وكادت المؤامرة التي دبرها لاختطاف عاهل النمسة ومترنيخ
1
تنجح لو لم تحدث ثورة عسكرية، وأراد فتيان من ضباط الخيالة «موريللي وسالفاني» أن يقلدا الثورة التي حدثت في إسبانية، ففرا مع كتيبة خيالة من نولا، وسارا نحو «آفلينو» وأعلنا تمردهما مع قوتهما مطالبين بملك ودستور.
وسرت الثورة في خلال ثمان وأربعين ساعة إلى «كوتبينا ناتاو بازيليكاتا»، والتحقت عدة كتائب مع ببه إلى صفوف الثائرين، وكان ببه على وشك أن يقوم بالهجوم لو لم يسارع الملك إلى منح الدستور، ولما كانت جمعية الكاربوناري لا تثق بالملك؛ فقد طلبت إليه أن يمنح البلاد الدستور الإسباني نفسه، ذلك الدستور الذي ينص على تأليف مجلس واحد يراقب أعمال الحكومة ويحاسبها على الصغيرة والكبيرة، ففعل الملك مضطرا وقد رحب الشعب بهذا الدستور وهلل لابن الملك «فرنسوا» الذي اندمج في الحركة وتبناها بعد أن نودي به «وصيا»، وقد أقسم أن يدافع عن الدستور بدمه، وصرح الملك بأنه سعيد؛ إذ استطاع أن يمنح ذلك في حياته، وأقسم بالإنجيل يمين الولاء للدستور، وأقصى الوزراء القدماء عن العمل وعين بديلا عنهم وزراء من عهد مورات كانوا من الأحرار إلى حد ما، ولكن هؤلاء الوزراء لم يكونوا ممن ألفوا شعور الشعب فلم يثقوا بالكاربوناريين المتشبعين بالأفكار الدموقراطية أكثر منهم، وكان «ببه» الوزير الوحيد من بينهم يمثل الحزب الذي قام بالثورة.
وظل الكاربوناريون يؤلفون حكومة داخل حكومة، ويسيطرون على قوة المليشيا، وعلى الهيئات المحلية، فلا تستطيع المحاكم أن تتخذ الإجراءات ضدهم، مما حدا بببه نفسه إلى التفكير في إلغاء تشكيلاتهم بالقوة.
أما في صقلية فقد ازداد الموقف الحرج تأزما بسبب الثورة واشتد سخط الصقليين لضياع استقلالهم ولخيانة الملك وخضوعه المشين للنمسة، وكان لذهاب الحامية الإنجليزية تأثير مباشر في هبوط العملة النقدية.
وعلى الرغم من هبوط الأسعار فإن القرويين لم يظفروا بتخفيض في الضرائب، واشتدت الفاقة الناشبة من سوء الحالة الاقتصادية، وبلغ من شدة سخط الناس على سيطرة نابولي أن تناسى الناس اختلافاتهم، واختفت الفروق العميقة التي كانت تبعد الطبقة المتوسطة عن الدهماء في القسم الأعظم من الجزيرة، وكان الاستقلال عند الأشراف يعني عودة عهد الإقطاع، والحصانة تجاه القوانين، واستغلال الأرض بإرهاق الفلاحين، بينما كان الدهماء في المدن يفهمون من كلمة الاستقلال النهب؛ ولذلك فإنه لم يكن بين الناس سوى أفراد قلائل من أحرار سنة 1812 يرون أن عودة الحكم النيابي هي السبيل إلى الرقي والإصلاح.
وشاع خبر الثورة في «باليرمو» عاصمة صقلية في يوم عيدها الديني، فتقبل الجمهور منح الدستور الإسباني بحماسة، حتى ظن البعض أن النابوليين والصقليين سوف ينسون أحقادهم ويؤلفون جبهة متحدة للكفاح ضد الاستبداد، غير أن الأشراف كانوا يرون في الدستور الإسباني ضياعا لنفوذهم، فضلا عن أن البعض من الأحرار قد انضم إليهم، مطالبا بالانفصال عن نابولي أو منح الحكم الذاتي، وهكذا فإن أمل المتفائلين بالتفاهم بين نابولي وصقلية قد خاب بإعلان الاستقلال والعودة إلى دستور سنة 1812، وثار الدهماء وهدموا دار القائد وضربوا دوائر الجباية، وأصبحوا أداة بيد الأشراف.
وأقنع هؤلاء نائب الملك بالموافقة على تسليح الدهماء، وأوشك الجنود أن يتضامنوا معهم إلا أن القادة خشوا العاقبة فحالوا دون ذلك، وقد نشبت بين الجنود والدهماء معركة أسفرت عن خسارة الجند، وفتحت على إثر ذلك أبواب السجون، وانضم المجرمون إلى العامة، وشرعوا ينهبون المدينة ويقتلون الناس على غير هدى، حتى اضطر الأشراف إلى الاتفاق مع رؤساء النقابات الصناعية ليحولوا دون النهب، إلا أن مساعيهم ذهبت أدراج الرياح، ولم يستطيعوا أن يعيدوا الهدوء إلا بعد أن جندوا من المجرمين والعاطلين سرايا، فأصبحت ناصية الحكم بيد عصبة من الأشراف والفوضويين. وخشي الأحرار من جهة: أن يصبح استقلال صقلية ألعوبة بيد الدول الأجنبية، وأن يظل المجلس النيابي تحت سيطرة الأشراف، ورأوا من جهة أخرى: أن الانضمام إلى نابولي من شأنه أن يجعل نواب صقلية في مجلس نابولي أقلية.
من أجل ذلك حبذوا أن تقوم حكومة من الأحرار بالإصلاحات التي سبق أن رفضها الملك، بينما ظلت مسينا أكبر مدينة في شرقي الجزيرة موالية لنابولي، وارتأى الموظفون والطبقة الوسطى في وسط الجزيرة وفي غربها رأي الأحرار في عاصمتها، وأدى هذا التباين في الآراء إلى أن تصبح الجزيرة ساحة قتال دام بين أنصار الدستور الإسباني وبين الدهماء الذين راحوا يدافعون بحرارة عن دستور سنة 1812 بسبب كرههم الشديد للأشراف وميلهم نحو أهل باليرمو.
نامعلوم صفحہ