وزیر ابن زیدون
الوزير ابن زيدون مع ولادة بنت المستكفي
اصناف
أسماء المشخصين
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السادس
أسماء المشخصين
الفصل الأول
الفصل الثاني
نامعلوم صفحہ
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السادس
الوزير ابن زيدون مع ولادة بنت المستكفي
الوزير ابن زيدون مع ولادة بنت المستكفي
تأليف
إبراهيم الأحدب الطرابلسي
أسماء المشخصين
ابن زيدون:
نامعلوم صفحہ
ذو الوزارتين أبو الوليد.
أبو المحاسن:
صاحبه ونديمه.
أبو عامر:
الوزير ابن عبدوس الملقب بالفار.
صاحبه حسان.
ولادة بنت المستكفي.
مهجة القرطبية:
صاحبتها.
أم رحمة:
نامعلوم صفحہ
عجوز يرسلها أبو عامر إلى ولادة.
أربع جوار:
لولادة يحضرن معها ينشدنها الأغاني.
جنديان:
من جنود ملك قرطبة. «محل وقوعات هذه الرواية في قرطبة من الأندلس.»
الفصل الأول
الواقعة الأولى (ولادة - جواريها - مهجة)
ولادة :
أناجي اشتياقي والجوى يعلن النجوى
وأضرع من وجدي لمولاي بالشكوى
نامعلوم صفحہ
وأهفو بقلب رائع الشوق راعه
لفرط الذي ألقاه من شدة الأهوا
وإن كان ما بي لا يحل محرم
عراه ولا يسطو على محكم التقوى
فهل من أرجي طعم من بقربه
يعين على وصلي ولا يضمر السلوى
فأنعشن بالمغنى فؤادي الذي غدا
بما راح يروي من حديث الهوى يروى (مع الجواري.)
الجواري (عروض) :
يا قلب ليه لا تنثني
نامعلوم صفحہ
دور
جسمي فني لما عني
وجدا بمن قلبي خطف
دور
من منجدي من مسعدي
يوما بمن حاز الشرف
خانة
مولى سما بدر السما
قدرا له كل عرف
غطة
نامعلوم صفحہ
ذاك الذي في حبه
قلبي غدا عاني الأسف
ولادة :
ترجمتن بلساني، وأعربتن عما في جناني، وشرحتن وجدي بأبي الوليد، وولهي الذي ما عليه مزيد، ذاك الوزير الذي عقل فؤادي هواه، وران على قلبي تعشق محياه، كما أني كلفة بآدابه الغر، وصبة بإنشاد أشعاره الزهر، لا سيما أبياته الحسان التي رجحت بها للشعر أوزان، وقد شبب فيها بمحاسني الفضاحة، واصطبح بإدارة راحها من وجهي على الصباحة، ووصف فتور أجفاني وفتونها، وحاور البدائع بحور عيوني لما ورد من المعاني عيونها، وتغزل بلين قوامي إذ مالت به نسيم الدلال، وخلب الألباب بنعت عطفه إذ جار على القلوب بالاعتدال، من ذلك قوله وقد أصاب سهم لحظي منه الغرض، وترك فؤاده واجبا بمسنون ما له فرض.
أصبت قلبي بسهم قد قضى غرضا
وسن مشروع تهيامي بما فرضا
فرحت أعرض عن صحبي مجيب ندا
هواك رغم عذول بيننا اعتراضا
يا غادة شمت برقا من مباسمها
أنشا سحاب دموع للأسى ومضا
نامعلوم صفحہ
يا من سخطت على الدنيا إذا منعت
قربي ولم ألق منها بالوصال رضا
جرى القضا أنني لا أستفيق هوى
ومن يرد لمشروع الغرام قضا
لله ضوء محياك الذي طلعت
شمس الضحى منه فوق الرمح حين أضا
ونظم ثغر إذا ما لاح جوهره
غدا له كل در فائق عرضا
هنالك القلب يقضي ما يؤمله
وما عليه إذا عانى الردى وقضا
نامعلوم صفحہ
مهجة :
لقد أجاد بالإنشاء والإنشاد، وحرك بما سكن إليه قلب الجماد، وهذه الأبيات زهيرية الغرام وإن لم تكن حوليات صدرت عن فؤاد صادره الجوى، وأورده بلا صدر مشروع الهوى، فهل جمعك وإياه مكان تمتعت بلا عين فيه العينان، وأبدت حركات الجفون عبارات الضمائر، وأعربت نفثات العيون عن السرائر أو كانت النظرة عن عرض فأثرت بفؤاده، وأنبتت سنبل العشق بدون حصاده؟
ولادة :
إن النظر كان عن غير قصد وإن أصاب السهم فؤاده بالعمد.
