كم أُوصِكَ اليومَ إلاَّ بالَّذي حَفِظتْ ... عن الأوائلِ من أبناءِ قحطانِ
قال علي بن محمد: قال الدعبل بن علي: فيقال: إن عمرو المحرِّق وهو ابن هند بنة عوف الشيباني حفظ وصية أبيه، وثبت عليها، وعمل بها، وملك ما ملكت آباؤه من البلاد وقبائل العرب.
ويقال: إنه سمي محرِّقًا على وقت كبر سنه، وذلك أن أخًا له يقال له " أسعد "، وكان مسترضعًا في تميم، فخرج إليهم عمرو بن هند، فقتل من تميم مقتلة عظيمة، ثم أخذ منهم مائة رجل أحياء، فضرجهم في النار، وحرقهم، فلذلك سمي محرّقًا. وقد ذكر ذلك ابن غالب التميمي في شعره حيث يقول:
أينَ الَّذين بنارِ عمروٍ حُرِّقوا ... بلْ أينَ أسعدُ فيهمُ المُستَرضَعُ
وقد ذكر ذلك الأعشى في شعره حيث يقول:
أبناء قوم قُتِّلوا ... يوم القُصيبَةِ من أوارهْ
والعود يُعصر ماؤه ... ولكلِّ عيدانٍ عُصارهْ
وقد ذكر ذلك الطرماح في شعره الذي يقول فيه: " من البسيط "
ودارمٌ قد قذفنا منهُمُ مائةً ... في جَاحم النَّار إذ ينزُون في الخُددِ
ينُزون بالمُشتَوى منها ويوقدها ... عمروٌ، ولولا شحومُ القومِ لم تقدِ
وحدّثني علي بن محمد، عن جده الدعبل بن علي، أن عمرو المحرق وصّى ابنه الأيهم فقال:
إنَّ الشَّآمَ وما حوتْ لِيَ أرضُهَا ... لَكَ بعدَ يومِيْ كُلُّها يا أيهمُ
قدْ سستُها وملكتُهَا ليَ حِقبةً ... وكذاكَ تملكُهَا ومُلكُكَ يعظُمُ
فإذا ملكتَ وصرتَ صاحِب أمرِهَا ... بعديْ فَحُطهَا بالّتي هيَ أقومُ
أحسِنْ إلى من كانَ فيها مُحسِنًا ... واعدلْ فمهما تستطِعْ فتقدَّمِ
منْ نائلٍ وسماحَةٍ تعلُو بِهَا ... لبنيْ أبيكَ سناؤُهَا المُتعظِّمُ
والجارُ والمولَى فلا تخذُلهُمَا ... فكِلاهُمَا لكَ صَاحبٌ لا يُسلَمُ
وعلى العَشيرةِ كُنْ عطُوفًا إنَّها ... لبنيْ أبيكَ صناعَةُ لا تُهزمُ
هاتا وصاتِي إنني أوصيكها ... فاعمَلْ بِها دُونَ الورى يا أيهمُ
قال علي بن محمد: قال الدعبل بن علي: فيقال: إن الأيهم بن عمرو المحرِّق حفظ هذه الوصية، وعمل بها، وثبت عليها، وملك ما كان يملك أبوه عمرو المحرق.
والأيهم الذي يقول فيه النابغة، يوم قال له عمرو بن الحارث المحرق: امدح لي يا أخا ذبيان هذا الغلام، فقال: " من السريع "
هذا غُلامٌ حسنُ وجهُهُ ... مُستقبلُ الخيرِ سريعُ التَّمامْ
للحارِثِ الأكبرِ والحارثُ ال ... أعرجِ والأصغرِ خيرِ الأنامْ
ثُمَّ لهندٍ ولِهندٍ إلى ... جَدَّاتِ صِدقٍ وجُدودٍ كِرامْ
خمسةْ آباؤُهُمْ وهمُ ... هُمْ خيرُ مَنْ يشربُ صوبَ الغمامْ
وحدّثني علي بن محمد، عن جده الدعبل بن علي، أن الأيهم بن عمرو المحرق وصى ابنه جبلة بن الأيهم بن عمرو المحرق بن الحارث الخطار وهو الأعرج بن عمرو بن الحارث الأكبر بن ثعلبة بن جفنة بن ثعلبه بن عمرو بن عامر بن حارثة الأحساب بن امرئ القيس بن ثعلبه بن مازن بن الأزد، فقال له: يا بني إنك لمالك الشام بعدي، وإنك لصاحب أمرها دون ولدي، وإنك لفي أوان التعطيل لهذا الأمر الذي أوتيناه دون غيرنا، فإذا رأيت ذلك فانظر لنفسك ما يزينها والتمس لقومك ما يصونهم.
1 / 34