وعرفه أركان تلك الدولة «5» بشهامته وغنائه، وصرامته ومضائه. وتوسموا فيه الارتفاع إلى اليفاع، بهمته [10 ب] وذكائه. فحين صرف أبو إسحاق إلى غزنة «6» واليا عليها، وسادا مسد أبيه بها، انصرف هو بانصرافه، على جملته في زعامة رجاله، ومراعاة ما وراء بابه. فلم يلبث أبو إسحاق بعد معاودته إياها أن قضى نحبه، وودع عمره. ولم يبق من قرابته وبطانته، من يصلح لمحله ومكانته، واضطر العدد الدهم «7» من مواليه وموالي أبيه إلى من يتولى زعامتهم، ويتكفل بحسن الإيالة خاصتهم وعامتهم، فلم ينفكوا مختلفين في الاختيار، وساخطين غب «1» الاختبار، إلى أن جمعت «2» كلمتهم على تأميره، واتفقت آراؤهم على الرضا بتدبيره، والإذعان لحكم «3» تقديمه وتقديره «4». فماسحوه «5» بأيمانهم «6» طائعين، وحالفوه بأيمانهم «7» مبايعين، فولي أمورهم برأي صليب، وحزم عجيب، واهتمام سديد، وقيام بمصالحهم حميد.
ولم يزل يركض بهم على أطراف الهند غازيا، مجاهدا أعداء الله الكفرة بها ومفتتحا قلاعها، ومستخلصا ديارها ورباعها، ومحكما سيوفه في أهلها، مؤمنا من أسلم وشهد، وقاتلا من أشرك وجحد. وجرت بينه وبين عساكر الهند حين عيوا بأمره، وتضافروا على [11 أ] مدافعته، واستكفاف عاديته، حروب لبس فيها جلد النمر «8»، وأرث نارها تأريث المتذمر، وعض في معاناتها على جذم التصبر، وجافى «9» الجنب عن الضجعة، وأقنع النفس بالطوى والمخمصة، وأفضى تحته مركب الحمية، وحث أصحابه ورفقاءه على لذة الأمنية أو راحة المنية، كأنما عناه «10» عمرو بن الإطنابة الأنصاري «11» بقوله:
صفحہ 21