58

یوم اسلام

يوم الإسلام

اصناف

أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت * وإلى السماء كيف رفعت * وإلى الجبال كيف نصبت * وإلى الأرض كيف سطحت ، وحجج اليونان مبنية على المنطق من مثل: هذا العالم حادث. وكل حادث لا بد له من محدث.

ونحو ذلك من ضروب الأقيسة المنطقية، وفعل الشعور في الإنسان أقوى من فعل العقل الذي يعتمد عليه مذهب المعتزلة. وكما حورب المعتزلة بواسطة الخلفاء كالمتوكل حوربوا أيضا من العلماء أمثال الأشعري، الذي تعلم على الجبائي المعتزلي، ثم رد على المعتزلة وشنع عليهم حتى دحرهم. ومع الأسف كانوا يمتازون إذا قورنوا بمنهج أهل الحديث بحرية العقل والتفكير، وعرض الإسلام على محك المنطق، ومن غير شك كان يكون أمر المسلمين أحسن حالا وأكثر حرية لو انتصروا على المحدثين؛ فإن انتصار المحدثين كان معناه - مع الأسف - الركود والاعتماد على النقل أكثر من الاعتماد على العقل، وعلى أقوال المؤلفين أكثر من المبتكرين، ولهذا قل أن تجد في المؤلفين مبتكرا، فإن عددت رجلا كابن خلدون أو جمال الدين الأفغاني عددت ندرة تقاوم وتحارب لا تؤيد وتعضد.

وطريقة الإسلام الاعتماد على ال

Induction ، أعني الاستقراء فهو يتتبع المسائل الجزئية ما أمكن، ثم يستنتج منها القاعدة الكلية، كما فعلوا في النحو والصرف؛ فكانوا يتبعون الجزيئات المعروفة؛ ليستنتجوا منها قاعدة «الفاعل مرفوع»، أما الفلسفة اليونانية أو فلسفة أرسطو فعمادها على ال

Deduction ؛ أي الاستنتاج، فهم يضعون القاعدة الكلية ثم يستنتجون منها النتائج الجزئية كقولهم: إن الأجسام تتمدد بالحرارة، فالحديد جسم؛ إذن فالحديد يتمدد بالحرارة ... وهكذا، وقد أدتهم طريقة الاستقراء هذه إلى الإمعان في الشك والتجربة، فنرى كثيرا مما كتبه الجاحظ في كتاب «الحيوان» يبتدئ بالشك ثم يعرض على محك التجربة، ولا بأس عنده أن يخطئ أرسطو فيما قاله، ويفضل عليه أعرابيا بدويا فيما قاله. وسار النظام على هذا حتى في الأحاديث النبوية فكان يشك فيها أولا، ثم يعرضها على مقتضى العقل ليعرف أصحيحة هي أم غير صحيحة؟ فكان الغزالي والجاحظ أسبق إلى الشك من ديكارت، وكان مسكويه أسبق من داروين في تقريره مذهب النشوء والارتقاء في كتاب «تهذيب الأخلاق»، وكان الطوسي أسبق من أينشتين في فهم الزمنية، غاية الأمر أن مواد العلم الأولية كانت لهؤلاء المتأخرين أوفر، والزمن لهم أعون، والحقائق عندهم أكثر اتضاحا، والتعبير أبين، ويسودهم مذهب التحليل أكثر من مذهب التركيب، فما يقوله علماء العرب في جملة يقوله المتأخرون من الأوروبيين في كتاب وهكذا. وقد نسبوا إلى روجر بيكون أنه أول من قال بالاستقراء في النهضة الأوروبية الحديثة ، مع أنه خريج الجامعات العربية في إسبانيا. وعيب العرب أنهم لم يجدوا من يمجدهم، ومزية الأوروبيين أنهم يمجدون دائما من يعلي شأنهم، وهكذا الشأن في ابن خلدون؛ فإنه سبق ديكارت في تأسيسه علم الاجتماع، والفرق بين كتب الاثنين أنه أيضا بنى كتابه على مذهب الاستقراء الذي سار عليه العرب أكثر مما سار على مذهب الاستنتاج الذي سار عليه الأوروبيون. •••

والمنقصة الثانية للعرب منقصة العصبية القبلية، فقد حارب الإسلام هذه العصبية، ودعا إلى الوحدة، وقال: ليس منا من دعا إلى عصبية أو قاتل عصبية، ومع ذلك ما لبث العرب أن عادوا إلى عصبيتهم كما كانوا في الجاهلية. والتاريخ الإسلامي مملوء بحوادث العصبية في الشرق والأندلس وحيث كان العرب.

قال ابن خلدون في أول الجزء الثالث مصدرا الكلام على الدولة الأموية: «كان لبني عبد مناف في قريش جمل من العدد والشرف لا يناهضهم فيه أحد من سائر بطون قريش، وكان فخذاهم - بنو أمية وبنو هاشم - حيا جميعا ينتمون لعبد مناف وينسبون إليه، وقريش تعرف ذلك وتسأل لهم الرياسة عليهم، إلا أن بني أمية كانوا أكثر عددا من بني هاشم وأوفر رجالا، والعزة إنما هي بالكثرة، وكان لهم قبيل الإسلام شرف معروف. ولما جاء الإسلام ودهش الناس بما وقع من أمر النبوة والوحي وتنزل الملائكة وما وقع من خوارق الأمور؛ نسي الناس أمر العصبية مسلمهم وكافرهم؛ أما المسلمون؛ فنهاهم الإسلام عن أمور الجاهلية كما في الحديث: «إن الله أذهب عنكم عيبة الجاهلية وفخرها؛ لأننا وأنتم بنو آدم، وآدم من تراب.» وأما المشركون فشغلهم ذلك الأمر العظيم عن شأن العصائب، ولذلك لما افترق أمر بني أمية وبني هاشم بالإسلام إنما كان ذلك الافتراق بحصار بني هاشم في الشعب لا غير، حتى كانت الهجرة، وشرع الجهاد، ولم يبق إلا العصبية الطبيعية التي لا تفارق وهي نعرة الرجل على أخيه وجاره في القتل والعدوان عليه، فهذه لا يذهبها شيء ولا هي محظورة، بل هي مطلوبة ونافعة في الجهاد. ثم إن شرف بني عبد مناف لم يزل في بني عبد شمس وبني هاشم، فلما هلك أبو طالب وهاجر بنوه مع رسول الله

صلى الله عليه وسلم ، وحمزة كذلك، ثم من بعده العباس، والكثير من بني عبد المطلب، وسائر بني هاشم خلا الجو حينئذ من مكان بني هاشم بمكة، واستغلظت رياسة بني أمية في قريش، ثم استحكمتها مشيخة قريش من سائر البطون في بدر، وهلك فيها عظماء بني عبد شمس: عتبة، وربيعة، والوليد، وعقبة بن أبي معيط، وغيرهم.

فاستقل أبو سفيان بشرف بني أمية والتقدم في قريش، وكان رئيسهم في أحد وقائدهم في الأحزاب وما بعدها. وقد من رسول الله

صلى الله عليه وسلم

نامعلوم صفحہ