الوجه الثالث: لولم يقبلها لما حسن تكليفهم بعد وقوع المعصية؛ لأنه لا يكون لهم، والحال هذه طريق إلى الإنتفاع بما كلفوه.
وأما الثواب للمطيعين: فالدليل على وجوبه أن الله تعالى قد كلف هذه التكاليف الشاقة، فلو لم يثب من أطاعه وتحسب معاصيه لكان ذلك ظلما من حيث ألزمهم الشاق ولم يجيزه بنفع، والله يتعالى عن ذلك، ومثاله من الشاهد كمن يستأجر أجيرا، ولا يوفيه أجرته فإنه يكون ظلما، والحال هذه والدليل على وجوب بعثة من له ثواب أو عوض أن الله قد كلف هذه الأمور الشاقة، والتوصل إلى الإثابة عليها لا تكون إلا بالبعثة، وما لا يتم الواجب إلا به يكون واجبا كوجوبه.
وأما وجوب الانتصاف فالذي يدل عليه أن الله تعالى [33ب] قد خلى بين عباده، ومكن القوي منهم على الضعيف، ولم يمكن الضعيف من دفع القوي فلم ينتصف لكان التخلية منه قبيحة، ومثاله في الشاهد أن ولي الأيتام لو خلى بينهم، ولم ينصف لبعضهم من بعض لكانت التخلية قبيحة.
وأما الموضع الثالث: وهو في حقيقة المكلف، والمكلف، والتكليف، وذكر الاحترازات فيها، وهذا الموضوع هو المقصود مما ذكره الشيخ (رحمه الله تعالى)، وإنما ذكرنا المواضع الباقية لإيصالها بما ذكره (رحمه الله) من حقيقة المكلف، ولأنها مما تعرض في حقيقة المكلف فاحتجنا إلى الكلام فيها.
أما حقائقها فهو يستعمل في أصل اللغة، وفي الاصطلاح.
أما في أصل اللغة: فالمكلف هو الباعث على ما سبق من فعل، أو ترك قلنا على ماسبق من فعل، أو ترك احتراز ممن يأمره أو يحرك ريشه فإنه لا يقال أنه كلفه؛ لأن التكليف مأخوذ في اللغة من الكلفة وهي المشقة، والتكليف هو البعث على ما سبق من فعل أو ترك، والمكلف هو المبعوث على ما سبق من فعل أو ترك.
وأما في الاصطلاح: فقال الشيخ (رحمه الله تعالى): هو من أعلم بوجوب بعض الأفعال عليه، وقبح بعضها منه مشقة يلحقه في الفعل، والترك مالم يكن ملجأ إلى شيء من ذلك.
صفحہ 57