ورثة الممالك المنسية: دیانات آفلہ فی الشرق الاوسط
ورثة الممالك المنسية: ديانات آفلة في الشرق الأوسط
اصناف
اشتملت الحيوانات الصالحة على الحصان، والثور، والكلب. أما خدم أنجرا ماينيو في مملكة الحيوانات، ويسمون «كرافستراس»، فيشملون الذباب، والنمل، والثعابين، والضفادع، والقطط. أدان إمبراطور فارسي زرادشتي يدعى شابور المسيحيين لأنهم «ينسبون أصل الثعابين والأشياء الزاحفة إلى إله صالح». فبالنسبة إليه، لا يمكن أن تكون مثل هذه الأشياء إلا من صنع خالق خبيث منفصل. وتبدأ الملحمة الوطنية الفارسية العظيمة «شاهنامه» بجيش عظيم من الجنيات والحيوانات التي انحازت إلى الخير على حساب الشر، منطلقة إلى معركة مع أنجرا ماينيو. (إذا كان هذا يبدو مثل رواية «سجلات نارنيا» لسي إس لويس ؛ فذلك لأنه كان من أشد المعجبين «بالشاهنامه»، ووصف الزرادشتية بأنها ديانته «الوثنية» المفضلة.)
كانت المعركة بين الخير والشر هي المعركة التي يمكن للبشر أن يشاركوا فيها إذا اختاروا ذلك. ويتسم مفهوم حرية الاختيار بأهمية خاصة في الزرادشتية، التي ترى أنه حتى أنجرا ماينيو سيئ باختياره. (وهذا هو السبب في أن قصة خلق أنجرا ماينيو للطاووس تسرد فقط لإظهار قدرته على صنع أشياء جميلة بدلا من الأشياء القبيحة إذا رغب في ذلك.) كانت الأفعال الفاضلة مثل قول الحقيقة وسيلة لهزيمة أنجرا ماينيو - فقوى الظلام في الأفستا تسمى «الكذبة» - ويخبرنا المؤرخ اليوناني هيرودوت، الذي درس الفرس في القرن الخامس قبل الميلاد، أنهم نشئوا على «ركوب الخيل، والأمانة في التعامل، وقول الحقيقة». ولكن كانت توجد أيضا معارك فعلية يجب خوضها مع خدم أنجرا ماينيو. فيخبرنا هيرودوت أن «المجوس يقتلون بأيديهم جميع المخلوقات فيما عدا الكلاب والبشر، بل إنهم يجعلون هذا هدفا رائعا يضعونه نصب أعينهم، مثل قتل كل من النمل والأفاعي وجميع الأشياء الأخرى الزاحفة والطائرة.» وحتى في ستينيات القرن الماضي، كان الزرادشتيون الإيرانيون يحتفلون بيوم في كل عام يقتلون فيه «الكرافستراس»، وخاصة النمل.
في الوقت ذاته، كان حب الكلاب إلزاميا. ففي الأفستا، يقال إن جسر شينفات، الذي يجب أن تمر الروح عبره بأمان إذا كانت ستدخل الجنة، يحرسه كلبان. وعندما كان كلب يحدق بتركيز في مكان ما، كان يعتقد أنه يرى أرواحا شريرة غير مرئية للبشر؛ ولذلك غالبا ما يتم اختياره للجلوس بجوار فراش شخص يحتضر. وفي المقابل، عندما يموت مثل هذا الكلب، يمنح طقوسا جنائزية خاصة، كما وصفتها العالمة ماري بويس في رصدها للحياة الزرادشتية التقليدية في ستينيات القرن الماضي. ويعلن عن موت الكلب هكذا: «بدأت الروح رحلتها.» كانوا يلبسون الكلب ملابس مثل تلك الخاصة بالزرادشتيين - حزاما يسمى «الكوشتي» وسترة من نسيج قطني رقيق تسمى «السدرة»، اللذين كان يرتديهما دائما المؤمنون (الأول حول الخصر والثانية فوق الكتفين) - وتعامل جثته مثل جثة رجل أو امرأة زرادشتية لقيا حتفهما: حيث يتركونها مكشوفة في مكان مهجور لتأكلها الطيور. ولمدة ثلاثة أيام بعد موته، كان طعامه المفضل يوضع بالخارج لتستمتع به روح الكلب.
