل : كلما كنت شيوعيا كنت أقل إنسانية. وهناك شيوعي آخر هو المسئول العسكري: «إننا في طريق تغيير مصير الحرب. هل يمكن تغيير الأشياء دون تغيير أنفسنا؟ منذ اللحظة التي قبلت فيها قيادة جيش البروليتاريا لم تعد تملك روحك.» كانت كلمات
مانويل
أقرب إلى كلمات
إكسمينس (مناضل كاثوليكي)؛ أي إن الحزب والدين عند الشيوعي شيء واحد. فرد عليه المسئول: ليس بوسعك أن تقول أشياء يتعذر عليك فهمها. أنت تريد أن تتصرف دون أن تفقد أخوتك. أعتقد أن الإنسان أصغر من أن يصنع ذلك. إما مناضل أو أخ. ثم يقول مارلو: إن المسئول العسكري كان يظن أن الأخوة لا تتحقق إلا عبر المسيح.
ومن هنا لم تكن مصادفة أن
ماميش أوغلي
من أجل تبرير تصرفه لا يجد أمامه إلا أن يردد كلمات من رواية «القرار»
لبريخت .
النصر أو الموت؟
كانت القضية هي الشك في جميع المقاتلين الذين تم حصارهم بوصفهم خونة ومنبوذين. إلصاق تهم شنيعة وغير مفهومة بالمحصورين والأسرى. إما النصر أو الموت. إنها فكرة التكفير، فعلى الشيوعيين في المقام الأول ألا يتركوا أنفسهم ضحية لأعمال أقلية من المخربين. هذا حق. لكن أن تصوغ ميكانيكيا من هذا عقيدة تشريعية تعود بنا إلى القاعدة القديمة المفيدة في شئون الصحة لا السياسة: الوقاية خير من العلاج. فإننا بذلك نحرم الاشتراكية من مناضلين ثبتت صلابتهم (...) (
فيشنسكي : «لا أدلة عندي ضد هذا المتهم. وهذا دليل على أنه داهية ثم إنه اعترف بأنه خائن»).
28
تأثير عبادة الفرد على الأدب
تحدثوا كثيرا عن أهمية الاقتصاد في وسائل التعبير. قال
لوكاتش
عن رواية بك: «إنها مقتصدة في أسلوبها أكثر مما هو متصور. إنها لا تعطي لكل موقف كل ارتباط إلا بالقدر الضروري جدا من التعبير الذي يكفي لكي يفهم القارئ أسباب هذا التصرف أو ذاك.» غير أن
لوكاتش
لم ير ما في الرواية من قدر عميق من الواقعية، فهناك أمثلة عديدة على عدم الاقتصاد؛ الخصم يرسم في صورة كاريكاتيرية. لقد تصور
أوغلي
غريمه الألماني بعينين نفاذتين وقاسيتين عجوزتين. وصف الأسير الألماني الوحيد بأنه ذو رقبة نحيفة بتفاحة آدم بارزة (كان الألمان يطلبون النجدة ونحن لا نفعل. ولاحظ
أوغلي : من السهل أن نكتب في كتب «قراءات للجميع» أن جنودنا كانوا يصيحون «هورا» ثم يلقون بأنفسهم وقد أشهروا رماحهم في بنادقهم، أما الألمان فكانوا مذعورين يجرون كالأرانب. لكن في الحرب الحقيقية لا تسير الأمور بهذا الشكل دائما).
في الحرب الحقيقية هناك جرحى كثيرون وموتى كثيرون وليس فقط من الأعداء. عند بك نرى قليلين جدا من القتلى والجرحى بين السوفييت. ملايين السوفييت سقطوا قتلى في الحرب العالمية الثانية، ولم يذكر هذا في الروايات، فكيف حدث هذا؟ الجندي السوفييتي لا يقتل أثناء المعركة وقد يجرح لكنه لا يفقد روح المرح والفكاهة.
أراجون
لا يهمل الجانب الفكري. و
تولستوي
أيضا. أما عند بك فالشخصيات التي نعرفها جيدا لا تموت أبدا، فكيف إذن يمكن أن نكره الحرب إذا كان القارئ لم يفقد خلالها أقرب الناس إلى قلبه؟ انفصام بين الكتاب السوفييت في الحربين. وتمثل رواية «الربيع على نهر
الأودر » شاهدا مؤسيا على هذا الانفصام؛ فهي تقدم لنا الحرب عالما مضمونا سعيدا. ولا يصل
بك
إلى هذا المستوى، لكنه يقول لنا إن الحرب ليست سيئة جدا.
الجذور
إذا كانت نظرية عدم وجود الصراع للناقد (...) قد أضرت بالمسرح فهي أيضا أضرت بالرواية ودفعتها إلى أن ترفض معالجة التفاصيل التي ظن النقاد أنها تؤدي إلى الطبيعية. سجل
بيير ديكس
في خطاب إلى
موريس نادو ، الناقد السريالي، عدد ما اعتبره الكتاب السوفييت اتجاهات طبيعية في رواية «القلعة الأخيرة» (الواقعية هي تنظيم التفاصيل فيجب ألا نتجنبها أو نتخطاها إنما نوضحها في مجموعها، أما إلقاء التفاصيل في الظلال بحجة أنها تفاصيل شنيعة فهو ضد الواقعية. وفي الحرب يصبح خيانة للواقعية؛ لأن الأساس في الحرب هو الشناعات). وقال النقاد عن رواية «البندقية الثالثة» إن مؤلفها
فاسيلي بيكوف
وضع فيها كل تجربة الحرب الدامية وركز اهتمامه على الموت، فرد عليهم بقوله: «للأسف فإن الموت يغمر كل شيء في الحرب»).
وعند
بك
نجد ميلاد فكرة الانسحاب الذي يتم طواعية. وكانت هذه الفكرة حقيقة رسمية اعترف بها
ستالين
في 1945 قائلا: «إن حكومتنا قد وقعت في بعض الأخطاء ... لقد كنا في موقف يائس في خريف 41 حينما كان الانسحاب هو الإمكانية الاختيارية الوحيدة أمام جيشنا.» وفي فبراير 47 قال
ستالين
للكولونيل
رازين : «إن الانسحاب كان بناء على خطة موضوعة محددة.» لكن
سنتسوف
في رواية «الأحياء والأموات»
لشولوخوف
قال: «ربما كان لديكم أنتم خططكم مثل
كوتوزوف
لكن يجب أن تفكروا في الناس.» الحقيقة أنه لم تكن هناك خطة كما قال
أراجون
في كتابه «تاريخ الاتحاد السوفييتي». وهذا ما لم تقله رواية
بك
ولا كان يمكن أن تفعل.
في رواية
نكراسوف
الصادقة يقول جندي: «لا بد أن
ستالين
يفكر في كل شيء»، مكررا شيئا معروفا في ذلك الحين. هي إذن واقعية. وفي رواية «الربيع على نهر الأودر» يدور الحوار التالي بين جنديين: عندما قال
ستالين
إننا سننتصر، هل كان يعرف ذلك؟ - كان يعرف بكل تأكيد ... فقد حسب حساب كل شيء.
