فتفرست لأثبت إن كان يعني ما يقول، فما تبينت في وجهه دليلا.
وقلت له ذات يوم: في هذا الكتاب، وأشرت إلى مجلة أمامي، بعض سؤالات فهل تجاوب عليها؟ فقال: اسأل. قلت: ما ألذ ساعة في حياتك؟
فجاوب فورا: ساعة ترجع المعزى إلى البيت وبطونها مزكرة مثل عرانيس الذرة.
فقلت: وأبشع ساعة؟ ففكر قليلا وقال: ساعة أرجع وتكون حرمتي غائبة، والمعزى عطشانة، وبطني لازق بظهري من الجوع.
فقلت: وأصعب ساعة؟ فضحك وقال: ساعة أنسى الضبوة في البيت وتنسى أن تعطيني سيكارة.
وصعد دخان سيكارته حلقات حلقات، فانبسطت أسرته فقلت: من مع المعزى اليوم؟ فأجاب: الصبي. فقلت: تكثر الوحوش في الأيام الباردة. فأجاب: معه غدارة تفلق الصخر، وهو يصيب عين الدوري، شب يرضي خاطرك.
وفي يوم عم الثلج فيه كنت مستجيرا بالنار فإذا بمناد يصيح: يا مارون عبود. فردوا عليه، فأجاب: قولوا له يطل. فأسرعت إلى الباب فصاح بي من الجبل المقابل: «أيش رأيك بحياة المعاز اليوم؟ قل لشاعرك الفرنجي يعمل نشيدة جديدة.»
ودام الثلج في تلك السنة زهاء شهر، فتضايق أصحاب المواشي وخصوصا المعازة، عز المرعى وتكاثرت عليهم الوحوش، فكان بينها وبين معازنا وابنه معركة حامية، انقض ذئب ضار على المعزى وكاد أن يفترس الراعي، لو لم يغامر ابنه ويصرع الذئب برصاصة من غدارته.
وجاء الناس لنجدتهما، فراح فريق يبحث عن القطيع المذعور المشتت، وفريق حملوا المعاز الجريح، ولما استلقى على قفاه في زاوية بيته قال لي بصوت يرتجف: أتحسد المعازة بعد؟
فقلت: السلامة غنيمة.
نامعلوم صفحہ