وفي الغائب إلا أنه لا يستحيل أن يقدر ويعلم، والدليل على صحة ما ذهب إليه أبو هاشم، وفساد ما ذهب أبو الحسين وابن الملاحمي أنا نقول: قد ثبت هذا الأمر الذي هو الصحة أن يقدر ويعلم فلا يخلو إما أن يثبت بمجرد الذات أو لذات أخرى، أو لصفة محال أن يثبت لمجرد الذات؛ لأنه كان يلزم أن يصح في الجماد أن يقدر ويعلم، وباطل أن يثبت لذات أخرى، لوجوه ثلاثة:
أحدها: أن لو ثبت لذات أخرى، وكان المرجع بهاإلى البنية لزم في القديم تعالى أنه إنما صح أن يقدر ويعلم؛ لأجل بنية مخصوصة، وأنتم لا تقولو به.
الثاني: أن صحت أن يقدر ويعلم حكم صدر عن الجملة فوجب أن يكون المؤثر فيه راجعا إلى الجملة.
الوجه الثالث: أنه لو ثبت لأجل البنية للزم في الميت واليد الشلا أن يقدر ويعلم؛ لأن فيهما بنية، ولو صح يف القديم تعالى أن يقدر ويعلم لأجل ذاته يصح ذلك في كل ذات؛ لأن الذوات مشتركة في أنها ذوات، وإنما اشترط في صفاتها فإن أراد بقوله لذاته المخصوصة أنها مخصوصة بأمر زائد على الذات فقد أثبت بالصفة، وليس من قوله، وإن أراد بها مخصوصة بأنها ذات فليست مخصوصة بذلك، بل الذات كلها مشتركة في معنى الذات، وهو أنه يصح العلم بها على انفرادها، فلم يبق إلا أنه أمر زائد على البنية في الشاهد وفي الغائب زائد على ذاته تعالى، وأما أن الحكم إذا ثبت في الشاهد فقد تقدم، فإن قيل: أليس أن القادر العالم في الشاهد حيا ولا يلزم أن يكون القادر العالم في الغائب حيا، وإلا فما الفرق بين الموضعين؟
والجواب: عن ذلك من وجوه:
أحدها: أن هذا جمع بين أمرين من غير علة جامعة وى طريق ناظمة، وما هذا حاله فلا يقبل قياسكم على صور المسائل باطل.
الثاني: أن هذا إنما يجب لو صح أن العالم القادر في الشاهد إنما وجب كونه جسما؛ لأنه قادر عالم، فحينئذ كان يجب في الغائب مثله كما ذكرنا في كونه حيا، وهذا مما لا سبيل له إلى تصحيحه.
صفحہ 257