ستالين
يعرف كل شيء. كل صغيرة ... طائرات المطاردة. تموين الجنود. التكاليف المختلفة. من كتاب عن
ستالين
ظهر عام 1963م في فرنسا
لاستيبيه : «إن
ستالين
هو الوحيد الذي يتحمل جميع المسئوليات، ولقد كان في وقت واحد الحكومة والقائد العام ووزير الحرب ووزير الخارجية. كان يبت في مسائل الاستراتيجية واللغة ويحدد القيادة ويتفاوض ويتلقى معونة الحلفاء ويدير 1000 مصنع في
سيبيريا
و
الأورال . يعمل 18 ساعة. ينام على مكتبه في السادسة صباحا ويريد أن يعرف كل شيء ويعالج كل شيء. كان ذا عقلية رياضية. كان يستمع إلى القضايا فيبرهن عليها وأحيانا يكتشف التناقض فيها ويحله. وبعد أن يقدر البرودة والسخونة والسرعة والدقة يصدر حكمه وكان في الغالب الأعم صحيحا ودقيقا.»
وفي رواية
بك
الأولى عام 44 قال
بانفيلوف : «الجندي هو الذي يعرف مصير الحرب.» ويبرز تساؤل ص49: «لقد كان هناك 700 رجل مطلوب منهم أن يوقفوا عجلة زحف العدو على طول ثمانية كيلومترات. ولم يكن وراءهم شيء.» ثم ما يلبث أن يعيد الفكرة فيقول: «إنها الحرب. ولا تستطيع تجاهها شيئا آخر.»
بضعة أيام
في هذه الرواية الجديدة، وضع السؤال بشكل مباشر دون اللف حوله. فيقول
أوغلي «لقد كنت فريسة لأفكار سوداء ... لماذا نتقهقر؟ لماذا كانت الأمور منذ البداية بهذا الشكل؟ لماذا كانت الحرب قاسية لهذا الحد؟ لقد كنا نقول في تلك السنة الفاجعة بينما كانت الكماشات (حصار الجيش من ناحيتين) تعلن في كل مكان: دعوهم يلمسونا فقط وسنجعل الحرب في أراضيهم. الهجوم دائما. التقدم إلى الأمام. تلك كانت روح جيشنا وروح مشروعات السنوات الخمس قبل الحرب. روح جيلنا كله. إننا لم ننشغل أبدا بالتكتيك أو بنظرية الانسحاب. بل إن كلمة الانسحاب محيت من لوائحنا. إذن فلماذا، لماذا ننسحب؟»، ص190.
وطرح الانسحاب السؤال التالي: لماذا ننسحب منذ وقت طويل؟ يتلقى
بانفيلوف
هذا السؤال فيقول إنه لا يعرف شيئا، ثم يعدد عدة احتمالات للوصول إلى جوهر القضية: «إنه خطؤنا. لقد أهملنا دراسة الأحداث والوقائع لكنها لم تهملنا.» وهذا استنكار واضح لكل الانحرافات الناتجة عن عبادة الفرد ... إن
بانفيلوف
اللينيني يستنتج أنه من الضروري أن نتحدث بصراحة عن الأخطاء التي وقعت. بالنسبة لنفسه يصل إلى «إنها تلك العقائد العجوزة التي شلت النشاط وسببت التقهقرات.» ثم يعيب على نفسه أنه لم يجرؤ على انتقاد المقاييس الكلاسيكية لتحديد المراكز الدفاعية: «إن هذه اللوائح مكتوب فيها أن زمانها قد مضى.» وعندما يقول له جندي عجوز في تردد: «إن رجال الحزب هم أيضا يجعلون الشعب يقاسي كثيرا»، يرد عليه قائلا: «هذا حقيقي. ليس من السهل معايشة الشيوعيين.» ص222.
إن
بك
في بحثه عن المسئوليات لا يقف عند هذا الحد؛ فاهتمامه لا يتركز فقط على أعمال فصيلة
أوغلي
أو بضعة ضباط؛ ففيما عدا
بانفيلوف
الذي ازداد دوره في تطوير الرواية ظهر ضباط جدد مثل الكولونيل
خريموف .
ويمدح
بانفيلوف
المحاصر الذي احتل الموقع. ويشعر أحيانا بالمرارة لأنه مهدد بأن يتعرض للحصار: «إنهم يريدون أن يجروني أنا البائس أمام محكمة مقدسة ليحاكموني عن لماذا تركت الألمان يحتلون
فولوكلومسك . وهو على عكس
بانفيلوف
يحب النظام وشكلياته الخارجية فيفقد أعصابه حين يرى
أوغلي
يتجول بسيف ضباط المدفعية ويعامله كمتمرد. (أكثر فردية) حل جديد لمشكلة تشبه مشكلة بارامبايف، فزايف وجنوده يعودون بعد أن خرقوا الحصار ولكن يتضح بعد فترة قصيرة أنهم انسحبوا بأسرع مما يجب، أو كما يقولون في اللغة العسكرية، هربوا من الناحية الموضوعية، فيقررون إطلاق الرصاص على زايف . لكن
ماميش أوغلي
يهمس: «اعفوا عنه.» ويتوسل ضباط آخرون إلى
أوغلي : «اترك له الحياة.» وفي هذه المرة ينصت
أوغلي
للتوسلات ويوافق على تنازل أولي بعد محاكمة «زايف» أمام محكمة الفرقة ويطلق سراحه ويعاد إلى منصبه (وهكذا تحقق - في نهاية الرواية - حلم عام 1944 الذي دار في رأس
أوغلي
عن
بارامبايف ).
إن القضية العظمى - الشيوعية - ليست غولا أو وحشا. إن الاشتراكية في حاجة لجميع أبنائها حتى لأولئك الذين كانوا ضحايا لفترة ضعف عابرة.
أدت فكرة
بك
عن المضمون إلى إثراء أسلوبه في التعبير عن الواقع، فلم يفرض اتساقا إجباريا في الأسلوب؛ فحين يصف فوضى الانسحاب تبدو الفوضى في أسلوبه؛ فرجال الفصيلة يائسون أحيانا. كقطيع أحيانا. متشردون أحيانا أخرى.
إن «بضعة أيام» ملحمة للجوع، اعتبار ما حدث حقيقة ... دون أن يتخلى
بك
عن أسلوبه في اقتصاد التعبير يحاول أن يتبين كل شيء. الحرب مأساة: «مأساة تستطيع أن تزلزل أكثر الرجال صلابة.»
إن الحركة العامة للأدب السوفييتي الآن هي واقعية أعمق. إنسانية أعمق. شعور أكثر رقة وأكثر حساسية بتعقد الحياة (
جريجوري باكلانوف
في رواية «رأس الجسر»).
الآن الحرية من أجل البحث عن الحقيقة. وهي العزيزة على الكتاب من جميع البلاد.» «ما هو أجمل بعد الحقيقة هو الخيال.» ⋆
كان الجندي المحاصر بطلا ملحميا. يموت وهو ماسك سلاحه. وقضي عليه بالموت. الانتحار في سجون
العراق .
29 ⋆
28 مارس 64 ، «بعض الأفكار عن العقائدية»،
لوسيان سيف ، مجلة «
نوفيل كريتيك » «
الفرنسية ،
ديسمبر 1963 .
ما هي العقائدية
هناك عادة مكتسبة - بتأثير الكهنوت الكاثوليكي - تتصور العقيدة على أنها المبدأ الثابت الذي لا يتحرك ... ولكن العقيدة أو
الدوجما
هي كل ما يتقرر من طرف واحد بمرسوم، أو يفرض دون مناقشة ... إن الصفة الأساسية للعقيدة ليست صفة اللاحركة وإنما صفة اللاعلمية - وهذه الصفة يمكن أن تغير العقيدة ... إن جوهر العقائدية هو: المحافظة على العقائد أو تغييرها على أساس وجهات النظر الخاصة أو على أساس المصالح الذاتية، وليس على أساس تطبيق التعاليم العلمية للواقع الموضوعي «أي التجربة والخبرة» ... العقائدية لا مبادئ لها؛ وبالتالي فهي بدون قيم.
