ثم عدل عن النسيب فقال:
لو جاز سلطان القُنوع وحُكْمه ... في الخلق ما كان القليلُ قليلا
من كان مَرْعى عزمِه وهمومه ... روضَ الأماني لم يزَل مهزولا
فهو كما تراه يعرض عليك هذا الديباج الخُسْرُواني، والوشي المنمنم، حتى يقول:
لله درُّك أيُّ مِعْبر قَفْرَةٍ ... لا يوحشُ ابنَ البيضة الإجْفيلا
أو ما تراها لا تراها هزة ... تشْأى العيون تعجرُفًا وذَميلا
فنغّص عليك تلك اللذة، وأحدث في نشاطك فترة؛ وهذه الطريقة أحد ما نُعِي على أبي الطيّب، وسنقول فيها وفي غيرها إذا استوفينا هذه المقدمة. ولو لم تكن هذه الأبيات متناسقة مقترنة، ولم يكن يجمعها قصيدة، وتسمع في حال واحدة لكان أخفى لعَيبِها، وأسترَ لشيْنها؛ فإنك تعلم بُعد ما بين قوله:
كادت لعِرْفان النوى ألفاظها ... من رِقّةِ الشكوى تكونُ دُموعا
وقوله:
هنّ البجاريُّ يا بُجَيْرُ ... أهدى لها الأبؤس الغُوير
وقوله:
أهيسٌ أليسٌ لجّاء إلى هِممٍ ... تغرق الأسد في آذيّها اللِّيسا
لكنها افترقت فغابت، ولم تقترن فتُعرَف وتُشْهَر.
ومتى سمعتَني أختارُ للمحدَث هذا الاختيار، وأبعثَهُ على الطبع، وأُحسِّن له
1 / 23