ورأى الإمبراطور حينئذ بأن معارضة إجراء استفتاء عام لا تجدي نفعا، وكانت اعتراضاته الأخيرة ترمي قبل كل شيء إلى تأمين الحصول على صافويه ونيس، وقد وعد رسل وزير الخارجية الإنجليزية بأن يستشير الدول العظمى قبل أخذه الإيالتين «صافويه ونيس»، وتعهد بأن يجري فيهما استفتاء شعبي باقتراع عام، وكان أشد ما يخشى أن تبذل حكومة تورينو جهدها ليأتي الاقتراع ضد الانفصال عن بيمونته ولا سيما لأن كافور وعد بألا يتخلى عن الإيالتين إذا اقترعتا لبيمونته.
وعليه فإن الإمبراطور أصر على بيمونته بأن توقع معاهدة سرية قبل الشروع بالاقتراع العام في إيطالية الوسطى، تتعهد فيها التخلي عن صافويه ونيس فلم يسع كافور أن يرفض هذا الطلب، ولا سيما لأنه كان يعلم بأن المعاهدة السرية لا قيمة لها من الوجهة الدستورية، ومع هذا فإنه أراد أن يساعد نابليون في كفاحه للاحتفاظ بعرشه في فرنسة، ولعله شعر بأن التخلي عن الإيالتين من شأنه أن يجعل إيطالية في حل من تعهداتها تجاه فرنسة، ويجعلها مستقلة أدبيا ويمهد لها الطريق نحو إيطالية الجنوبية، وقد وقع على المعاهدة الخفية في 12 آذار.
بيد أن الإمبراطور طالب بمعاهدة علنية ليسكن بها الاستياء المتزايد في فرنسة، وأرسل مندوبه بنديتي إلى تورينو لهذه الغاية، وقيل إن كافور رفض إذ ذاك التوقيع لو لم يهدده بنديتي باحتلال بولونيه وفلورنسة من قبل القوات الفرنسية التي لا تزال في لمبارديه.
وكانت تلك الساعة أشق ساعة في حياة كافور العامة؛ إذ وقع فيها على المعاهدة العلنية في 24 آذار وقلبه يحترق ألما، وجاءت نتائج الاقتراع العام الذي جرى بين 11 و12 آذار فوزا مبينا لفكرة الانضمام، وكانت الإرادة الملكية تقضي بأن يمنح حق الاقتراع لكل ذكر بلغ سن الرشد، وكان على المصوت أن يختار بين الانضمام إلى بيمونته وبين قيام مملكة منفصلة فاقترعت دولة أميلية لفكرة الانضمام بما يكاد يكون إجماعا، أما في طوسكانه فقد استطاع أنصار الحكم الذاتي أن ينالوا خمسة عشر ألف صوت ونال أنصار الانضمام 386000 صوت.
وقبل انقضاء خمسة عشر يوما صدرت الإرادات الملكية بإعلان إميلية وطوسكانه جزءا لا يتجزأ من المملكة الحديثة، ثم جرت الانتخابات في اليوم التالي واجتمع البرلمان الإيطالي في 2 نيسان في تورينو، وقد تألف من النواب البيمونتيين واللمبارديين والطوسكانيين وأهل الروماني لتدشين المملكة الجديدة التي استطاعوا بثباتهم وصبرهم تكوينها، وبذلك زاد عدد نفوس المملكة الصغيرة من خمسة ملايين إلى أحد عشر مليونا رغم خسارتها 700000 نسمة في صافويه ونيس، وأصبحت نفوس تلك المملكة تقارب نصف عدد نفوس شبه الجزيرة.
ومع أنه ظل شبح نيس يخيم على المجلس النيابي إلا أن نشوة الفوز التي ولدها النصر الباهر تغلبت على ما ولده الشبح من كآبة، حقا لقد كانت نتيجة الانتخابات فوزا عظيما لكافور، وقد امتنع أكثر الإكليريكيين عن التصويت فلم يؤلفوا بعد ذلك حزبا سياسيا، أما الدموقراطيون فلم يفوزوا كما كانوا يأملون، والتف خمسون نائبا حول رتازي، وبهذا تأكد كافور من أن ثلثي أعضاء المجلس يسيرون وراءه بإخلاص.
لما وجدت المذاكرة بشأن التخلي عن صافويه ونيس في المجلس ثارت عاصفة عنيفة من السخط فيه، ولاح للمرء أن البرلمان قد يدشن أعمال المملكة الجديدة بإسقاط الرجل الوحيد الذي يستطيع أن يدير دفتها، وحاول غاريبالدي أن يربك الموقف في موجة من الغضب استولت عليه، إلا أن المجلس منح الثقة للحكومة وجرى الاقتراع العام في صافويه ونيس في 15 و22 نيسان وجاءت نتائجه بجانب فكرة الانضمام لفرنسة، بيد أن عدد الذين اشتركوا بالاقتراع لم يدل أبدا على رغبات الأهلين الحقيقية.
وإذا كان أهل صافويه يميلون إلى الانضمام إلى فرنسة لأسباب عرقية واقتصادية فإن أهل نيس كانوا ضد الانفصال عن بيمونته، وقد اشتركوا في حركات إيطالية القومية، وكانوا إيطاليين لحما ودما، وقد بذلوا جهدهم للتخلص من المصير الذي فرض عليهم، ولما جرت المذاكرة على المعاهدات في المجلس كان غاريبالدي قد سافر إلى الجنوب، وكان على وشك أن يقاتل في صقلية فأسكتت قضية إيطالية الجنوبية كل شيء وكبحت جواب المعارضة.
الفصل التاسع والعشرون
أنصار الوحدة
نامعلوم صفحہ