إن البحث عن الجديد بأي ثمن لا علاقة له على الإطلاق بمقتضيات
الماركسية
الحية الإبداعية، ولا علاقة له بمقتضيات الصراع والنضال ضد العقائدية. إذا كانت العقائدية تعني في الغالب الدفاع عن نظرية كلاسيكية اتباعية لم تتفق مع الواقع، فإن رفض نظرية كلاسيكية لا تزال تتفق مع الواقع هو أيضا عقائدية. ... إن النضال السليم الفعال ضد العقائدية - وهو نضال ضروري في الوقت الراهن - هو نضال ضد الأسلوب الذاتي الأحادي التعسفي غير العلمي في الفكر والعمل. إنه نضال من أجل ألا يضعف أبدا الترابط الحي بين النظرية والتطبيق، إنه نضال ضد الاتجاه نحو التشريعية ... ضد عدم الإيمان بالتجربة ... وضد تجريبية ضيقة الأفق تجهل القيمة العظيمة للنظرية العلمية التي هي ثمرة كل التجربة والخبرة التاريخية السابقة.
في ضوء النظرية الماركسية للمعرفة
يقال ... إنه لا يوجد - وفقا للديالكتيك - أي شيء ثابت غير متحرك. إن كل شيء يحيا، أي إن كل شيء ينمو ويتغير ... وعلى هذا لا يمكن القول بأنه توجد في الماركسية مثلا حقائق نهائية ثابتة غير قابلة للتغيير ... وفي هذه الحالة، تصبح كل نظرية قديمة ولو قليلا غير ذات موضوع، ويصبح الدفاع عنها دفاعا عقائديا. ... هنا يوجد التمسك بجانب واحد من جوانب
الديالكتيك ، وهو جانب لا يسمح - إذا ما أخذ منفصلا ومعزولا عن الجوانب الأخرى - بالتمييز بين
الديالكتيك
والحركة الشاملة، وبين التطورية والمذهب النسبي فيما يتصل بنظرية المعرفة.
إن
الديالكتيك
وفقا للصيغة التي وضعها لينين: «يتضمن عوامل النسبية وعوامل النفي، والشك. لكنه لا يمكن أن ينتسب إلى المذهب النسبي في نظرية المعرفة.» إن جوهر
الديالكتيك - باعتباره أعمق نظرية للتطور - ليس تأكيد النظرة المجردة عن «أن كل شيء يتطور»، وإنما جوهره هو تبيان أن المحرك الجوهري للتطور هو صراع الأضداد في وحدتها ... فمتى كان هناك صراع للأضداد كان هناك تطور، وإذا لم يكن هناك صراع للأضداد فلن يكون هناك تطور، وإنما سكون وثبات وعدم تغير. ومن المؤكد أن
الديالكتيك ... يؤكد شمولية صراع الأضداد، وبالتالي يؤكد شمولية التطور ... ولكن الشمولية (المطلقة) لصراع الأضداد وللتطور يوجد في داخلها أيضا - وعلى العكس - تماثل (نسبي) للأضداد، وفي هذه الحدود يوجد غياب (نسبي) للتطور؛ أي يوجد عدم تغير ... إن المعرفة تتطور إلى الحد الذي لا توجد فيه تناقضات بين الواقع الموضوعي وانعكاسه الواعي؛ أي بين التطبيق والنظرية. لكن لهذا السبب على وجه التحديد، تتطور المعرفة، وهي تقترب من الواقع الموضوعي بأن تعكسه بطريقة دقيقة في حدود معينة؛ وبالتالي فإنه في هذه الحدود يوجد تناقض بين هذه المعرفة وبين الجانب المتعلق بها من الواقع؛ ومن هنا فإننا نتحدث عن معرفة حقيقية بشكل مطلق، معرفة متكاملة ليس لديها حركة تمضي بها إلى ما هو أبعد.
لكن الأمر لا يتعلق بمعرفة حقيقية في حدود معينة فقط؛ ذلك لأن الواقع لا حدود له وهو دائم التغير؛ ولهذا السبب فإن حركة المعرفة لا تقتصر على العملية التي تحدثنا عنها. إنها حركة مزدوجة ... فمن ناحية يوجد بين المعرفة التي لا تزال غير دقيقة وبين الواقع الموضوعي تناقض يمكن التغلب عليه بتصحيح الأخطاء، وبالتقدم من الجهل إلى المعرفة، ومن المعرفة التي لا تزال غير دقيقة إلى المعرفة الصحيحة على الإطلاق. ومن ناحية أخرى نجد أنه بينما قد وصلت المعرفة إلى الحقيقة المطلقة في حدود معينة فإنه يتبقى مع هذا تناقض بين الحقيقة المطلقة ولكن المحدودة، وبين الواقع الموضوعي الذي لا حدود له والمتحرك دائما، وهو تناقض لا يمكن حله إلا بتخطي حدود تلك الحقيقة المطلقة والمتحققة، وذلك عن طريق التوصل إلى حقائق جديدة مطلقة تحتل الحقيقة المطلقة السابقة في أحضانها مكانا وتكتسب معنى جديدا أكثر ثراء. وبإيجاز نقول إنه تناقض تحله عملية لا نهائية من الناحية الرئيسية للمعرفة في مجملها.
إن المعرفة، في مجملها، لا تكتمل أبدا. غير أن هذا صحيح فقط بالنسبة للمعرفة في مجملها؛ ذلك لأن مجمل المعرفة يتكون بدقة بواسطة المعروفات المحددة والتي يوجد فيها شيء ما مطلق مكتمل غير قابل للتغيير في حدود معينة. إن «الديالكتيك» لا يؤكد هذا الأمر بل يستلزمه.
وعلى هذا ... يبدأ الانحراف العقائدي من اللحظة التي يحدث فيها الفصل بين الدفاع الدائم عن الحقائق المطلقة المتضمن في
الماركسية ، وبين الجهد الدائم من أجل تخطي حدود هذه الحقائق المطلقة عن طريق التحليل المحدد للظروف المحددة الجديدة باستمرار ... (مثلا لا عقائدية في الدفاع عن حقيقة أن
الإمبريالية
عدوانية بطبيعتها. وإنما تبدأ العقائدية من نقطة إهمال تحليل موقف محدد تنطبق فيه هذه النظرة المطلقة والنهائية في حد ذاتها، ورفض رؤية أنها لم تعد تعني اليوم ما كانت تعنيه منذ خمسين سنة، ألا وهو أن الحرب حتمية ولا مفر منها. وعلى العكس هناك عقائدية في النظرية الجديدة التي تزعم على أساس ذاتي أن التناقض الرئيسي هو بين
الإمبريالية
وحركات التحرر الوطني).
عن ستالين
خرج
ستالين
عن التحليلات والصياغات التقليدية لدى
ماركس
و
إنجلز
و
لينين ، في سلسلة كاملة من النقط الجوهرية. إن تجديداته التعسفية هي جانب رئيسي من عقائديته. ومنها في كتابه عن المادية: عزل القوانين العلمية
للديالكتيك
عن تاريخها وعن أصل وجودها؛ أي تقديمها على أنها مبادئ موجودة مسبقا وبلا حاجة إلى أدلة بشكل من الأشكال. بينما أكد
ماركس
و
إنجلز
و
لينين
أنها نتائج.
حذف
ستالين
أيضا قانون نفي النفي حذفا كاملا. وساوى قانوني صراع الأضداد والوثبة الكيفية، وهما قانونان أساسيان وديالكتيكيان، بقانوني الترابط والتطور الشامل وهما قانونان أكثر عمومية ولا يخصان
الديالكتيك .
