جاء في سفر الجامعة: «كنت ملكا، فزدت عظمة ونموا على جميع الذين كانوا قبلي، وجمعت لي فضة وذهبا من أموال الملوك والأقاليم، وكل ما ابتغته عيناي لم أدعه يفوتها، ولا منعت قلبي من الفرح شيئا، فإذا الجميع باطل.»
ولم يشتمل سفر الجامعة على جميع ما يرنو إليه أقصى الطموح من المحاسن فقط، بل يشتمل أيضا على بصيرة واسعة؛ فقد نفذ إلى أساس الحكمة البشرية.
فمما جاء في سفر الجامعة: «رأى قلبي كثيرا من الحكمة والعلم، ووجهت قلبي لمعرفة الحكمة والجنون والحماقة.»
وبطل ذلك السفر - وهو مؤلفه - كامل، فلا يعوزه شيء، وهو يملك كل ما يجوز دعوته بالسعادة، سواء أمن الناحية الذهنية أو الناحية الجثمانية.
وإليك كيف يرجع إلى نفسه فيسألها وهو أوج السلطان وذروة العلم الإنساني وهو في سواء ألذ الشهوات:
هل بلغ الغاية التي وجد من أجلها في العالم؟ أفيعرف هذا الهدف وحده؟ ما هو أساس جميع الأشياء؟ آلشرور؟ أصاحب سفر الجامعة سعيد؟
جاء في سفر الجامعة: «قلت في قلبي من جهة أمور البشر: إن الله يمتحنهم ليريهم أنهم كالبهائم ؛ لأن ما يحدث لبني البشر هو يحدث للبهيم، وللفريقين حادثة واحدة، كما تموت هي يموت هو، ولكليهما روح واحدة، فليس للإنسان فضل على البهيمة؛ لأن كليهما باطل، كلاهما يذهب إلى مكان واحد، كان كلاهما من التراب، وكلاهما يعود إلى التراب.»
ولكن الأمر ليس كذلك تماما، فلا يشابه الإنسان الحيوان مشابهة تامة؛ لأن الحيوان يأكل ويتمتع بجميع حواسه ويموت هادئا غير شاعر، وإنما يحمل الإنسان في نفسه بذرة الألم الخفي الخالد.
وصاحب سفر الجامعة إذ عرف أكثر من كل إنسان ذلك الغم الغريب والأمل القاهر والهم من العدم، رفع صوته متحسرا قائلا:
في كثرة الحكمة كثرة الغمة، ومن ازداد علما فقد ازداد غما.
نامعلوم صفحہ