ويقال: إن عمرو بن عامر كان أيسر رجل في زمانه وأكثرهم مالًا وعددًا وعُددًا ومواشي وضياعًا، وكان له ثلثا جنتي مأرب. ويقال: إنه عُمر عمرًا طويلًا، ورزق جماعة من الأولاد، وعاش حتى رأى من نسله وبنيه وبني بنيه سبعة آباء. ويقال: إنه تولى الأعمال والأطراف والثغور لأربعة من ملوك حمير، لعمرو بن أبرهة، ولشرحبيل بن عمرو، وللهدهاد بن شرحبيل مصاهر الجن، وهو أبو بلقيس صاحبة العرش التي زوجها الله من سليمان بن داود النبي ﷺ.
ويقال: إن أم بلقيس بنت الهدهاد امرأة من الجن، كان سبب تزويجها للهدهاد بن شرحبيل أنه خرج للصيد في جماعة من خدمه وخاصته، فرأى غزالة يطردها ذئب وقد أضافها إلى مضيق ليس للغزالة منه مخلص، فحمل الهدهاد بن شرحبيل على الذئب حتى طرده عن الغزالة، وخلصها منه، وانفرد يتبعها، لينظر أين منتهى ما به. قال: فسار في أثر الغزالة، وانقطع عنه أصحابه، فبينما هو كذلك إذ ظهرت مدينة عظيمة، فيها من كل شيء دعاه الله باسمه من الشاء والنعم والنخل والزرع وأنواع الفواكه. قال: فوقف الهدهاد بن شرحبيل دون تلك المدينة متعجبًا مما ظهر له، إذ أقبل عليه رجل من أهل تلك المدينة التي ظهرت له يسلم عليه، ورحب به وحياه. ثم قال له: أيها الملك إني أراك متعجبًا مما ظهر لك في يومك هذا. قال: فقال الهدهاد بن شرحبيل بن عمرو بن يشدد بن الفظاظ بن عمرو بن عبد شمس: إني لكما ذكرت، فما هذه المدينة؟ ومن ساكنها؟ قال له: هذه مأرب، سميت باسم بلد قومك، وهي مدينة عرم، حي من الجن، وهم سكانها، وأنا اليلب بن صعب ملكهم وصاحب أمرهم، وأنت الهدهاد بن شرحبيل ملك قومك وسيدهم وصاحب أمرهم. قال: فبينما هو معه في هذا الكلام إذ مرت بهما امرأة لم ير الراؤون أحسن منها وجهًا، ولا أكمل منها خلقًا، ولا أظهر منها صباحة، ولا أطيب منها رائحة. قال: فافتتن بها الهدهاد بن شرحبيل، وعلم ملك الجن أنه قد هويها وشغف بها. فقال له: يابن شرحبيل، إن كنت قد هويتها فهي ابنتي وأنا أزوجكها. قال: فجزاه الهدهاد بن شرحبيل خيرًا على كلامه، وقال له: من لي بذلك؟ فقال اليلب: أنا لك بما عرضت عليك من تزويجي إياها منك، وجمعي بينكما على أسر الأحوال وأيمنها، فهل عرفتها؟ فقال له الهدهاد: ما عرفتها قبل يومي هذا، فقال اليلب للهدهاد: هي الغزالة التي خلصتها من الذئب، ولأكافئنك على جميع فعالك أبدًا بأحسن من محبواتها، فتأهب لدخولك عليها، فقد زوجتك إياها بشهادة الله وشهادة ملائكته، فإذا أردت ذلك فقدم إلينا بخاصتك من قومك وأهل بيتك وملوك قومك ليشهدوا ملاكك ويحضروا وليمتها، وميعادك الشهر الداخل. قال: فانصرف الهدهاد بن شرحبيل على الميعاد، وغابت المدينة عنه، فإذا هو بأصحابه حوله يدورون. فقالوا له: أين كنت؟ فنحن في طلبك مذ فارقتنا، ولم نترك شيئًا من هذه الفلوات إلا وقد قلبناه عليك وطلبناك فيه. فقال لهم: لم أبعد ولم أغب وأقبل يسير وهو يقول: " من البسيط "
عجائِبُ الدَّهرِ لا تَفَنى أوابدُهَا ... والمرءُ ما عاشَ لا يخلُو مِنَ العَجَبِ
ما كُنتُ أَحسِبُ أنَّ الأرضَ يعمُرُها ... غيرُ الأعاجِمِ في الآفاقِ والعَربِ
وكُنتُ أُخبرُ بالجِنِّ الخُفاةِ فلا ... أرُدُّ أخبارَهَا إلاَّ إلى الكَذبِ
حتَّى رأيتُ أقاصيرًَا مُشيَّدةً ... للجِنِّ محفُوفةَ الأبوابِ والحُجُبِ
يحُفُّهَا الزَّرعُ والمَاءُ المَعِينُ بها ... معَ المواقيرِ مِنْ نخلٍ وَمِنْ عِنبِ
ما بينها الخيلُ مِنْ طَرفٍ ومِنْ تلدٍ ... والخُورُ فيها من الأنعامِ والكَسَبِ
وكُلُّ بيضاءَ تحكِي الشَّمسَ ضاحِيةً ... هيفاءَ لفَّاءَ من موصُوفةِ العَربِ
مضى جمادُ ويأتِي بعدهُ رجبٌ ... وسوفَ أُسرِيْ على المِيعادِ في رَجبِ
حتَّى أُوافِيَ خيرَ الجِنَّ مِنْ عَرمٍ ... ذاكَ ابنُ صَعْبٍ هُوَ المَعروفُ باليَلَبِ
أبغِي لَدَيهِ الَّذي أرجُوهُ مِنْ سببٍ ... مِنْ التَّواصُلِ والإصهارِ والنَّسَبِ
1 / 24