أهمل
ستالين
فكرة وحدة الأضداد خلال الصراع. ساوى بين تناقض الإيجابي والسلبي داخل النوعية الواحدة وبين التناقض بين النوعية القديمة والنوعية الجديدة.
في السياسة: حتمية ازدياد احتدام الصراع الطبقي خلال كل مرحلة بناء الاشتراكية.
الدرس المستخلص من أخطاء
ستالين ، أن الماركسية ليست عقيدة، وأنه ينبغي في نفس الوقت تطويرها بطريقة حية انطلاقا من التطبيق، ويعني أيضا أن نواة الماركسية - وهي الحقيقة المطلقة والنظريات التي كونتها حتى الآن - لا ينبغي مراجعتها بطريقة تعسفية من أجل احتياجات القضية السياسية، ولا ينبغي صياغتها واستخدامها بدون الجدية الواجبة عند ربط التطبيق التاريخي الهائل في منظومة علمية.
ولهذا اقترن التجديد الإبداعي عند السوفييت بالعودة إلى المنابع اللينينية.
إن العقائدية هي الفكرة التعسفية المنفصلة عن الحياة. إنها تعني الجمود، كما تعني التصفية.
في علم الجمال
هناك عبادة وثنية للمبادئ
الماركسية
المطروحة بأسلوب ضيق شديد الضيق، وهو جانب العجز والعقم في إثراء النظرية عن طريق فهم واستيعاب الأعمال الجمالية التي لا تتفق مع هذا القانون المسبق أو ذاك.
ولكن من المفهوم طبعا أن ما تلزم محاربته في هذا الصدد ليس هو التمسك بعدد معين من المبادئ
الماركسية ؛ أي الحكم على الأعمال الجمالية انطلاقا من عدد معين من المعايير العلمية. وعلى أساس وجهة النظر هذه، فإننا ندرك - إذا أمعنا النظر والفكر - أن العقائدية الجمالية التي ينبغي علينا أن نحاربها تتسم هي أيضا بإفقار التنظير العلمي الماركسي؛ أي بمعنى آخر، تتسم - رغم بعض المظاهر المعينة - بعدم وجود مبادئ إذا ما أردنا أن نعطي الكلمة كل معناها الحقيقي.
وبشكل عام، فإن العقائدية في الفن والنقد الفني لا تبدو فقط في شكل المحافظة والتمسك العنادي بالأساليب والأحكام الفجة والالتواءات وقلب كل ما هو مع وما هو ضد في كل ما يعتبر جميلا وخيرا وسليما؛ أي بإيجاز لا تبدو العقائدية فقط في شكل التغيير التعسفي للعقيدة ... فلا عقائدية أكثر عقائدية من فكرة التلاشي التدريجي، فكرة الحذلقة البرجوازية «الجديدة» باستمرار.
إن العقائدية الجمالية تتضمن منع وحظر نقد بعض الأشياء بقدر ما تتضمن منع وحظر نقد أشياء أخرى. وهي تتضمن أيضا توسيع ميدان تطبيق بعض الأفكار إلى الحد الذي يجعلها تفقد كل معنى بقدر ما تتضمن تضييق ميدان تطبيق بعض الأفكار إلى الحد الذي يجعلها تفقد كل حياة.
إن التجديد الإبداعي لعلم الجمال الماركسي يبدو لي أنه هو أيضا - وبصرف النظر عن التشويهات العقائدية - غير منفصل عن عودة حقيقية إلى المنابع.
إن العكس الحقيقي للعقائدية هو
الديالكتيك
الدائم في التطبيق والنظرية. إنه العلم الماركسي الحي المولود من العمل والمصنوع من أجل العمل، والذي يعني في وقت واحد التفتح تجاه الواقع الجديد، والثبات على المبادئ المجربة. ⋆
عالم غريب ،
30
من مقال
حسن فؤاد : «مضيت أسير ... وعلى البعد كان البعض بثيابهم البيضاء وآخرون بثيابهم الزرقاء يحفرون الأرض ... والرمال تحمل على الأعناق وتكوم فوق هضبة عالية ستصبح خشبة المسرح.
زنزانة طولها أربعة أمتار. 16 شخصا. خليط من مختلف المهن والأعمال. حديقة
ألبير . وكانت قروانة العدس في هذا الحر كفيلة بأن تقلبني على «البرش» حوالي 3 ساعات حتى إذا جاءت ساعة التمام، وتصاعد صوت الصفارة الملح والصيحة المألوفة «التمام ... كل واحد على أوضته.» قمت من النوم وسط بحر من العرق.
وبدأت البروفات. جردلان للشرب وجردلان لقضاء الحاجات الآدمية وعشرات القروانات والأطباق والشباشب والأحذية ... بروفة المسرحية. تسخين اليمك بخرقة سوداء ... دخان ... إلى أن جاء الفصل الثالث فقمت ودخلت.
بعد التمثيل جلس
صلاح
بجانبي في ركن الزنزانة يشعل سيجارة وراء أخرى ويحدثني عن كل المواضيع.
خرجت من الزنزانة في الصباح ورأسي يكاد ينفجر من الصداع ... وكان اليوم شديد الحرارة. وطويت أوراق الدور ... المسرح. على البعد وقف عدد من الزملاء المحكوم عليهم بمدد طويلة.
درت حول عنبر «واحد» وعبرت الطريق ... على طوله كانت تمشي جماعات من الشباب يحركون أيديهم في عصبية ويتحدثون في نشاط ... إنهم يريدون أن يغيروا العالم ... والإخوان المسلمون يمشون متثاقلين والمصاحف في أيديهم ... وبعض المذنبين العراة يبدو نصفهم من داخل ماسورة المجاري ... وعند الكانتين تناثر عدد من المعتقلين يشربون الشاي. وحياني البعض وسألني ...
وتركتهم لأدور حول المطبخ وجلست خلف الجدار الخلفي. على البعد كان يجلس مثلي الكثيرون من الإخوان المسلمين لاصقين ظهورهم بالحائط يهتزون يمينا ويسارا. وكرة «الراكت» تقفز إلى الشارع فيجري وراءها الزملاء في بنطلوناتهم القصيرة. وتحضر عربة المأمور فتتصاعد الصفافير ونقف جميعا، وتتوقف الحركة في كل مكان وينطلق صوت البروجي وصف من الجنود يؤدي «سلام سلاح».
ومضت الأيام سراعا وأنا أحاول أن أنفرد بنفسي عبثا لحفظ الدور ... إذا اختبأت تحت شجرة في الحديقة يرزقني الله بمن يعطف على حالي وتفزعه وحدتي فيجلس معي ولا يتركني أبدا. ... المسرح كما يبدو من الخشبة بعيون كبيرة سوداء فاغرة الفم لا يظهر منها إلا أشباح في المقدمة ترتدي الألوان الكاكية الفاتحة كأنها صف من الأسنان.
بعد الكلام ... إذا بالفوهة تتحرك وتخرج منها موجة من الضحك الهادئ. لقد بدأ العملاق يتحرك أخيرا ... وأحسسنا بروح ودية مرحة تهب علينا من الفوهة السوداء.
أثناء التمثيل انطفأ النور، وظهر الجمهور شاحبا في ضوء القمر. ارتفع صوت مأمور: اجري يا حضرة الصول خلي المكنة تأجل النور ساعة كمان.
