Wasatiyyah of Islam and Its Call to Dialogue
وسطية الإسلام ودعوته إلى الحوار
ناشر
الكتاب منشور على موقع وزارة الأوقاف السعودية بدون بيانات
اصناف
وسطية الإسلام ودعوته إلى الحوار إعداد
أد. عبد الرب نواب الدين آل نواب
عضو هيئة التدريس بكلية الدعوة وأصول الدين
الجامعة الإسلامية - المدينة المنورة
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد:
فإن الحديث عن الإرهاب والتطرف والعنف حديث عن قضية عصرية شغلت حيزا كبيرا من الساحة السياسية والفكرية والاجتماعية والنفسية، وللإرهاب مفاهيمه المتعددة ودوافعه المتنوعة، وله كذلك مجالاته ومظاهره وأخطاره، والإرهاب أمر شنيع بالمفهوم المتبادر في الرأي العام وهو المنصبّ نحو (العمل العنيف لقتل الأبرياء وانتهاك حرماتهم)، ويجمع العلماء على تحريمه وتجريمه، والإرهاب بهذا المفهوم داء عضال بل داء فتاك إذا استشرى في أمة أرداها وقضى عليها، وأول أخطاره زعزعة الأمن في البلاد وبث الرعب في القلوب والتقليل من هيبة النظام.
1 / 1
لذا قام أفضل الأمة وهم صحابة النبي ﷺ بالوقوف صفا واحدا لصد هذا التيار المنحرف، وكان لهم مواقف صارمة تجاه هذا الداء الفتاك، وذلك حين عاصروا ما عرف في التاريخ الإسلامي (بالخوارج) قد واجهوه بمختلف الوسائل والأساليب بالحوار طورا، وبالسيف والقتال طورا آخر، وبالتحذير من أخطار الفئة التي تحمل وتبث أفكار الإرهاب في المجتمع وتنخر كالسوس لتقويض بنيانه وهدم أركانه.
وهذا البحث المتواضع إسهام قليل من واجب كثير وكبير يطالب به المثقفون لصد تيار هذا الفكر المنحرف واجتثاث جذوره والبحث في أسبابه وبيان طرائق علاجه ووقاية الأمة من أخطاره وآثاره، كتبته بعنوان: (وسطية الإسلام ودعوته إلى الحوار) ضمن المحور الخامس من محاور المؤتمر الدولي.
1 / 2
والحوار في المنظومة الإسلامية أسلوب ووسيلة في الدعوة إلى الله، وفي دحض الشبهات والافتراءات، وفي رد الشاردين والجاهلين والغافلين من أبناء المسلمين إلى حياض الإسلام، إن الحوار ترياق فعال لمعالجة داء الإرهاب، بل هو وقاية وعلاج، فبالحوار تنفتح مغاليق الشبهات، وبالحوار تدرأ الكثير من مكنونات النفس وتراكمات العقائد الضالة المضللة، وللحوار في القرآن العظيم والسنة النبوية الشريفة مساحات شاسعة، حوار النفس وحوار المشمولين في بوتقة الأخوة الإسلامية، وحوار المخالفين في الرأي، وحوار المخالفين في الدين، وحوار المسالمين وحوار؛ فالحوار بكل صوره وأبعاده وأهدافه وآثاره مادة علمية لها ظلال عميقة في واقع التطبيق.
1 / 3
واشتملت خطة البحث على المباحث الآتية المبحث الأول: (تعريفات عامة): الإرهاب والعنف والتطرف.
المبحث الثاني: (من مظاهر وسطية الإسلام وسماحته)
المبحث الثالث: (تعريف الحوار وبيان أهميته)
المبحث الرابع: (أصول الحوار)
المبحث الخامس: (مجالات الحوار)
المبحث السادس: (دعوة القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة إلى الحوار)
المبحث السابع: (نماذج من الحوار من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وسير الصحابة ﵃ .
وبعد:
فما رصدته في موضوع الحوار في مثل هذه المؤتمر الموقر هو جزء يسير من موضوع متشعب الأطراف متعدد المسالك.
وأسأل الله التوفيق. . .
كتبه
أ. د / عبد الرب نواب الدين آل نواب
عضو هيئة التدريس بكلية الدعوة وأصول الدين
الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية.
