مسیح کا دوسرا چہرہ
الوجه الآخر للمسيح: موقف يسوع من اليهودية – مقدمة في الغنوصية
اصناف
هذه الثنوية التي تقسم الوجود إلى مجال نوراني علوي ومجال ظلامي سفلي لا صلة بينهما، ولا حتى صراع على الرغم من تناقضهما، تجعل من الإنسان كائنا موزعا بشكل تراجيدي بين عالم ناقص لا يمكن إصلاحه يشكل موطنه المؤقت والعارض، وعالم كامل يشكل موطنه الأصلي الحقيقي، كما تجعل من الغنوصية مذهبا تشاؤميا تتجلى ثنويته بشكل رئيسي في الإنسان الذي تجتمع عنده قوى النور وقوى الظلام، وتسيطر عليه الشهوات والرغبات التي تبقيه في حجب الجهل والنوم والغفلة، وتجعل من قلبه مقرا للقوى الشيطانية التي تدفعه إلى المطابقة بينه وبين جسده الظلامي، وتباعد بينه وبين بذرة النور المزروعة في داخله، وبما أن العالم محكوم عليه باللعنة ولا سبيل إلى إصلاحه، فإن الوسيلة الوحيدة للخلاص منه ومن دورة تناسخ الأرواح، هي الهروب من العالم ورفضه، وكبح جماح شهوات ورغبات الجسد الذي يشكل قبرا للروح في الحياة، إن رحلة الخلاص تبتدئ عندما ينصت الفرد إلى النداء الأصلي الذي يرن في أعماقه، وإلى نداء المسيح المخلص الذي هبط من العالم النوراني ليرشد إلى طريق العرفان.
أما كيف تم احتباس بذرة النور العلوي في الجسد الإنساني، فسؤال تجيب عنه نظرية التكوين الغنوصية التي تحكي عن أصل الديميرج، وكيف ظهر إلى الوجود وصنع العالم السفلي والإنسان، وذلك من خلال عملية سقوط جرت في عالم الألوهة، فمنذ الأزل لم يكن سوى الأب النوراني الأعلى القائم بذاته المكتفي بنفسه، ثم إن هذه الألوهة فاضت وأنتجت أفلاك قوى روحانية تحيط بالأب وتعكس مجده، هي الأيونات، ومفردها أيون
Aeon
وتعني باللغة اليونانية دهرا أو عصرا، ولكنها في الميثولوجيا الغنوصية تدل على فلك قوة روحانية، يقع في نقطة الوسط بين الفكرة والشخصية، وقد اكتملت حلقات الفيض بالفلك المؤنث المدعو صوفيا (= الحكمة)، واستقر العالم النوراني الأعلى المدعو ب
، وهي كلمة يونانية يمكننا ترجمتها بالملء أو التمام أو الكمال، وببعض الحرية يمكننا ترجمتها ب «الملأ الأعلى»، يتكون هذا العالم النوراني من ثلاثين أيونا تختتمها صوفيا، التي حدث عندها ذلك الصدع في عالم الألوهة، والذي أدى إلى ظهور العالم المادي، والقوى الشيطانية، نتيجة خلل في الهارموني حدث عند الأطراف الخارجية للملأ الأعلى.
ويبدو أن هذه الألوهة المؤنثة، ذات الصلة بظهور العالم المادي، والمدعوة صوفيا (أي الحكمة)، قد نفذت إلى الأدبيات الغنوصية عن طريق سفر الحكمة، وسفر الأمثال في العهد القديم، نقرأ في سفر الحكمة 9: 9: «إن معك الحكمة العليمة بأعمالك، والتي كانت حاضرة إذ صنعت العالم ، وهي عارفة ما المرضي في عينك، والمستقيم في وصاياك.» ونقرأ في سفر الأمثال 8 عن الحكمة بلسانها: «الرب حازني أول طريقه، من قبل أعماله منذ القديم، منذ الأزل مسحت، منذ البدء منذ أوائل الأرض؛ إذ لم يكن غمر أبدئت؛ إذ لم تكن ينابيع كثيرة المياه، من قبل أن تقررت الجبال قبل التلال أبدئت، إذ لم يكن قد صنع الأرض بعد ولا البراري ولا أول أعفار المسكونة، لما ثبت السموات كنت هناك أنا، لما رسم دائرة على وجه الغمر، لما أثبت السحب من فوق، لما تشددت ينابيع الغمر، لما وضع للبحر حده فلا تتعدى المياه تخمه ، لما رسم أسس الأرض، كنت عنده صانعا، وكنت كل يوم فرحة دائما قدامه.»
وقد استلهم سمعان ماجوس السامري، وهو مؤسس المدرسة الغنوصية السورية في أواسط القرن الأول الميلادي، مفهوم «صوفيا» هذا واستخدمه في تطوير نظريته في أصل الكون، فقد كانت صوفيا في نظامه الميثولوجي زوجة الأب الأعلى، وتدعى أيضا «إنويا» الفكرة الأولى، وأيضا «الروح القدس» أم الجميع، ولكن صوفيا هبطت إلى المجال الأسفل وأعطت الميلاد لمجموعة من الملائكة (= أراكنة) الذين صنعوا العالم المادي، ثم صارت أسيرة لهم بعد ذلك، ولا تستطيع العودة إلى المجال العلوي، وللمبالغة في تقييدها، فقد أجبرت على التناسخ في أجساد أنثوية بشرية، منها هيلين الطروادية المعروفة في ملاحم الإغريق، حتى ظهر سمعان ماجوس، الذي اعتبر نفسه ظل الله على الأرض، ومخلصا للإنسانية فحررها من قيودها.
5
في مكتبة نجع حمادي لدينا ثلاثة نصوص أساسية في التكوين وأصل العالم والإنسان، هي كتاب يوحنا السري المدعو أيضا بمنحول يوحنا، ونصان آخران لم يذكر اسم مؤلفيهما، هما «حول أصل العالم» و«طبيعة الأراكنة»، إضافة إلى إشارات متفرقة وردت في «إنجيل فيليب» و«إنجيل الحقيقة» وغيرهما، وجميعها تعطف على قصة التكوين التوراتية، وتقدم تفسيراتها الخاصة لها من وجهة نظر غنوصية، مستخدمة ميثولوجيا على غاية من التعقيد والتركيب. ولسوف أعمد فيما يلي إلى تقديم عرض مبسط لنظرية التكوين الغنوصية، اعتمادا على منحول يوحنا بشكل رئيسي.
6
نامعلوم صفحہ