انتهى التمثيل. لا. لن يكون هناك فهيم العابد ثانية. ستنطفئ الأنوار ويتحول الجمهور والممثلون إلى نزلاء وضباط وجنود. وسيخرج السجانة مفاتيحهم ويدفعون بنا إلى الزنازين. أما هذا المسرح المضيء فستذهب مقاعده وبطاطينه وأخشابه وأنواره في كل ركن من أركان السجن ولن يبقى من ذكراه إلا مسطح من الرمال.» ⋆
عالم غريب :
تقدم × من المقعد ثم جلس عليه واضعا قدمه اليسرى فوق سطحه والثانية على الأرض، وأخرج مجموعة من الأوراق من جيبه وأمسكها بأصابع مرتعشة وهو يحاول تركيز نظراته فيها ليتغلب على ارتباكه ثم بدأ يتكلم: «أنا بأقول ...» وهو ينظر بين الحين والحين إلى الورق الذي يحمله في يده ليتذكر نقطة معينة.
لجمهور الجالسين الذين تبعثروا في أنحاء الغرفة
31
يمينا ويسارا وأعلى وأسفل
32
وفوق الأرض، كان × تجربة سيمر بها كل منهم وبعضهم مر بها من قبل. فكل منهم سيجلس مكان × إن عاجلا أو آجلا وسيتكلم، ولهذا كانت نظراتهم تتابع ارتعاش أصابعه باهتمام وتحاول أن تتبين على وجهه آثار ارتباكه، وتتابع كلامه في لهفة حتى يكشف عن اضطراب عندما يتلعثم في الكلام. وكانوا جميعا يوشكون على الابتسام في إشفاق من إدراكهم لحتمية اضطراب ×. لكن × خيب ظنهم واستطاع أن يواصل الحديث.
استرخى الجالسون في أماكنهم وقد بدأ كل منهم يتابع بنصف انتباه ما يقوله × وبالنصف الآخر يستدعي من ذاكرته ما يعرفه عنه أو يتأمله من خلال عاطفة نحوه.
والحقيقة لم يكن بينهم من يكرهه. ولم يكن بينهم أيضا من يحبه. وربما السبب في ذلك هو أنه كان مغلقا على نفسه لا يسمح لأحد أن يقترب منه أبدا. كان يشك دائما في الناس؛ في كلماتهم وما يختفي وراءها. ولا بد أن في طفولته وصباه الباكر تفسير هذا كله. لكن أحدا لم يكن يعلم شيئا عن طفولته وظروف نشأته. وقد كان يحدث أن يوجه إليه الآخرون أسئلة عابرة عن أسرته فيجيب ببساطة: أبوه الموظف وأمه وإخوته. كان يفهم ما وراء هذه الأسئلة فيريد أن يقطع على السائل الطريق. وعندما كان يبدي في تصرفاته حساسية معينة ويتأثر بسرعة من تصرفات الآخرين فينكمش على نفسه. لكنه كان يضطر للحديث كثيرا. وقد كانت تأتي لحظات لا بد وأن يتكلم فيها.
فما إن يفتح أحد أمامه موضوع الصحافة حتى يتوفز ويتكلم بلهجة فخمة وشعور جارف بأنه يعرف أكثر الناس، وله طريقة في الحديث هنا فيها القطع والثقة (في كلمته إشارة لزميل له في لندن ...) لكنه لم يلبث أن اكتشف أن هناك من يعرف أحسن منه. وكان يؤلمه أيضا أن زملاءه أخذوا الفرصة ومنهم من اشتهر الآن في الصحف والتليفزيون، فكان يؤكد معارضته للجميع.
ولأنه شاب ومع شباب فقد كان الحديث يتطرق دائما إلى النساء. وكل الناس لديها قصص. وحكى هو قصة معينة. كانت القصة مخرجة إخراجا دقيقا. واضطر أن يعترف لأحد الناس بأنه يعاني من النقص في هذا الميدان. ولهذا كان لا بد أن يقف في جانب مضاد للجميع.
وكان لا بد أن تأتي اللحظة التي يشعر فيها بالحاجة إلى آخر. مزيد من العزلة وتأكيد اختلافه مع الجميع ورغبته في الابتعاد عنهم وهجرانهم وفقد الانتماء و(الابتعاد والإدارة من خلال واحد آخر - النوم طول اليوم).
ومن خلال نسمة أمل ومناقشات حاول أن يخرج من هذه العزلة. ولعله حاول أن يؤكد ذاته. وعندما طلبوا منه أن يتكلم كان قد نسي ما يعلمونه عنه. وأوجد لنفسه قضية (معارضته للعالم) يدافع عنها. إنه سيتكلم ضد هؤلاء أو في صف أقلية منهم على أساس أنا صح وهم كلهم مخطئون. وهو أخيرا يحقق نفسه.
ابتسامة
ماك - جمود وجه
إبراهيم - ابتسامات. وعندما انتهى من كلمته وقام لم تتغير كلمة الناس عنه ولم يغير هو فكرة الناس. ما زالوا يبتسمون بين أنفسهم في سخرية. ولم يتابعوا كلامه باهتمام - ولم يبحثوا هل كان فيه شيء هام . وعاد إلى مكانه. وقام آخر مكانه.
33 ⋆
عالم غريب :
جلس على الأرض، وبسط ساقيه نصف بسطة أمامه، ووضع عدة أوراق على الأرض بين ساقيه. ثم أخذ يتكلم وهو يحرك يديه في تأكيد. ودب الاهتمام وسط الجالسين واعتدلوا جميعا في أماكنهم ومن كان سينام أو سارحا التفت في انتباه إلى الجالس على الأرض. وهو يتكلم في حمية وثقة دون أن ينظر لواحد منهم بالذات ... وانصبت كل الأنظار عليه ... كان يرتدي بذلة بيضاء خفيفة ... أشرقت أسارير الجميع وصفت نظراتهم ... لم يعد من المهم ماذا يقول ... وهو مندفع في الكلام في ثقة استوحاها ... كان هو الآن في قمة انفعاله ... والعيون تتابعه في لهفة ودقة ... وتوقف فجأة ... كأنما يبحث عن كلمة مقنعة ... لكنه لم يجدها ... فخلع قميصه ضائقا بالحر وألقاه جانبا ... ثم (...) في أسف عندما انتهى من كلامه.
34 ⋆
عالم غريب :
خرج
ج
ثم دخل. حاقولكم خبر (كانوا يتكلمون في موضوع. فجأة لا يفكرون إلا في شيء واحد. خبر واحد هو الذي يكون مهما لدرجة تدفع
ج
إلى قطع الجو وقوله) لكنه يذكر لهم شيئا تافها جدا عن أحدهم هو في نفس الوقت يشغل حيزا كبيرا من أفقه الضيق وإثبات الذات (فكرة سجن ومستشفى أسيوط). ⋆
عالم غريب :
تمدد
سعيد
فوق أعلى سرير ووجهه إلى أسفل، وتدلى ساعده عن حافته في انهزام. كيف سيسعد هؤلاء في حياتهم الجنسية.
35 ⋆
وصل
ع.
فهرع إليه
أ. ق.
بالأحضان لأنه أكيد (...) في أيام الأزمة.
36 ⋆
الليل ... ⋆
عالم غريب :
إبراهيم
بكرسيه: أنا على رأس هؤلاء. قبل
لوموند
تفكير وبعده تفكير. كان عندي أزمة عاطفية - البلشفي البلشفي.
37 ⋆
عم سليم
يوم العيد وهو يحاول أن يجذب الشبان إلى الحديث معه بعد خلافه معهم. ⋆
عالم غريب :
ساويت مخدتي بدقة. وكانت عبارة عن مجموعة من الملابس القديمة وفوطتي وضعتها فوق بعضها، وأي خلل في ترتيبها يجعلني لا أنام، ثم تمددت فوق الفراش الذي كان عدة بطاطين على الأرض.