1 / 4
المبحث الأول تعريفات عامة تعريف: (الإرهاب والعنف والتطرف)
الإرهاب في اللغة مشتق من مادة (ر هـ ب) ومعناه الخوف والفزع، قال ابن منظور: رَهِبَ، بالكسر، يَرْهَبُ رَهْبَةً ورُهْبًا، بالضم، ورَهَبًَا، بالتحريك، أَي خافَ. ورَهِبَ الشيءَ رَهْبًا ورَهَبًا ورَهْبةً: خافَه. . . . . وأَرْهَبَهه ورَهَّبَه واستَرْهَبَه: أَخافَه وفَزَّعه [لسان العرب ١ / ٤٣٦] .
والعنف: الشدة والغلظة، وهو عكس الرفق واللين [اللسان ٩ / ٢٥٧] .
والتطرف: الأخذ بطرف الشيء أي منتهاه وغايته، قال اللغويون: والمطرّف: الذي يأتي على أوائل الخيل فيردها عن آخرها. [اللسان ٩ / ٢١٧] فالتطرف يقصد به الغلو والمبالغة والتزمّت. وهذه الاصطلاحات الثلاثة متقاربة (الإرهاب والعنف والتطرف) .
يجمعها جامع الشذوذ والخروج عن حد الاعتدال. ونركّز في الحديث عن الإرهاب فهو الأكثر شيوعا في الاصطلاحات الإعلامية والسياسية والفكرية المعاصرة.
الإرهاب في الاصطلاح:
1 / 5
يبرز أولا في تعريف الإرهاب مشكلة بحثية، لتعدد مفاهيمه وتباين مدلولاته، فهو اصطلاح فيه غموض ثم هو غير دقيق، ويرجع ذلك إلى الخلفية العقدية والتاريخية لمن يستعمل هذا الاصطلاح في خطابه، وعلى سبيل المثال فالجهاد في سبيل الله لنشر الإسلام أو دفاعا عن الأرض والعرض أمر مشروع، لكن أعداء الإسلام يرونه إرهابا!
فالإرهاب على هذا عند الجميع (تخويف وترويع وبثٌ للفزعُ الرعب في قلوب الناس)، لكن المقاصد والأهداف والغايات هي التي تحدد مفهومه حميدا كان أو ذميما.
1 / 6
الإرهاب في القرآن الكريم
قال الراغب: الرهبة والرهب مخافة مع تحرز واضطراب [المفردات ص ٢٠٤ (رهب)] .
ولقد وردت مادة (رهب) في القرآن الكريم (١٢) مرة، وترجع إلى ثلاثة معانٍ رئيسة وهي:
المعنى الأول: الخوف والخشية من الله تعالى، قال جل ذكره:
﴿يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾ [البقرة:٤٠]
وقال: ﴿وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ﴾ [الأعراف:١٥٤]
وقال تعالى: ﴿وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾ [النحل:٥١]
وقال تعالى: ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ﴾ [الأنبياء:٩٠]
1 / 7
وقال تعالى: ﴿اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ﴾ [القصص:٣٢]
المعنى الثاني: الترهب بمعنى التعبد ومنه الراهب النصراني ومعنى الراهب الخائف أو الخاشع قال الراغب: الرهبانية غلو في تحمل التعبد من فرط الرهبة.
قال تعالى في النصارى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ [المائدة:٨٢]
وقال: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [التوبة:٣١]
1 / 8
وقال: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [التوبة:٣٤]
وقال تعالى: ﴿ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ [الحديد: ٢٧]
المعنى الثالث: التخويف والترويع وبث الفزع والرعب:
قال تعالى في سحرة فرعون: ﴿قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ﴾ [الأعراف: ١١٦]
1 / 9
﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ﴾ [الأنفال: ٦٠]
وقال تعالى: ﴿لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ﴾ [الحشر: ١٣]
1 / 10
الإرهاب في اصطلاح الرأي العام
نختار من بين التعريفات الكثيرة ما ذكره د. سيار الجميل قال محددا الإرهاب: (هو عملية أو مجموعة من العمليات مضادة للآخر وتقتص منه عشوائيا بعد أن يتم التخطيط للعمليات أو محاولات تنفيذها وبشكل منظم ودقيق من أجل كبح جماح الآخر ومعاقبته مهما كان الثمن وبوسائل غير مشروعة) [جريدة الزمان ٢٢ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠١ ص ١٣]
1 / 11
الإرهاب عند الغربيين
ينصب مدلول الارهاب عند الغربيين نحو كل عمل يتضمن مقاومة للفكر الغربي أو التدخل العسكري الغربي أو للنفوذ الغربي في بلاد المسلمين. والإرهاب بهذا المعنى اصطلاح يرد في كتابات الغربيين منذ قرنين، فالحركات التحررية ضد الاستعمار إرهاب عندهم، ورفض الهيمنة الغربية بما فيها العولمة إرهاب أيضا في قاموسهم، وبرز هذا الاصطلاح أكثر بعد أحداث ١١ سبتمبر الشهيرة، فأصبح المسلمون في أكثر الدوائر الإعلامية إرهابيين!! والمؤسسات الإسلامية الأكاديمية والإغاثية بل الأنظمة تدعم الإرهاب أو تغذيه وتسانده.
