وفي 18 آب أظهرت هزيمة «جرافلوط» فداحة الكارثة وقد بدا للإمبراطور الآن أن سلامة فرنسة وعرشه في خطر، فصار مستعدا لأن يضحي بالسلطة الزمنية على الرغم من معارضة الإكليريكيين وربما معارضة وزرائه أيضا، فأوفد الأمير نابليون إلى فلورنسة في 20 آب ليقول للطليان بأنه يستطيع أن يطلق يدهم في روما على أن يرسلوا جيشهم لنجدته، ولكن الملك نفسه رأى أن الإفرنسيين سيخسرون الحرب لا محالة، وهكذا تسلسلت الحوادث وارتبطت حادثة منتانة بهزيمة الإفرنسيين المنكرة في سيدان، التي خسر فيها نابليون الثالث عرشه ووقع أسيرا بيد البروسيين.
ورأت إيطالية في هذه المعمعة فرصة سانحة لتحقيق الوحدة وكان فيكونتي فنوستة قد وعد رسميا برعاية إيطالية للميثاق، كما أن الملك تعهد بذلك للإمبراطور أيضا ولكن الرغبة في إخراج الإفرنسيين من إيطالية قد اشتدت في البلاد وبلغت حدا لم يفكر أحد معه في الوفاء بالعهد ومراعاة الشرف، وكان بعض الوزراء يعتبرون حرب فرنسة في ساعة محنتها خيانة، بينما كان آخرون مثل سيللا عازمين على فسخ الميثاق حالما تنهار الإمبراطورية، وقد أدت الظروف في فرنسة إلى أن يترك آخر جندي جيفتا فيكيا في 19 آب، واقترح حزب اليسار في اليوم التالي على المجلس تقرير إلغاء الميثاق ولكنه فشل، غير أن المظاهرات التي تلت تقديم الاقتراح أثبتت بأن البلاد كانت تغلي وأنها في جانب اليساريين، وأنذر حزب اليسار بالانسحاب من المجلس كتلة واحدة وإثارة البلاد فيما إذا لم يلغ الميثاق، ولم ينقذ الموقف إلا تهديد سيللا الوزارة بالاستقالة منها فيما إذا هي لم تقرر الزحف على روما.
وأخيرا أسرعت الوزارة إلى قبول آراء حزب اليسار وعزم لانزا كما عزم سيللا على الاستيلاء على روما، إلا أنه كان يريد أن يوصي للعالم الكاثوليكي بالثقة فيه؛ ليظهر أمامه في مظهر المحامي للبابا، وليقنعه بأن البابا يستطيع أن يبقى في الفاتيكان في حرية وأمان.
من أجل هذه الغاية حاصر غاريبالدي في كاربيره وقبض على مازيني واتخذ تدابير جدية لمنع أية حركة متجهة نحو الحدود وليحبط كل ثورة تقوم في الإيالات الرومانية، وفي 22 آب قررت الوزارة احتلال روما حالما تعلن الجمهورية في فرنسة، وحجتها في ذلك أن الميثاق إنما عقد مع شخص الإمبراطور وليس مع فرنسة، وهناك قضية أخرى أمام الوزارة وهي البت فيما إذا كانت روما ستصبح العاصمة ، وكان لانزا يأمل بأنه سيستطيع بالروية والصبر الحصول على موافقة البابا، وكان بين الكرادلة فريق مسالم وكان الخوف من نشوب ثورة شعبية قد جعل هذا الفريق يستقبل الجند الطلياني كمحررين.
وانتظر لانزا ريثما ينجلي الرأي العام فيطلب إليه بأن تصبح إيطالية الحامية للبابوية الأمر الذي لا يسعه إلا أن يوافق عليه، وبينما كان في تردده وردت إلى فلورنسة في 3 أيلول أخبار الاستسلام الإفرنسي في سيدان، فأنذر حزب اليسار أيضا بالاستقالة وربما استشف لانزا حركة جمهورية إذا لم تعتزم الوزارة الذهاب إلى روما، ولكن الوزارة ظلت في ترددها حتى انقضاء يومين حينما علمت أن الجمهورية قد أعلنت في باريس، وحينئذ أوفدت سان مارتينو إلى روما ليطمئن البابا وليحصل على موافقته إذا أمكن على دخول القطعات الإيطالية بصورة سلمية إلى روما.
وفي 7 أيلول بلغ فكيسنتي فنوسية وزير الخارجية الدول بأن حكومته لن تحتل إلا بعض الأماكن من أراضي البابا وأنها ستترك الرومانيين أحرارا في البت في مصيرهم، ويظهر بأن فيسكونتي ولانزا كانا ينويان النظر في تعيين وضع البابوية في طلب مؤتمر تشترك فيه الدول الكاثوليكية، وقد تجلى عزم الوزارة على احتلال المدينة حين انجلى موقف أوروبا أيضا.
أما جول فافر الوزير الإفرنسي فمع أنه يرفض باسم الجمهورية الإفرنسية أن يعتبر بأن الميثاق ملغى إلا أنه عده غير مشروع وعده مثلا سيئا، أما بيسمارك فوافق على خطط الطليان وأما إنجلترة فلم تبد أي اعتراض، وأما النمسة فبعد أن طمأنتها الحكومة الإيطالية بمشروع الضمانات التي تعطى للبابا رضيت مختارة.
وفي 10 أيلول قررت الحكومة أن تجتاز القطعات الحدود في اليوم التالي، وكانت قد حشدت خمسين ألفا بعد جهد ومشقة، وكان لانزا يأمل بأن يستطيع هذا العدد المتفوق إحباط أية مقاومة دون سفك الدماء، وقد سلكت أرتال الجنرال كادرونا الطريق الطويل الشاق ليعطي بهذا التأخير أنصار البابا الوقت الكافي للتفكير وترك كل محاولة للمقاومة.
وقد احتلت هذه القطعات فيتربة وجيفتا استلانا في 12 أيلول بلا قتال واستسلمت جيفتا فيكيا للجنرال بيكسيو من دون إطلاق نار المدافع، ولم يقرب كادرونا أسوار روما إلا في 17 أيلول ولم تنجح خطة لانزا السوقية، وعاد سان مارتينو يحمل رفض أنتونللي البات للمفاوضات وقرر البابا المقاومة جهد استطاعته والشروع بالمفاوضة حالما تفتح ثغرة في أسوار المدينة.
وأخيرا هاجم كادرونا المدينة في 30 أيلول وبعد قصف المدفعية إياها بضع ساعات دخل الطليان في ثغرة بالقرب من «بورتابيا» وقوبلوا بعاصفة من التصفيق الحاد من قبل الشعب المحرر، لقد رمى ببصره نحو روما منذ أربعين سنة طلب كافور اتخاذها عاصمة لإيطالية منذ عشرة سنوات، وها هي اليوم تفتح وتحقق الأحلام وتظفر إيطالية بعاصمتها الطبيعية إلا أنه لما يعقد أي سلم ديني في الكابتيول.
نامعلوم صفحہ