جذبت البطانية فوق وجهي. لأحول بين عيني والنور. وظللت هكذا برهة. ثم اعتدلت على جانبي الأيمن وفتحت عيني. كان هناك سرير مرتفع يمتد أمامي مباشرة. وفي الفجوة الصغيرة بين مستوى الرقاد والأرض كانت هناك مجموعة ضخمة من الصناديق والعلب والزجاجات. كانت هذه كلها أشياء «
عم سليم » الذي ينام فوق السرير. وبجواري مباشرة كتبي وزجاجة حبر وعلبة سجائر وفرشاة الأسنان والقلم. وكان الغبار يتكوم هنا كثيرا حتى أنظفه بعد أن أخرج كل هذه الأشياء وأعود أرتبها من جديد.
وأطفأ أحدهم النور فتنهدت في راحة. ومددت يدي فتناولت سيجارة من العلبة وأشعلتها واعتدلت على ظهري. وأخذت أدخن في الظلام. وأنا أفكر في المحنة التي سأواجهها وأدعو الله أن أنام بسرعة وأخيرا نمت (كنت أتمنى أن تدخل أشيائي تحت السرير فيكون المنظر أجمل).
واستيقظت فجأة على صوت خربشة بجواري فرفعت البطانية. ألفيت الغرفة ما زالت مظلمة. ولكن
عم سليم
كان منحنيا بجواري وهو يعبث بيديه الضخمتين في صندوق الكرتون. لم يكن ليرى في الظلام؛ فقد كانت له عين واحدة. لا أدري عم كان يبحث. لكن الصوت كان حادا. اضطربت الزجاجات.
لم أستطع النوم بعدها وظللت هكذا حتى الصباح. وقمت ألعن. في اليوم التالي تكرر الأمر.
وفي اليوم الثالث قررت أن أكلمه. ذهبت إليه وقلت له:
عم سليم ... إنت زي والدي ... أنا لي رجاء عندك. - قول يا بني. - الصندوق بتاعك ... أشيلهولك بالليل بعيد والصبح أرجعه مكانه ....
38 ⋆ «الفلسفة في مفتاح جديد»،
لانجر : - عندما يتم استغلال كافة الأسئلة القابلة للإجابة والتي يمكن صياغتها بمصطلحات فلسفات معينة، لا يتبقى لدينا سوى تلك القضايا التي تسمى أحيانا «قضايا ميتافيزيقية»، قضايا بغير حل، يتضمن طرحها نفسه تناقضا. - يتخذ الناس مواقف متعارضة من الأسئلة القديمة بدلا من محاولة الوصول بالأفكار المطروحة إلى دلالاتها التالية فهم يبحثون عن معتقد معقلن، لا عن أشياء جديدة يفكرون بها. - حيوية ونشاط الخيال لا يعملان بالإرادة؛ فهما نافورتان لا آلتان، ز. ج. جيمس، الشك والشعر. - «العقل اللغز»،
ليونارد ترولاند ،
1926 : المخ يترجم بنشاط الخبرة إلى رموز، تحقيقا لاحتياج أساسي. إنه يقوم بعملية مستمرة من تكوين الأفكار. ⋆
عن الأغاني والشكولاتة (
غرام وانتقام قبل 48 ):
أسمهان : دخلت مرة جنينة، أشم ريحة الزهور، نويت اداري آلامي (صوت الأم المليء )، أنا أهوي.
ليالي الأنس في فيينا.
الماضي المجهول : مين يشتري الورد مني. وانا بنادي واغني، منايا في قربك أشوفك واشوف نفسي جنبك، أنا قلبي خالي والا انشغل بك، يا ما أرق النسيم!
عبد الوهاب : ياللي نويت تهجرني - ما كانش ع البال - يا وابور رايح على فين - راح اقول في عنيك - طول عمري عايش لوحدي. -
صباح : توتة توتة أنا إنسية، لا أنا عفريتة ولا أنا جنية. -
فريد الأطرش : آدي الربيع عاد من تاني ... والفجر هلت أنواره، بأحلى همسة لأحلى وردة فاكرها لسه زي النهارده. -
ثومة : نهج البردة.
اللي حبك يا هنايا - ماهي غلطتك. أشرح لمين.
أحلام : يا عطارين دلوني، هيا إلى المروج.
شافية أحمد : الورد، البوسطجية اشتكوا. ⋆
3 أبريل ، ضرب النار. إصابة
لويس إسحاق .
39
ثم موته. الطمأنينة؟ ⋆
9 أبريل . - الجنازة الصامتة.
40
في العصر عند الباب: الهواء رائع والحديقة أمامنا. وخلف الجبل قرص الشمس. دائرة واسعة كاملة صفراء برتقالية وحولها رمادي (الحمير الذين يهاجمون التجريد). - أقرأ
لفرويد . حديثه عن الرموز الجنسية مهم. الطيران. - في الأحلام: التكثيف: التحام أجزاء وعناصر لا صلة بين بعضها وبعض في الواقع كما في لوحات بكلن - الأجراس - الصورة البصرية (بترجمة تراجعية).
نهاية اليوميات
فذلكة ختامية
في الرابع من
أبريل 1964
كان جميع المعتقلين قد أفرج عنهم. ولم يتبق في
الواحات
سوى مائة واثنين من المسجونين الشيوعيين تعرضوا لمدة شهر وعدة أيام لحالة من الشد والجذب بين الإفراج والبقاء وراء الأسوار. وأخيرا تم ترحيلهم إلى سجن
أسيوط
ثم توزيعهم على سجون المحافظات. ووجدت نفسي في سجن
بني سويف
ثم تجمعنا مرة أخرى في سجن
مصر
ثم أفرج عنا.
1
وكانت آخر دفعة أفرج عنها في العاشر من شهر
مايو 1964
بعد بدء زيارة
خروشوف
بيوم. ويبدو أنه كان هناك أمر بألا يتبقى مسجون واحد داخل الحبس بعد منتصف ليلة ذلك اليوم.
ولا أذكر اليوم المحدد الذي تم الإفراج فيه عني، ولعلها كانت الدفعة الأخيرة بسبب الطريقة التي تم بها. إذ عكست الصراع الذي كان دائرا في قمة السلطة بشأن الموقف من الشيوعيين.
2
ولعلها أيضا كانت حلقة في لعبة الشطرنج الدائرة بين الطرفين؛ فقد أنزلتنا سيارات «الترحيلات» في الطرقات في ساعة متأخرة من الليل بعد التنبيه علينا بتسليم أنفسنا إلى مراكز الشرطة في الصباح لإتمام إجراءات الإفراج وتسجيل العناوين التي ستجرى بها المراقبة القضائية.
قضيت الليلة مع آخرين من زملائي في منزل لا أذكر صاحبه بحي
القلعة . وفي الصباح توجهت إلى قسم شرطة شبرا الذي يقيم
أحمد القصير
في دائرته. وكنت قد اتفقت معه على أن تجري مراقبتي القضائية في منزله.
