وقيض الشيخ الجليل شمس الكفاة أبا القاسم أحمد بن الحسن «9» لوزارته، وتدبير أمور مملكته، من ذخره الله لزمان صادف فترة من أحرار الرجال، وأبناء الفعال، فلم يطبع مثله على غراره، ولم يضبع «10» شرواه «11» في مضماره، سجاحة «12» شيم، ورجاحة كرم، وسماحة كف، وفصاحة قلم، وهمة «1» ترى الدنيا هباءة «2» بين أخواتها الثائرة، بل نقطة موهومة من نقط الدائرة. وغدت «3» سدته ميقاتا للفضل وأهليه، وسوقا للأدب ومنتحليه، تجلب إليها بضاعات الفضائل بين منظوم ومنثور، ومختوم ومنشور.
وقد صنف طبقات الأدباء والكتاب تصانيف في ذكر أيامهم، وتصاريف أحوال الزمان بهم، بحسب قوتهم في البيان، [8 ب] وسهمتهم من بلاغة الخاطر والبنان، حتى أن أبا إسحاق إبراهيم بن هلال الصابي «4» عمل كتابه المعروف ب (التاجي في أخبار الديلم) «5»، موشى بحبر ألفاظه الساحرة، ومغشى بحلل معانيه الزاهرة، فحل عقد البيان بما قيده، وبيض وجه البلاغة بما سوده، فإن «6» تكن دولة «7» تقتضي إثبات محاسنها بالتخليد، وتقييد مآثرها بالتأييد، فهذه هي التي تقتضي الأدباء أن يخلدوا بتقرير معاليها «8» كلامهم، ويحلوا بتحرير مساعيها أقلامهم، ولو أدركها الماضون من أرباب التصانيف لودوا لو كانت ألفاظهم عن غيرها معزولة، وإلى ذكر محاسنها منقولة، ولحدثتهم أنفسهم بأن يعتذروا اعتذار أبي نواس «9» بقوله:
صفحہ 16