مهجة :
إذن؛ كيف كان ذلك الأمر الذي أضرم بأدنى شرارة في أحشائه الجمر؟
ولادة :
إني كنت سانحة في ساحة القصر، وقد هصرت يد نسيم العجب قوامي أي هصر، فنظرت في شمائلي التي تسير بمعناها الشمائل وفكرت في روض وجناتي التي تفتحت بها ورود الخمائل؛ فعوذت محاسني بياسين من إصابة العين، وأنشدت بألحان الحجاز هذين البيتين:
أنا والله أصلح للمعالي
وأمشي مشيتي وأتيه تيها
نامعلوم صفحہ
أمكن عاشقي من لثم ثغري
وأعطي قبلتي من يشتهيها
ثم تلفت كما يفعل الغزال وأملت عطفي بيد الدلال، فألفيت الوزير ابن زيدون يرنو إلي ويريد أن يلقي بنفسه علي، فأجفلت من أمامه خوف الافتضاح، ومصافحة أكف المنون بأعمال الصفاح فكان كل منا مصابا بسهم هواه، يشكو بألسنة الضمائر حر جواه، وقد بلغني أنه كلف بجمالي وأسير بحبائل دلالي ، وأنا أعاني لواعج الوجد كذلك، وأرقب لرؤيته طلعة البدر في الليل الحالك، فترجمن عن ولهي بالمغنى، ولا تجاوزن إصابة المعنى.
الجواري (عروض إيلا وصلمه) :
آه وا شوقي لأوقات الوصال
والهوى نحوي براح الأنس مال
ويميني في حما مهد اللقا
بالتهاني قابلت منه الشمال (عروض ما عندنا غير الشجون شهناز بوسليك):
هيهات أن تخفي العيون
سرا لذي وجد مصون
نامعلوم صفحہ
والحسن يدعو ذا الهوى
كن مغرما بي فيكون
الواقعة الثانية (الحاضرون - الوزير أبو عامر)
وأنا امرء بيد الجوى
قنصته أشراك الهوى
وبهوة البلوى هوى
لما رنت منك الجفون
الجوارى (كرك حجاز) :
دور
روعتنا فاعتزلنا
نامعلوم صفحہ
أفلم تكن بالحبيب
دخلت من غير إذن مثل
الرقيب المريب
الوزير (منه) :
دور
نعم دخلت ولكن
أرشدني عرف طيب
من ورد خد شهي
عسى يكون نصيبي
جواري (منه) :
نامعلوم صفحہ
دور
فلا ترم نيل أنس
من ذات حسن عجيب
لها هوى في كريم
سواك مولى أديب
وزير :
يا ذات الدلال وربة الجمال، قد استفزني إنشاد بيت المعالي مع بيت القبلة التي تشتهيها آمالي، فحققي ما أعربه ذلك المغنى وأفهمه اللفظ من المعنى، وما عليك إذا جدت على الفقير البائس بحقيقة ما أنشدته من تلك النفائس؟ فيتحقق صدق الكلام بمطابقة الواقع، ويكون حظي بطلعة محياك سعيد الطالع.
ولادة :
هيهات ذلك أن يكون! تلك نفثات أشفع بتشديد عزائمها سحر العيون، أما بلغك عني ما شاع في الأنام، من أن ما أنشده هو حبائل العشق والغرام، أصيد به من يدعي قوة الباس، وأترك أسد العرين يدين لظبي الكناس؛ فلا يكن لك طمع في تقبيلي وإن مت أسفا، وقضيت بتكليف نفسك ما لا يمكن كلفا، ألم أكن معدودة من أفاضل الشعراء، وقد رفع لي عند فريق الأدب أعظم لواء، وهم يقولون - أيها الوزير - ما لا يفعلون، وفي كل واد من شعوب الكلام يهيمون، فاقصر طرفك على لمح محاسني دون مد يد، وإلا أقيم عليك من ماضي جفني أعظم حد، ولا أزيدك على هذا الشرح الآن وها أنا تاركة لك المكان.
