وولّى عيسى بن عليّ بن صالحٍ نيابةً عن ولده العباس فيما أرى، فوجد عنده من الكفاية والضبط وحسن السيرة ما أراد، فقدّمه وكبر عنده وأحبّه. وكان المأمون كلّما غزا الصائفة لقيه عيسى بن عليٍّ بالرقة. ولا يزال معه حتّى يدخل الثغور، ثم يردّ عيسى إلى عمله.
وولّى المأمون في سنة ٢١٥ قضاء حلب عبيد بن جناد بن أعين مولى بني كلابٍ فامتنع من ذلك، فهدّده على الامتناع فأجاب.
ثم ولّى المأمون عبيد الله بن عبد العزيز بن الفضل بن صالحٍ لما غزا الصائفة في سنة ٢١٨ العواصم. وفيها مات المأمون. وإنما وليها عبيد الله عن العباس ابن المأمون في غالب ظنّي، فإن العباس ولي حلب قنسرين والجزيرة من سنة ٢١٤ إلى أن توفي أبوه المأمون بالبذندون من أرض طرسوس.
وبويع أبو إسحاق المعتصم فأقرّ العباس بن المأمون على ولايته، وكان الجند قد شغبوا، وطلبوا العباس ونادوه باسم الخلافة. فأرسل المعتصم إليه، وأحضره، فبايعه، وخرج إلى الناس وقال لهم: ما هذا الحبّ البارد قد بايعت عمي، فسكنوا.
وسار المعتصم إلى بغداد والعباس معه، فلما توجّه المعتصم إلى الغزاة، ومرّ بحلب في سنة ٢٢٣، ودخل إلى بلاد الروم، اجتمع به بعض الجند ووبّخه على ما فعل من إعطاء المعتصم الخلافة، وحسّن له تدارك الأمر. فاستمال جماعةً من القواد، وعزموا أن يقبضوا على المعتصم وهو داخلٌ إلى الغزاة فلم يمكّنهم العباس وقال: لا أفسد على الناس غزاتهم.
فنمي الخبر إلى المعتصم فقبض على العباس وعلى من ساعده على ذلك، وهو عائدٌ من الغزاة. فلما وصل إلى منبج سأل العباس الطعام وكان جائعًا فقدّم إليه طعامٌ كثيرٌ فأكل. فلما طلب الماء منع وأدرج في مسحٍ فما بمنبج في ذي العقدة سنة ٢٢٣.
وولّى المعتصم حلب وقنسرين حربها وخراجها وضياعها عبيد الله بن عبد العزيز بن الفضل بن صالح بن عليٍّ الهاشميّ.
ثم إنّه ولّى أشناس التركي الشام جميعه والجزيرة ومصر وتوجه وألبسه وشاحين بالجوهر في سنة ٢٢٥.
ونظر في صلات المعتصم لأشناس فوجد مبلغها أربعين ألف درهم، وأظن أنه بقي في ولايته إلى أن مات سنة ٢٣٠ في أيام الواثق.
وولى الواثق عبيد الله بن عبد العزيز بن الفضل بن صالح الهاشمي حلب وقنسرين حربها وخراجها وضياعها، وأظنه كان متواليًا في ايام المعتصم من جهة أشناس، فأقره الواثق على ولايته. وولى الواثق قنسرين وحلب والعواصم بعد عبيد الله، محمد بن صالح بن عبد اله بن صالح، فكانت سيرته غير محمودةٍ، وكان أحمر أشقر فلقب سماقة لشدة حمرته ويقال: إنه أول من أظهر البرطيل بالشام، ووقع عليه هذا الاسم، وكان لا يعرف قبل ذلك الرشوة على غير إكراه، وكان أكثر الناس سكوتًا، وأطوعهم صمتًا، لا يكاد يسمع له كلام إلا في أمر يأمر به، أو قولٍ يجيب عنه.
وكان قاضي حلب في أيامه أبا سعيد عبيد بن جنّاد الحلبي، وتوفي سنة ٢٣١، وكان المأمون ولاه قضاء حلب وله يقول عمرو بن هوبر الكلبي في قصيدة يغض منه؛ أولها:
لا درّ درّ زمانك المتنكّس ... الجاعل الأذناب فوق الأرؤس
ما أنت إلا نقمةٌ في نعمةٍ ... أو أصل شوكٍ في حديقة نرجس
يا قبلة ذهبت ضياعًا في يدٍ ... ضرب الإله بنانها بالنقرس
من سرّ أبطح مكةٍ آباؤه ... وجدوه وكأنّه من قبرس
وهذا عمرو بن هوبر كان من معراثا البريدية من ضياع معرة النعمان وولي في أيام المتوكل معر تمصرين، وقتل بها.
وكان الواثق قد ولى الثغور والعواصم دون حلب وأعمالها أحمد بن سعيد بن سلم بن قتيبة، وأمر بحضور الفداء مع خاقان وصاحب الروم ميخائيل، فأمضى الفداء سنة ٢٣١.
ثم إنه غزا شاتيًا، فأصاب الناس شدة، فوجد الواثق بسبب ذلك عليه وعزله وولاها نصر بن حمزة الخزاعي.
1 / 10