حضرت حوريات مروان، وهو يودع الرجل. سألته ريحانة: هل عرفت ذلك الرجل؟ - لم أعرفه، لكن أظنني قد شاهدته يوما. - هو فيلسوف مستنسخ، أعيد إلى الحياة قبل خمسة عشر عاما، سيعيش حتى العشرين ثم يموت. توفي في زمانك، أظنك شاهدته في حياتك السابقة إنه «إشو» من مقاطعة دلهي. - يا للهول! كان فيلسوف عصره في الهند، أنكر جميع الأديان!
7
ذات يوم عند الظهيرة، خرج مروان من البيت بصحبة توسي في نزهة إلى المدينة. مشى مروان في الشارع يحدث توسي: «أنت أبدعك الإنسان وعليك أن تطيع مبدعك، كما نحن البشر نطيع مبدعنا الله. ما شاء الله، لا ينقصك إلا الروح!» ثم حدثه عما أساءه في هذا العصر، وما هو عقاب الخروج عن الدين والشرع .. وجد مروان أن توسي عقله يضاهي ولدا ابن خمس عشرة سنة، على الرغم من المدة البسيطة التي عاشها بجانبه. وهما يمشيان في الشارع قطف مروان برتقالا، وقضم منها، وكذلك فعل توسي ورمى بها أرضا. دخلا متنزها واختلى مروان في مكان خال وصلى صلاة العصر، وصلى توسي إلى جانبه.
عاد توسي من نزهته في الحديقة، وقد قطف زهرتين مضيئتين وعدة ثمرات، ولم ينهره مروان، رآه رجل، فقال لمروان: «إنك لم تحسن تربيته.» في طريق العودة إلى المنزل ذكر ما قاله الفيلسوف له: «أما ترى أن من تحبه دائما يكون في القلب، تطيعه في كل ما يأمرك به، وتنفذ ما يطلبه منك في سعادة غامرة لترضيه، ولو كلفك جهدا ومشقة، كذلك حين يكون الله في القلب.»
8
ازدادت النسوة بهجة بحملهن؛ فتجاهلن عن الكثير من سلوك مروان الذي طرأ منه. ففي ذات ليلة ومروان مع نسائه يتناولون وجبة العشاء، وحليب الصويا الممزوج بشراب التفاح والعنب، لم يعد مروان يتناوله لرائحته التي تفوح كرائحة الخمر. سأل عن الانتخابات التي تحدث في العالم، أخبرته ناريس بأنه ليس هناك انتخابات، بل الحاسوب هو الذي يقوم باختيار الأفضل لرئاسة العالم كل أربع سنوات، لديه معلومات عن كل فرد منذ الصغر، ويقوم أيضا باختيار رؤساء للإقليم، وهناك من يعتذر عن الرئاسة، فيحل محله الذي يليه في الكشف المعد من قبل الحاسوب. ضحك مروان وقال: «ونحن لدينا انتخابات نزيهة، يبقى الرئيس دورتين انتخابيتين، ثم يصبح مستشارا لخلفه، يقدم له خبرته!» ردت عليه سناء قائلة بتعجب: «أظنك قد نسيت، أو أنك تكذب! لقد شاهدنا في فيلم ذاكرتك، وأنت تتحدث في ديوان كبير، وهم يأكلون أعشاب الشاي عن تزوير الانتخابات، والانقلابات الدموية، ويستمر الحاكم في الحكم حتى يتوفاه الله، وهناك من يورث منصبه إلى أبنائه .. ومنهم من يري شعبه عبيدا له، ويسمي الشعب باسمه، والبلاد باسمه.» التفتت سناء نحو زميلاتها، وكانت بعضهن تمسح على بطنها، وقالت: «أظن أن مروان سيعود إلى سلوكه القديم!» دافعت مريانا عن مروان، ورأت أن تصرف سناء هو بسبب أنها لم تحمل مثلهن. أما بروسي فراح يساند سناء، وقال: «مروان أفسد سلوك هذا المنزل.»
9
ذات ليلة جلسوا جميعا يشاهدون المتحف التاريخي لعظماء البشرية عبر التاريخ، الذين غيروا بفكرهم مسيرة الإنسانية السلوكية والروحية. ظهر الدليل السياحي يبتسم، وقال: «انتفخت بطونكن، ستلدن قريبا، أنا مسرور لذلك.» فتح بابا يؤدي إلى صالة عظيمة تنتصب فيها تماثيل عدة يبدون في هيبة ووقار، وقال: «سأتحدث عن عظماء قدستهم البشرية قبل الإنسان الجديد.» وهو يشير إلى تمثال عيسى وهو مصلوب، وأخذ يسرد حياته .. ثم أشار إلى تمثال كل من بوذا، كونفوشيوس، بولس الرسول، زرادشت، ماهافيرا، لاو تسو، وصورة لموسى منحوتة في صخر البازلت الأخضر. وحين أشار الدليل إلى تمثال .. قال الدليل عنه: «إنه أعظم مؤثر روحي في تاريخ البشرية!» وقف مروان والغضب يتأجج فيه يكاد ينفجر كالبركان، لكنه حاول كتم غضبه! ومشى في الغرفة ذهابا وإيابا، يضرب يدا بيد يقول: «لا حول ولا قوة إلا بالله! كفرت هذه الأمة، لم أعد أحتمل، عالم أوجد جنته في الأرض، لكنه لا دين له!» سألهن بصوت عال وهو يواري غضبه: كيف عرفوا أوصافه، وأوصاف الآخرين؟!
ردت مريانا: يا عزيزنا لقد أصبحت فردا من هذا العالم، أنت الآن إنسان آخر.
عاد يسألها وبركان الغضب يتأجج داخله: «كيف نبشوا قبره، واستنسخوه؟! عالم ملعون، سيخسف الله به، هذا لا يجوز، بعث الموتى قبل يوم القيامة، ينحتون تماثيل للأنبياء!» وعاد يسأل وهو في حالة غضب: «وكم عاش بعد ما استنسخوه؟! جاوبته مريانا وهي في غاية القلق: عشرون عاما، والمستنسخ لا يستنسخ مرة أخرى أو ينجب.» بقي يمشي في الصالة متوترا، يود أن يحطم كل شيء. أخذت فرضانا تهدئه تقول له: يا مروان ستفسد لقاحك. لا تدع النار التي فيك تحرق الجنة داخلك. سينفيك هذا الغضب إلى خارج هذا العالم، بين الشواذ. سنكون نحن أول من ينفيك، رغم حبنا لك!
نامعلوم صفحہ