وهذا الُتَّبع المذكور هو أول ملك بشَّر بمحمد النبي ﷺ بعد أسعد الكامل وآمن به، وحج واعتمر وطاف بالبيت سبوعًا، ونحر البدن، وكسا الكعبة، وجعل لها بابًا وحلقًا. وقد ذكر ذلك في شعر له حيث يقول: " من الخفيف "
وكسونا البيتَ الَّذي حَرَّمَ الل ... هُ ملاءً مُعضَّدًا وبُرُودا
ثُمَّ طُفنا بهِ من السَّيرِ سبعًا ... وجعلنا لبابهِ إقليدا
ونحرنَا بالشِّعب تسعينَ ألفًا ... فترى النَّاسَ حولهُنَّ وُرُودا
وقد ذكر ذلك حكم بن عباس الكلبي في شعره الذي يقول فيه: " من الوافر "
وتُبَّعُنا الَّذي قد طافَ سبعًا ... وزارَ البيتَ قبلَ الزَّائرينا
وآمنَ بالنَّبيِّ وما رآهُ ... فكانَ من الهُداةِ الفائزينا
ويقال: إنه زين الملوك وأبناء الملوك من قومه من قبائل العرب والعجم ومدائنها وأمصارها. فكان لكل قبيلة من العرب ولكل حي من العجم ملك من قومه إما حميري وإما كهلاني، يسمع له ويطاع. ويقال إنه جمع الملوك وأبناء الملوك الأوائل وأبناء المقاول من قومه فقال لهم: أيها الناس، إن الدهر قد نفد أكثره، ولم يبق إلا أقله، وإن الكثير إذا قل إلى نقصان أحرى منه إلى زيادة، فسارعوا إلى المكارم، فإنها تقربكم إلى الفلاح، واعملوا على أن من سلم من يومه لم يسلم من غده، ومن سلم من غده لم يسلم مما بعده. وإنكم لتؤوبون مآب الآباء والأجداد، وتصيرون إلى ما صاروا إليه الأولون، وكل يوم الموت أقرب إلى المرء من حياته منه، ولكل زمان أهل، ولكل دائرة سبب، وسبب عطلان هذه الفترة التي من عزَّ فيها بزمن هو دونه ظهور نبي، يعزُّ الله به دينه، ويخصه بالكتاب المبين على يأس من المرسلين، رحمة للمؤمنين وحجة على الكافرين، فليكن ذلك عندكم وعند أبنائكم من بعدكم وأبناء أبنائكم قرنًا فقرنًا وجيلًا فجيلًا، لتتوقعوا ظهوره، ولتؤمنوا به، ولتجتهدوا في نصرته على كافة الأحياء، حتى يفيء الناس له إلى أمر الله.
ثم أنشأ يقول: " من المتقارب "
شَهِدتُ على أحمدٍ أنَّهُ ... رسولُ منَ اللهِ باري النَّسمْ
فلو مُدَّ دهري إلى دهرِهِ ... لكُنُتُ وزيرًا لهُ وابنَ عمْ
وَألزمتُ طَاعتَهُ كُلَّ مَنْ ... على الأرضِ منْ عَرَبٍ أو عجمْ
فأَحمَدُنا سَيَّدُ المُرسَلِين ... وأُمَّتهُ تلكَ خيرُ الأممْ
هو المُرتَضَى وهُو المُصطَفَى ... وأكرَمُ مَنْ حملتْهُ القَدَمْ
ويقال: إن الملوك وأبناء الملوك من حمير وكهلان لم تزل تتوقع ظهور النبي ﷺ، وتبشر به، وتوصي بالطاعة له والإيمان به والجهاد معه والقيام بنصرته من ذلك العصر إلى أن ظهر رسول الله ﷺ، فكانوا له حين بعث من أحرص الناس على نصرته وطاعته؛ فمنهم من سمع له وأطاعه وآمن به قبل أن يراه، ومنهم من وصل به كتابه فسمع له وأطاع وآمن وصدق، ومنهم من وازره ونصره وأيَّده وجاهد في سبيل الله دونه حتى أتاه اليقين. نطق بذلك كتاب رب العالمين في قوله جلَّ شأنه: " والذين تبوءو الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ". وقوله ﵎: " يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم " ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم ". يقال إنهم همدان. وقد كان من خبر سيف بن ذي يزن الحميري في أمر النبي ﷺ وكلامه وإلقائه إلى عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف عند وفوده على سيف بن ذي يزن ما كان. ويقال: إنه لم يكن لسيف بن ذي يزن ذلك العلم في أمر النبي ﷺ إلا من جهة تبع، وما تناهى إليه مما كان ألقاه إليهم تُبَّع وعرّفهم به من أمر النبي ﷺ.
1 / 12