فقال سيف في رنة شكر: أهي مواساة منك يا سيدي المبجل؟
فقال الشيخ: بل هو الحق يا ولدي. ليتني أجرؤ على أن أكشف لك نفسي، إذن لما وجدت في نفسك شيئا تحس فيه حرجا إذا كشفته. نحن نغلق أنفسنا على أنفسنا، وكل منا يحسب الآخرين أقل منه ضعفا، ولكن أي ضعف في سنن الطبيعة؟ إننا نحن نفسد هذه الطبيعة بأن نلقي عليها الأستار كأننا نخجل منها، إنه كذب لا يقل في بشاعته عن التدنيس. نحن ندنس الحب إذا تبرأنا منه، كما ندنسه إذا لهونا به، إنه كالميلاد والموت، لا محل فيه للخجل أو الخفاء، بل إن الذين يخفونه إنما يخفون شيئا آخر غير الحب؛ لأنه صريح بطبيعته السليمة. وأما الذين يخجلون منه أو يسدلون عليه الأستار المظلمة فإنما يتهربون من جريمة تدنيسه أو الإسفاف به، يتهربون لأنهم يخونون سنته الواضحة ويسخرون من رسالته العليا؛ رسالة الحياة نفسها.
وكان سيف يستمع إلى الشيخ في دهشة وأنس.
ولم يلاحظ أحدهما أن السماء قد تلبدت بالغيم وأن الهواء قد استدار إلى الغرب، حتى لمعت لمعة من البرق فجأة، وفرقع في أعقابها الرعد عنيفا، وأحسا قطرات من المطر تتوالى. فقال الشيخ: ألا نميل إلى هذا الشعب قليلا؟ إنه جبل ينور.
وكان سيف يعرفه ويحس رهبة كلما مر به، ودخلا في كهف فسيح به فجوات داخلة في الصخر من جانبيه، كأنها حجرات حول ردهة. وكان الظلام في جوف الكهف دامسا، يكاد يسمع فيه خفق أشباح خفية. وكانت بين الفجوات في ردهة الكهف مساطب ضخمة على جدرانها نقوش وصور عجيبة، بعضها ظاهر كأنما رفع الصانع يده عنها منذ ليلة، وبعضها مطموس تجري من بينه أخاديد مصقولة، كأن الماء كان يتحلب عليها من شقوق في سقف الكهف. فقال سيف في صوت حالم: لو اتخذت الجن قصورا لما اختارت خيرا من هذا.
ورنت كلماته بين الجدران عميقة مدوية، ثم أضاءت لمعة من البرق فتوهج الكهف لحظة، فانكشف باطنه بعيدا رهيبا، وانطلق صوت الرعد مجلجلا فيه كأنه صوت شياطين غضبى، وكانت الريح تزف فيه بما يشبه زئير السباع.
فقال سيف: كأن السماء غاضبة.
وأحس في نفسه قبضة. لم أرعدت السماء هكذا وأبرقت؟ وما الذي قذف هذا الكهف المظلم في سبيلهما في تلك الساعة؟
وعاد إليه شيء من الأنس عندما سمع صوت الشيخ يقول له: حقا إنه مقر جدير بالجن إن أرادت مقرا. فمن هنا يستطيعون أن ينفذوا من ظلمات باطن الأرض فيسترقوا منها فنون السحر الأسود، ومن هنا يستطيعون أن ينطلقوا إلى فضاء السموات ليسترقوا أسرار الغيب وطلاسم الكنوز المغلقة.
فقال سيف: وماذا تصنع الجن بالغيب والكنوز؟
نامعلوم صفحہ