ففي غيرها لا شك أنك نائله
وأدرى الورى من عاند الدهر قصده
موت مذاقا بالخطوب مناهله
وأودع في نار التجارب مدة
وأثقل من حمل المصائب كاهله
وما المرء إلا حيث يسعى لرفعة
فتبقي له ذكرا جميلا فعائله
لعمري لم ترسل الشمس أشعتها الذهبية على سرير نائم أكثر مني حزنا وأكسر مني قلبا وأتعس مني عيشا وأشغل مني فكرا، مرت تلك الليلة لم يزر فيها النوم جفني وأنا أتفكر في وصية والدي وحالة شقيقي وكيفية الوصول إليه والحصول عليه، فصرت أضرب أخماسا لأسداس وأتصور أني في مكة أبحث عن شقيقي شريف، وتارة أتصور أني لم أعثر عليه، وتارة أتصور قبره أمامي، وتارة أتصور أن عرب الحجاز تفتك بي ... إلى غير ذلك من الوساوس، حتى فتح باب الغرفة ودخلت سكينة، فلما رأتني مستيقظا قالت: أنت مستيقظ، وأنا لم أرد أن أدخل عليك خوف إيقاظك بعد سهرك في الحديقة؟! - شكرا لك، وهل تظنيني أنام؟
فقالت: ألم تنم أمس؟ فقلت: وهل أنا مثلك أنام الليل؟ شتان بين من أثقلت الهموم كاهله وبين خلي يحلم بالسعادة طول ليله. - إذا استمررت معي على هذه المعاملة فإني أموت ولا شك. - لا تموتي، فسوف أمنع عنك هذه المعاملة بذهابي من بيتكم فما عاد لي عيش فيه، ولكم الشكر على ما أسديتم إلى والدي وإلي من المكارم. - وكفى بالله، لا أقدر أن أسمع هذا الكلام. - ستسمعينه يا سكينة بالرغم عنك وبالرغم عني.
فبكت ولم تتكلم مطلقا، ولكن قمت فلبست ملابسي ووضعت وصية والدي في جيبي، وسألتها عن محل والدها فقالت: إنه في انتظارك لتفطر معه. فخرجت وخرجت معي إلى حيث يجلس والدها، فلما رآني متغير الوجه قال: إنك لم تنم إلا قليلا يا فريد.
نامعلوم صفحہ