لقد ذهب مثقفو الإرهاب إلى أبعد حد عندما وجدوا أن القرآن الكريم هو أصل الإرهاب بما أنه يتضمن آيات في القتل والحرب. ونسي هؤلاء أن التوراة وكل الكتب الدينية قد تحدثت عن الصمود والمواجهة. لنتمعن في هذه الفقرة من كتاب التوراة وها هي ترجمتها التقريبية: يقدم لك إلهك ومولاك هذه الأوطان ويبث فيها الرعب حتى إبادتها ويقدم بين أيديك ملوكهم فتمحي أسماءهم من الوجود ولا أحد يقف صامدا أمامك حتى تقتلهم وتبيدهم والأمثلة على ذلك كثيرة.
1 / 12
ولنتمعن قليلا أيضا في هذه المقولة لمفكر ألماني (١٨٤٨ Karl Heinzen) ألف كتابا عن القتل هو عبارة عن نصائح متعددة في استعمال تقنيات التقتيل والمذابح والإبادة ضد الآخر أي ضد الشعوب المتوحشة تلك التي لم تدخل الحضارة الغربية قال فيه: إذا ما أجبرت على تدمير نصف قارة وعلى نشر حمام دماء لمحو البرابرة، فلا يجب أن يوبخك ضميرك. إن الذي لا يضحي بحياته فرحا من أجل إبادة مليون من المتوحشين لا يعد مواطنا جمهوريا (نجد هذه المقولة في كتاب:
Jean Claude Brusson، Le si cle rebelle، Dictionnaire de la contestation au XXe si cle، Larousse، Paris ١٩٩٩) . ولعله قد آن الأوان لإعادة النظر في كلمة إرهاب وتدقيقها حتى لا تكون أداة إيديولوجية نستعملها حسب ظروفنا وملابسات سياساتنا.) [عاطف الغمري: صحيفة الأهرام ٢٧ / ٨ / ٢٠٠٣م]
1 / 13
المبحث الثاني من مظاهر وسطية الإسلام وسماحته وسطية الإسلام في العقيدة
تتجلى في أسس الإيمان وأركانه العظام حيث الوضوح والخلو من الغموض والطلاسم والتعقيد، فالإيمان بالله تعالى وبوجوده مركوز في الفطرة، ودلائل ذلك واضحة جلية في صفحة الكون وأغوار النفس، والإيمان بأنه لا إله إلا هو وأنه متفرد في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته وأنه ليس كمثله شيء، كذلك واضح وضوح الشمس في آيات التنزيل الحكيم وفي آيات الله في الكون، والوسطية في اعتقاد العقيدة القويمة في ذلك دون غلو ولا إفراط ولا تفريط أيضا مظهر من مظاهر الاعتدال، والمسلمون يبتهلون إلى الله كل يوم خمس مرات قائلين ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾ [الفاتحة: ٦-٧]
هي دعوة أن يهديهم الصراط المستقيم، الذي هو وسط بين طريق المغضوب عليهم وهم اليهود وبين الضالين وهم النصارى. وهي دعوة أن يثبتهم على ذلك.
1 / 14
وسطية الإسلام في الشريعة
شريعة الإسلام في مجال العبادات والمعاملات تتسم بالوسطية، فهي بين الغلو والتهاون، بين الإفراط والتفريط، وما الشواهد المتكاثرة في القرآن والسنة على تقرير الوسطية إلا مظاهر تقرر أنها شريعة صالحة لكل عصر ومصر. مثل قوله ﷺ: «أما أنا فأصوم وأفطر وأرقد وأصلي وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني» [متفق عليه] .
