راح الوزير يتأمل لبضع دقائق في السقف وقد ضم أطراف أصابعه إلى بعضها، وكان يفكر في تلك الجملة المذهلة التي سمعها.
ثم قال في النهاية: «إذا كان ما تقوله صحيحا، ألا تعتقد أن الأكثر إنسانية هو أن تمحو كل أثر لكل التجارب التي اكتشفت هذه المادة من خلالها وألا تبوح بسرها لأحد؟ إن الدمار الذي يمكن أن تخلفه مثل هذه المادة إذا سقطت في أيدي أشخاص عديمي الضمير يفوق حدود الخيال رعبا.»
قال المخترع: «لقد فكرت في ذلك، لكن من المؤكد أن شخصا آخر سيصل إلى ذلك الاكتشاف، وقد يكون ذلك خلال وقت طال أو قصر. وكما قلت في خطابي فإن ما أطمح إليه هو أن يقترن اسمي بهذا الاكتشاف. أريد أن يطلق على هذا الاكتشاف اسم متفجرات لامبيل. وسيكون السر في مأمن مع الحكومة الفرنسية.»
رد عليه الوزير: «لست واثقا تماما من هذا. قد يصبح أحد الرجال العديمي الضمير وزيرا للحربية وقد يستخدم معرفته لتنصيب نفسه ديكتاتورا. إن رجلا عديم الضمير وفي حوزته سر كهذا سيكون شخصا لا يقهر.»
فرد عليه المخترع: «إن ما تقول حقيقي بلا أدنى شك، لكنني عازم على أن يسجل التاريخ اسم لامبيل مقترنا بأكثر الاختراعات التي عرفها أو سيعرفها العالم تدميرا. وإذا ما شيدت لي الحكومة الفرنسية بناء حجريا منيعا كالحصن فسأحتفظ بالسر، لكنني سأملأ ذلك البناء بزجاجات كهذه، وحينها ...»
قال الوزير: «لا أرى أن هذا سيقلل الخطر إذا امتلك ذلك الرجل العديم الضمير الذي أتحدث عنه مفاتيح ذلك المكان؛ وبالإضافة إلى ذلك، فإن حقيقة أن سرا كهذا كان موجودا بالفعل من شأنها أن تجعل مخترعين آخرين يسلكون الدرب نفسه، ولا شك أن أحدا ممن هم أقل حبا للخير منك سيتوصل إلى الاكتشاف. لقد اعترفت بنفسك قبل قليل أنه من الوارد جدا أن ينجح أحد العلماء المستقبليين في الوصول إلى التركيبة الصحيحة، حتى من دون أن يعرف أن مثل هذه المادة المدمرة كانت موجودة بالفعل. فانظر كيف سيكون ذلك باعثا ومحفزا إلى المخترعين في كل أرجاء العالم، إذا عرف أن فرنسا تمتلك في حوزتها مادة مدمرة كهذه! إن أي حكومة لم تنجح من قبل حتى الآن في إخفاء سر المسدس أو البارود.»
قال لامبيل: «ما تقول حقيقي وصحيح بكل تأكيد، لكن من الوارد أيضا بكل تأكيد أن يكون كل ما قلت قد قيل إلى مخترع البارود؛ ذلك أن البارود حينها كان رائعا على غرار هذا الآن.»
ضحك الوزير فجأة بصوت مرتفع.
وصاح قائلا: «إنني أتحدث عن هذا الأمر معك بجدية وكأنني أصدق فيه فعلا. يمكنني بالطبع أن أقول إنني لا أصدق ذلك بتاتا. أعتقد أنك قد سيطرت علي بعينيك الهادئتين فصرت كالمنوم مغناطيسيا؛ ومن ثم أقنعتني بتصديق حديثك ولو للحظات قليلة.»
قال المخترع في هدوء: «يمكنك التأكد من صدق كل ما أقول غدا. حدد لي موعدا في الريف، وإذا تصادف أن كان الجو هادئا ومشمسا فلن تشك بعد ذلك فيما ستراه عيناك من أدلة.»
نامعلوم صفحہ