كُونُوا لجارِكُمُ وللضَّيفِ الَّذي ... يُمسِي بساحتكُمْ جِنابًَا مُمرِعا
وإذا أتاكُمْ صالحٌ من قومكُمْ ... فاسعَوا إليه من معينْ معامعا
لا تُقبِلُوا هجمًا كغِزلان الشَّرى ... من ترد المرتعا
عِزُّ العشيرةِ في جماعتِها الَّتِي ... لمّا تَجِد فيها الأعاديْ مطمعا
وصية أود بن مالك
وحدّثني علي بن محمد، عن جده الدعبل بن علي، أن أود بن مالك كان من حكماء العرب، وكان سيدًا مطاعًا في قومه، وأنه عاش دهرًا طويلًا، وعُمِّر حتى ضعف بصره، وقصر خطاه، وكلَّ سمعه، وأنه أقبل على بنيه يوصيهم، وهو يقول:
أودٌ بنيَّ أباكُمُ أودى بِهِ ... صرفُ الزَّمانِ وريبُهُ فتأوَّدا
والدَّهرُ عشَّى ناظريهِ فلا يرى ... بِهِما الضُّحى إلا ظَلامًا أَسودا
ما إِنْ يعي إلا إذا قُرِعتْ لهُ ... وإذا تمثل للمحدّث أصيدا
أبنيَّ من أحصى الَّذي أحصيتُهُ ... ممَّا طواهُ من سِنِيهِ وعَدَّدا
يُمسِي كما أَمسَى ويُصبِحُ مِثلما ... أصبحتُ مُنحَنيَ الفِقارِ الندَّدا
أبنيَّ إن نقلَ الحِمَامُ أباكمُ ... عنكُم وغُودِرَ في الضَّريحِ مُمدَّدا
كُونُوا لِضيفِكُمُ ربِيعًا صادِقًا ... فالضَّيفُ يُخبرُ ما رآهُ إذا اغتدى
وإذا أتاكُمْ صارخٌ منَ قومكُمْ ... يدعوكُمُ لِبلائِهِمْ مُستنجدًا
فاسعَوا إليه مُمرعينَ لتُدرِكُوا ... فيهمْ بسعيِكُمُ العُلى والسُّؤددا
وصية مراد بن سعد
وحدّثني علي بن محمد، عن جده الدعبل بن علي، أن مراد بن سعد بن مذحج وصَّى بنيه فقال: يا بني، إن الناس هم اثنان، صديق معين وعدو مبين، فاعرفوا للصديق صداقته، واعرفوا للعدو عداوته. أما الصديق فأعينوه ظالمًا وانصروه مظلومًا، وأما العدو فاخذلوه محالفًا، واقتلوه مخالفًا، ولا تأمنوه سلمًا، ولا تتركوه حربًا. ثم أنشأ يقول: " من الوافر "
بنيَّ لقد دعوتكُم لنهجٍ ... يدُلُّ على البصيرةِ والرَّشادِ
بنيَّ وهل أبٌ يدعو بنيهِ ... إلى غيرِ المكارِمِ والسَّدادِ
وهل ولدُ رأى من والديهِ ... لهُ غيرَ المحبَّةِ والودادِ
بنيَّ تأمَّموا فالنَّاسُ شَتَّى ... ذوُوُ مقةٍ وحُسادٌ أعادِ
فكافُوا الكُلَّ ما يُسدى ويُولى ... مكأفأةَ الشرامِحةِ الجيادِ
وأوفُوا كيلهُمْ بالصَّاع صاعًا ... ولا تُبقُوا على حضرٍ وبادِ
مِنَ الأعداءِ فالإبقا عليهمْ ... يزيدهُمُ التَّمادي في الفسادِ
بنيَّ هِيَ الوصِيَّةُ فاحفظُوها ... فذي من إرث والدِكُمُ مُرادِ
وصية الحارث بن كعب
وحدّثني علي بن محمد، عن جده الدعبل بن علي، أن الحارث بن كعب لما حضرته الوفاة أقبل على بنيه يوصيهم وهو يقول:
بنيَّ اهتدوا إني اهتديت سبيله ... فأكرمُ هذا النَّاسِ من كانَ هاديا
عييتُ زمانًا لستُ أعلمُ ما الهُدى ... وقد كان ذاكُم ضِلَّة من ضَلاليا
فلمَّا أرادَ اللهُ رُشدِي وزُلفتيْ ... أنارَ سبيلَ الحقّ لي وَهَدانِيا
فألقيتُ عنِّي الغَيَّ للرُّشدِ والهُدى ... ويمَّمتُ نُورًا للحنيفةِ بادِيا
وصِرتُ إلى عِيسى بن مريمَ هاديًا ... رشيدًا فسمَّاني المَسيحُ حَوَاريا
سعِدتُ بِهِ دهرًا فلمَّا فقدتُهُ ... فقدتُ يمينيْ بل فقدتُ شِماليا
بنيَّ اتقوا الله الَّذي هُوَ ربُّكُم ... براكُم له فيما بَرَى وبرانيا
لِنعبُدهُ سُبحانَهُ دُونَ غيرهِ ... ونستدفِعَ البلوى بهِ والدَّواهيا
ونُؤمِنَ بالإنجيلِ والصُّحُفِ الَّتي ... بها يهتديْ من كانَ للوحيِ تاليا
بنيَّ صحِبتُ النَّاسَ ثم خَبَرتُهُمْ ... وأفضلهُمْ ألفيتُ من كانْ واعِيا
وألفيتُ أسناهُم محلًاّ ومنصبًا ... رشيدًا عن الفحشاءِ والإفكِ ناهيا
وألفيتُ أوهاهُمْ لدى كُلِّ أمرِهِ ... مُضِلًا لضلالِ العَشيرةِ غَاويا
بنيَّ احفظوا للجارِ واجبَ حَقِّهِ ... ولا تُسلِمُوا في النَّائِباتِ المواليا
وشُبُّوا على قُرعِ اليفاعةِ ناركُم ... ليأتمَّها الضَّيفُ الذي باتَ طاويا
1 / 42