قال الفتى في فظاظة: «ما يكفي لأسدد إن خسرت.» ثم أضاف في نبرة أكثر تهذيبا حين رأى نظرة الألم التي ارتسمت في مرور عابر على وجه ميليش: «معي ثلاثمائة أو أربعمائة دولار.» «إذن، خذ نصيحتي وعد إلى منزلك. ستكون في حال أفضل إن ظل المال معك في الصباح.» «ماذا! ألا تلعبون هنا بإنصاف؟»
رد ميليش في سخط قائلا: «بالطبع نلعب بإنصاف هنا، أتظن أنني أتبع سبل الغش؟» «بل إنك تبدو واثقا تماما من خسارتي، فكنت أتساءل ليس إلا. والآن، يمكنني أن أتحمل خسارة كل ما لدي من مال ولا أشعر بالندم. فهل ستسمح لي بأن ألعب، أو أنك ستأمر بإخراجي من هنا؟» «أوه، يمكنك أن تعلب إذا أردت. لكن لا تأت إلي شاكيا باكيا حين تخسر. لقد حذرتك.»
قال الفتى: «لست بشكاء بكاء. إنما أتجرع هزيمتي كالرجال.»
قال ميليش متنهدا: «صحيح.» وقد أدرك أن الفتى ربما واقع في الرذيلة أكثر مما يبدو عليه لحداثة سنه، وكان يعلم أنه لا جدوى من النصيحة في مثل هذه الحالة. دخل ميليش والفتى إلى الغرفة الرئيسية معا، فترك الفتى طاولة الروليت وبدأ يلعب عند إحدى طاولات ورق اللعب برهانات آخذة في التزايد. وظل ميليش يتابعه بعض الوقت. وكان الصبي يتمتع بحظ المبتدئين. فقد لعب لعبا متهورا، لكنه فاز بسرعة كبيرة . وبينما كان أحدهم يكتفي من اللعب وينهض من مكانه، كان يجلس آخر مكانه في حماس بالغ، لكن انتصارات الفتى لم تعرف فترة توقف أو استراحة.
كان بوني رويل دائما ما يصل متأخرا إلى أندية القمار. وفي تلك الليلة دخل المكان بأسلوبه الهادئ الرفيع المعهود، وكان يرتدي ملابس نزيهة. وكان من المعروف عن هذا المقامر المحترف أنه لا يفقد رباطة جأشه أبدا. وكان يصير أكثر هدوءا عن ذي قبل حين يغضب، هذا لو أمكن لأحد أن يغضبه. وكانت الإشارة الوحيدة على غضبه الداخلي هي علامة تشبه جرحا قديما، تمتد من صدغه الأيمن، حيث تبدأ من فوق العين وتختفي بين شعره القصير خلف أذنه. وعندما كانت الأمور تئول إلى ما لا يرضيه، تتحول تلك العلامة إلى اللون الأحمر من الغضب، فتبرز من شحوب وجهه العام. وتحدث رويل بصوت خفيض إلى ميليش قائلا: «ما الشيء المثير عند الطرف الآخر من الغرفة؟ يبدو أن الجميع يحتشدون هناك.»
فأجابه ميليش: «أوه، إنه فتى ... غريب ... وهو يتمتع بحظ المبتدئين الوافر. وسيكون دماره في هذا الأمر.» «أيقامر على مبالغ كبيرة؟» «كبيرة؟ يمكنني القول بأنها كبيرة. إنه يلعب بطريقة متهورة تماما. ولكن ستأخذ الأمور معه منعطفا عنيفا وسيأتي إلي ليقترض المال كي يرحل عن المدينة. لقد رأيت تذبذب حال كهذا من قبل.»
قال بوني في هدوء: «في تلك الحالة، لا بد أن أذهب إليه. أحب أن ألاعب الشباب في أولى فورات النجاح والمكسب لهم، لا سيما إذا كانوا شبابا مندفعين ومتهورين.»
أجابه ميليش: «ستحظى بفرصتك سريعا؛ فحتى راجستوك يعرف متى يكون قد نال كفايته. وسيهب واقفا في غضون دقيقة. أنا أعرف أمارات ذلك.»
وبمظهر رجل نبيل يتمتع بوقت فراغ كبير ويبدو عليه أنه سئم نوعا ما من تفاهات هذا العالم، سار رويل في بطء باتجاه الحشد المجتمع. وبينما كان ينظر من خلفهم إلى الفتى، لمعت عيناه الثاقبتان بطريقة غريبة، وضغط على شفتيه، رغم أنه في الغالب يسيطر عليهما سيطرة تامة. بدأت العلامة الحمراء تبرز بينما شحب وجهه. وكان من الواضح تماما أنه لا ينوي أن يتحدث وأنه كان على وشك أن يبتعد مجددا، لكن يبدو أن جاذبية نظرته الثاقبة قد أزعجت اللاعب الذي رفع بصره فجأة ونظر من فوق كتف خصمه فالتقت عيناه بنظرة رويل العابسة.
فعل الفتى ثلاثة أشياء. وضع ورق اللعب على الطاولة ووجهه للأسفل، ووضع يده اليمنى على كومة المال، وحرك كرسيه إلى الوراء.
نامعلوم صفحہ