الوزير :
نامعلوم صفحہ
قفي قليلا أيتها الشمس وتداركي بنفيس أنسك النفس.
الواقعة الثالثة (الوزير أبو عامر)
الوزير أبو عامر :
هيهات أن يكون للشمس عند غروبها مطلع، وما أوتي عاشق قبلي آية يوشع ...
يا ظبية أوقعت قلبي بأشراك
من الجفون ولم أجنح لإشراك
وصيرتني بأدنى لحظة قنصا
معقول عقل بهدب الجفن عيناك
هواك حل بقلبي عاقدا أبدا
له بتحريم طرفي غير مرآك
نامعلوم صفحہ
وصرت أرقب شهب الأفق من وله
إذا ذكرت ابتساما من ثناياك
والبدر في ليل تم أستريح له
إذ لا أرى كنهه إلا محياك
وما ذكرتك إلا رحت منتشيا
من خمرة مزجت طيبا بذكراك
فهل سبيل إلى وصل يكون به
جمع لشمل محب بات يهواك
فألقط الدر من لفظ يدير على
سمعي قديم حديث منه حلاك
نامعلوم صفحہ
وللعيون بأسرار الهوى نبأ
عن الضمير إذا وافت لنجواك
سهم الفتون عن قسي الحواجب، ندب فؤادي لمشروع الغرام الواجب، ورسول العشق بوحي الجفون لبى دعوته بالتصديق قلبي المفتون، وبأدني لمحة من ذلك المحيا الجميل؛ رحت بلا عقل ولا قود قتيل جفنها الكليل.
الواقعة الرابعة (الوزير أبو عامر - صاحبه حسان)
حسان :
أحترم حضرة الوزير بتقديم السلام، وأخصه بمزيد الثناء والاحترام.
وزير :
وعليك أزكى التحية ونفحات الثناء المسكية ... هل سمعت ما أحدث به نفسي وأشرح به أخبار أمسي.
حسان :
نعم سمعتك تنشد فؤادا ضل في تيه الغرام، وتسجع على أفنان الأماني بفنون الهيام، فأي سهم أصابك؟ وما الذي بناب ضاريه نابك؟
نامعلوم صفحہ
وزير :
سمعت من هذا المكان إنشاد بيتين، فأسرعت لأقتص عين الأثر بلا عين، فوجدت به بديعة جمال فتان، في أحداقها لسكر الألباب أقداح خمرة الحان، تفسد عقيدة الناسك بما في ورد خديها من الصلاح، وتتعب القلوب براحة لطفها دون راح، فاستعدتها ذلك الإنشاد وطلبت بالخبر تحقيق خبرها المستفاد، فأتلعت جيدها ونفثت من ألفاظها سحرا أو سكرا، وشرحت بلا تورية لكليمها صدرا، ومشت أمامي مشي السحاب لا ريث ولا عجل، وتركتني بما أدارته علي من خمر حديثها أعثر بدموع الخجل، فهل عندك من هذا النبأ العظيم أثر، أقف من رفع مبتدئه على حقيقة الخبر، فقد ذهبت والقلب معها رهين، وخلفتني بلطف شمائلها لا أعرف الشمال من اليمين، فعرفني حديثها المرفوع، واحمل إلي من بيان شأنها ما يجمل به للسرور موضوع، وأزل بتعريف إشارتك ذلك الإبهام، واكشف في مجاز كلامك عن حقيقة أمرها بالتمام.
حسان :
كيف تم لك رؤية الشمس في الأرض، وعرضت نفسك للعناء بما يطول به العرض، ووقعت من أجفان ظبية الأندلس في أشراك، وألقيت فؤادك من غاب أهدابها في براثن كل فتان فتاك، وتركته من وجناتها يصلى بنار تلظى فكان بها الأشقى، ولم تتق بكف النظر مرامي سهام عينيها كما يفعل الأتقى، كيف كان حالك وقد أتلعت نحوك جيد ريم رامه، وما شأن صبرك وقد شهدت شهد مبسمها ولم تذق منه المدامة؟ وأين ذهب لبك وهي ببرد المحاسن تميل، وأنى تكحلت بالكرى وقد أبصرت كحل أجفانها بدون ميل؟ ومن ثبت فؤادك على ما ألقي عليه من وحي العيون وهل بقي لك عقل وأنت مصاب بسهام هاتيك الجفون؟ لله محاسن تلك الأحداق، وتعطف ذلك القوام الذي أقام حرب الهوى على ساق! وتفتح ورود تلك الوجنات الشهية بكف الحياء، ونفحات هاتيك الأنفاس الزكية بما يكبو من عرفه الكباء! ماذا أقول بوصف تلك الغيداء الحوراء اللعساء اللمياء الهيفاء الوطفاء الحسناء؟! وخلاصة ما أقول في نعتها بإجمال الكلام: إن الشمس تشرق من غلالتها ويمتد من سناها بدر التمام.
