214

أكلام فارغ هذا؟

أهو كلام لا يعنينا ولا يدخل في حسابنا؟

كلا ... لأن التفسير المادي للتاريخ مذهب عملي في الحياة الاجتماعية قام على القول بأن المادة هي القديمة وأن العقل هو الحديث، وتوطدت عليه دعوة «كارل ماركس» التي فعلت بعد ذلك الأفاعيل في مجرى السياسة العالمية، وفي مجرى العلاقة بين الطبقات، ولو استطاع فيلسوف أن يقنع الإمام وأتباعه بقدم العقل وحدوث المادة لتغير تاريخ الكرة الأرضية، وتغيرت نظرات الملايين من الناس إلى الحياة.

فهذه الصناعة التي تسمى بالفلسفة لا تغادر الطبيعة كل المغادرة، ولا تنطلق منها إلى ما وراءها بغير رجعة إلينا في حياة الغذاء والكساء.

وإهمال هذه الصناعة غير مأمون على مهمليها؛ لأن الفرق بين الفلسفة الصالحة والفلسفة الطالحة قد يكون فرقا بين ثورة واستقرار، أو بين حرب وسلام، أو بين هداية وضلال.

ونحن حين نذيع البشارة بقيام الفلسفة في مصر لا نذيع بشارة سماوات الخيال، ولا ننسى الذين يعيشون ويعلمون أنهم يعيشون؛ لأنهم يأكلون ويشربون ويلبسون؛ أو لأنهم لا يطلبون من هذا الوجود مطلبا غير المأكل والمشرب واللباس. •••

نعم في مصر فلسفة.

نعم وفيها عناية بالكتب الفلسفية.

وآية ذلك أننا تلقينا في عام واحد نحو عشرين رسالة في المباحث الفلسفية وما إليها، وعلمنا أنها تقرأ في بيئة المتعلمين الذين يؤدون الامتحان المدرسي، وتقرأ في بيئة المطلعين الذين يقنعون بالاطلاع.

من هذه الرسائل القيمة رسالة للأستاذ الجليل مصطفى عبد الرازق باشا عن فيلسوف العرب، والمعلم الثاني، والشاعر الحكيم، وابن الهيثم، وابن تيمية، فيها أوفى تعريف ينال بمثل هذا الإيجاز.

نامعلوم صفحہ