296

قد كان بهاء الدولة وضياء الملة ينقم من الطائع لله أمورا لصدره فيها من غير وفاقه، [166 ب] وعدوله بها عن حكم استحقاقه، فدعاه ما توالى «9» عليه من خلاف رضاه إلى مراعاة مصلحة الدين والملك، باختيار من يرعى حق الإمامة، ويتولى حياطة الخاصة والعامة، ويعزل هوى النفس في اتباع الحق واستشعاره، ونصرة الدين وإظهاره «1»، وحماية الملك من أقطاره، وجعل يتلطف في التدبير عليه إلى أن تمكن منه، فخلعه واحتوى عليه وعلى ما كان جمعه، وذلك في شعبان سنة إحدى وثمانين وثلثمائة. وأرسل إلى البطائح وبها القادر بالله أبو العباس أحمد بن إسحاق بن المقتدر بالله فاستقدمه دار السلام لعقد البيعة له سدا للثلمة، ونظرا للأمة، وارتهانا للألفة، واجتلابا «2» لمصلحة الجملة؛ فقدمها في شهر رمضان من «3» هذه السنة. وتسارع الناس إلى مبايعته، وأصفقوا «4» على طاعته، وتراضوا عن طيب النفوس بإمامته، وتناهبوا شكر الله على ما أتاحه لهم من بركات خلافته، ثقة بما اشتهر في الآفاق من مناقبه الغر وضرائبه الزهر، وفضائله المسطورة على صفحات الدهر، فقام بما قلده الله من طوق الإمامة، مفوضا إليه أمره، ومتوكلا عليه وحده، فلم ير في مقره من سرير الخلافة أوفر منه حصاة، وأوقر أناة، وأصلب قناة، [167 أ] وأصدق تقاة، وأرضى سيرة، وأذكى بصرا وبصيرة، وأزكى علنا وسريرة، وأتم جزالة وجلالة، وأعم سياسة وحراسة. نعم، ولا أقوى منه جنابا، وأندى بنانا، وأجرى لسانا، وأعدل عقابا وإحسانا.

وعطفته عاطفة القربى على الطائع لله، فاستخصه لمنادمته، واجتباه لمصاحبته، وألحفه جناح رعايته وحمايته، تفاديا من غضاضة تلحقه في زمانه، أو نكبة ترهقه في ظل سلطانه، وجانب أمانه، إلى أن فرق بينهما الدهر المولع بالتفريق، وأخذ الرفيق عن الرفيق.

صفحہ 306