بسم الله الرحمن الرحيم
[الحسين (عليه السلام) في المدينة]
[وصية معاوية] (1)
ذكر الطبري في تاريخه (5: 322): ثم دخلت سنة ستين ... وفيها كان أخذ معاوية على الوفد- الذين وفدوا إليه مع عبيد الله بن زياد- البيعة ليزيد حين دعاهم إلى البيعة ... وكان عهده الذي عهد: ما ذكره هشام بن محمد، عن أبي مخنف قال: حدثني عبد الملك بن نوفل بن مساحق بن عبد الله بن مخرمة:
إن معاوية لما مرض مرضته التي هلك فيها، دعا يزيد ابنه (2)، فقال: يا
صفحہ 67
بني؛ إني قد كفيتك الرحلة والترحال، ووطأت لك الأشياء، وذللت لك الأعداء، وأخضعت لك أعناق العرب، وجمعت لك من جمع واحد (1)، وإني لا أتخوف أن ينازعنك هذا الأمر الذي استتب لك إلا أربعة نفر من قريش:
الحسين بن علي (2)،
صفحہ 68
وعبد الله بن عمر (1)، وعبد الله بن الزبير (2)، وعبد الرحمن بن أبي بكر (3).
فأما عبد الله بن عمر: فرجل قد وقذته (4) العبادة، وإذا لم يبق أحد غيره بايعك.
وأما الحسين بن علي: فان أهل العراق لن يدعوه حتى يخرجوه (5) فإن
صفحہ 69
خرج عليك فظفرت به فاصفح عنه (1) فان له رحما ماسة وحقا عظيما!.
وأما ابن أبي بكر: فرجل إن رأى أصحابه صنعوا شيئا صنع مثلهم، ليس له همة إلا في النساء واللهو.
وأما الذي يجثم لك جثوم الأسد ويراوغك مراوغة الثعلب، فاذا أمكنته فرصة وثب، فذاك ابن الزبير؛ فان هو فعلها بك فقطعه إربا إربا (2).
[هلاك معاوية]
[ثم مات معاوية لهلال رجب من سنة ستين من الهجرة] (3).
[ف] خرج الضحاك بن قيس [الفهري] (4) حتى صعد المنبر، وأكفان معاوية على يديه تلوح، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن معاوية كان عود العرب وحد العرب، قطع الله به الفتنة، وملكه على العباد، وفتح به البلاد، ألا إنه قد مات، فهذه أكفانه، فنحن مدرجوه فيها ومدخلوه قبره، ومخلون بينه وبين عمله، ثم هو البرزخ إلى يوم القيامة، فمن كان منكم يريد أن يشهده فليحضر عند [الزوال].
صفحہ 70
وبعث البريد إلى يزيد بوجع معاوية (1) فقال يزيد في ذلك:
جاء البريد بقرطاس يخب به
فأوجس القلب من قرطاسه فزعا
قلنا لك الويل ما ذا في كتابكم؟
كأن أغبر من اركانها انقطعا
صفحہ 71
من لا تزل نفسه توفى على شرف
توشك مقاليد تلك النفس أن تقعا
لما انتهينا وباب الدار منصفق
وصوت (رملة) ريع القلب فانصدعا (1)
[كتاب يزيد الى الوليد]
ولي يزيد في هلال رجب سنة ستين، وأمير المدينة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان (2)، وأمير مكة عمرو بن سعيد بن العاص (3)،
صفحہ 72
وأمير الكوفة (1)
صفحہ 73
النعمان بن بشير الأنصاري (1)، وأمير البصرة عبيد الله بن زياد (2).
صفحہ 74
ولم يكن ليزيد همة إلا بيعة النفر الذين أبوا على معاوية الإجابة إلى بيعة يزيد، حين دعا الناس إلى بيعته وأنه ولي عهده من بعده، والفراغ من أمرهم.
فكتب إلى الوليد: «بسم الله الرحمن الرحيم، من يزيد- أمير المؤمنين- إلى الوليد بن عتبة ... أما بعد فان معاوية كان عبدا من عباد الله، أكرمه الله واستخلفه، وخوله ومكن له، فعاش بقدر ومات بأجل، ف(رحمه الله)! فقد عاش محمودا! ومات برا تقيا! والسلام».
وكتب إليه في صحيفة كأنها اذن فارة: «أما بعد فخذ حسينا، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير بالبيعة أخذا شديدا ليست فيه رخصة حتى يبايعوا، والسلام» (1) و(2).
صفحہ 75
فلما أتاه نعي معاوية (1) فضع به وكبر عليه، فبعث إلى مروان بن الحكم (2)
صفحہ 76
فدعاه إليه (1).
[استشارة مروان]
فلما قرأ عليه كتاب يزيد استرجع وترحم عليه، واستشاره الوليد في الأمر، وقال: كيف ترى أن نصنع؟.
