والشرط الثاني: وهو أن يكون عالما بالدليل الذي ينظر فيه فالذي يدل على ذلك أن النظر لا بد له من متعلق وهو الدليل المنظور فيه فمن شرط توليده للعلم أن يكون عالما بالدليل، فإن لم يعلمه ولكنه كان ظانا له أو معتقدا فإنه لا يولد للعلم، وإن كان قاضي القضاة قد[55أ]ذكر في موضع أن من اعتقد الدليل ووجه دلالته اعتقادا مطابقا فإنه يولد إعتقادا نحو من اعتقد أن العالم محدث وأن المحدث لا بد له من محدث، فإن نظره يولد إعتقادا أن للعالم صانعا، ولكن لا يكون المتولد علما؛ لأن العلم لا يبنى على الإعتقاد الذي ليس بعلم ولا يستنتج منه، فعلى هذا يكون الشرط في وجود النظر أن يعلم المنظور فيه، وهو الدليل أو الإنارة أو نظر ذلك أو يعتقده إعتقاد علم أو جهل، ومن شرط توليده للعلم أن يكون عالما بالدليل، ومن شرط توليده الإعتقاد المطابق أن يعتقد الدليل ووجه الدلالة اعتقادا مطابقا فإن كان اعتقاد جهل فإنه لا يولد وما يحصل عنده من الجهل بفعله ابتداءا إلا على وجه التوليد، وإذا قلنا إن من شرط توليده للعلم أن يكون عالما بالدليل فإنما يعني به أن يعلم ذات الدليل لا غير، ولا يجوز أن يراد به أن يعلم كونه دليلا؛ لأن العلم بكونه دليلا لا يحصل إلا بعد أن ينظر فيه ويولد نظره العلم، فلو كان من شرط توليده للعلم أن يعلم كونه دليلا للزم الدور؛ لأنه لا يعلم دليلا إلا بعد أن ينظر ويولد له العلم، وهو لا يولد له العلم إلا بعد أن يعلم أنه دليل.
وأما الشرط الثالث: وهو أن يكون عالما بوجه دلالة الدليل فينبغي أن نتكلم هاهنا في أمور:
أحدها: أن ينير وجوه التعلق، وأنه لا بد من الدليل والمدلول من تعلق، ووجه اشتراطه أن يكون عالما بوجه دلالة الدليل.
أما بيان وجه التعلق فهي أربعة:
أحدها: أنه لولا المدلول لما صح الدليل.
والثاني: أنه لولاه لما وجب.
والثالث: أنه لولاه لما وجب حسنه.
والرابع: أنه لولاه لما اختص.
صفحہ 101