ولقد استنبط العلماء القواعد الفقهية والأصولية من تشريعات الإسلام مثل قولهم: الضرورات تبيح المحظورات، والضرورة تقدر بقدرها، وغيرها كثير كلها تنبئ بعظمة هذا الدين وأنه دين الوسطية والاعتدال قال تعالى: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ [المائدة: ٥٠] .
1 / 15
وسطية الإسلام في الأخلاق
وهو الجانب السلوكي التطبيقي في المعاملات بين الناس، عماده أيضا الوسطية والاعتدال في البذل والإنفاق، وفي القضاء والاقتضاء، وفي البيوع، وفي التقاضي وفي سائر الأمور، لهذا المعنى كانت الأمة الخاتمة خير الأمم لوسطيتها قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ [البقرة: ١٤٣]
1 / 16
وسطية الإسلام في منهج الدعوة
وهو منهج قائم على الاعتدال أساسه الحكمة والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن، عماده اللين والرفق في غير ضعف، وفي الوقت ذاته الجدال بالتي هي أحسن للإقناع وإقامة الحجة، ثم الجلاد لمن كابر وعاند. ولكن دون إكراه ولا قهر، فمن آمن فله ما لنا وعليه ما علينا، ومن اختار دينه فلا حرج على أن يكف عن المسلمين يده ولسانه قال تعالى: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٥٦]
1 / 17
وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أيضا لا عنف ولا تطرف ولا إرهاب، ولا بد من إذن الإمام في تغيير المنكرات التي تتعلق بحقوق الآخرين من مسلمين أو ذميين ومعاهدين، وطاعة ولي الأمر من واجبات الشريعة قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [النساء: ٥٩]
1 / 18
المبحث الثالث تعريف الحوار وأهميته تعريف الحوار
الحوار في اللغة من الحور وهو: الرجوع عن الشيء إلى الشيء. [اللسان ٤ / ٢١٧] ويقصد به: المُراجعة في الكلام.
والجدال: من جَدَلَ الحبل إذا فَتَلَه، أطلق على من خاصم بما يشغل عن ظهور الحق ووضوح الصواب، ثم استعمل في مُقابَلَة الأدلة لظهور أرجحها.
وبين الجدال والحوار فرق؛ فالحوار مراجعة الكلام وتبادله بين المتحاورين وصولًا إلى غاية مستندًا إلى أنه يجري بين صاحبين أو اثنين ليس بينهما صراع، ومنه قوله تعالى: ﴿قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ﴾ [الكهف: ٣٧]
وأما الجدال فأكثر وروده في القرآن الكريم بالمعنى المذموم كقوله تعالى: ﴿وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ﴾ [غافر: ٥] وهذا الجدل حوار لا طائل من ورائه ولكن جاء الجدل أيضًا محمودًا في مواضع كقوله تعالى: ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [العنكبوت: ٤٦]، وقوله تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [النحل: ١٢٥]
1 / 19
فالجدال بالتي هي أحسن مرادف للحوار الإيجابي البناء، ويجمع بين الحوار والجدال معنى تطارح الرأي والأخذ والرد وقد جمعهما قول الله تعالى: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾ (المجادلة:١)
قال الدكتور صالح بن حميد: ويراد بالحوار والجدال في مصطلح الناس: مناقشة بين طرفين أو أطراف، يُقصد بها تصحيح كلامٍ، وإظهار حجَّةٍ، وإثبات حقٍ، ودفع شبهةٍ، وردُّ الفاسد من القول والرأي.
وقد يكون من الوسائل في ذلك: الطرق المنطقية والقياسات الجدليَّة من المقدّمات والمُسلَّمات، مما هو مبسوط في كتب المنطق وعلم الكلام وآداب البحث والمناظرة وأصول الفقة. [أصول الحوار]
ولكي يكون التعريف جامعا يراعى فيه ثلاثة عناصر: الأول: أن يجمع بين خصمين متضادين. والثاني: أن يأتي كل خصم في نصرته لنفسه بأدلة ترفع شأنه وتعلي مقامه فوق خصمه. والثالث: أن تصاغ المعاني والمراجعات صوغًا لطيفا.
1 / 20