قال: فاني أرى أن تبعث الساعة إلى هؤلاء النفر فتدعوهم إلى البيعة والدخول في الطاعة، فان فعلوا قبلت منهم وكففت عنهم، وإن أبوا قدمتهم وضربت أعناقهم قبل أن يعلموا بموت معاوية، فإنهم إن علموا بموت معاوية وثب كل امرئ منهم في جانب وأظهر الخلاف والمنابذة، ودعا الناس إلى نفسه (2).
[رسول البيعة]
فأرسل [الوليد] عبد الله بن عمرو بن عثمان- وهو إذ ذاك غلام حدث (3)- إليهما يدعوهما، فوجدهما في المسجد وهما جالسان، فأتاهما في ساعة لم
صفحہ 77
يكن الوليد يجلس فيها للناس ولا يأتيانه في مثلها (1)، فقال: أجيبا، الأمير
صفحہ 78
يدعوكما!، فقالا له: انصرف، الآن نأتيه (1).
ثم أقبل أحدهما على الآخر فقال عبد الله بن الزبير للحسين (عليه السلام):
وظن فيما تراه بعث إلينا في هذه الساعة التي لم يكن يجلس فيها؟
فقال الحسين (عليه السلام): قد ظننت [أن (2)] طاغيتهم قد هلك، فبعث
صفحہ 79
إلينا ليأخذنا بالبيعة قبل أن يفشو في الناس الخبر.
فقال [ابن الزبير]: وما أظن غيره، فما تريد أن تصنع؟
قال [الحسين (عليه السلام)]: أجمع فتياني الساعة، ثم امشي إليه، فاذا بلغت الباب احتبستهم عليه ثم دخلت عليه.
قال [ابن الزبير]: فاني أخافه عليك إذا دخلت.
قال [الحسين (عليه السلام)]: لا آتيه إلا وأنا على الامتناع قادر.
فقام فجمع إليه مواليه وأهل بيته، ثم أقبل يمشي حتى انتهى إلى باب الوليد، وقال لأصحابه: إني داخل، فان دعوتكم أو سمعتم صوته قد علا فاقتحموا علي بأجمعكم، وإلا؛ فلا تبرحوا حتى أخرج إليكم (1).
[الحسين (عليه السلام) عند الوليد]
فدخل عليه، فسلم بالإمرة، ومروان جالس عنده [وكان مروان قد جلس عن الوليد وصرمه من قبل- كما سبق-].
فقال الحسين [(عليه السلام)]- كأنه لا يظن ما يظن من موت معاوية-: الصلة خير من القطيعة، أصالح الله ذات بينكما، فلم يجيباه في هذا بشيء.
وجاء حتى جلس، فأقرأه الوليد الكتاب ونعى له معاوية، ودعاه إلى البيعة. فقال الحسين [(عليه السلام)]: إنا لله وإنا إليه راجعون ... أما ما سألتني من البيعة؛ فان مثلي لا يعطي بيعته سرا، ولا أراك، تجتزئ بها مني سرا دون أن تظهرها على رءوس الناس علانية؟ قال: أجل، قال: فاذا خرجت إلى الناس فدعوتهم إلى البيعة دعوتنا مع الناس فكان أمرا واحدا (2).
صفحہ 80
وكان [الوليد] يحب العافية [من أمر الحسين]، فقال له: فانصرف على اسم الله حتى تأتينا مع جماعة الناس.
فقال له مروان: والله لئن فارقك الساعة ولم يبايع؛ لا قدرت منه على مثلها أبدا، حتى تكثر القتلى بينكم وبينه!، احبس الرجل ولا يخرج من عندك حتى يبايع، أو تضرب عنقه! (1).
فوثب عند ذلك الحسين [(عليه السلام)] فقال: يا ابن الزرقاء (2) أنت تقتلني أم هو؟! كذبت- والله- وأثمت (3)، ثم خرج، فمر بأصحابه فخرجوا معه حتى أتى منزله (4).
صفحہ 81
[الحسين (عليه السلام) في مسجد المدينة]
وتشاغلوا عن الحسين [(عليه السلام)] بطلب عبد الله [ابن الزبير اليوم الأول
وكل بني أم سيمسون ليلة
ولم يبق من أعقابهم غير واحد
صفحہ 82
ثم صبيحة خروجه] حتى أمسوا.
ثم بعث [الوليد] الرجال إلى الحسين [(عليه السلام)] عند المساء [من هذا اليوم الثاني السبت الثامن والعشرين من شهر رجب]، فقال: أصبحوا ثم ترون ونرى، فكفوا عنه الليلة [الثانية، أي ليلة الأحد التاسع والعشرين من شهر رجب] ولم يلحوا عليه (1).