يحظر الأفستا إساءة معاملة الكلاب. و«عند المرور إلى العالم الآخر»، فإن روح الشخص الذي ضرب كلبا «ستطير وهي تعوي بصوت أعلى وأكثر حزنا من الأغنام في الغابة العالية الأشجار عندما يتجول الذئب.» ويشترط الأفستا على الرجل الذي يقتل كلبا أن ينفذ قائمة من أعمال التكفير عن الذنب يبلغ طولها ثمانية عشر سطرا. من هذه الأعمال قتل عشرة آلاف قطة. ونظرا إلى أن المسلمين فضلوا القطط على الكلاب، التي يحسبون أنها نجسة، فإن الخلافات حول معاملة الكلاب غالبا ما أدت إلى صراعات بين الزرادشتيين والمسلمين.
إن المنافسة بين تفضيل الكلاب والقطط لم تصل إلى هذا الحد في الغرب. ولكن بطريقة مختلفة، وجد التقسيم الزرادشتي لحيوانات الأرض طريقه إلى الثقافة الأوروبية. فكلمة «ماجيك (أي سحر بالإنجليزية)» تأتي من اسم الكهنة الزرادشتيين، الماجي (أي المجوس)؛ والتمايز بين السحر الأسود والأبيض (واحد شرير والآخر صالح) يوازي الاختلاف بين أنجرا ماينيو وأهورا مزدا؛ والحيوانات التي تصاحب ممارس السحر الأسود، مثل الثعابين، والضفادع، وبالطبع القطط، كلها مخلوقات من صنع أنجرا ماينيو.
ترك لنا الزرادشتيون إرثا أكثر تأثيرا أيضا. فقد كانوا يعتقدون أن أولئك الذين كانوا يقاتلون إلى جانب الخير يمكن أن يأملوا بعد الموت في أن يدخلوا بيت الأغاني، الذي أطلقوا عليه أيضا اسم دار النور. صورت اللوحات الجدارية المصرية حياة أخرى رائعة، ولكن فقط للفرعون وربما خدمه. لم يأمل الإغريق الذين قاتلوا في حصار طروادة شيئا بعد وفاتهم سوى الشهرة: أن يبقى ظلهم في العالم السفلي، هاديس، لكن ذلك كان في أحسن الأحوال وجودا مبهما. قال زرادشت في تعاليمه إن أي شخص يتبع مجموعة معينة من قواعد السلوك على الأرض يمكن أن يعيش إلى الأبد، وإن الروح مهمة، وإن الإله الصالح يمارس سلطته على العالم. وعلى النقيض، فأولئك الذين خدموا أنجرا ماينيو سيعاقبون بالبؤس والظلام. أثبتت هذه المفاهيم عن الخير والشر، وعن الجنة والنار، أنها مؤثرة جدا.
على سبيل المثال، في الكتب المقدسة اليهودية الأولى (البانتاتيك، الأسفار الخمسة الأولى من التوراة)، لا توجد إشارة إلى الشيطان. وبدلا من ذلك يمثل الشر على هيئة أفعى في الجنة. وبعد الموت، تذهب كل الأرواح، دون تفريق، إلى مكان يدعى شيول؛ لم يكن هناك جنة ولا نار. وعندما تحرر اليهود من بابل على يد الملك الفارسي كورش سنة 539 قبل الميلاد، تغير هذا الأمر. ففي سفر أيوب، الذي ربما كتب في ذلك الوقت، كان الشيطان كائنا قويا، قادرا على التدخل في شئون العالم، وإصابة رجل بريء بالأوبئة؛ وهو الفعل ذاته الذي يضطلع به أنجرا ماينيو في العقيدة الزرادشتية. وفي القرن الثاني قبل الميلاد ظهرت الجنة والنار في سفر دانيال: «كثيرون من الراقدين في تراب الأرض يستيقظون؛ هؤلاء إلى الحياة الأبدية، وهؤلاء إلى العار للازدراء الأبدي.»
