وجهة العالم الإسلامي
وجهة العالم الإسلامي
ناشر
دار الفكر معاصر بيروت-لبنان / دار الفكر دمشق
ایڈیشن نمبر
١٤٣١هـ = ٢٠٠٢م / ط١
پبلشر کا مقام
سورية
اصناف
ومع ذلك فمن المناسب أن نزيل هنا لبسًا قد يقع فيه بعض القراء: هو أن الإيمان لم يفقد مطلقًا سيطرته في العالم الإسلامي، حتى في عهود الانحطاط، بل إن هذه الملاحظة تصبح جوهرية حين يكون الأمر أمر تقويم أخروي للقيم الروحية، أما حين نتناول المشكلة من الوجهة التاريخية والاجتماعية فينبغي ألا نخلط نجاة المرء في عاقبة أمره بتطور المجتمعات.
فدور الدين الاجتماعي منحصر في أنه يقوم (بتركيب) يهدف إلى تشكيل قيم، تمر من الحالة الطبيعية إلى وضع نفسي زمني، ينطبق على مرحلة معينة لحضارة، وهذا التشكيل يجعل من (الإنسان) العضوي وحدة اجتماعية، ويجعل من (الوقت) - الذي ليس سوى مدة زمنية مقدرة (بساعات تمر) - وقتًا اجتماعيًا مقدرًا (بساعات عمل)، ومن (التراب) - الذي يقدم بصورة فردية مطلقة غذاء الإنسان في صورة استهلاك بسيط- مجالًا مجهزًا مكيفًا تكييفًا فنيًا، يسد حاجات الحياة الاجتماعية الكثيرة، تبعًا لظروف عملية الإنتاج.
فالدين إذن هو (مركِّب) القيم الاجتماعية، وهو يقوم بهذا الدور في حالته الناشئة، حالة انتشاره وحركته، عندما يعبر عن فكرة جماعية.
أما حين يصبح الإيمان إيمانًا جذبيًا دون إشعاع، أعني نزعة فردية، فإن رسالته التاريخية تنتهي على الأرض، إذ يصبح عاجزًا عن دفع الحضارة وتحريكها، إنه يصبح إيمان رهبان، يقطعون صلاتهم بالحياة، ويتخلون عن واجباتهم ومسؤلياتهم، كأولئك الذين لجؤوا إلى صوامع المرابطين منذ عهد ابن خلدون.
فالتاريخ يبدأ بالإنسان المتكامل الذي يطابق دائمًا بين جهده وبين مثله الأعلى وحاجاته الأساسية، والذي يؤدي في المجتمع رسالته المزدوجة، بوصفه ممثلًا
1 / 32