[ففي أول يوم من هذين اليومين خرج الحسين (عليه السلام) إلى مسجد المدينة معتمدا على رجلين كما] عن أبي سعيد المقبري قال: نظرت إلى الحسين [(عليه السلام)] داخلا مسجد المدينة، وانه ليمشي وهو معتمد على رجلين، يعتمد على هذا مرة وعلى هذا مرة، وهو يتمثل بقول [يزيد] ابن المفرغ [الحميري]:
لا ذعرت السوام في فلق الصبح
مغيرا، ولا دعيت يزيدا
يوم اعطى من المهابة ضيما
والمنايا يرصدنني أن أحيدا (2)
قال: فقلت في نفسي: والله ما تمثل بهذين البيتين إلا لشيء يريده.
فما مكث إلا يومين حتى بلغني أنه سار إلى مكة (3).
[موقف محمد بن الحنفية] (4)
[وأما محمد بن الحنفية: فانه لما سمع بالأمر جاء إلى أخيه الحسين
صفحہ 83
(عليه السلام) و] قال له: يا أخي؛ أنت أحب الناس إلي، وأعزهم علي، ولست أدخر النصيحة لأحد من الخلق أحق بها منك؛ تنح ببيعتك عن يزيد بن معاوية وعن الأمصار ما استطعت، ثم ابعث رسلك إلى الناس فادعهم إلى نفسك، فان بايعوك حمدت الله على ذلك. وإن أجمع الناس على غيرك لم ينقص الله بذلك دينك ولا عقلك، ولا يذب به مروءتك ولا فضلك، إني أخاف أن تدخل مصرا من هذه الأمصار وتأتي جماعة من الناس، فيختلفون فيما بينهم؛ فطائفة معك واخرى عليك؛ فيقتتلون؛ فتكون لأول الأسنة [غرضا] فاذن خير هذه الامة كلها نفسا وأبا واما أضيعها دما وأذلها أهلا»!
فقال له الحسين [(عليه السلام)]: فاني ذاهب يا أخي.
فقال [محمد بن الحنفية]: فانزل مكة، فان اطمأنت بك الدار فسبيل ذلك، وإن نبت بك لحقت بالرمال وشعف (1) الجبال، وخرجت من بلد إلى
صفحہ 84
بلد حتى تنظر إلى ما يصير الناس، وتعرف عند ذلك الرأي، فانك أصوب ما تكون رأيا وأحزمه عملا [حين] تستقبل الامور استقبالا، ولا تكون الامور عليك- أبدا- أشكل منها حين تستدبرها استدبارا.
فقال [له الحسين (عليه السلام)]: يا أخي قد نصحت فأشفقت، فأرجو أن يكون رأيك سديدا موفقا (1).
[خروج الحسين (عليه السلام) من المدينة]
[وقد كان الحسين (عليه السلام) قال للوليد]: كف حتى تنظر وننظر، وترى ونرى. فتشاغلوا عن الحسين [(عليه السلام)] بطلب عبد الله [بن الزبير اليوم الأول ثم يوم خروجه] حتى أمسوا. [فلما أمسوا] بعث [الوليد] الرجال إلى الحسين [(عليه السلام)] عند المساء [من هذا اليوم الثاني: السبت، السابع والعشرين من شهر رجب] فقال [(عليه السلام)]: أصبحوا ثم ترون ونرى، فكفوا عنه تلك الليلة [الثانية أي ليلة الأحد: الثامن والعشرين من شهر رجب] ولم يلحوا عليه.
فخرج الحسين [(عليه السلام)] من تحت ليلته هذه [الثانية] وهي ليلة الأحد ليومين بقيا من رجب سنة ستين [من الهجرة] ببنيه وإخوته وبني أخيه وجل أهل بيته، إلا محمد بن الحنفية (2)، وهو يتلو هذه الآية: «فخرج منها
صفحہ 85
خائفا يترقب قال: رب نجني من القوم الظالمين» (1)، فلما دخل مكة تلا هذه الآية: «فلما توجه تلقاء مدين قال: عسى ربي أن يهدينا سواء السبيل» (2) و(3).
موقف عبد الله بن عمر:
(4) ثم بعث الوليد إلى عبد الله بن عمر فقال [له]: بايع ليزيد، فقال: إذا بايع الناس بايعت (5)، فقال [له] رجل ما يمنعك أن تبايع؟! إنما تريد أن يختلف الناس بينهم فيقتلوا ويتفانوا، فاذا جاهدهم ذلك قالوا: عليكم بعبد الله بن عمر، لم يبق غيره بايعوه!، [ف] قال عبد الله: ما أحببت أن يقتتلوا ولا يختلفوا ولا يتفانوا، ولكن إذا بايع الناس ولم يبق غيري بايعت، فتركوه. وكانوا لا يتخوفونه!
صفحہ 86