الاعتقاد بأن الذي يلقننا إنما يلقننا الحق بقدر ما وصل إليه علمه.
ثانيا:
الاعتقاد بأنه أقصى ما وصل إليه علمه هو حد «المعرفة » الصحيحة.
ثالثا:
النزعة إلى العمل بمقتضى ما يلقننا، تحت تأثير الاعتقاد بأن ما يلقي إلينا به صحيح.
وعلى الجملة تنحصر طرق التلقين في ثلاثة أشياء؛ في التصديق أولا، وفي فهم ما يقال ثانيا، وفي الطاعة لما يقال ثالثا.
على هذا جرت المدارس القديمة. على أن المدارس الحديثة، إن عجزت عن التخلص من هذه المناقص، فإنها أجازت حرية الفكر، وأطلقت العنان للخيال، الذي هو أساس الوصول إلى الحقائق العلمية والقضايا المنطقية على وجه عام. •••
بجانب هذه الصورة الكريهة، تقوم سلطة الحكومات تحمي الأساطير، وتصوب بنارها وحديدها شطر كل من يجرؤ على التشكك فيها أو الدعاية إلى ما يناقضها. على أني لا أعلم فيما يخرج عما يجب أن تنتهي عنده سلطة الحكومات من شيء هو أبعد عن بديهة العقل من حماية الحكومات للأساطير والتقاليد، تحت عنوان أن الحكومات وهي شخص معنوي صرف، دينا تدين به وتتخذه على نفسها علما تنعت به، فيقال حكومة نصرانية، وأخرى وثنية، وثالثة إسلامية، ولغير سبب [و] لغير حاجة تدعو إلى ذلك.
ليس لهذه الحاجة التي تلجأ إليها الحكومات من سبب تعود إليه إلا الوراثة القديمة عن حكومات دينية، انتقلت باللقاح إلى الحكومات المدنية. وهي فوق ذلك، حاجة موهومة لا ضرورة لها في قيام الحكومة، ولا في احتفاظها بسلطانها وقانونها نافذا في رعاياها. ومن أغرب الأشياء أن الحكومات قد تلجأ في بعض الأحيان إلى ضرورة التغيير في الأسس التي يقوم عليها الدين، فتلغي وتثبت، وتنفي وتضع، أشياء ليست من الدين الرسمي في شيء، ومع هذا كله تدعي الحكومات بأنها «دينة» وأنه لها دين رسمي يحترم إزاء الرعية، ولا يحترم إزاء سلطانها الشامل كل شيء في حدود أرضها.
إن هذا العصر الذي فتح للناس أبواب الحرية، وأجاز العمل والتفكير في حيز القانون الوضعي، والذي جعل السوقي والسمسار في سوق الأعمال، وعلى الجملة كل فرد من الأفراد، يتطلع إلى كرسي الوزارة أو رئاسة الجمهورية، هذا العصر نفسه، لم يجز للناس أن يقولوا ما في عقولهم على الوجه الأكمل من الحرية ؛ فإن نظرية يدلي بها شخص من الأشخاص كافية لأن ترفعه إلى أعلى مراتب الحكم، أو تكون قاضية عليه بالتسول في الأزقة والطرقات. وفكرة قد تحمله إلى مصاف القديسين، أو تلقي به في غياهب السجون أعواما يكفر بها عن ذنب الخروج على التقاليد الثابتة الموروثة وراثة، لا الموضوعة وضعا أساسه العقل والحقيقة.
نامعلوم صفحہ