With People
مع الناس
ناشر
دار المنارة للنشر والتوزيع
ایڈیشن نمبر
الثامنة
اشاعت کا سال
١٤٣٢ هـ - ٢٠١١ م
پبلشر کا مقام
جدة - المملكة العربية السعودية
اصناف
حارة، حتى صرنا عند الجبل، فأدخلني أزقة ضيقة ومسالك معوجّة حتى وَقَفني على دار قديمة طرق بابها ففُتح، وإذا الرجل ذاته ولكنه في إزار عربي وعباءة رقيقة، وله لحية خفيفة لم تكن له من قبل. ورأيت دارًا شرقية قديمة مزخرفة الجدران، خالية من الكهرباء فيها المصابيح المُدلاّة والسّرُج المحلاّة وحمّالات الشموع. ووجدت فرشًا عربيًا غير الفرش الأول، البُسُط والنمارق والوسائد والمتكآت، وليس في الدار كلها كرسي واحد ولا نضد. ووجدت الرجل هو الرجل، ولكن مكان السيكار النارجيلة، وبدل الرطانة بالفرنسية الحديث باللهجة البلدية وسَوْق أعرقِ الأمثال في العامية.
وكانت جلسة ساعة، فلما خرجنا قلت لصاحبي: ما هذا؟
قال: هذا جنونه؛ إنه لا يطالع ولا يعمل ويخاف الملل، فهو يتنقّل هذا التنقّل المفاجئ ليشعر بلذة التغيّر ومتعة التجدّد، وينفق على هذا جلّ ماله، فهو ينتقل في البلدان. يعيش في القاهرة حينًا وفي الإسكندرية حينًا، وتارة في أوربا وتارة في الريف. وينتقل في الحالات فهو يومًا شرقي ويومًا غربي، وآنًا يعيش عيش الفلاحين يلبس لباسهم ويأكل طعامهم ويأوي إلى مساكنهم، وآنًا يحيا حياة لورد من لوردات الإنكليز. ولا يفتأ يبدّل ترتيب الغُرف ونوع الأثاث وطريقة الفراش، فإن كان السرير في غرفة النوم إلى اليمين جعله بعد أيام على الشمال، وإن كانت مائدة الطعام بالطول أقامها بالعرض، فإن ملّ الجديد عاد إلى القديم.
قلت: هذا والله من كبار العقلاء. إن العادة -كما يقول علماء
1 / 269