رافقني أحد الجنود من مركز الشرطة إلى منزل
القصير . استقبلتنا أخته معتذرة عن عدم قبولي بسبب حضور والديها من الريف. فعدت إلى مركز الشرطة، وفي المساء ظهر
محمد الخياط ، الذي قضى اليوم في الطواف على مراكز الشرطة، لإخراج المحتجزين من زملائنا، مستغلا أمرين؛ الارتباك السائد في دوائر الشرطة بسبب الإفراج المفاجئ عن أعداد كبيرة من المعتقلين والمسجونين. والثاني بشرته البيضاء وقامته الطويلة وملابسه الكاجوال وحذاؤه الرياضي وكلها توحي بأنه من رجال المخابرات. وبالفعل نجح في الإفراج عني، ولا أدري أين قضيت الليلة، وفي الصباح أسلمت نفسي إلى مركز شرطة
مصر الجديدة
وسجلت نفسي في بيت إحدى قريباتي. وبعد شهرين - في أول يوليو 1964 - استأجرت غرفة مفروشة في أحد منازل
مصر الجديدة
ظل رجال الشرطة يزورونني فيها كل يوم بعد غروب الشمس حتى صدور العفو الشامل في
ديسمبر
من نفس العام. •••
خلال ذلك توالت أحداث الفصل الأخير من الدراما التي بدأت قبل أكثر من خمس سنوات وانتهت بتصفية الحركة الشيوعية المنظمة.
كانت هناك اتصالات مستمرة بين القيادات السياسية داخل المعتقل وبين
عبد الناصر
وأعوانه في الخارج. وكان يقوم بدور الوساطة مع حدتو عناصر يسارية لم تتعرض للاعتقال بسبب ارتباطاتها السابقة بتنظيم الضباط الأحرار (مثل
خالد محيي الدين
و
أحمد فؤاد
و
يوسف صديق
و
أحمد حمروش ) أو لأنها ابتعدت في الخمسينيات عن الارتباط التنظيمي بالشيوعيين. أما بالنسبة لمجموعة «الحزب» فقد تردد الحديث عن مكاتبات سرية بين
محمد حسنين هيكل
و
إسماعيل صبري عبد الله . وفي كل هذه الاتصالات كان النظام يطلب شيئا واحدا هو حل التنظيمات الشيوعية تماما، على أن يتاح لأعضائها العمل السياسي من خلال الاتحاد الاشتراكي، كما ذكر
عبد الناصر
في حديثه ل
إريك رولو
في صيف عام 1963.
ظلت هذه المراسلات تدور في تكتم شديد أكثر من عام مع التنظيمين اللذين تقاربت مواقفهما. وعندما انتهت مدة سجن
شريف حتاتة
و
صلاح حافظ
لم يتم اعتقالهما كالمألوف (بل سمح للأول بالسفر إلى
الجزائر
في زيارة شخصية) ثم ألحقا بتنظيم «طليعة الاشتراكيين» الذي بدأ
عبد الناصر
في منتصف عام 1963 تكوينه داخل «الاتحاد الاشتراكي» كجزء من لعبة شطرنج معقدة ربما شملت الاستعداد لمواجهة مع
عبد الحكيم عامر ، وتدعيم دور الزعيم المصري أمام كل من الاتحاد السوفييتي والعالم الغربي، والقضاء التام على المنافس المحتمل الذي يجيد العمل في الشارع. لكن الشيوعيين تمسكوا بأنهم لا يمكن أن يتخذوا قرارا بشأن مصير تنظيماتهم وهم وراء القضبان، أسرى للعزلة والتهديد.
وعندما خرج الشيوعيون إلى الحرية ألفوا أنفسهم معزولين عن جماهيرهم؛ فقد حققت الثورة للفئات الشعبية كثيرا من المكاسب وخلقت كثيرا من فرص العمل، إلى جانب موقفها الصلب من الاستعمار، وكسبت بذلك الغالبية الساحقة من الجماهير. لقد حققت كل ما دعا إليه الشيوعيون وأكثر، وتم ذلك في ظل شعارات يسارية وخطاب يعبر عن الفهم العلمي للاشتراكية.
3
فماذا يريدون الآن؟
انعكس هذا على التنظيم فأصيب بحالة تميع. والتقطت السلطة بعض قياداته وألحقتها بالتنظيم الطليعي، ثم مارست مجموعة من الضغوط - بمساندة بعض اليساريين - وتوعدت بأنها لا تقبل التعامل مع من يعملون تحت الأرض، فإما حل الحزب أو الصدام الفوري والمباشر.
4
كانت هذه هي الأرضية التي دفعت الكوادر إلى الاقتناع بإنهاء الشكل المستقل لوجودهم والانضمام إلى التنظيم الرسمي «طليعة الاشتراكيين». •••
ذكر
عيد صالح
أحد قيادات
حدتو
في شهادته
لرفعت السعيد :
5 «حضر الرفيق
خليل (
كمال عبد الحليم )
6
اجتماع لجنة منطقة
الإسكندرية ، وعندما أحس أنني و
صابر زايد
و
سيد حسن
و
محمد يونس
ضد فكرة الحل قال إننا لن نحل الحزب في واقع الأمر وإنما سنتظاهر بالحل لنتخلص من الضغوط ومن العناصر المريبة، وإننا سنعلن تفويضه كي يتصل هو بالسلطة ليتفاوض معها ثم نقوم نحن بتجميع أنفسنا في سرية تامة ونبني حزبا جديدا.» لكن ما حدث كان شيئا آخر.
انعقد على عجل كونفرنس لتنظيم
حدتو
في 14 مارس 1965 في بيت
يوسف صديق
بالهرم لمناقشة إنهاء الوجود المستقل، لم يحضره كثير من القادة مثل
محمد شطا
و
زكي مراد
و
أحمد الرفاعي
و
شريف حتاتة ؛ لأنهم كانوا قد صاروا أعضاء في التنظيم الطليعي.
كان المتفق عليه وجوب استمرار الحزب وعدم إنهاء وجوده إلا في حزب واحد مع المجموعة الاشتراكية على أساس الماركسية اللينينية. لكن النقاش جرى حول أن إنهاء الوجود المستقل يمكن أن يساعد على تحقيق تكوين الحزب الواحد. وفي أغرب حادث من نوعه في تاريخ الأحزاب الشيوعية، اتخذ المجتمعون قرارا بأن يقتصر وجودهم التنظيمي على المسئول السياسي -
كمال عبد الحليم - الذي «سيجسد فكرة
حدتو
بشأن حزب واحد يضم أعضاءها جنبا إلى جنب أعضاء التنظيم الطليعي.»
وما إن أقر المجتمعون القرار بالإجماع حتى أعلن
كمال عبد الحليم - وقد تجسدت فيه إرادة
حدتو - إلغاء الوجود التنظيمي المستقل. وهرع إلى مكتب تلغراف ليرسل إلى
عبد الناصر
برقية تقول: «إن أجمل ما نقدمه لك في هذه المناسبة التاريخية (إعادة انتخابه رئيسا) أن مندوبي الحزب الشيوعي المصري
حدتو
في اجتماعهم الذي عقدوه اليوم قد قرروا فيه إنهاء وجودهم المستقل إيمانا منهم بما تدعون إليه من وحدة القوى الاشتراكية في تنظيم سياسي واحد للثورة. وبأن هذا الحزب الواحد للثورة وبقيادتكم هو البديل للتنظيم المستقل.» التوقيع:
كمال عبد الحليم .
وعقد التنظيم الآخر اجتماعا مماثلا في الشهر التالي، قرر «إنهاء الشكل المستقل للحزب، وتكليف كافة أعضائه بالتقدم كأفراد لطلب عضوية الاتحاد الاشتراكي والنضال من أجل تكوين حزب اشتراكي واحد يضم كل القوى الثورية.»
