وأمنيتي ...!
«... فهمنا من مقالكم «أمنيتي» ما هي العلاقة بين الفروسية وقرض الشعر، أو بين أن تتمنى قيادة الجيوش، وأن تتمنى النبوغ في الأدب، ولكن تسمحون لي أن أقول: إن العلاقة بين التدين والأدب لا تزال غير جلية، فهل تتفضلون بتوضيحها ... ... ولا أدري هل تمنيتم الأدب ولم تتمنوا شيئا آخر من الدنيا؟ ألم تتمنوا السعادة مثلا؟ ألم تتمنوا لذة من لذات الحياة؟ أليس الحب أمنية للشاعر وإخوانه من رجال الفنون الجميلة؟ فما قولكم في هذا ؟ هل يغني الأدب وحده عن كل هذه الأماني المحبوبة؟!» •••
هذه نبذة من خطاب مطول في التعقيب على مقالنا السابق عن أمنيتي في الحياة، نعود بها أو تعود بنا إلى هذا الموضوع الذي لا يزال أبدا في حاجة إلى تكملة كاحتياج المرء إلى التمني، واستكناه ما يتمناه، وإطالة القول في هذا وذاك.
ويلوح لي أن الأديب المستفهم يبحث عن علاقة بين الأدب والتدين، كالعلاقة بين الأدب ونظم الشعر في ميدان القتال للتحدي والتهويل على الأنداد.
فالشعر قريب من الفروسية؛ لأن الفرسان كانوا ينظمون الشعر بين الصفوف، فهم فرسان شعراء، والقرابة بين الطائفتين واضحة على هذا المنوال.
ولكن ما هي العلاقة بين الإيمان الديني والنزعة الأدبية؟ هنا يقول الأديب المستفهم: إن العلاقة يحيط بها شيء من الغموض.
والواقع أن العلاقة هنا أوضح وأقرب إذا بحثنا عن المناسبات السطحية التي من قبيل نظم الشعر بين صفوف القتال للتحدي والتهويل؛ فإن كثيرا من الشعراء ينظمون في الأغراض الدينية، وفي الغزل الإلهي، وفي شطحات الصوفية وأهل الطريق، فإن كان هذا هو المقصد من العلاقة بين الإيمان الديني والنزعة الأدبية، فما أوضح الموضوع وما أبعده من الغموض! إن الشعراء الصوفيين لا يقلون عن الشعراء الحماسيين، وقصائدهم رائجة بين الناس كرواج قصائد الفرسان؛ لأن حلقات الأذكار وما يشبهها أشيع في الأندية والمجالس التي تنشد فيها سير الأبطال بلغة الفصحاء أو بلغة العوام.
ومن ذكرياتي في هذا الصدد أنني نظمت الشعر في الأغراض الدينية، كما نظمته في المناجزة والدعوة إلى القتال.
فقد أسلفت بمقالي السابق أنني أوشكت أن أسلك طريق «الدروشة»، وأنقطع عن الدنيا ومساعيها، وكنت خلال ذلك أسمع الأذان من مؤذن المسجد المقارب لبيتنا وهو منشد مشهور بجمال صوته وحسن إلقائه، فكان يشجوني أن أسمع مقدمات الأذان قبل صلاة الجمعة، وهي الأناشيد الثلاث التي كانوا يسمونها حسب ترتيبها بالأولى والثانية والثالثة، وكلها من الشعر المنظوم في التصوف أو مدح النبي - عليه السلام.
وكان مسموحا للناشئين أن ينشدوا هذه القصائد مع المؤذن أو على انفراد، كان إنشاد الناشئين مفضلا مستحبا؛ لأنهم أقرب إلى صفاء النفس وطهارة العبادة.
نامعلوم صفحہ