فقالت في دفعة: إنك أنت تنبشه ليعود جديدا في بشاعته وقسوته، كأنك تجد متعة في العبث بجراحي.
فقال: حسبتها اندملت. أما زالت بك بعد كل هذه السنين؟
فقالت فيما يشبه الحقد: إذن فاعلم أنها لم تندمل ولن تبرأ أبدا. لن أنسى اليوم الذي جئت فيه إلى هذا القصر المظلم، ولن أنسى الكوارث التي ساقتني إليه، لن أنسى يوم جئت إلى هنا يسوقني عبيدك كأنني أمة.
فقال أبرهة: وهذه السنون العشرون. وهذه الفلذات التي نحيا فيها معا: مسروق وبسباسة. أما ترقين من أجلهما؟ أما تنسين من أجلهما؟
فتحركت ريحانة في ضجر وثارت في قلبها عاصفة مكبوتة. مسروق، بسباسة. أحقا هما ولداها؟ إنها تكاد تنكرهما، ألم تجعل اسمه «مسروق»؟
هكذا قالت في نفسها: «إنها لسرقة شنيعة أن تغتصب مني ولدا.» ولكنها جمجمت ما في نفسها وبقيت صامتة.
فقال أبرهة: أما تتغير هذه الجفوة على الدهر؟ هبيني أجنبيا أمت إليك بأنني قريب لهذين. أما تتغير هذه الجفوة؟
فقالت في صوت مختنق: وهل تغيرت أنت؟ أما زلت تذكرني بأوجاعي وتسخر من شقائي؟ أما زلت تذكرني بوحدتي وبهلاك قومي؟ ألم تكن اليوم كما كنت منذ هذه الأعوام العشرين، وتتمنى لو شفيت نفسك بأن ترى أهلي إلى جنبك يشهدون موكبك ويخضعون لمجدك؟ لقد كان القضاء بهم رحيما إذ أعفاهم من شهود هذا اليوم. ألم تقل لي: «ليت قومك كانوا هنا؟» ووضعت رأسها على يديها باكية.
فمد يده إلى رأسه عاطفا وقال: كلمة واحدة تثير كل هذا؟ من أجل كلمة واحدة تنسين كل حبي وكل مودتي؟ ومع ذلك فما قصدت كل هذا.
فرفعت رأسها قائلة: إذا فماذا حملك على إقحام قومي في حديثك؟ أكنت تريد أن يكونوا اليوم معك أتباعا؟ إذا شئت فاعلم أنني لن أنسى أنهم كانوا أهل الملك وأصحاب الأمر، ولن أنسى ما فقدت عندما ذهبوا عني. نعم، ليتهم كانوا إلى جانبي وحدهم سادة كراما.
نامعلوم صفحہ