لأن البواعث حق والغايات أوهام، ونحن حين نسعى إلى غاية، فنحن منخدعون بها قبل الوصول إليها وبعد الوصول إليها، وقد نسعى إلى غاية ونصل إلى غيرها، وقد نصل إلى الغاية التي نريدها، فإذا هي هباء لا يساوي مشقة السعي في سبيله.
أما البواعث فهي حق لا مهرب منه، وهي شيء موجود، لا خلاف في وجوده، وهي مصدر التعبير، والتعبير دليل الحياة.
فإذا بحثنا عن الأدب فلنبحث عن شيئين لا يعنينا بعدهما مزيد وإن وجد المزيد: أهناك باعث صحيح؟ أهناك تعبير جميل؟ فإن وجد الباعث والتعبير، فقد أدى الأدب رسالته وبقي على الدنيا أن تستفيد منها إن شاءت ... وهي تستفيد بمشيئتها وبغير مشيئتها من كل عمل يجري على سنة الحياة. •••
ويقول أديب ببيت المقدس: «سؤال عنا نحن الشرقيين: ما بال رجالنا يتقاتلون، ويخذل بعضهم بعضا حين نرغب في عمل يفيد بلادنا؟ أهو حب الظهور؟ أهو الغرور؟ أهو العناد والجمود؟»
والسؤال جديد قديم منذ قال جمال الدين - رحمه الله: «اتفق الشرقيون على ألا يتفقوا.»
أما السبب فقد تكتب فيه المطولات، وقد يوجز في سطور، ونحن في مقام الإيجاز، فعسى أن نحصر السبب في كلمات قليلة تدل على مكان العلة، وتترك المجال بعد ذلك مفتوحا للطبيب المأمول: طبيب الزمان.
إن الخلاف يطول كلما قل الحكم المسموع.
والحكم المسموع بين الرجال العاملين هو تمييز الأمة أو الرأي العام، كما نسميه في الاصطلاح الحديث.
فالأمم التي بلغ الرأي العام فيها مبلغ التمييز يخاف المخطئ أن يصر على خطئه فيها؛ لأنها تقضي عليه.
والأمم التي لم تبلغ مبلغ التمييز يطمع المخطئ في تضليلها، ولا يخشى المتنازعون فيها عاقبة نزاعهم على الحق أو على الباطل، فيطول أجل النزاع ويصعب الفصل فيه.
نامعلوم صفحہ