7 •••
توقع الجميع أن يتم تنفيذ الوعود. وجرى الاتفاق بين قادة
حدتو
وكل من
أحمد حمروش
و
أحمد فؤاد
على أن يدخل جميع أعضائها التنظيم الطليعي. وأعدت كشوفات للدمج التنظيمي بين الطرفين ثم كانت المفاجأة بعد أسبوع؛ فقد تم إبلاغ ممثلي
حدتو
أنه حدث لبس، ولن يكون هناك دمج أو غيره، وأن التنظيم الطليعي سيحدد العناصر التي سيضمها إليه.
وكان التنظيم الطليعي نفسه هيكلا هشا يضم بعض الدكاكين الخاصة؛ واحدة
لحمروش
وأخرى
لهيكل
وثالثة لشيخ الأزهر وهكذا. وبينما أعطيت عضوية الاتحاد الاشتراكي لعدد من المثقفين الشيوعيين - استبعد منهم الشقيقان
كمال
و
إبراهيم عبد الحليم - إلا أنها حجبت بشكل مطلق عن العمال.
واستمر معتقل
القلعة
وسجن
طرة
يستقبلان الشيوعيين تحت دعاوى كثيرة منها «التلسين على النظام»! واعتقل أيضا كل من عارض منهم الحل، بل اعتقل عدد من قيادات منظمة الشباب الاشتراكي وأساتذة المعهد العالي للدراسات الاشتراكية سنة 1966 بدعوى الترويج للمذهب الماركسي. وفي نفس السنة اعتقل أيضا
كمال عبد الحليم
بسبب اشتراكه في مناقشات حول نتائج قرار إنهاء الوجود المستقل ترددت فيها دعوة إلى استعادته.
8
وساد البلاد جو بوليسي تسبب في نشر السلبية واللامبالاة والعزوف عن النشاط السياسي بين عامة الشعب. •••
فقد الشيوعيون الرؤية المستقلة ففقدوا البرنامج المستقل، وفقدوا مبرر وجودهم المستقل.
لقد تخيلوا أن
عبد الناصر
يحتاج إلى التعاون معهم للاستفادة من خبرتهم في العمل وسط الجماهير ومن تفانيهم، وأنه سيقتنع بإخلاصهم فيتيح لهم الاشتراك في تطوير البلاد وتحويلها إلى الاشتراكية. كان أقصى ما يطمحون إليه أن يكونوا جنودا باسلين، لكن
عبد الناصر
لم يرغب في جنود يمكن أن يتحولوا إلى جنرالات.
وكما قال
رفعت السعيد ، فإنهم كشفوا عن سذاجة تامة؛ إذ اعتادوا الفصل الغريب بين الحكم وأجهزته، بين
عبد الناصر
ووزارة الداخلية.
كانوا مجموعة من المثاليين استمدوا تقديرهم لذواتهم من سمو الأفكار التي آمنوا بها ومن قدرتهم على التضحية في سبيلها. لم يكونوا انقلابيين، وآمنوا بالجماهير وبقدرتها على صنع الأحداث، وسعوا دائما إلى الالتحام بها وتبني مطالبها.
9
ولم يجعلوا الوصول إلى السلطة هدفا لهم ففاجأتهم تحولاتها. وكانت لهم أخطاء لأنهم كانوا بشرا؛ فقد عانت غالبيتهم من عواقب الجمود النظري والتطرف اليساري. لكنهم ضربوا أمثولة في الإصرار والارتفاع فوق الآلام والمصالح الذاتية لدرجة التخلي عن تنظيماتهم وقبول أدوار ثانوية لمصلحة البلاد.
10
والمضحك أنهم لم يكونوا على هذا المستوى فيما بينهم؛ فلم يتمكنوا من الاتحاد؛ إذ عانت قياداتهم من الانفرادية وتورم الذات ووهم امتلاك الحقيقة المطلقة. وهي على أية حال عيوب عانت منها بقية القوى الوطنية العربية.
على أن أهم ما قاموا به هو أنهم جلبوا المنهج العلمي للخطاب الشوفيني الغوغائي الذي ساد الحركة السياسية قبل أن يطلق
عبد الناصر
ثورته الاجتماعية. فاستحقوا مكانا إلى جوار الزعيم العظيم الذي حدد سقفا للأهداف الوطنية والاجتماعية لم يعد من الممكن التنازل عنه؛ ولهذا ستظل الظاهرتان، الناصرية والشيوعية، بالرغم من كل المثالب، من الظواهر المضيئة في تاريخنا الحديث. •••
لم يعد أحد إلى عمله إلا بعد جهد، فيما عدا الصحفيين المعتقلين الذين استردوا وظائفهم بعد أقل من شهر من الإفراج. ولم يسمح للمدرسين وأستاذة الجامعات بالعودة إلى أعمالهم السابقة وألحقوا بأعمال إدارية. وكان قرار العودة يشفع عادة بتوجيه سري يحذر من تولي الشخص أي مسئولية قيادية. وظلت غالبية العمال بلا عمل لسنوات.
11
وكان «مكتب
مصر
للترجمة والنشر» قد أغلق أبوابه عقب اعتقالنا. وبعد شهور من الإفراج استدعيت مع آخرين لمكتب في قصر
عابدين
حيث سئلت عن العمل الذي أود الالتحاق به وعن الراتب الذي أتوقعه. وخلال ذلك كنت قد قررت عدم مواصلة الدراسة والتركيز على الكتابة، ونشرت في مجلة «المجلة» عدة عروض كتب وترجمات، ثم وجدت عملا في مكتبة الكتب الأجنبية التي كانت تملكها أرملة
شهدي
مقابل عشرة جنيهات في الشهر. وفي صيف 1965 تركت العمل لأذهب إلى منطقة
السد العالي
مع
كمال القلش
و
رءوف مسعد ، حيث قضينا ثلاثة شهور في محاولة لتحقيق حلم الكتابة عن المشروع العظيم.
وبعد شهور أخرى - في
ديسمبر 1965 - تلقيت وثيقة تعيين في مصنع
أبو زعبل
للشركة الأهلية للصناعات المعدنية بوظيفة «كاتب أ» بشهادة «التوجيهية» (الثانوية العامة) فتجاهلتها (ولعلي قلت لنفسي بعد أن قرأت مكان المصنع: تاني!) وبعد فترة استدعيت مع مجموعة ممن لهم علاقة بالإعلام؛ ابتداء من عامل الطباعة
محمد الزبير
إلى
إبراهيم عبد الحليم
للقاء وزيرها
عبد القادر حاتم . في مبنى التليفزيون. وبعد عامين من الإفراج - في أول يوليو 1966 - تسلمت العمل محررا بوكالة «أنباء الشرق الأوسط» بمكافأة شهرية مقدارها عشرة جنيهات، رفعها
فتحي غانم
عندما تولى رئاستها إلى عشرين ليتمكن أيضا من زيادة مكافأة
محمد يوسف الجندي
الذي عين معي والذي تربطه - أي
فتحي غانم - علاقة وثيقة بأسرته. •••
انقطعت صلتي التنظيمية
بحدتو
منذ لحظة الإفراج دون قرار منها أو مني؛ فلم يسع أحد منا إلى الآخر. وفيما بعد لم أشترك لا في الاتحاد الاشتراكي أو التنظيم الطليعي، ولا حضرت أيا من ندوات لجنة الفكر والدعوة التي رأسها
كمال رفعت
ونائبه
محمد نصير . لم يدعني أحد لشيء من ذلك؛ فلم أكن بذي شأن. كما كانت لي أجندتي الخاصة.
ففي غرفة
مصر الجديدة
والغرف التي تلتها كنت أتدبر أكبر مغامرة قمت بها في حياتي، وهي أن أكون كاتبا.
هوامش
مدخل
يوميات
1962
1963
1964
فذلكة ختامية
نامعلوم صفحہ