يسيرون خلفا وهو يهنى بعيشة
ما قرب الوقت المعين لقيام الباخرة إلا وقلبي يخفق خفقانا زائدا، وفؤادي يتلهف وعيوني تتزود من البلاد بنظرة، وفكري يجول في إمكان العودة وعدمها. والقارئ لو يشاركني في حالتي وأنا مغادر بلادي العزيزة التي أحبها كما أحب نفسي التي بين جنبي إلى بلاد يقال بتوحش أهلها، وساع وراء مقصد لست متحققا من نجاحه، وتارك ورائي حبيبة تذرف الدموع لبعدي وأذرف الدماء لبعدها؛ فإنه لا شك يشفق علي. كل ذلك كان يتمثل في مخيلتي وأنا على ظهر الباخرة التي بقي على ميعاد قيامها ساعتان، وإذا بأحد سعاة المركب يسأل المسافرين عن شخص اسمه أمين فريد، فلما سمعت اسمي قلت له: «ما تريد منه؟» فقال: «لدي كتاب أحضرته من البوسطة له»، فقلت له: «أنا هو»، فناولني كتابا، نظرت في عنوانه فعرفت أنه خط سكينة، وعلمت أنه مرسل من الرمل، وهاك عنوانه:
السويس
المحترم أمين أفندي فريد، يوجد على ظهر الباخرة الخديوية التي تقلع من المينا الساعة 10 صباحا.
ففضضت ختامه وقرأت:
حبيب فؤادي
حذار من القرطاس عند استلامه
ففيه شواظ من جوى الوجد تلهب
وما كان عمدا وضعها فيه إنما
تنفست جمرا حينما كنت أكتب
نامعلوم صفحہ