51

فقال سيف: ولكن الحاكم يستطيع أن يصلح ويستطيع أن يسمو بالناس إذا خلصت نيته في الإصلاح.

فقال الشيخ وفي صوته هزة: هيهات يا ولدي! لعلك نسيت أنني عربي. لعلك نسيت أنني حاربت يوما في صفوف العرب ضد أبرهة.

فأطرق سيف حينا ثم قال: ولكن ذلك عصر مضى، وأبرهة اليوم ملك اليمن، والعرب رعاياه. بل لعلك أنت تنسى يا سيدي الشيخ أنني ابن ريحانة.

وخفق قلب الشيخ وقال: ما أجمل هذا يا ولدي! كأنني أسمع صوت ذي جدن.

فقال سيف: لقد نسيت يا سيدي أن أحمل إليك رسالتي، فإن أمي بعثت بي إليك ترجو أن تعود إلى غمدان.

فقال الشيخ: عهدتها نبيلة كريمة، فاحمل لها شكري ومحبتي.

وصمت لحظة ثم قال: واعتذاري.

فقال سيف في قلق: إذن فهل أقول إنني كذلك أتيت إليك راجيا؟ وهل أعزز رجائي باسم خيلاء؟

فقال الشيخ متأثرا: أنت تعرف ما لك وما لخيلاء عندي، ولكنك لا تعرف ما للملكة الرحيمة من دين في عنقي.

واستند برأسه إلى الوسادة التي وراءه وأغمض عينيه قائلا: احمل إلى الملكة الجليلة جميل عرفاني ورجائي أن تعفيني من العودة إلى صنعاء. لن أستطيع أن أعيش هناك طويلا، وأحس أن صفحتي قد طويت أو أوشكت أن تطوى، فدعني أقيم هنا في هذه الدار البالية أنتظر يومي. هنا لا أرى إلا السماء والنجم، أو هذا البستان الأشعث المضطرب، أو حقول الأودية المحيطة بي، حيث لا يلقاني إلا العامل الذي يسوق الثور، أو الراعي الذي يسير مع كلبه وراء غنمه، فهؤلاء أقرب إلى نفسي من كل السادة الذين أراهم في أبهاء غمدان. لا، لن أعود إلى غمدان.

نامعلوم صفحہ