الوزير :
فصمت عرى اصطباري، وأعدمتني قراري، وأضعت مني الحواس، وأسكرتني بلا كاس، وتركت فرائصي ترتعد ولظى مهجتي تتقد، وجعلت قلبي يخفق كقرط تلك الحسناء البهية، وصيرت حظي أسود كنقطة خالها المسكية، ونبهتني على ما خفي عني من بدائع صفاتها؛ إذ لم أستطع أن أثبت نظري في جنان وجناتها، فمن تلك الرواح الرود، والغادة التي حسنها مشهود، أفصح بالتعريف، وأحسن بيانها بالتلطيف.
حسان :
تلك التي ثلث محياها النيرين، وأبان فرقها ضياء الفرقدين، وسرى النسيم يقض في الرياض المسك من أخلاقها، وفاقت بلقيس على عرش الجمال وإن لم يطمع أحد بكشف ساقها، واستحوذت بقرطيها على ملك الخافقين، وطلعت الشمس والقمر من وجنتيها في المشرقين، مع أدب غض نضير، وطبع تعبر عن لطفه أنفاس العبير؛ وبالجملة لا يرى مثلها على الإطلاق، ولا يطرب الحجاز بغير وصفها في شام ولا عراق.
الوزير :
كفاني ما دار على سمعي من كئوس تلك الأوصاف، وحسبك ما أسلفته من محاسن نعتها التي أسكرتني ولا سكر السلاف، فمن تكون صرح باسمها الكريم، وأنقذ فؤادي بعذب ذكرها من العذاب الأليم.
نامعلوم صفحہ
حسان :
ذكرت أمرا تلذ مني المبادرة إليه بدون توان، فاعذرني عن إطالة الشرح من غير تبيان، وسيظهر الصبح لذي عينين، وتسمع أذناك ما تعض به اليدين، ويرتفع ببنان الإشارة الإبهام، لمن كان ينظر بعين البصيرة والسلام.
الوزير :
رويدك أيها الخليل! أثرت الغليل بقلب عليل.
الواقعة الخامسة (الوزير أبو عامر)
الوزير أبو عامر :
وضع في أحشائي جزل الغضا، وأضرم فيه النيران ومضى، فليتني لم أطلعه على أسراري، وأعرب له عما في طي إضماري، فكيف يكون الخلاص من حبائل القناص مع أني لم أقف على الحقيقة في ذلك المجاز، وحال بيني وبين الدخول إلى حرم التلاقي حجاز، فهل أحد يكشف لي ذلك الأمر، ويوقفني على معرفة من تركت فؤادي على الجمر، الصواب أن أذهب بنفسي لاستطلاع خبرها، والوقوف على تميز الحال باقتصاص عين أثرها، وبعد ذلك يكون إدراك الوطر، وقضاء حاجة النفس بمواتاة القدر، وسأحلق في السعي بدون تقصير، وأبذل وسعي لوقوف عرفات الوصل من غير تأخير.
