وفي طوسكانه ولوكا تطور الهياج إلى مطالبة مسلحة بتأليف الحرس المدني، فالثورات التي حدثت بعد ثورة الأيرلنديين سنة 1779 أيدت بأن الثورة التي توفق إلى وضع السلاح بيد الشعب تضمن الظفر بغاياتها بالحصول على المؤسسات التمثيلية.
وقد علم الطليان - وحقا ما علموا - بأن تسليح الحرس المدني يجعل الاستبداد عاجزا لا حول له ، على أن مطالبة الشعب بالحرس الأهلي لم يرد بها الدفاع ضد الاستبداد أو ضد الاشتراكية، بل الدفاع عن الوطن، فإن فكرة وجود شعب مسلح يطرد النمسويين أمامه قد تأصل في النفوس.
وبينما طالبت فلورنسة بالحرس المدني بمظاهرة صغيرة ولكنها عنيفة؛ تلقت لوكا الأمور بجد أكثر من ذلك، وكانت تتعقب حوادث طوسكانه بانتباه عظيم وبينما كان أميرها منغمسا في لذاته وشهواته وحين اعتقال بعض الأحرار المحبوبين اشتد سخط الشعب اشتدادا خشي الأمير عاقبة الأمر، فوافق على تأليف حرس مدني في شهر أيلول.
وفي أوائل تشرين الأول رفض نصيحة دوق مودينه باستدعاء النمسويين وباع حقوقه إلى أمير طوسكانه وخلع نفسه فاضطر أمير طوسكانه الدوق الكبير أيضا إلى الموافقة على تأليف الحرس في دولته، واشتدت حماسة الشعب ولا سيما بين الشباب والشيوخ والرهبان والجنود والأشراف ورجال الدين، ونشرت في لوكا الرايات المثلثة الألوان وأخذت كل مدينة تحتفل بعيد الاتحاد، وسارت القرى في الاحتفال على غرار المدن، فأوفدت من الرجال والنساء والأولاد إلى المدن حاملين أعلامهم وعلى رأسهم راهب القرية يجولون الطرقات صابين اللعنات على المستولي على فرارة.
وزحفت الجماهير في حشد عظيم إلى قصر الأمير صارخة: «فليسقط النمسويون.» طالبين الاتفاق وروما فاقتنع الأمير حينئذ بلزوم استمالة الأحرار المعتدلين إلى جانبه، فأقصى الوزراء غير المرغوب فيهم من الوزارة وعين بدلهم «ريد ولفي وسربستوري»، وهكذا ساعد احتلال فراره كثيرا على إشعال نار الحماسة في الدول الثلاث المتريثة.
وبينما كان أنصار الحكم القديم لا يزالون يشغلون المناصب ويقيمون العقبات بوجه القوانين الجديدة؛ كانت طلبات الشعب تشتد شيئا فشيئا، وأخذت الصحافة تلعب دورا عظيما بحيوية ونشاط أكثر من قبل، وكانت الثورة في ليفورنة ومظاهرات شيشروكيو قد لفتت الأنظار حتى خشي العقلاء أن تنقلب الحركة الإصلاحية إلى ثورة دامية، ولا سيما بعد أن اندلعت نيران الحرب الأهلية في كلبريه.
وكانت الظواهر تدل على أن إيطالية قد اتحدت ضد النمسة وكل شيء يدل على أن الحرب لا مناص منها، فبدأ الهياج في ميلانو وفي فنيسيه، وكان من نتيجة هذا الكفاح العظيم أن اندفع الأحرار في السعي إلى جمع الدول الثلاث في شبه اتحاد، وتطور الاهتمام بالتجارة الحرة إلى التفكير في الاتحاد التجاري أسوة بالاتحاد الجمركي الألماني.
وكان هذا الرأي بمثابة تنبيه إلى مترنيخ بأن مثل هذا الاتحاد سيحمل الحكومات الثلاث إلى انتهاج سياسة قومية موحدة، وحيث إن البابا بيوس كان لا يزال يتألم من الاحتلال «فراره»، فإنه رسم خطة لضمان مساعدة الجيش البيمونتي فيما إذا هدد النمسويون باحتلال الروماني فأوفد «كربولي بوس» إلى تورينو، فاستقبل فيها بحفاوة وصرح الدوق الكبير بأنه لن يبقى مدة طويلة من دون أن يتفق مع روما وبيمونته للدفاع عن القومية الإيطالية، ولقي مندوب البابا معونة من اللورد منتو الذي أوفده بالمرستون، وكان هذا يتحمس للحركة الحرة، لمراقبة الأمور عن كثب.
ومع أن منتو جهر بأن إنجلترا لا توافق على أية تعديلات أرضية إلا أنه شجع الحكومات على السير في سياسة الإصلاحات والاستقلال، وقد رأى أن الملك شارل ألبرت قد انتابه التردد مرة أخرى، وأن حكومته غير متأهبة للحرب وهو لا يزال في قبضة اليسوعيين الذين أدخلوا في روعه بأن الهياج والشغب السائدين في طوسكانه لا بد من سريانهما إلى مملكته فساعد الملك الشرطة على مهاجمة الذين اجتمعوا لإنشاد نشيد روسيني الذي وضعه من أجل البابا بيوس، فكان لهذا العمل وقع سيئ في نفوس الناس، فقدم فيلا مارينا استقالته واضطر بلا مارجريتا إلى تقديم استقالته بعده.
وأظهر الملك التردد لنفسه في موضوع الاتحاد التجاري وكان يرغب أن يكون الاتحاد مطمئنا لرغبات بيمونته السياسي؛ فلذلك اشترط بعض الشروط التي جعلت طوسكانه وروما ترفضان الاشتراك في الاتحاد، وسعى اللورد منتو عبثا لإقناع الملك بعقد معاهدة دفاعية بين الحكومات الثلاث، وبينما كانت المساعي تدعو إلى التفاؤل إذا بالملك يغير رأيه بعد أن عثر على أغنية شعبية بعنوان الملك الثرثار فغضب وعاد إلى موقفه السابق.
نامعلوم صفحہ