فخلفه في ترتيب الأمور «1»، وتدبير الجمهور، وتألف الإخوة والأقارب، واستمالة القلوب ببذل الرغائب، إلى أن استقل به سرير الملك مطاعا، وتناهضت ولاة الأطراف إلى بيعته سراعا، فوجدتهم قد عولوا في معانيها على ما سار في أكناف الحضرة من أشعار الفارسية [9 ب] لازدحام شعرائها على بابه الرفيع، بقصائدهم التي قد غبروا «2» بها في ديباجة الروذكي «3»، وصنعة الخسروي «4» والدقيقي «5». ولعمري أنها كافية شافية، ومن وراء «6» الإشباع والإقناع آتية، ولكنها دواجن «7» خراسان، لا «8» تعرف عن ديارها ارتحالا، ولا تألف غير أقطارها مجالا، فاقتضاني حكم ما أسلفته في هذا البيت الرفيع من خدمة، وتعرفته أيام الأمير الماضي قدس الله روحه من بركة اصطناع ونعمة، [ثم ما رسمه إلي الأمير أبو أحمد محمد بن يمين الدولة وأمين الملة] «9» أن أمتع أهل العراق بكتاب في هذا الباب، عربي اللسان، كتابي «10» البيان، يتخذونه سميرا على السهر، وأنيسا في المقام والسفر «1»، ويعرفون به «2» عجائب آيات الله تعالى في تبديل الأبدال، وتقليب الأمور من حال إلى حال، مبتدئا بذكر الأمير الماضي، أكرم الله مآبه، من حيث نشأت نبعته، وتفرعت دوحته، إلى أن استعان به الأمير أبو القاسم نوح بن منصور- برد الله مضجعه- في «3» تلافي «4» دولته، والانتقام له من أبي علي بن سيمجور، حين نزع يده من طاعته، واستجره بحفي مسألته، عن دار إقامته، لكفاية مادهاه من أمره وأمر من طابقهم من الترك على جفوته، وأطمعهم برسائله ووسائله في تورد «5» مملكته، وما جرى على يده [10 أ] من الفتوح المأثورة، والمقامات المشهورة، ومتبعا ذلك بلواحق من وقائع السلطان الأجل «6»، يمين الدولة وأمين الملة في الهند والترك والخلج «7»، وما أتيح له فيها من النصر والفلج، وما يتصل بها من أخباره، وأخبار ولاة الأطراف في جواره، والله ولي المعونة على درك المنشود، وإصابة الغرض المقصود.
ذكر أيام الأمير الماضي أبي منصور سبكتكين وأحواله
قد كان ذلك الأمير قدس الله روحه في جبلته أبي النفس، حمي الأنف، جرى ء القلب، قوي البطش، كريم الخيم «8»، رضي التدبير، كبير الهمة، كثير الحكمة. يتبين ذلك كله في خصاله وخلاله، ومتصرفات عزائمه «9» وأحواله.
صفحہ 19