بعد قرون، يتشابه وصف يسوع للشيطان مع أنجرا ماينيو، من حيث إن الإله الصالح يزرع القمح، لكن عدو الإله ينشر الحشائش في حقل القمح، وفقط في نهاية الزمان يمكن فصل الحشائش عن القمح وحرقها. وبالمثل، بعد أن تلاقى الإغريق مع الفرس، اقترح الفيلسوف اليوناني أفلاطون أن الأرواح تذهب للحصول على الثواب أو العقاب بعد موتها، بحسب ما فعلته في حياتها. لقد تغير الدين جذريا. ورأى فيلسوف القرن التاسع عشر الألماني نيتشه، بالنظر إلى هذه الأحداث، أن «زرادشت ابتدع الخطأ الأشنع على الإطلاق؛ وهو الأخلاق.» (لذا، كتب كتابا يعود فيه زرادشت ويلغي القانون الأخلاقي. أعجب ريتشارد شتراوس جدا بالكتاب، لدرجة أنه أطلق على إحدى مقطوعاته الموسيقية الاسم ذاته: وبهذه الطريقة غير المباشرة يعيش اسم زرادشت في قاعات الحفلات الموسيقية في جميع أنحاء العالم.)
عرفت لال ورفاقها الزرادشتيون أن مجتمعهم كان صغيرا وضعيفا. ومن وقت لآخر، عانوا من عدم الاحترام والعداوة من جيرانهم؛ حيث تعرض مرة شقيق لال لهجوم من قبل أولاد كانوا يقذفون الحجارة ويصرخون بكلمة «جبر»، وهي كلمة مهينة للزرادشتيين. لكن كان عزاؤهم أن يعرفوا أن أفكارهم قد شكلت طريقة تفكير هؤلاء الجيران.
لقد شهدوا أيضا بعض الإنجازات الملموسة للغاية التي خلفها الزرادشتيون منذ مدة طويلة. فبرسبوليس هي مدينة من الرخام الأبيض في قلبها قصر ملكي، على بعد مائتي ميل جنوب غرب يزد، بنيت في القرن السادس قبل الميلاد عندما امتدت الإمبراطورية الفارسية من الساحل الغربي لتركيا إلى صحاري كازاخستان. ومن المفترض أن الإمبراطور خشايارشا أعطى الأمر بغزو اليونان أثناء وجوده في القصر، وعندما غزا الإسكندر الأكبر الإمبراطورية الفارسية سنة 330 قبل الميلاد، دمره وهو مخمور في نوبة من الصخب والانتقام. الآن، تتناثر حول الدرج الرخامي بقايا من أعمدة، وجدران مدمرة جزئيا، ومنحوتات رائعة متفرقة نجت من الحريق لأنها كانت مخزنة في ذلك الوقت. وكما تساءل نقش كتبه زائر من العصور الوسطى على أحد أعمدتها، «كم مدينة بنيت بين الآفاق، صارت خرابا في المساء، بينما أقام سكانها في دار الموت؟» حتى يومنا هذا، لم يغفر للإسكندر أبدا. ويعتبر الاسم سكندر شائعا بين المسلمين في كشمير، وفي العالم العربي يذكر الإسكندر باسم ذي القرنين، وهو شخصية بطولية مذكورة في القرآن. ولكن الأمر ليس كذلك في إيران، حيث لا يزال الزرادشتيون يطلقون عليه لقب «الإسكندر الملعون».
نامعلوم صفحہ