والله يقضي ما يشا
فأخضع لأحكام القضا
وأضرع إليه مقابلا
نامعلوم صفحہ
أفعال ربك بالرضا
الواقعة السادسة (الوزير أبو الوليد ابن زيدون - ونديمه أبو المحاسن)
أبو الوليد :
عيني إلى الحين قادتني بلمحة من
رمت فؤادي بسهم قد أصاب غرض
ولفتة الجيد تبدي جوهرا عرضت
قلبي على سيف جفن للنفوس عرض (عروض بر ملك نغمه حجاز همايون):
لمحة الطرف بتفريق البال
تيمتني في هوى عيني غزال
ساحة القصر جلته سانحا
نامعلوم صفحہ
يتهادى بين عجب واختيال
يا نظرة أثر سهمها بالفؤاد تركتني أهيم من الغرام في ألف واد، جنتها على القلب العين بلمح محيا الشمس بدون غين، تلك التي أسرت فؤادي وسرت، وجارت علي لما أجرت دموعي وجرت، وليس لي صبر على حلو حديثها الشهي، والنظر إلى طلعة وجهها البهي، ومطارحتها نوادر الآداب ومغازلة عينيها بما يفتح لمحاسن أغزالي الباب، فأشنف آذاني بلآلئ إنشائها وإنشادها، ويتعبد طرفي في زوايا أصداغها إذا أسعفت أشواقي بمرادها، فأنشدها ما يطيب في السمع ويعذب في الأذواق، ويترنم به ركب الحجاز إذا راعت النوى قلوب العشاق ... إن عشق ولادة أيها النديم ليس بقلبي المعنى سواه غريم، فكيف يكون الطريق إلى طروق حماها، ووصول النفس من أنس وصالها إلى مناها، وقد أحدقت بها سمر الرماح، وحفت بخبائها بيض الصفاح، وأذن السمهرية مصغية للسمع وجفن الحسام منتبه لتفريق الجمع، فهل من حيلة تفتح باب النجاح، فأحمد سراها إن رأيت من فرق تلك العقيلة الصباح، أشر علي بما هو الصواب، وسدد بخطابك الجواب.
النديم :
الخطب أيها الوزير الجليل وإن كان عظيما إذا نظر إليه بطرف غير كليل، يهون إذا تلقيته بدرع الحجا، وأعددت لدفعه جنة حسن الرجا، وإني أحدثك بحديث يغنيك عن القديم، ويوضح لك طريق الأنس في الليل البهيم، وهو أن ولادة لها بك هوى شغلها عن طيب الوسن، وشرع لها معاطاة كئوس الوله وسن، وكلفها بك غدا لها طبعا بدون تكلف، ولا يرى لعطفها بغير نسيم ذكرك تعطف، حتى إن ناديها الذي هو جامع الأنس وقبلة المتأدبين، وحلبة جياد الأدب بعصابة الشعراء المجلين، لا ترتاح إليه بدون ذكر آدابك، ولا تخطب فيه إلا بإظهار اشتياقها إلى خطابك، وحيث عرفت ولهك بها فسوف أطلعها على حقيقة الحال، وأتلو عليها فصل غرامك للدخول من باب الوصال، وأصنع يدا عندها بسعي القدم، وأفوز بشكرك إذا فزت من نعيم وصلها بالنعم.
أبو الوليد :
أحسنت أيها النديم برفع هذا الخبر، وخففت عني بعض ما أجده من معاناة الفكر، فتمم مشروعك الحسن، ومن على خليلك بإسداء المنن؛ فقد قوي أملي بإدراك المنى، وأنارت ليل رجائي من محياها بأبهى سنا، غير أنه رفع إلي خبر بالابتداء، جر علي بعامل القلق أنواع البلاء، وهو أن الوزير أبا عامر الملقب بالفار، أصبح بحب ولادة عاني القلب مسلوب القرار، وقد طلب منها ما لا تصل إليه مناه، ولا تخيله له الأحلام الباطلة في كراه؛ فقوبل منها بأقبح رد، وكاد سيف ناظرها يقيم عليه الحد، ونفرت منه أشد نفار، وتركته وقد فاض دم قلبه وفار، فهو الآن ينصب لصيد تلك الغزالة شراك الاحتيال، ويفوق لإصابة غرض وصلها نبال الآمال، فلذلك أتأرق حرقا، وأتحرق أرقا.
النديم :
هيهات أن يصل إلى الشمس من تعلق بحبالها، أو تشرق في أفق آماله من طمع بخيالها، وحجا ولادة وهي ذات حزم يمنع أن يخطر في خاطر ذلك الوهم، وحيث ردت رسائل دمعه بالنهر، ومنعت عن يتيم ثغرها بصده يد القهر، فما يرومه منها أمر لا يكون، ودون وروده من محياها ورد حياض المنون، ولا تتوهم أنه يصدق على ولادة وإن كانت من ربات الخدور، ما أنشده بشار بن برد وهو عنه مأثور:
لا يؤيسنك من مخدرة
قول تغلظه وإن جرحا
نامعلوم صفحہ