362

فلما اخترمته المنية، بايع الناس مجد الدولة، إلا أن التي قامت عنه «7» كانت أختا للاصبهبذ بفريم وسائر مملكة الجيل «8». وهي في منعة من أهلها، وعزة من جانب أرضها، فتملكت عليه «9» الديلم، واستأثرت بالأمر والنهي، والحل والعقد، وجرت بينه وبينها مكاوحات «10» تأدت بها إلى استنهاض بدر بن حسنويه إليه، وامتلاك الري عليه. وجرت بينهم مناوشات أفضت بالديلم أولا، وبأهل الري ثانيا إلى بؤس وفاقة، ودماء مهراقة، وفتن ليس فيها قدر فواق «11» من إفاقة. وعن قريب يعود سقب «12» الخلاف جذعا «1»، وحبل الصلاح منقطعا؛ فتنتج عنه إبادة الرجال، واستباحة الأموال، وشرود الصلحاء في البلاد، وضراوة السفهاء بالإفساد.

ولما غرض «2» مجد الدولة بالأمر، وبما ينقدح على الدوم من شرر الشر، آثر البر في الاعتزال عن «3» سمة الإمارة «4». و«5» [205 ب] حمله الاعتراف لها بالطاعة على العقوق المفضي بمن تحت ولايته ورعايته إلى خطة الاحتناك، المشفي بهم على خطة الاجتياح والاستهلاك، فلزم البيت منفردا بالكتب والدفاتر، ومبيضا وجه الفضل بسواد المحابر.

وانفرد أخوه شمس الدولة «6» بولاية همذان وقرميسين «7» وما والاهما إلى حدود بغداد. وورث «8» بدر بن حسنويه أموالا عظيمة طالما حفظتها صدور القلاع مكتومة، وخنقتها خيوط الأكياس مختومة، ولم يلبث إلا قليلا حتى استغرقتها صلات الرجال، واستنفدتها حقوق الآمال، شيمة له في التحقق بالفضل، والتخرق في البذل.

صفحہ 377